المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الآية (35-38) من سورة النور  
  
37248   01:38 صباحاً   التاريخ: 9-8-2020
المؤلف : المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النور /

 

قال تعالى : {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [النور: 35، 38].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{الله نور السماوات والأرض} اختلف في معناه على وجوه أحدها:

الله هادي أهل السماوات والأرض، إلى ما فيه من مصالحهم، عن ابن عباس.

والثاني: الله منور السماوات والأرض بالشمس، والقمر، والنجوم، عن الحسن، وأبي عالية، والضحاك. والثالث: مزين السماوات بالملائكة، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء، عن أبي بن كعب. وإنما ورد النور في صفة الله تعالى، لأن كل نفع وإحسان وإنعام منه. وهذا كما يقال: فلان رحمة، وفلان عذاب: إذا كثر فعل ذلك منه. وعلى هذا قول الشاعر:

ألم تر أنا نور قوم، وإنما * يبين في الظلماء للناس نورها وإنما المعنى. إنا نسعى فيما ينفعهم، ومنا خيرهم. وكذا قول أبي طالب في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه، * ثمال اليتامى، عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم،   فهم عنده في نعمة، وفواضل

لم يعن بقوله: أبيض، بياض لونه، وإنما أراد كثرة أفضاله وإحسانه، ونفعه، والاهتداء به. ولهذا المعنى سماه الله تعالى سراجا منيرا. {مثل نوره} فيه وجوه أحدها: إن المعنى مثل نور الله الذي هدى به المؤمنين، وهو الإيمان في قلوبهم، عن أبي بن كعب، والضحاك. وكان أبي يقرأ: مثل نور من آمن به والثاني: مثل نوره الذي هو القرآن في القلب، عن ابن عباس، والحسن، وزيد بن أسلم والثالث. إنه عنى بالنور محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأضافه إلى نفسه، تشريفا له، عن كعب، وسعيد بن جبير. فالمعنى مثل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرابع: إن نوره سبحانه الأدلة الدالة على توحيده وعدله، التي هي في الظهور والوضوح مثل النور، عن أبي مسلم. الخامس: إن النور هنا الطاعة أي: مثل طاعة الله في قلب المؤمن، عن ابن عباس في رواية أخرى.

{كمشكاة فيها مصباح} المشكاة: هي الكوة في الحائط، يوضع عليها زجاجة، ثم يكون المصباح خلف تلك الزجاجة، ويكون للكوة باب آخر يوضع المصباح فيه، وقيل: المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو مثل الكوة.

والمصباح السراج وقيل: المشكاة القنديل. والمصباح الفتيلة، عن مجاهد {المصباح في زجاجة} أي: ذلك السراج في زجاجة. وفائدة اختصاص الزجاجة بالذكر، أنه أصفى الجواهر. فالمصباح فيه أضوأ {الزجاجة كأنها كوكب دري} أي: تلك الزجاجة مثل الكوكب العظيم المضئ الذي يشبه الدر في صفائه ونوره ونقائه. وإذا جعلته من الدرء، وهو الدفع، فمعناه: المندفع السريع الوقع في الانقضاض. ويكون ذلك أقوى لضوئه.

{يوقد من شجرة مباركة} أي: يشتعل ذلك السراج من دهن شجرة مباركة {زيتونة} أراد بالشجرة المباركة شجرة الزيتون، لأن فيها أنواع المنافع، فإن الزيت يسرج به، وهو أدام، ودهان، ودباغ، ويوقد بحطبه، وثفله، ويغسل برماده الإبريسم، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى إعصار. وقيل: إنه خص الزيتونة، لأن دهنها أصفى وأضوأ. وقيل: لأنها أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان، ومنبتها منزل الأنبياء. وقيل لأنه بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم، فلذلك سميت مباركة. {لا شرقية ولا غربية} أي: لا يفئ عليها ظل شرق، ولا غرب، فهي ضاحية للشمس، لا يظلها جبل، ولا شجر، ولا كهف، فزيتها يكون أصفى، عن ابن عباس، والكلبي، وعكرمة، وقتادة. فعلى هذا يكون المعنى: إنها ليست بشرقية لا تصيبها الشمس إذا هي غربت، ولا هي غربية لا تصيبها الشمس إذا طلعت، بل هي شرقية غربية، أخذت بحظها من الأمرين. وقيل: معناه أنها ليست من شجر الدنيا فتكون شرقية أو غربية، عن الحسن. وقيل: معناه أنها ليست في مقنوة لا تصيبها الشمس، ولا هي بارزة للشمس لا يصيبها الظل، بل يصيبها الشمس والظل، عن السدي. وقيل: ليست من شجر الشرق، ولا من شجر الغرب، لأن ما اختص بإحدى الجهتين كان أقل زيتا، وأضعف ضوءا، لكنها من شجر الشام، وهي ما بين الشرق والغرب، عن ابن زيد.

