المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16311 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (69-104) من سورة الشعراء  
  
7206   04:04 مساءً   التاريخ: 24-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الشين / سورة الشعراء /

قال تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَو يَنْفَعُونَكُمْ أَو يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُولِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُو يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُو يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُو يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء : 69 - 104] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال سبحانه {واتل عليهم} يا محمد {نبأ إبراهيم} أي خبر إبراهيم فإنه شجرة الأنبياء وبه افتخار العرب وفيه تسلية لك وعظة لقومك {إذ قال لأبيه وقومه} على وجه الإنكار عليهم {ما تعبدون} أي أي شيء تعبدون من دون الله {قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين} أي فنظل لها مصلين عن ابن عباس وقيل معناه فنقيم على عبادتها مداومين {قال} إبراهيم {هل يسمعونكم} أي هل يسمعون دعاءكم {إذ تدعون} معناه هل يستجيبون دعاءكم إذا دعوتموهم {أو ينفعونكم} إذا عبدتموهم {أو يضرون} إن تركتم عبادتها وفي هذا بيان إن الدين إنما يثبت بالحجة ولولا ذلك لم يحاجهم إبراهيم (عليه السلام) هذا الحجاج .

{قالوا بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون} وهذا إخبار عن تقليدهم آباءهم في عبادة الأصنام {قال} إبراهيم (عليه السلام) منكرا عليهم التقليد {أ فرأيتم ما كنتم تعبدون} أي الذي كنتم تعبدونه من الأصنام {أنتم} الآن {وآباؤكم الأقدمون} أي المتقدمون أي والذين كان آباؤكم يعبدونهم وإنما دخل لفظة كان لأنه جمع بين الحال والماضي {فإنهم عدولي} معناه إن عبادة الأصنام مع الأصنام عدولي إلا أنه غلب ما يعقل وقيل أنه يعني الأصنام وإنما قال فإنهم فجمعها جمع العقلاء لما وصفها بالعداوة التي لا تكون إلا من العقلاء وجعل الأصنام كالعدوفي الضرر من جهة عبادتها ويجوز أن يكون قال فإنهم لأنه كان منهم من يعبد الله مع عبادته الأصنام فغلب ما يعقل ولذلك استثنى فقال {إلا رب العالمين} استثناء من جميع المعبودين قال الفراء أنه من المقلوب والمعنى فإني عدو لهم ومن عاديته فقد عاداك .

ثم وصف رب العالمين فقال {الذي خلقني} وأخرجني من العدم إلى الوجود {فهو يهديني} أي يرشدني إلى ما فيه نجاتي وقيل الذي خلقني لطاعته فهو يهديني إلى جنته {والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني} معناه أنه يرزقني ما أتغذى به ويفعل ما يصح بدني {والذي يميتني ثم يحييني} أي يميتني بعد أن كنت حيا ويحييني يوم القيامة بعد أن أكون ميتا {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} أي يوم الجزاء وإنما قال ذلك على سبيل الانقطاع منه إلى الله تعالى لا على سبيل أن له خطيئة يحتاج إلى أن يغفر له يوم القيامة لأن عندنا لا يجوز أن يقع من الأنبياء شيء من القبائح وعند جميع أهل العدل وإن جوزوا عليهم الصغائر فإنها تقع عندهم محبطة مكفرة فليس شيء منها غير مغفور فيحتاج إلى أن يغفر يوم القيامة وقيل معناه أطمع أن يغفر لمن يشفعني فيه فأضافه إلى نفسه كقوله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وإنما قال وإذا مرضت فأضاف المرض إلى نفسه وإن كان من الله استعمالا لحسن الأدب فإن المقصود شكر نعمة الله تعالى ولوكان المقصود بيان القدرة لأضافه إلى الله تعالى ونظيره قول الخضر (عليه السلام) فأردت أن أعيبها ثم قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما وإنما حذف الياءات لأنه رءوس الآيات وهذا الكلام من إبراهيم (عليه السلام) إنما صدر على وجه الاحتجاج على قومه والإخبار بأنه لا يصلح للإلهية إلا من فعل هذه الأفعال .

ثم حكى الله عنه أنه سأله وقال {رب هب لي حكما} والحكم بيان الشيء على ما تقتضيه الحكمة وقيل إنه العلم عن ابن عباس يعني علما إلى علم وفقها إلى فقه وقيل إنه النبوة عن الكلبي {وألحقني بالصالحين} أي بمن قبلي من النبيين في الدرجة والمنزلة وقيل معناه افعل بي من اللطف ما يؤديني إلى الصلاح والاجتماع مع النبيين في الثواب وفي هذا دلالة على عظم شأن الصلاح وهو الاستقامة على ما أمر الله تعالى به ودعا إليه {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} أي ثناء حسنا في آخر الأمم وذكرا جميلا وقبولا عاما في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة فأجاب الله سبحانه دعاه فكل أهل الأديان يثنون عليه ويقرون بنبوته والعرب تضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون بها وكذلك يسمون اللغة لسانا قال الأعشى بأهلة :

إني أتتني لسانا لا أسر بها *** من علولا عجب منها ولا سخر

وقيل إن معناه واجعل لي ولد صدق في آخر الأمم يدعو إلى الله ويقوم بالحق وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {واجعلني من ورثة جنة النعيم} أي من الذين يرثون الفردوس {واغفر لأبي أنه كان من الضالين} أي من الذاهبين عن الصواب في اعتقاده ووصفه بأنه ضال يدل على أنه كان كافرا كفر جهالة لا كفر عناد وقد ذكرنا الوجه في استغفار إبراهيم لأبيه في سورة التوبة {ولا تحزني يوم يبعثون} أي لا تفضحني ولا تعيرني بذنب يوم تحشر الخلائق وهذا الدعاء كان منه (عليه السلام) على وجه الانقطاع إلى الله تعالى لما بينا أن القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء (عليهم السلام) .

ثم فسر ذلك اليوم بأن قال {يوم لا ينفع مال ولا بنون} أي لا ينفع المال والبنون أحدا إذ لا يتهيأ لذي المال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم به ولا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه {إلا من أتى الله بقلب سليم} من الشرك والشك عن الحسن ومجاهد وقيل سليم من الفساد والمعاصي وإنما خص القلب بالسلامة لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد من حيث أن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال هو القلب الذي سلم من حب الدنيا ويؤيده قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((حب الدنيا رأس كل خطيئة)) .

{وأزلفت الجنة للمتقين} أي قربت لهم ليدخلوها {وبرزت الجحيم للغاوين} أي أظهرت وكشف الغطاء عنها للضالين عن طريق الحق والصواب {وقيل لهم} في ذلك اليوم على وجه التوبيخ {أينما كنتم تعبدون من دون الله} من الأصنام والأوثان وغيرهما وإنما وبخوا بلفظ الاستفهام لأنه لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم {هل ينصرونكم} بدفع العذاب عنكم في ذلك اليوم {أو ينتصرون} لكم إذا عوقبتم وقيل ينتصرون أي يمتنعون من العذاب {فكبكبوا فيها} أي جمعوا وطرح بعضهم على بعض عن ابن عباس وقيل نكسوا فيها على رءوسهم عن السدي {هم} يعني الآلهة التي تعبدونها {والغاوون} أي والعابدون والمعنى اجتمع المعبودون من دون الله والعابدون لها في النار {وجنود إبليس أجمعون} أي وكبكب معهم جنود إبليس يريد من اتبعه من ولده وولد آدم .

{قالوا وهم فيها يختصمون} أي قال هؤلاء وهم في النار يخاصم بعضهم بعضا {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين} وإن هذه هي المخففة من الثقيلة أي إنا كنا في ضلال ومعناه لقد كنا في ضلال عن الحق بين وذهاب عن الصواب ظاهر إذ سويناكم بالله وعدلناكم به في توجيه العبادة إليكم {وما أضلنا إلا المجرمون} أي إلا أولونا الذين اقتدينا بهم عن الكلبي وقيل إلا الشياطين عن مقاتل وقيل الكافرون الذين دعونا إلى الضلال .

ثم أظهروا الحسرة فقالوا {فما لنا من شافعين} يشفعون لنا ويسألون في أمرنا {ولا صديق حميم} أي ذي قرابة بهمة أمرنا والمعنى ما لنا من شفيع من الأباعد ولا صديق من الأقارب وذلك حين يشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون وفي الخبر المأثور عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول : ((إن الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله تعالى أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي في النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم)) .

 وروى العياشي بالإسناد عن حمران بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال والله لنشفعن لشيعتنا والله لنشفعن لشيعتنا حتى يقول الناس {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} إلى قوله {فنكون من المؤمنين} وفي رواية أخرى حتى يقول عدونا وعن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته فيشفع فيهم حتى يبقى خادمه فيقول ويرفع سبابتيه يا رب خو يدمي كان يقيني الحر والبرد فيشفع فيه وفي خبر آخر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أن المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا ثم قالوا {فلو أن لنا كرة} أي رجعة إلى الدنيا {فنكون من المؤمنين} المصدقين فتحل لنا الشفاعة {إن في ذلك} أي فيما قصصناه {لآية} أي دلالة لمن نظر فيها واعتبر بها {وما كان أكثرهم مؤمنين} فيها تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإعلام له بأن الشر قديم {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} مضى معناه .

______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص335-339 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه قصة إبراهيم موزعة فيما تقدم من السور حسبما اقتضته المناسبة . .

وفي هذه الآيات أعاد سبحانه الحوار الذي دار بين إبراهيم (عليه السلام) وقومه في سورة الأنبياء ، أعاده بأسلوب آخر .

{واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ} . الخطاب لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، وضمير عليهم يعود لقريش الذين زعموا انهم من نسل إبراهيم وعلى دينه .

{إِذْ قالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ} ؟ . عند تفسير الآية 74 من سورة الأنعام ج 3 ص 112 ذكرنا اختلاف المفسرين في أن إبراهيم هل قال هذا لأبيه الحقيقي أو المجازي أي أخي أبيه .

{قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ} . نداوم على عبادتها وتقديسها ، واعترافهم بعبادة الأصنام يشعر بأن كلمة صنم لم تكن تعني في مفهومهم الذم كما نفهم منها نحن بل تعني العظمة والجلال .

{قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَو يَنْفَعُونَكُمْ أَو يَضُرُّونَ} ؟ . من شأن المعبود أن يسمع ويرى ، وينفع ويضر ، فهل تتوافر هذه الصفات فيما تعبدون ؟ . والاستفهام هنا للإنكار .

{قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ} . هذا اعتراف صريح بأنهم مقلدون . .

ولا عجب فقد رأينا في القرن العشرين وعصر الفضاء ، رأينا أتباع الأحزاب والمنظمات بشتى أنواعها يقلدون رؤساءهم ، ويستدلون بأقوالهم ، ويأخذونها أخذ البديهيات من غير تحقيق وتمحيص .

{قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُولِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ} . إذا قلدتم أنتم آباءكم فأنا لا أقلد أحدا ، وأعلن براءتي من آلهتكم وعداوتي لها ، ولا أعبد إلا رب العالمين ، فهو وليي في الدنيا والآخرة ، فان كانت أصنامكم آلهة كما تزعمون فلتنزل كيدها بي وسخطها ، فإني أتحداكم وأتحداها .

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُو يَهْدِينِ} . لقد وهبني اللَّه عقلا أهتدي به إلى الحق ، وأنا أتبعه وأحسن استعماله ، ولا أقلد أحدا كما تزعمون {والَّذِي هُو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ} بتيسير الأسباب لي ولجميع خلقه ، فلقد خلق سبحانه هذه الأرض ، وأودعها ما يحتاجون إليه ، وقال : {هُو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك - 15] {وإِذا مَرِضْتُ فَهُو يَشْفِينِ} بما خلق من الدواء ، قال رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) : ان لكل داء دواء ، فإذا أصاب الدواء الداء بريء بإذن اللَّه . وفي حديث ثان : ان اللَّه أنزل الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام {والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ والَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} . الموت والحياة وغفران الذنوب بيد اللَّه وحده ، ما في ذلك ريب .

وإبراهيم (عليه السلام) معصوم من الخطأ والخطيئة ، ومن عصمة كل معصوم أن يعظم خوفه من اللَّه .

{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً} . ليس المراد بالحكم هنا السلطان ، بل الحكمة وفصل الخطاب : {وآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وفَصْلَ الْخِطابِ} - 20 ص {وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .

وفقني لأن أحذو حذوهم ، واعمل عملهم {واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} .

المراد بالآخرين ما يأتي بعده من الأمم ، والمعنى اجعل ذكري حسنا بين الناس من بعدي ، وقد استجاب اللَّه دعاءه ، حيث اتفقت على تقديسه وتعظيمه أهل الأديان السماوية كلها .

{واجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} . ومن أولى بها من إبراهيم ؟ {واغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ} . انظر ج 4 ص 111 تفسير قوله تعالى : {وما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُو لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} .

{ولا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} . هذا دعاء ومناجاة يتعبد بها فيما يتعبد الأنبياء والصلحاء {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهً بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من آفة الكفر والنفاق ، والحقد ، والرياء ، وغيره من الآفات والأمراض ، ومتى سلم القلب من الرذائل سلمت معه جميع الجوارح ، فيسلم اللسان من الكذب والغيبة ، والسمع من الإصغاء إلى اللغو والباطل ، واليد من ممارسة الحرام ، والفرج من الزنا وفجور الخ .

 

وقوله تعالى : { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء : 90 - 104] .

 

{وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} . انها قريبة ممن اهتدى واتقى ، بعيدة عمن ضل وغوى {وبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ} أظهرها اللَّه للذين جحدوها وكذبوا بها {وقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وترجونهم لهذا اليوم ، وتقولون : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَو يَنْتَصِرُونَ} ؟ . انهم لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون .

{فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ والْغاوُونَ وجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} . ضمير {هم} لآلهتهم ، والغاوون الذين عبدوها ، وجنود إبليس كل ضال ومضل ، يجمع اللَّه بعضهم إلى بعض ، ثم يلقي بهم في قعر جهنم ، وبئس المهاد {قالُوا وهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} . يقول الغاوون غدا ، وبعد فوات الأوان ، يقولون لآلهتهم وشياطينهم :

كان دليلنا العمى والضلال حين عبدناكم وجعلناكم سواء مع اللَّه ، وما صدنا عن سبيل الحق والهداية إلا المجرمون ، وهم الرؤساء والزعماء أرباب المنافع والمصالح أصل الفساد والبلاء .

{فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} . لا شافع غدا ولا جازع . . ولا يجدي الإنسان نفعا إلا قلب سليم ، وعمل صالح ، والشقي من حرم منهما {فَلَو أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . بعد أن يئسوا من كل شيء تمنوا الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ويعملوا . . وتقول الآية 28 من سورة الأنعام : {ولَو رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} . أنظر ج 3 ص 179 {إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً وما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} . تقدم بالنص الحرفي الآية 67 و68 من هذه السورة .

___________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص٥٠1-505 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تشير الآيات بعد الفراغ عن قصة موسى إلى نبإ إبراهيم (عليه السلام) وهو خبره الخطير إذ انتهض لتوحيد الله سبحانه بفطرته الزاكية الطاهرة من بين قومه المطبقين على عبادة الأصنام فتبرأ منهم ودافع عن الحق ثم كان من أمره ما قد كان ففي ذلك آية ولم يؤمن به أكثر قومه كما سيشير إلى ذلك في آخر الآيات .

قوله تعالى : {واتل عليهم نبأ إبراهيم} غير السياق عما كان عليه أول القصة {وإذ نادى ربك موسى} إلخ ، لمكان قوله : {عليهم} فإن المطلوب تلاوته على مشركي العرب وعمدتهم قريش وإبراهيم هذا أبوهم وقد قام لنشر التوحيد وإقامة الدين الحق ولم يكن بينهم يومئذ من يقول : لا إله إلا الله ، فنصر الله ونصره حتى ثبتت كلمة التوحيد في الأرض المقدسة وفي الحجاز .

فلم يكن ذلك كله إلا عن دعوة من الفطرة وبعث من الله سبحانه ففي ذلك آية لله فليعتبروا به وليتبرءوا من دين الوثنية كما تبرأ منه ومن أبيه وقومه المنتحلين به أبوهم إبراهيم (عليه السلام) .

قوله تعالى : {إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون} مخاصمته ومناظرته (عليه السلام) مع أبيه غير مخاصمته مع قومه واحتجاجه عليهم كما حكاه الله تعالى في سورة الأنعام وغيرها لكن البناء هاهنا على الإيجاز والاختصار ولذا جمع بين المحاجتين وسبكهما محاجة واحدة أورد فيها ما هو القدر المشترك بينهما .

وقوله : {ما تعبدون} سؤال عن الحقيقة بوضع نفسه موضع من لا يعرف شيئا من حقيقتها وسائر شئونها وهذا من طرق المناظرة سبيل من يريد أن يبين الخصم حقيقة مدعاه وسائر شئونه حتى يأخذه بما سمع من اعترافه .

على أن هذه المحاجة كانت من إبراهيم أول ما خرج من كهفه ودخل في مجتمع أبيه وقومه ولم يكن شهد شيئا من ذلك قبل اليوم فحاجهم عن فطرة ساذجة طاهرة كما تقدم تفصيل القول فيه في تفسير سورة الأنعام .

قوله تعالى : {قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين} ظل بمعنى دام ، والعكوف على الشيء ملازمته والإقامة عنده ، واللام في {لها} للتعليل أي ندوم عاكفين عليها لأجلها وهو تفريع على عبادة الأصنام .