{يكاد زيتها يضئ} من صفائه، وفرط ضيائه {ولو لم تمسسه نار} أي: قبل أن تصيبه النار، وتشتعل فيه. واختلف في هذا المشبه والمشبه به على أقوال أحدها:

إنه مثل ضربه الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالمشكاة صدره، والزجاجة قلبه، والمصباح فيه النبوة، لا شرقية ولا غربية، أي: لا يهودية، ولا نصرانية، توقد من شجرة مباركة، يعني شجرة النبوة، وهي إبراهيم عليه السلام، يكاد نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم يبين للناس، ولو لم يتكلم به، كما أن ذلك الزيت يكاد يضئ. ولو لم تمسسه نار أي:

تصبه النار، عن كعب، وجماعة من المفسرين. وقد قيل أيضا: إن المشكاة إبراهيم، والزجاجة إسماعيل، والمصباح محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما سمي سراجا في موضع آخر. من شجرة مباركة: يعني إبراهيم، لأن أكثر الأنبياء من صلبه. لا شرقية ولا غربية: لا نصرانية ولا يهودية، لأن النصارى تصلي إلى المشرق، واليهود تصلي إلى المغرب. يكاد زيتها يضئ أي: تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وآله وسلم تظهر قبل أن يوحى إليه، {نور على نور} أي: نبي من نسل نبي، عن محمد بن كعب. وقيل: إن المشكاة عبد المطلب، والزجاجة عبد الله، والمصباح هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا شرقية ولا غربية، بل مكية، لأن مكة وسط الدنيا، عن الضحاك. وروي عن الرضا عليه السلام أنه قال: نحن المشكاة فيها، والمصباح محمد صلى الله عليه وآله وسلم يهدي الله لولايتنا من أحب.

وفي كتاب التوحيد لأبي جعفر بن بابويه، رحمه الله بالإسناد عن عيسى بن راشد، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله: {كمشكاة فيها مصباح} قال: نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المصباح في زجاجة، الزجاجة صدر علي عليه السلام، صار علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صدر على، علم النبي عليا يوقد من شجرة مباركة نور العلم، لا شرقية ولا غربية، لا يهودية ولا نصرانية، يكاد زيتها يضئ، ولو لم تمسسه نار قال: يكاد العالم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بالعلم، قبل أن يسأل. نور على نور أي: إمام مؤيد بنور العلم والحكمة، في إثر إمام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من لدن آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة. فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاء في أرضه، وحججه على خلقه، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم، يدل عليه قول أبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أنت الأمين محمد، * قرم، أغر، مسود

 لمسودين أطاهر * كرموا، وطاب المولد

 أنت السعيد من السعود * تكنفتك الأسعد

 من لدن آدم لم يزل * فينا وصى مرشد

 ولقد عرفتك صادقا، * والقول لا يتفند

 ما زلت تنطق بالصواب، * وأنت طفل أمرد

 تحقيق هذه الجملة يقتضي: أن الشجرة المباركة المذكورة في الآية، هي دوحة التقى والرضوان، وعترة الهدى والإيمان، شجرة أصلها النبوة، وفرعها الإمامة، وأغصانها التنزيل، وأوراقها التأويل، وخدمها جبرائيل وميكائيل وثانيها: إنه مثل ضربه الله للمؤمن: والمشكاة نفسه، والزجاجة صدره، والمصباح الإيمان، والقرآن في قلبه، يوقد من شجرة مباركة هي الإخلاص لله وحده، لا شريك له، فهي خضراء ناعمة، كشجرة التف بها الشجر، فلا يصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شئ من الفتر، فهو بين أربع خلال: إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين القبور، نور على نور، كلامه نور، وعلمه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى الجنة نور يوم القيامة، عن أبي بن كعب.