والصنم جثة مأخوذة من فلز أو خشب أو غير ذلك على هيئة خاصة يمثل بها ما في المعبود من الصفات ، وهؤلاء كانوا يعبدون الملائكة والجن وهم يرون أنها روحانيات خارجة عن عالم الأجسام منزهة عن خواص المادة وآثارها ، ولما كان من الصعب عليهم التوجه العبادي إلى هذه الروحانيات باستحضارها للإدراك توسلوا إلى ذلك باتخاذ صور وتماثيل جسمانية تمثل بأشكالها وهيئاتها ما هناك من المعنويات .

وكذلك الحال في عبادة عباد الكواكب لها فإن المعبود الأصلي هناك روحانيات الكواكب ثم اتخذ أجرام الكواكب أصناما لروحانياتها ثم لما اختلفت أحوال الكواكب بالحضور والغيبة والطلوع والغروب اتخذوا لها أصناما تمثل ما للكواكب من القوى الفعالة فيما دونها من عالم العناصر كالقوة الفاعلة للطرب والسرور والنشاط في الزهرة فيصورونها في صورة فتاة ، ولسفك الدماء في المريخ ، وللعلم والمعرفة في عطارد وعلى هذا القياس الأمر في أصنام القديسين من الإنسان .

فالأصنام إنما اتخذت ليكون الواحد منها مرآة لرب الصنم من ملك أوجن أو إنسان غير أنهم يعبدون الصنم نفسه بتوجيه العبادة إليه والتقرب منه ولو تعدوا عن الصنم إلى ربه عبدوه دون الله سبحانه .

وهذا هو الذي يكذب قول القائل منهم : إن الصنم إنما هي قبلة لم تتخذ إلا جهة للتوجه العبادي لا مقصودة بالذات كالكعبة عند المسلمين وذلك أن القبلة هي ما يستقبل في العبادة ولا يستقبل بالعبادة وهم يستقبلون الصنم في العبادة وبالعبادة ، وبعبارة أخرى التوجه إلى القبلة والعبادة لرب القبلة وهو الله عز اسمه وأما الصنم فالتوجه إليه والعبادة له لا لربه ولو فرض أن العبادة لربه وهو شيء من الروحانيات كانت له لا لله فالله سبحانه غير معبود في ذلك على أي حال .

وبالجملة فجوابهم عن سؤال إبراهيم : {ما تعبدون} بقولهم : {نعبد أصناما} إبانة أن هذه الأجسام المعبودة ممثلات مقصودة لغيرها لا لنفسها ، وقد أخذ إبراهيم قولهم : {نعبد} وخاصمهم به فإن استقلال الأصنام بالمعبودية لا يجامع كونها أصناما ممثلة للغير فإذ كانت مقصودة بالعبادة فمن الواجب أن يشتمل على ما هو الغرض المقصود منها من جلب نفع أو دفع ضر بالتوجه العبادي والدعاء والمسألة والأصنام بمعزل من أن تعلم بمسألة أو تجيب مضطرا بإيصال نفع أو صرف ضر ولذلك سألهم إبراهيم بقوله : {هل يسمعونكم} إلخ .

قوله تعالى : {قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} اعترض (عليه السلام) عليهم في عبادتهم الأصنام من جهتين : إحداهما : أن العبادة تمثيل لذلة العابد وحاجته إلى المعبود فلا يخلو من دعاء من العابد للمعبود ، والدعاء يتوقف على علم المعبود بذلك وسمعه ما يدعوه به ، والأصنام أجسام جمادية لا سمع لها فلا معنى لعبادتها .

والثانية : أن الناس إنما يعبدون الإله إما طمعا في خيره ونفعه وإما اتقاء من شره وضره والأصنام جمادات لا قدرة لها على إيصال نفع أو دفع ضرر .

فكل من الآيتين يتضمن جهة من جهتي الاعتراض ، وقد أوردهما في صورة الاستفهام ليضطرهم على الاعتراف .

قوله تعالى : {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} كان مقتضى المقام أن يجيبوا عن سؤاله (عليه السلام) بالنفي لكنه لما كان ينتج خلاف ما هم عليه من الانتحال بالوثنية أضربوا عنه إلى التشبث بذيل التقليد فذكروا أنهم لا مستند لهم في عبادتها إلا تقليد الآباء محضا .

وقوله : {وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} أي ففعلنا كما كانوا يفعلون وعبدناهم كما كانوا يعبدون ، ولم يعدل عن قوله : {كذلك يفعلون} إلى مثل قولنا : يعبدونها ليكون أصرح في التقليد كأنهم لا يفهمون من هذه العبادات إلا أنها أفعال كأفعال آبائهم من غير أن يفقهوا منها شيئا أزيد من أشكالها وصورها .

قوله تعالى : {قال أ فرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدولي إلا رب العالمين} لما انتهت محاجته مع أبيه وقومه إلى أن لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم محضا تبرأ (عليه السلام) من آلهتهم ومن أنفسهم وآبائهم بقوله {أ فرأيتم} إلخ .

فقوله : {أ فرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون} تفريع على ما ظهر مما تقدم من عدم الدليل على عبادة الأصنام إلا التقليد بل بطلانها من أصلها أي فإذا كانت باطلة لا حجة لكم عليها إلا تقليد آبائكم فهذه الأصنام التي رأيتموها أي هذه بأعيانها التي تعبدونها أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنها عدولي لأن عبادتها ضارة لديني مهلكة لنفسي فليست إلا عدوا لي .

وذكر آبائهم الأقدمين للدلالة على أنه لا يأخذ بالتقليد كما أخذوا وأن لا وقع عنده (عليه السلام) لتقدم العهد ، ولا أثر للسبق الزماني في إبطال حق أو إحقاق باطل ، وإرجاع ضمير أولي العقل إلى الأصنام لمكان نسبة العبادة إليها وهي تستلزم الشعور والعقل ، وهو كثير الوقوع في القرآن .

وقوله : {إلا رب العالمين} استثناء منقطع من قوله : {فإنهم عدولي} أي لكن رب العالمين ليس كذلك .

قوله تعالى : {الذي خلقني فهو يهدين - إلى قوله - يوم الدين} لما استثنى رب العالمين جل اسمه وصفه بأوصاف تتم بها الحجة على أنه تعالى ليس عدوا له بل رب رحيم ذو عناية بحاله منعم عليه بكل خير دافع عنه كل شر فقال : الذي خلقني} {إلخ} وأما قول القائل : إن قوله : {الذي خلقني} إلخ استيناف من الكلام لا يعبأ به .

فقوله : {الذي خلقني فهو يهدين} بدأ بالخلق لأن المطلوب بيان استناد تدبير أمره إليه تعالى بطريق إعطاء الحكم بالدليل ، والبرهان على قيام التدبير به تعالى قيام الخلق والإيجاد به لوضوح أن الخلق والتدبير لا ينفكان في هذه الموجودات الجسمانية التدريجية الوجود التي تستكمل الوجود على التدريج فليس من المعقول أن يقوم الخلق بشيء والتدبير بشيء وإذ كان الخلق والإيجاد لله سبحانه فالتدبير له أيضا .

ولهذا عطف الهداية على الخلق بفاء التفريع فدل على أنه تعالى هو الهادي لأنه هو الخالق .

وظاهر قوله : {فهو يهدين} – وهو مطلق - أن المراد به مطلق الهداية إلى المنافع دنيوية كانت أو أخروية والتعبير بلفظ المضارع لإفادة الاستمرار فالمعنى أنه الذي خلقني ولا يزال يهديني إلى ما فيه سعادة حياتي منذ خلقني ولن يزال كذلك .

فيكون الآية في معنى ما حكاه الله عن موسى إذ قال لفرعون : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه : 50] ، أي هداه إلى منافعه وهي الهداية العامة .

وهذا هو الذي أشير إليه في أول السورة بقوله : {أ ولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية} وقد مر تقرير الحجة فيه .

وعلى هذا فما سيأتي في قوله : {والذي هو يطعمني} إلخ من الصفات المعدودة من قبيل ذكر الخاص بعد العام فإنها جميعا من مصاديق الهداية العامة بعضها هداية إلى منافع دنيوية وبعضها هداية إلى ما يرجع إلى الآخرة .

ولوكان المراد بالهداية الهداية الخاصة الدينية فالصفات المعدودة على رسلها وذكر الهداية بعد الخلقة ، وتقديمها على سائر النعم والمواهب لكونها أفضل النعم بعد الوجود .

وقوله : {والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين} هو كالكناية عن جملة النعم المادية التي يرزقه الله إياها لتتميم النواقص ورفع الحوائج الدنيوية ، وقد خص بالذكر منها ما هو أهمها وهو الإطعام والسقي والشفاء إذا مرض .

ومن هنا يظهر أن قوله : {وإذا مرضت} توطئة وتمهيد لذكر الشفاء فالكلام في معنى يطعمني ويسقيني ويشفين ، ولذا نسب المرض إلى نفسه لئلا يختل المراد بذكر ما هو سلب النعمة بين النعم ، وأما قول القائل : إنه إنما نسب المرض إلى نفسه مع كونه من الله للتأدب فليس بذاك .

وإنما أعاد الموصول فقال : {الذي هو يطعمني} إلخ ، ولم يعطف الصفات على ما في قوله : {الذي خلقني فهو يهدين} للدلالة على أن كلا من الصفات المذكورة في هذه الجمل المترتبة كان في إثبات كونه تعالى هو الرب المدبر لأمره والقائم على نفسه المجيب لدعوته .

وقوله : {والذي هو يميتني ثم يحيين} يريد الموت المقضي لكل نفس المدلول عليه بقوله : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران : 185] ، وليس بانعدام وفناء بل انتقال من دار إلى دار من جملة التدبير العام الجاري ، والمراد بالإحياء إفاضة الحياة بعد الموت .

وقوله : {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} أي يوم الجزاء وهو يوم القيامة ، ولم يقطع بالمغفرة كما قطع في الأمور المذكورة قبلها لأن المغفرة ليست بالاستحقاق بل هي فضل من الله فليس يستحق أحد على الله سبحانه شيئا لكنه سبحانه قضى على نفسه الهداية والرزق والإماتة والإحياء لكل ذي نفس ولم يقض المغفرة لكل ذي خطيئة فقال : { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } [الذاريات : 23] ، وقال : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء : 35] ، وقال : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } [يونس : 4] ، وقال في المغفرة : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء : 48] .

ونسبة الخطيئة إلى نفسه وهو(عليه السلام) نبي معصوم من المعصية دليل على أن المراد بالخطيئة غير المعصية بمعنى مخالفة الأمر المولوي فإن للخطيئة والذنب مراتب تتقدر حسب حال العبد في عبوديته كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين وقد قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) : {واستغفر لذنبك} .

فالخطيئة من مثل إبراهيم (عليه السلام) اشتغاله عن ذكر الله محضا بما تقتضيه ضروريات الحياة كالنوم والأكل والشرب ونحوها وإن كانت بنظر آخر طاعة منه (عليه السلام) كيف؟ وقد نص تعالى على كونه (عليه السلام) مخلصا لله لا يشاركه تعالى فيه شيء إذ قال : {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } [ص : 46] ، وقد قدمنا كلاما له تعلق بهذا المقام في آخر الجزء السادس وفي قصص إبراهيم في الجزء السابع من الكتاب .

قوله تعالى : {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين} لما ذكر (عليه السلام) نعم ربه المستمرة المتوالية المتراكمة عليه منذ خلق إلى ما لا نهاية له من أمد البقاء وصور بذلك شمول اللطف والحنان الإلهي أخذته جاذبة الرحمة الملتئمة بالفقر العبودي فدعته إلى إظهار الحاجة وبث المسألة فالتفت من الغيبة إلى الخطاب فسأل ما سأل .

فقوله : {رب} أضاف الرب إلى نفسه بعد ما كان يصفه بما أنه رب العالمين إثارة للرحمة الإلهية وتهييجا للعناية الربانية لاستجابة دعائه ومسألته .

وقوله : {هب لي حكما} يريد بالحكم ما تقدم في قول موسى (عليه السلام) : {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشعراء : 21] وهو- كما تقدم - إصابة النظر والرأي في المعارف الاعتقادية والعملية الكلية وتطبيق العمل عليها كما يشير إليه قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25] ، وهو وحي المعارف الاعتقادية والعملية التي يجمعها التوحيد والتقوى ، وقوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء : 73] ، وهو وحي التسديد والهداية إلى الصلاح في مقام العمل ، وتنكير الحكم لتفخيم أمره .

وقوله : {وألحقني بالصالحين} الصلاح على ما ذكره الراغب - يقابل الفساد الذي هو تغير الشيء عن مقتضى طبعه الأصلي فصلاحه كونه على مقتضى الطبع الأصلي فيترتب عليه من الخير والنفع ما من شأنه أن يترتب عليه من غير أن يفسد فيحرم من آثاره الحسنة .

وإذ كان {الصالحين} غير مقيد بالعمل ونحوه فالمراد به الصالحون ذاتا لا عملا فحسب وإن كان صلاح الذات لا ينفك عنه صلاح العمل ، قال تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف : 58] .

فصلاح الذات كونها تامة الاستعداد لقبول الرحمة الإلهية وإفاضة كل خير وسعادة من شأنها أن تتلبس به من غير أن يقارنها ما يفسدها من اعتقاد باطل أو عمل سيىء وبذلك يتبين أن الصلاح الذاتي من لوازم موهبة الحكم بالمعنى الذي تقدم وإن كان الحكم أخص موردا من الصلاح وهو ظاهر .

فمسألته الإلحاق بالصالحين من لوازم مسألة موهبة الحكم وفروعها المترتبة عليها فيعود معنى قوله : {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين} إلى مثل قولنا : رب هب لي حكما وتمم أثره في وهو الصلاح الذاتي .

وقد تقدم في تفسير قوله تعالى : {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة : 130] في الجزء الأول من الكتاب كلام له تعلق بهذا المقام .

قوله تعالى : {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} إضافة اللسان إلى الصدق لامية تفيد اختصاصه بالصدق بحيث لا يتكلم إلا به ، وظاهر جعل هذا اللسان له أن يكون مختصا به كلسانه لا يتكلم إلا بما في ضميره مما يتكلم هوبه فيئول المعنى إلى مسألة أن يبعث الله في الآخرين من يقوم بدعوته ويدعو الناس إلى ملته وهي دين التوحيد .

فتكون الآية في معنى قوله في سورة الصافات بعد ذكر إبراهيم (عليه السلام) : {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [الصافات : 78] ، وقد ذكر هذه الجملة بعد ذكر عدة من الأنبياء غيره كنوح وموسى وهارون وإلياس ، وكذا قال تعالى في سورة مريم بعد ذكر زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وموسى وهارون : {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } [مريم : 50] فالمراد على أي حال إبقاء دعوتهم بعدهم ببعث رسل أمثالهم .

وقيل : المراد به بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد روي عنه أنه قال : أنا دعوة أبي إبراهيم ، ويؤيده تسمية دينه في مواضع من القرآن ملة إبراهيم ، ويرجع معنى الآية حينئذ إلى معنى قوله حكاية عن إبراهيم وإسماعيل حين بناء الكعبة : {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة : 128 ، 129] .

وقيل : المراد به أن يجعل الله له ذكرا جميلا وثناء حسنا بعده إلى يوم القيامة وقد استجاب الله دعاءه فأهل الأديان يثنون عليه ويذكرونه بالجميل .

وفي صدق لسان الصدق على الذكر الجميل خفاء ، وكذا كون هذا الدعاء والمحكي في سورة البقرة دعاء واحدا لا يخلو من خفاء .

قوله تعالى : {واجعلني من ورثة جنة النعيم} تقدم معنى وراثة الجنة في تفسير قوله تعالى : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون : 10] .

قوله تعالى : {واغفر لأبي إنه كان من الضالين} استغفار لأبيه حسب ما وعده في قوله : {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } [مريم : 47] ، وليس ببعيد أن يستفاد من قوله تعالى : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [التوبة : 114] ، أنه دعا لأبيه بهذا الدعاء وهو حي بعد ، وعلى هذا فمعنى قوله : {إنه كان من الضالين} أنه كان قبل الدعاء بزمان من أهل الضلال .

قوله تعالى : {ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} الخزي عدم النصر ممن يؤمل منه النصر ، والضمير في {يبعثون} للناس ولا يضره عدم سبق الذكر لكونه معلوما من خارج .

ويعلم من سؤاله عدم الإخزاء يوم القيامة أن الإنسان في حاجة إلى النصر الإلهي يومئذ فهذه البنية الضعيفة لا تقوم دون الأهوال التي تواجهها يوم القيامة إلا بنصر وتأييد منه تعالى .

وقوله : {يوم لا ينفع مال ولا بنون} الظرف بدل من قوله : {يوم يبعثون} وبه يندفع قول من قال : إن قول إبراهيم قد انقطع في {يبعثون} والآية إلى تمام خمس عشرة آية من كلام الله تعالى .

والآية تنفي نفع المال والبنين يوم القيامة وذلك أن رابطة المال والبنين التي هي المناط في التناصر والتعاضد في الدنيا هي رابطة وهمية اجتماعية لا تؤثر أثرا في الخارج من ظرف الاجتماع المدني ويوم القيامة يوم انكشاف الحقائق وتقطع الأسباب فلا ينفع فيه مال بماليته ولا بنون بنسبة بنوتهم وقرابتهم ، قال تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام : 94] ، وقال : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون : 101] .