وثالثها: إنه مثل القرآن في قلب المؤمن، فكما أن هذا المصباح يستضاء به، وهو كما هو لا ينقص، فكذلك القرآن يهتدى به، ويعمل به. فالمصباح هو القران، والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة لسانه، وفمه، والشجرة المباركة شجرة الوحي، يكاد زيتها يضئ، يكاد حجج القران تتضح، وإن لم تقرأ. وقيل: يكاد حجج الله على خلقه تضئ، لمن تفكر فيها وتدبرها، ولو لم ينزل القرآن. نور على نور:

يعني أن القرآن نور مع سائر الأدلة قبله، فازدادوا به نورا على نور، عن الحسن، وابن زيد. وعلى هذا فيجوز أن يكون المراد ترتب الأدلة، فإن الدلائل يترتب بعضها على بعض، ولا يكاد العاقل يستفيد منها إلا بمراعاة الترتيب، فمن ذهب عن الترتيب، فقد ذهب عن طريق الاستفادة. وقال مجاهد: ضوء نور السراج، على ضوء الزيت، على ضوء الزجاجة.

{يهدي الله لنوره من يشاء} أي: يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء، بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم أن له لطفا. وقيل: معناه يهدي الله لنبوته وولايته من يشاء، ممن يعلم أنه يصلح لذلك. {ويضرب الله الأمثال للناس} تقريبا إلى الأفهام، وتسهيلا لدرك المرام. {والله بكل شئ عليم} فيضع الأشياء مواضعها {في بيوت أذن الله أن ترفع} معناه: هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها، وهي المساجد في قول ابن عباس والحسن ومجاهد والجبائي، ويعضده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " المساجد بيوت الله في الأرض وهي تضئ لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض ". ثم قيل: إنها أربع مساجد، لم يبنها إلا نبي: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، ومسجد بيت المقدس بناه سليمان، ومسجد المدينة ومسجد قبا بناهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: هي بيوت الأنبياء. وروي ذلك مرفوعا أنه سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ الآية: أي بيوت هذه؟ فقال: بيوت الأنبياء. فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله! هذا البيت منها يعني بيت علي وفاطمة قال: نعم من أفاضلها.

ويعضد هذا القول قوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. وقوله: {ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} فالإذن برفع بيوت الأنبياء والأوصياء مطلق. والمراد بالرفع التعظيم، ورفع القدر من الأرجاس، والتطهير من المعاصي والأدناس. وقيل: المراد برفعها رفع الحوائج فيها إلى الله تعالى.

{ويذكر فيها اسمه} أي: يتلى فيها كتابه، عن ابن عباس. وقيل: تذكر فيها أسماؤه الحسنى {يسبح له فيها بالغدو والآصال} أي: يصلى له فيها بالبكور والعشايا، عن ابن عباس والحسن والضحاك. وقال ابن عباس: كل تسبيح في القرآن صلاة. وقيل: المراد بالتسبيح تنزيه الله تعالى عما لا يجوز عليه، ووصفه بالصفات التي يستحقها لذاته، وأفعاله التي كلها حكمة وصواب. ثم بين سبحانه المسبح فقال: {رجال لا تلهيهم} أي: لا تشغلهم، ولا تصرفهم {تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة} أي: إقامة الصلاة. حذف الهاء لأنها عوض عن الواو في أقوام. فلما أضافه صار المضاف إليه عوضا عن الهاء. وروي عن أبي جعفر عليه السلام، وأبي عبد الله عليه السلام أنهم قوم إذا حضرت الصلاة تركوا التجارة، وانطلقوا إلى الصلاة، وهم أعظم أجرا ممن يتجر. {وإيتاء الزكاة} أي: إخلاص الطاعة لله تعالى، عن ابن عباس. يريد الزكاة المفروضة، عن الحسن.

{يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} أراد يوم القيامة تتقلب فيه أحوال القلوب والأبصار، وتنتقل من حال إلى حال، فتلفحها النار، ثم تنضجها، ثم تحرقها، عن الجبائي. وقيل: تتقلب فيه القلوب بين الطمع في النجاة، والخوف من الهلاك. وتتقلب الأبصار يمنة ويسرة من أين تؤتى كتبهم، وأين يؤخذ بهم، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال. وقيل: تتقلب القلوب ببلوغها الحناجر، والأبصار بالعمى بعد البصر. وقيل: معناه تنتقل القلوب عن الشك إلى اليقين والإيمان، والابصار عما كانت تراه غيا فتراه رشدا. فمن كان شاكا في دنياه أبصر في آخرته، ومن كان عالما ازداد بصيرة وعلما، فهو مثل قوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} عن البلخي. {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله} أي: يفعلون ذلك طلبا لمجازاة الله إياهم بأحسن ما عملوا، ولتفضله عليهم بالزيادة، على ما استحقوه بأعمالهم من فضله وكرمه {والله يرزق} أي: يعطي {من يشاء بغير حساب} أي: بغير مجازاة على عمل، بل تفضلا منه سبحانه، والثواب لا يكون إلا بحساب، والتفضل يكون بغير حساب.

النظم: اتصلت الآية الأولى بما قبلها اتصال المثل بالمثل، لأنه تعالى بين وجوه المنافع والمصالح، وعلم الشرائع فيما سبق، بين بعده أن منافع أهل السماوات والأرض منه، لأن اسم النور يطلق على ذلك، كما تقدم بيانه. وقيل: إنها اتصلت بما قبلها اتصال العلة بالمعلول، فكأنه قال: أنزلنا آيات بينات، ومواعظ بالغات، فهديناكم بها، لأنا نهدي أهل السماوات والأرض. واتصل قوله {في بيوت} بقوله {كمشكاة فيها مصباح} على ما تقدم بيانه. وقيل: يتصل بيسبح، ويكون فيها تكريرا على التوكيد، والمعنى: يسبح الله رجال في بيوت أذن الله أن ترفع، فيكون كقولك: في الدار قام زيد فيها.

 

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج7،ص247 -254.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

أشار سبحانه في كتابه العزيز إلى عظمة الكون وما فيه مئات المرات ، معبرا عنه في العديد من آياته بالسماوات والأرض . . والغرض من ذلك ان يستدل الإنسان بعظمة الكون على وجود المكوّن وعظمته ، وأن يكون على يقين من ربه وخالقه ، وقد ذكر سبحانه في بعض الآيات ان خلق الكون أشد وأكبر من خلق الإنسان على ما فيه من بديع الصنع ، وجمال الخلق ، قال تعالى : {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27].

. وقال : {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57].

فالسماوات والأرض بإحكامها وترتيبها ونظامها هي أعظم الأدلة وأظهرها على عظمة الخالق في قدرته وعلمه وحكمته . . ولأن الكون أوضح الأدلة على وجود اللَّه ، ولأن النور أظهر من كل ظاهر قال سبحانه : { اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ } .

والمراد بنور اللَّه عظمته في قدرته وعلمه وحكمته ، وتتجلى هذه العظمة في خلق الكون ، فكل شيء في أرضه وسمائه يدل دلالة صريحة واضحة على وجود اللَّه وعظمته ، وبهذا يتبين معنا انه لا فرق بين ان نقول : السماوات والأرض نور اللَّه ، وبين ان نقول : اللَّه نور السماوات والأرض ، لأن معنى الجملة الأولى ان عظمة الكون تدل على عظمة اللَّه ، ومعنى الثانية ان عظمة اللَّه تتجلى في عظمة الكون ، فهو تماما مثل قولك : إتقان هذا البناء يدل على مهارة الباني ، ومهارة الباني قد تجلت في إتقان هذا البناء .

{ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ } . هذا مثال ضربه اللَّه سبحانه على وضوح الأدلة وظهورها على وجوده ، وانها قائمة في كل جزء من أجزاء الكون ، ويتلخص هذا المثال بسراج وضع في كوة بجدار البيت تحصر نوره وتجمعه ، ولا ينفذ إليه الهواء ، وهذا السراج داخل قنديل من الزجاج الشفاف الصافي الذي يتلألأ كالكوكب المضيء ، أما الزيت الذي فيه فهو من زيتونة لا هي شرقية تصيبها الشمس عند شروقها فقط ، ولا هي غربية تصلها الشمس عند غروبها فقط ، بل هي شرقية غربية لأنها تواجه الشمس صباحا ومساء ، لا يظلها جبل ولا شجر ولا حائط ، ومن هنا جاء زيتها نقيا صافيا ، يكاد يضيء من غير إحراق ، فإذا مسته النار أشرق نوره وتألق { نُورٌ عَلى نُورٍ } . نور المصباح ، ونور الزجاج الصافي ، ونور الزيت النقي . وبكلام أخصر زاد المصباح إنارة لنقاء الزيت ، وصفاء القنديل وحصر الكوة لنور المصباح ووقايتها له من تلاعب الأرياح .

{ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ } إذا سلكوا السبيل الذي نصبه للهداية لأن اللَّه سبحانه حكيم لا يفعل الشيء اعتباطا ، والذين يهديهم ويثيبهم هم الذين يرون دلائله ويعملون بها ، وقد أشار إليهم في الآية التالية بقوله : { رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } الخ . { ويَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثالَ لِلنَّاسِ } ومنها هذا المثال البليغ ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة { واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يعلم الجحود العنود لدلائله الساطعة وبيناته القاطعة ، ويجزيه جهنم وبئس المهاد .

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } . المراد بالبيوت هنا المساجد ، وبرفعها بناؤها . . بعد ان ذكر سبحانه أنه يهدي لنوره من يشاء ذكر المساجد وانه تعالى قد رخص ببنائها لأن المؤمنين يعمرونها بالصلوات صباحا ومساء { يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ والآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتاءِ الزَّكاةِ } . التجارة والبيع هنا كناية عن مطلق العمل للدنيا من أي نوع كان ، وإنما خص التجارة بالذكر لأنها أكثر ربحا وأقوى صارفا من جميع الأعمال ، والمعنى ان المؤمنين يعملون للدنيا في الأسواق والحقول والمصانع وغيرها ، وأيضا يعملون للآخرة ، فيصلَّون ويصومون ويزكون ويحجون ، ولا تشغلهم الدنيا عن الآخرة ، ولا الآخرة عن الدنيا عاملين بقوله تعالى : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77].

{ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والأَبْصارُ } هذا كناية عن هلع المجرمين وفزعهم ، أما الطيبون فهم بأمان من الفزع الأكبر { لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا } من الصالحات والمبرات ، قال الإمام علي (عليه السلام) : لن يفوز بالخير إلا عامله ، ولن يجزى جزاء الشر إلا فاعله { ويَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } أضعافا مضاعفة { واللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } أي بغير استحقاق ، بل تفضلا منه وكرما .

قال صاحب الأسفار : من خلت صحيفته من السيئات دخل الجنة بغير حساب ، ومن خلت صحيفته من الحسنات دخل النار بغير حساب ، وأما الذين يحاسبون فهم الذين خلطوا عملا صالحا ، وآخر سيئا .

 

 

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج5 ، ص424-426.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تتضمن الآيات مقايسة بين المؤمنين بحقيقة الايمان والكفار، تميز المؤمنين منهم بأن المؤمنين مهديون بأعمالهم الصالحة إلى نور من ربهم يفيدهم معرفة الله سبحانه ويسلك بهم إلى أحسن الجزاء والفضل من الله تعالى يوم ينكشف عن قلوبهم وأبصارهم الغطاء، والكفار لا تسلك بهم أعمالهم إلا إلى سراب لا حقيقة له، وهم في ظلمات بعضها فوق بعض ولم يجعل الله لهم نورا فما لهم من نور.

وقد بين سبحانه هذه الحقيقة بأن له تعالى نورا عاما تستنير به السماوات والأرض فتظهر به في الوجود بعد ما لم تكن ظاهرة فيه، فمن البين أن ظهور شئ بشئ يستدعي كون المظهر ظاهرا بنفسه والظاهر بذاته المظهر لغيره هو النور فهو تعالى نور يظهر السماوات والأرض بإشراقه عليها كما أن الأنوار الحسية تظهر الأجسام الكثيفة للحس بإشراقها عليها غير أن ظهور الأشياء بالنور الإلهي عين وجودها وظهور الأجسام الكثيفة بالأنوار الحسية غير أصل وجودها.

ونورا خاصا يستنير به المؤمنون ويهتدون إليه بأعمالهم الصالحة وهو نور المعرفة الذي سيستنير به قلوبهم وأبصارهم يوم تتقلب فيه القلوب والابصار فيهتدون به إلى سعادتهم الخالدة فيشاهدون فيه شهود عيان ما كان في غيب عنهم في الدنيا، ومثل تعالى هذا النور بمصباح في زجاجة في مشكاة يشتعل من زيت في نهاية الصفاء