فالمراد بنفي نفع المال والبنين يوم القيامة نفي سببيتهما الوضعية الاعتبارية في المجتمع الإنساني في الدنيا فإن المال نعم السبب والوسيلة في المجتمع للظفر بالمقاصد الحيوية ، وكذا البنون نعمت الوسيلة للقوة والعزة والغلبة والشوكة ، فالمال والبنون عمدة ما يركن إليهما ويتعلق بهما الإنسان في الحياة الدنيا فنفي نفعهما يوم القيامة كالكناية عن نفي نفع كل سبب وضعي اعتباري في المجتمع الإنساني يتوسل به إلى جلب المنافع المادية كالعلم والصنعة والجمال وغيرها .

وبعبارة أخرى نفي نفعهما في معنى الإخبار عن بطلان الاجتماع المدني بما يعمل فيه من الأسباب الوضعية الاعتبارية كما يشير إليه قوله تعالى : {ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون} .

وقوله : {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال الراغب : السلم والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة . انتهى .

والسياق يعطي أنه (عليه السلام) في مقام ذكر معنى جامع يتميز به اليوم من غيره وقد سأل ربه أولا أن ينصره ولا يخزيه يوم لا ينفعه ما كان ينفعه في الدنيا من المال والبنين ، ومقتضى هذه التوطئة أن يكون المطلوب بقوله : {إلا من أتى الله بقلب سليم} بيان ما هو النافع يومئذ وقد ذكر فيه الإتيان بالقلب السليم .

فالاستثناء منقطع ، والمعنى : لكن من أتى الله بقلب سليم فإنه ينتفع به ، والمحصل أن مدار السعادة يومئذ على سلامة القلب سواء كان صاحبه ذا مال وبنين في الدنيا أولم يكن .

وقيل : الاستثناء متصل والمستثنى منه مفعول ينفع المحذوف والتقدير يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم .

وقيل : الاستثناء متصل والكلام بتقدير مضاف ، والتقدير لا ينفع مال ولا بنون إلا مال وبنو من أتى (إلخ) .

وقيل : المال والبنون في معنى الغنى والاستثناء منه بحذف مضاف من نوعه والتقدير يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ، وسلامة القلب من الغنى فالاستثناء متصل ادعاء لا حقيقة .

وقيل : الاستثناء منقطع وهناك مضاف محذوف ، والتقدير لا ينفع مال ولا بنون إلا حال من أتى (إلخ) .

والأقوال الثلاثة الأول توجب اختصاص تميز اليوم بمن له مال وبنون فقط فإن الكلام عليها في معنى قولنا : يوم لا ينفع المال والبنون أصحابهما إلا ذا القلب السليم منهم وأما من لا مال له ولا ولد فمسكوت عنه والسياق لا يساعده ، وأما القول الرابع فمبني على تقدير لا حاجة إليه .

والآية قريبة المعنى من قوله تعالى : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف : 46] ، غير أنها تسند النفع إلى القلب السليم وهو النفس السالمة من وصمة الظلم وهو الشرك والمعصية كما قال تعالى في وصف اليوم : {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه : 111] .

قال بعضهم : وفي الآيتين تأييد لكون استغفاره (عليه السلام) لأبيه طلبا لهدايته إلى الإيمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرا مع علمه بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة انتهى .

وهذا على تقدير أخذ الاستثناء متصلا كما ذهب إليه هذا القائل مبني على كون إبراهيم (عليه السلام) ابن آزر لصلبه وقد تقدم في قصته (عليه السلام) من سورة الأنعام فساد القول به وأن الآيات ناصة على خلافه .

وأما إذا أخذ الاستثناء منقطعا فقوله : {إلا من أتى الله بقلب سليم} بضميمة قوله تعالى : {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء : 28] .

دليل على كون الاستغفار قبل موته كما لا يخفى .

قوله تعالى : {وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين} الإزلاف التقريب والتبريز الإظهار ، وفي المقابلة بين المتقين والغاوين واختيار هذين الوصفين لهاتين الطائفتين إشارة إلى ما قضى به الله سبحانه يوم رجم إبليس عند إبائه أن يسجد لآدم كما ذكر في سورة الحجر {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر : 42 - 45] .

قوله تعالى : {وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون} أي هل يدفعون الشقاء والعذاب عنكم أوعن أنفسهم ، والمحصل أنه يتبين لهم أنهم ضلوا في عبادتهم غير الله .

قوله تعالى : {فكبكبوا فيها هم والغاون وجنود إبليس أجمعون} يقال : كبه فانكب أي ألقاه على وجهه وكبكبه أي ألقاه على وجهه مرة بعد أخرى فهو يفيد تكرار الكب كدب ودبدب وذب وذبذب وزل وزلزل ودك ودكدك .

وضمير الجمع في قوله : {فكبكبوا فيها هم} للأصنام كما يدل عليه قوله : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء : 98] ، وهؤلاء إحدى الطوائف الثلاث التي تذكر الآية أنها تكبكب في جهنم يوم القيامة ، والطائفة الثانية الغاوون المقضي عليهم ذلك كما في آية الحجر المنقولة آنفا ، والطائفة الثالثة جنود إبليس وهم قرناء الشياطين الذين يذكر القرآن أنهم لا يفارقون أهل الغواية حتى يدخلوا النار ، قال تعالى : {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف : 36 - 39] .

قوله تعالى : {قالوا وهم فيها يختصمون - إلى قوله - إلا المجرمون} الظاهر أن القائلين هم الغاوون ، والاختصام واقع بينهم يخاصمون أنفسهم والشياطين على ما ذكره الله سبحانه في مواضع من كلامه .

وقوله : {تالله إن كنا لفي ضلال مبين} اعتراف منهم بالضلال ، والخطاب في قوله : {إذ نسويكم برب العالمين} للآلهة من الأصنام وهم معهم في النار ، أولهم وللشياطين أولهما وللمتبوعين والرؤساء من الغاوين وخير الوجوه أولها .

وقوله : {وما أضلنا إلا المجرمون} الظاهر أن كلا من القائلين يريد بالمجرمين غيره من إمام ضلال اقتدى به في الدنيا وداع دعاه إلى الشرك فاتبعه وآباء مشركين قلدهم فيه وخليل تشبه به ، والمجرمون على ما يستفاد من آيات القيامة هم الذين ثبت فيهم الإجرام وقضي عليهم بدخول النار قال تعالى : {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس : 59] .

قوله تعالى : {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} الحميم على ما ذكره الراغب القريب المشفق .

وهذا الكلام تحسر منهم على حرمانهم من شفاعة الشافعين وإغاثة الأصدقاء وفي التعبير بقوله : {فما لنا من شافعين} إشارة إلى وجود شافعين هناك يشفعون بعض المذنبين ، ولولا ذلك لكان من حق الكلام أن يقال : فما لنا من شافع إذ لا نكتة تقتضي الجمع ، وقد روي أنهم يقولون ذلك لما يرون الملائكة والأنبياء والمؤمنين يشفعون .

قوله تعالى : {فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} تمن منهم أن يرجعوا إلى الدنيا فيكونوا من المؤمنين حتى ينالوا ما ناله المؤمنون من السعادة .

قوله تعالى : {إن في ذلك لآية} إلى آخر الآيتين أي في قصة إبراهيم (عليه السلام) ولزومه عن فطرته الساذجة دين التوحيد وتوجيه وجهه نحو رب العالمين وتبريه من الأصنام واحتجاجه على الوثنيين وعبدة الأصنام آية لمن تدبر فيها على أن في سائر قصصه من محنه وابتلاءاته التي لم تذكر هاهنا كإلقائه في النار ونزول الضيف من الملائكة عليه وقصة إسكانه إسماعيل وأمه بوادي مكة وبناء الكعبة وذبح إسماعيل آيات لأولي الألباب .

وقوله : {وما كان أكثرهم مؤمنين} أي وما كان أكثر قوم إبراهيم مؤمنين والباقي ظاهر مما تقدم .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص223-234 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أعبدُ ربَّاً . . . هذه صفاته :

كما ذكرنا في بداية هذه السورة ، فإِنّ الله يبيّن حال سبعة من الأنبياء العظام ، ومواجهاتهم أقوامهم لهدايتهم ، لتكون «مدعاة» تسلية للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين القلّة معه في عصره ، وفي الوقت ذاته إنذار لجميع الأعداء والمستكبرين أيضاً . . .

لذلك تعقّب هذه الآيات على قصّة موسى وفرعون المليئة بالدروس لتبيّن قصة إبراهيم ومواجهاته المشركين ، وتبدأ هذه الآيات بمحاورة إبراهيم لعمه آزر (2) فتقول :

{واتلُ عليهم نبأ إبراهيم} .

ومن بين جميع الأخبار المتعلقة بهذا النبيِّ العظيم يركّز القرآن الكريم على هذا القِسْمِ : {إذْ قالَ لأبيهِ وقومه ما تعبدون} ؟

ومن المسلّم به أنّ إبراهيم كان يعلم أيّ شيء يعبدون ، لكن كان هدفه أن يستدرجهم ليعترفوا بما يعبدون ، والتعبير بـ «ما» مبيّنٌ ضمناً نوعاً من التحقير !

فأجابوه مباشرةً {قالوا نعبدُ أصناماً فنظلُّ لها عاكفين} ! وهذا التعبير يدلّ على أنّهم يحسّوا بالخجل من عملهم هذا ، بل يفتخرون به ، إذا كان كافياً أن يجيبوه : نعبد أصناماً ، إلاّ أنّهم أضافوا هذه العبارة : {فنظل لها عاكفين} ! 

التعبير بـ «نظلّ» يُطلق عادة على الأعمال التي تؤدى خلال اليوم ، وذكره بصيغة الفعل المضارع إشارة إلى الإستمرار والدوام .

كلمة «عاكفين» مأخوذة من «العكوف» ، ومعناه التوجه نحو الشيء وملازمته باحترام ، وهي تأكيد لما سبق من التعبير .

«الأصنام» جمع الصنم ، وهو الهيكل أو التمثال المصنوع من الذهب أو الخشب أو ما شاكلهما للعبادة ، وكانوا يتصورون أنها مظهر للتقديس . . .

وعلى كل حال ، فإنّ إبراهيم لما سمع كلامَهم رشقهم بنبال الإشكال والإعتراض بشدّة ، وقمعهم بجملتين حاسمتين جعلهم في طريق مغلق ، فـ {قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} ؟!

إن أقلّ ما ينبغي توفره في المعبود هو أنْ يسمعَ نداء عابده ، وأن ينصره في البلاء ، أو يضره عند مخالفة أمره ! . . .

إلاّ أن هذه الأصنام ليس فيها ما يدلُّ على أن لَها أقلّ إحساس أو شعور أو أدنى تأثير في عواقب الناس ، فهي أحجار أو فلزات «أو معادن أو خشب لا قيمة لها! وإنّما أعطتها الخرافات هذه الهالة وهذه القيمة الكاذبة ! . . .

إلاّ أن عبدة الأصنام الجهلة المتعصبين واجهوا سؤال إبراهيم بجوابهم القديم الذي يكررونه دائماً ، فـ {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} .

وهذا الجواب الذي يكشف عن تقليدهم الأعمى لأسلافهم الجهلة هو الجواب الوحيد الذي استطاعوا أن يردّوا به على إبراهيم(عليه السلام) ، وهو جواب دليلُ بطلانه كامنٌ فيه ، وليس أي عاقل يجيز لنفسه أن يقفَو أثرَ غيره ويصم أُذنيه ويغمضُ عينيه ، ولا سيما أن تجارب الخلف أكثر من السلف عادة ، ولا يوجد دليل على تقليدهم الأعمى ! . . .

والتعبير بـ (كذلك يفعلون) تأكيد أكثر على تقليدهم ، أي نفعل كما كانوا يفعلون ، سواءً عبدوا الأصنام أم سواها .

فالتفت إبراهيم مُوبّخاً لهم ومبيناً موقفة منهم و{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنّهم عدوّلي إلاّ ربَّ العالمين} . . .

أجلْ . . . إنّهم جميعاً أعدائي وأنا معاديهم ، ولا أسالمهم أبداً . . .

وممّا ينبغي الإلتفات إليه أن إبراهيم الخليل (عليه السلام) يقول : «فإنّهم عدولي» وإن كان لازم هذا التعبير أنّه عدولهم أيضاً ، إلاّ أن هذا التعبير لعله ناشىء من أن عبادة الأصنام أساس الشقاء والضلال وعذاب الدنيا والآخرة «للإنسان» ، وهذه الأُمور في حكم عداوتها للانسان . أضف إلى ذلك أنه يستفاد من آيات متعددة من القرآن أن الأصنام تبرأ من عبدتها يوم القيامة وتعاديهم ، وتحاججهم بأمر الله وتنفر منهم . (3)

واستثناء ربّ العالمين مع أنّه لم يكن من معبوداتهم ، وكما يصطلح عليه استثناء منقطع ، إنّما هو للتأكيد على التوحيد الخالص .

كما يَرِدُ هذا الإحتمال وهو أن من بين عبدة الأصنام من كان يعبدُ الله إضافة إلى عبادة الأصنام ، فاستثنى إبراهيم «ربّ العالمين» من الأصنام ، رعايةً لهذا الموضوع . . .

وذكر الضمير «هم» الذي يستعمل عادةً للجمع «في العاقلين» وقد ورد في شأن الأصنام ، لما ذكرناه من بيان آنفاً . . .

ثمّ يصف إبراهيم الخليل ربّ العالمين ويذكر نعمه المعنوية والماديّة ، ويقايسها بالأصنام التي لا تسمع الدعاء ولا تنفع ولا تضرّ ، ليتّضح الأمر جليّاً . . .

فيبدأ بذكر نعمة الخلق والهداية فيقول : {الذي خلقني فهو يهدين} فقد هداني في عالم التكوين ، ووفر لي وسائل الحياة المادية والمعنوية ، كما هداني في عالم التشريع فأوحى إليّ وأرسل إليّ الكتاب السماوي . . .

وذكر «الفاء» بعد نعمة الخلق ، هو إشارة إلى أن الهداية لا تنفصل عن الخلق أبداً ، وجملة (يهدين) الواردة بصيغة الفعل المضارع ، دليل واضح على استمرار هدايته ، وحاجة الإنسان إليه في جميع مراحل عمره !

فكأن أبراهيم في كلامه هذا يريد أن يبيّن هذه الحقيقة ، وهي إنّني كنت مع الله منذ أن خلقني ، ومعه في جميع الأحوال ، وأشعر بحضوره في حياتي ، فهو وليي حيث ما كنت ويقلبني حيثما شاء ! . . .

وبعد بيان أولى مراحل الربوبية ، وهي الهداية بعد الخلق ، يذكر إبراهيم الخليل(عليه السلام) النعم المادية فيقول : {والذي يطعمني ويسقين} .

أجلْ ، إنّني أرى النعم جميعاً من لطفه ، فلحمي وجلدي وطعامي وشرابي ، كل ذلك من بركاته ! . . .

ولست مشمولا بنعمة في حال الصحةِ فقط ، بل في كل حال {وإذا مرضت فهو يشفين} .

ومع أنّ المرض أيضاً قد يكون من الله ، إلاّ أن إبراهيم نسبه إلى نفسه رعاية للأدب في الكلام . . .

ثمّ يتجاوز مرحلة الحياة الدنيا إلى مرحلة أوسع منها . . . إلى الحياة الدائمة في الدار الآخرة ، ليكشف أنه على مائدة الله حيثما كان ، لا في الدنيا فحسب ، بل في الآخرة أيضاً . فيقول : {والذي يميتني ثمّ يحيين} .

أجل ، إنّ موتي بيده وعودتي إلى الحياة مرّة أُخرى منه أيضاً . .

وحين أرِدُ عرصات يوم القيامة اعلقّ حبل رجائي على كرمه : {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} .

وممّا لا شك فيه أن الأنبياء معصومون من الذنب ، وليس عليهم وزر كي يُغفر لهم . . . إلاّ أنّه ـ كما قلنا سابقاً ـ قد تعدّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين أحياناً ، وقد يستغفرون أحياناً من عمل صالح لأنّهم تركوا خيراً منه . . . فيقال عندئذ في حق أحدهم : تَركَ الأَولى .

فإبراهيم(عليه السلام) لا يعوّل على أعماله الصالحة ، فهي لا شيء بإزاء كرم الله ، ولا تُقاس بنعم الله المتواترة ، بل يعوّل على لطف الله فحسب ، وهذه هي آخر مرحلة من مراحل الإنقطاع إلى الله ! . . .

وملخّص الكلام أن إبراهيم(عليه السلام) من أجّلِ أن يبيّن المعبود الحقيقي يمضي نحوخالقيّة الله أولا ، ثمّ يبيّن بجلاء مقام ربوبيته في جميع المراحل :

فالمرحلة الأُولى مرحلة الهداية .

ثمّ مرحلة النعم الماديّة ، وهي أعمّ من إيجاد المقتضي والظروف الملائمة أو دفع الموانع . . .

والمرحلة الأخيرة هي مرحلة الحياة الدائمة في الدار الأُخرى ، فهناك يتجلَّى وجه الرب بالهبات والصفح عن الذنوب ومغفرتها ! . . .

وهكذا يبطل إبراهيم الخرافات التي كانت في قومه ، من تعدد الآلهة والأرباب وينحني خضوعاً للخالق العظيم .

 

وقوله تعالى : {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بالصَّلِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء : 83 - 87] .

 

دُعاءُ إبراهيم (عليه السلام) :

من هنا تبدأ أدعية إبراهيم الخليل وسؤالاته من الله ، فكأنّه بعد أن دعا قومه الضالين نحو الله ، وبيّن آثار الربوبية المتجليّة في عالم الوجود . . . يتجه بوجهه نحو الله ويعرض عنهم ، فكل ما يحتاجه فانه يطلبه من الله ، ليكشف للناس ولعبدة الأصنام أنه مهما أرادوه من شؤون الدنيا والآخرة ، فعليهم أن يسألوه من الله ، وهو تأكيد آخر ـ ضمنيٌ ـ على ربوبيته المطلقة .

فأوّل ما يطلبه إبراهيم من ساحته المقدسة هو{ربّ هب لي حكماً والحقني بالصالحين} .

فالمقام الأوّل هنا الذي يريده إبراهيم لنفسه من الله هو الحكم ، ثمّ الإلحاق بالصالحين . . .

و«الحكم» و«الحكمة» كلاهما من جذر واحد . . . و«الحكمة» كما يقول عنها الراغب في مفرداته : هي الوصول إلى الحق عن طريق العلم ومعرفة الموجودات والأفعال الصالحة ، وبتعبير آخر : هي معرفة القيم والمعايير التي يستطيع الإنسان بها أن يعرف الحق حيثما كان ، ويميز الباطل في أي ثوب كان ، وهوما يُعبّر عنه عند الفلاسفة بـ «كمال القوّة النظرية» .

وهي الحقيقة التي تلقّاها لقمان من ربّه {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } [لقمان : 12] وعُبّر عنها بالخير الكثير في الآية (269) من سورة البقرة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [البقرة : 269] .

ويبدو أنّ للحكم مفهوماً أسمى من الحكمة . . . أي إنّه العلم المقترن بالإِستعداد للتنفيذ والعمل ، وبتعبير آخر : إن الحكم هو القدرة على القضاء الصحيح الخالي من الهوى والخطأ!

أجلْ ، إنّ إبراهيم (عليه السلام) يطلب من الله قبل كل شيء المعرفة العميقة الصحيحة المقرونة بالحاكميّة ، لأن أي منهج لا يتحقق دون هذا الأساس !

وبعد هذا الطلب يسأل من الله إلحاقه بالصالحين ، وهو إشارة إلى الجوانب العملية ، أو كما يصطلح عليها بـ «الحكمة العملية» في مقابل الطلب السابق وهو «الحكمة النظرية» ! . . .

ولا شك أن إبراهيم(عليه السلام) كان يتمتع بمقام «الحكم» وكان في زمرة الصالحين أيضاً . . . فلم سأل الله ذلك ؟!

الجواب على هذا السؤال هو أنّه ليس للحكمة حد معين ، ولا لصلاح الإِنسان حدّ ، فهو يطلب ذلك ليبلغ المراتب العليا من العلم والعمل يوماً بعد يوم ، حتى وهو في موقع النبوة ، وأنه من أولي العزم . . لا يكتفي بهذه العناوين . . .

ثمّ ـ إضافة إلى ذلك ـ فإنّ إبراهيم (عليه السلام) يعلم أن كل ذلك من الله سبحانه ، ومن الممكن في أي لحظة أن تسلب هذه المواهب أو تزل به القدم ، لذا فهو يطلب دوامها من الله إضافة إلى التكامل ، كما أننا نخطو ونسير إن شاء الله في الصراط المستقيم ، ومع ذلك فكلّ يوم نسأل ربّنا في الصلاة أن يهدينا الصراط المستقيم ، ونطلب منه التكامل ومواصلة هذا الطريق !

وبعد هذين الطَلَبينِ . . . يطلبُ موضوعاً مهماً آخر بهذه العبارة : {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} .

أيْ اجعلني بحال تذكرني الأجيال الآتية بخير ، واجعل منهجي مستمراً بينهم فيتخذوني أُسوةً وقدوة لهم فيتحركون ويسيرون في منهاجك المستقيم وسبيلك القويم . . .

فاستجاب الله دعاء إبراهيم كما يقول سبحانه في القرآن الكريم : {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم : 50] .

ولا يبعد أن يكون هذا الطلب شاملا لما سأله إبراهيمُ الخليل ربه بعد بناء الكعبة ، فقال : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } [البقرة : 129] .

ونعرف أن هذا الدعاء تحقق بظهور نبيّ الإِسلام . وذُكر إبراهيم الخليل بالخير في هذه الأُمة عن هذا الطريق ، وبقي هذا الذكر الجميل مستمراً . . .

ثمّ ينظر إبراهيم إلى أفق أبعد من أفق الدنيا ، ويتوجه إلى الدار الآخرة ، فيدعو بدعاء رابع فيقول : {واجعلني من ورثة جنة النعيم} .

«جنة النعيم» التي تتماوج فيها النعم المعنوية والمادية ، النعم التي لا زوال لها ولا اضمحلال . . . النعم التي لا يمكن أن نتصورها نحنُ ـ سجناءَ الدنيا ـ فهي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ! . . .

وقلنا سابقاً : إن التعبير بالإرث في شأن الجنّة إمّا لأنّ معنى الإرث الحصول على الشيء دون مشقّة وعناء ، ومن المسلّم أن تلك النعم التي في الجنّة تقاس بطاعاتنا ، فطاعاتنا بالنسبة لا تمثل شيئاً إليها ! . . . أو أنّ ذلك ـ طبقاً لما ورد في بعض الرّوايات ـ لأن كل إنسان له بيت في الجنة وآخر في النار ، فإذا دخل النّار ورث الآخرون بيته في الجنّة . . .

وفي خامس أدعيته يتوجه نظره إلى عمّه الضالّ ، وكما وعده أنّه سيستغفر له ، فإنّه يقول في هذا الدعاء : {واغفر لأبي إنّه كان من الضالين} .

وهذا الوعد هوما صرحت به الآية (114) من سورة التوبة إذ تحكي عنه {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } [التوبة : 114] ! وعده من قبل ، وكان هدفه أن ينفذ إلى قلبه عن هذا الطريق ، وأن يجرّه إلى طريق الإيمان ، لذلك قال له مثل هذا القول وعمل به أيضاً . . . وطبقاً لرواية عن ابن عباس أن إبراهيم(عليه السلام)استغفر لعمّه آزر مراراً ، إلاّ أنه حين غادر آزر الدنيا كافراً وثبت عداؤه للدين الحق ، قطع إبراهيم استغفار عن عمه ، كما نرى في ذيل الآية النص التالي : {فلما تبيّن أنه عدو لله تبرأ منه} . (4)

وأخيراً فإنّ دعاءه السادس من ربَّه في شأن يوم التغابن ، يوم القيامة ، بهذه الصورة {ولا تخزني يوم يبعثون} .

(ولا تخزني) ، مأخوذ من مادة (خزي) على زنة (حزب) وكما يقول الراغب في مفرداته ، معناه الذل والإنكسار الروحي الذي يظهر على وجه الإنسان من الحياء المفرط ، أومن جهة الآخرين حين يحرجونه ويخجلونه!

وهذا التعبير من إبراهيم ، بالإضافة إلى أنه درس للآخرين ، هو دليل على منتهى الإحساس بالمسؤولية والإعتماد على لطف الله العظيم .

 

وقوله تعالى : {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء : 88 - 104] .

 

الخصام بين المشركين ومعبوداتهم :

أشير في آخر آية من البحث السابق إلى يوم القيامة ومسألة المعاد . . . أمّا في هذه الآيات فنلحظ تصوير يوم القيامة ببيان جامع ، كما نلاحظ فيها أهم المتاع «في تلك السُوق» ، وعاقبة المؤمنين وعاقبة الكافرين والضالين وجنود إبليس ، ويدلُّ ظاهر الآيات أن هذا الوصف وهذا التصوير هومن كلام إبراهيم الخليل ، وأنه ختام دعائه ربَّه ، وهكذا يعتقد ـ أيضاً ـ أغلب المفسّرين . . . وإن كان هناك مَنْ يحتمل أنه هومن كلام الله ، وأن الآيات محل البحث هي منه سبحانه جاءت مكملةً لكلام إبراهيم(عليه السلام) وموضحة له ، إلاّ أن هذا الإحتمال يبدو ضعيفاً ! . . .

وعلى كل حال ، فأوّل ما تبدأ به هذه الآيات هو{يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون} .

وفي الحقيقة إنّ هاتين الدعامتين المهمتين في الحياة الدنيا «المال والبنون» ليس فيهما أدنى نفع لصاحبهما يوم القيامة ، وكل ما كان دون هاتين الدعامتين رتبةً من الأُمور الدنيوية ـ من باب أولى ـ لا نفع فيه ، ولا فائدة من ورائه !

وبديهي أنّ المراد من المال والبنين هنا ليس هوما يكون ـ من المال والبنين ـ في مرضاة الله ، بل المراد منه الإستناد إلى الأُمور الماديّة ، فالمراد إذاً هو أن هذه الدعامات المادية لا تحلُّ معضلا في ذلك اليوم . . . أمّا لوكان أىٌّ من البنين والمال في مرضاة الله فلن يكون ذلك مادّياً . . إذ يصطبغ بصيغة الله ويُعدّ من «الباقيات الصالحات» ! . . .

ثمّ يضيف القرآن في ختام الآية ، على سبيل الإِستثناء {إلاّ من أتى اللّهَ بقلب سليم} .

وهكذا يتّضح أنّ أفضل ما ينجى يوم القيامة هو القلب السليم ، وياله من تعبير رائع جامع ، تعبير يتجسد فيه الإِيمان والنية الخالصة ، كما يحتوي على كل ما يكون من عمل صالح! ولم لا يكون لمثل هذا القلب من ثمر سوى العمل الصالح ؟!

وبتعبير آخر : كما أن قلب الإنسان وروحه يؤثران في أعماله ، فإن أعماله لها أثر واسع في القلب أيضاً ، سواءً كانت أعمالا رحمانية أم شيطانية ! . . .

ثمّ يبيّن القرآن الجنّة والنار بالنحو التالي فيقول : {وأُزلفت الجنّة للمتقين (5) وبُرزت الجحيم للغاوين} . أي الضالين وهذا الأمر ـ في الحقيقة ـ قبل ورود كلٍّ من أهل الجنّة والنار إليهما! فكلّ طائفة ترى مكانها من قريب . . فيُسرّ المؤمنون ويستولي الرعب على الغاوين ، وهذا أوّلَ جزائهما هناك !

الطريف هنا أنّ القرآن لا يقول : اقترب المتقون أو أزلف المتقون إلى الجنة ، بل يقول : (وأُزلفت الجنة للمتقين) وهذا يدل على مقامهم الكريم وعِظَمِ شأنِهم ! . . .

كما ينبغي الإشارة إلى هذه اللطيفة ، وهي أن التعبير بالغاوين هو التعبير ذاته الوارد في قصة الشيطان ، إذ طرده الله عن ساحته المقدسة فقال له : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين} . (6)

ثمّ يتحدث القرآن عن ملامةِ هؤلاء الضالين ، وما يُقالُ لهم من كلمات التوبيخ أو العتاب ، فيقول : (وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله) فهل يستطيعون معونتكم في هذه الشدة التي أنتم فيها ، أوأن يطلبوا منكم أومن غيركم النصر والمعونة {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} [الشعراء : 93] . . .

إلاّ أنّهم لا يملكون جواباً لهذا السؤال! كما لا يتوقع أحد منهم ذلك ! . . . {فكُبكُبوا فيها هم والغاوون} .

كما يقول بعض المفسّرين : إن كلاًّ منهم سيُلقى على الآخر يوم القيامة ! {وجنود إبليس أجمعون} .

وفي الحقيقة أن هذه الفرق الثلاث ، الأصنام والعابدين لها وجنود إبليس الدالين على هذا الإنحراف ، يساقون جميعاً إلى النار . . . ولكن بهذه الكيفية . . . وهي أن تلقى الفرق فرقةً بعد أخرى في النار . لأن «كُبكِبوا» في الأصل مأخوذة من (كبّ) ، و(الكبّ) معناه إلقاء الشيء بوجهه في الحفرة وما أشبهها ، وتكراره «كبكب» يؤدي هذا المعنى من السقوط ، وهذا يدلّ أنّهم حين يُلقون في النار مثلهم كمثل الصخرة إذ تهوى من أعلى الجبل أوتلقى من قمة الجبل ، فهي تصل أولا نقطةً ما في الوادي ثمّ تتدحرج إلى نقاط أُخر حتى تستقرّ في القعر ! .

إلاّ أن الكلام لا يقف عند هذا الحدّ ، بل يقع النزاع والجدال بين هذه الفرق أو الطوائف الثلاث ، فيجسم القرآن مخاصمتهم هنا ، فيقول : {قالوا وهم فيها يختصمون} .

أجل . . . إن العبدَةَ الضالين الغاوين يقسمون بالله فيقولون : {تالله إن كنّا لفي ضلال مبين (7) إذ نسويكم برب العالمين (8) وما أضلّنا إلاّ المجرمون} . . .

المجرمون الذين كانوا سادة مجتمعاتنا ورؤساءنا وكبراءنا ، فأضلونا حفظاً لمنافعهم ، وجرّونا إلى طريق الشقوة والغواية . . . كما يحتمل أن يكون المراد من المجرمين هم الشياطين أو الاسلاف الضالين الذين جرّوهم إلى هذه العاقبة الوخيمة .

{فيما لنا من شافعين ولا صديق حميم} . . .

والخلاصة أن الأصنام لا تشفع لنا كما كنا نتصور ذلك في الدنيا ، ولا يتأتى لأي صديق أن يعيننا هنالك . . .

وممّا ينبغي الإلتفات إليه ، أنّ كلمة (شافعين) جاءت في الآية السابقة بصيغة الجمع كما ترى ، إلاّ أن كلمة (صديق) جاءت بصيغة الإفراد ، ولعلّ منشأ هذا التفاوت والإختلاف ، هو أن هؤلاء الضالين يرون بأمُ أعينهم المؤمنين الجانحين يشفع لهم الأنبياء والأوصياء أو الملائكة وبعض الأصدقاء الصالحين ، فأُولئك الضالون يتمنون الشافعين أيضاً ، وأن يكون عندهم صديق هنالك ! . . .

إضافةً إلى ذلك فإن كلمتي (الصديق) و(العدو) كما يقول بعض المفسّرين ، تطلقان على المفرد والجمع أيضاً . . .

إلاّ أنّهم ما أسرع أن يلتفتوا إلى واقعهم المرّ ، إذْ لا جدوى هناك للحسرة ولا مجال للعمل في تلك الدار لجبران ما فات في دنياهم ، فيتمنون العودة إلى دار الدنيا . . . ويقولون : {فلو أنْ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين} . . .

وصحيح أنّهم في ذلك اليوم وفي عرصات القيامة يؤمنون بربّهم ، إلاّ أن هذا الإيمان نوع من الإيمان الإضطراري غير المؤثر ، وليس كالايمان الإختياري ، وفي هذه الدنيا حيث يكون أساساً للهداية والعمل الصالح .

ولكن لا يحقق هذا التمني شيئاً ، ولا يحلُّ مُعْضلا ، ولن تسمح سنةً الله بذلك ، وهم يدركون تلك الحقيقة ، لأنّهم يتفوّهون بكلمة «لو» (9) . . .

وأخيراً بعد الإنتهاء من هذا القِسمِ من قصة إبراهيم ، وكلماته مع قومه الضالين ، ودعائه ربَّه ، ووصفه ليوم القيامة ، يكرر الله آيتين مثيرتين بمثابة النتيجة لعبادة جميعاً ، وهاتان الآيتان وردتا في ختام قصة موسى وفرعون ، كما وردتا في قصص الأنبياء الآخرين من السورة ذاتها فيقول : {إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم} . . .

وتكرار هاتين الآيتين ، هو للتسرية عن قلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتسليته ومن معه من الصحابة القلة وكذلك المؤمنين في كل عصر ومصر لئلا يستوحشوا في الطريق من قلة أهله وكثرة الأعداء . . . وليطمئنوا إلى رحمة الله وعزته ، كما أن هذا التكرار بنفسه تهديد للغاوين الضالين . وإشارة إلى أنه لو وجدوا الفرصة في حياتهم وأمهلهم الله إمهالا فليس ذلك عن ضعف منه سبحانه ، بل هومن رحمته وكرمه !

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص313-323 .

2 ـ بيّنا مراراً أنّ لفظ «الأب» يطلق في لغة العرب والقرآن على الوالد كما يطلق على العم ، وهنا استعمل هذا اللفظ بمعناه الثاني .

3 ـ لمزيد الإيضاح في هذا الصدد يراجع تفسير الآية (82) من سورة مريم .

4 ـ لمزيد الإِيضاح يراجع تفسير الآية 114 سورة التوبة .

5 ـ أُزلفتْ : فعل مشتق من (الزلفى) على وزن (كبرى) ومعنى الفعل «قربت» .

6 ـ قد يكون المراد من «ينتصرون» هو أن يطلبوا العون والنصر لأنفسهم أو لغيرهم . . . أو مجموعهما ، لاننا سنلاحظ في الآيات المقبلة أن العَبدَةَ ومعبوديهم يساقون إلى النار .

7 ـ (إن كنا) مخففة من (إنّا كنا)

8 ـ يُحتمل أن تكون (إذ) هنا للظرفية ، كما يحتمل أن تكون تعليلية . . .

9 ـ تعدّ (لو) من حروف الشرط ـ وعادةً ـ تستعمل حينما يكون الشرط محالا . . .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم المعارف يصدر تحديثًا جديدًا لتطبيقه الإلكتروني
اللّجنة المشرفة على حفل التخرّج المركزي تناقش استعداداتها النهائيّة
موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل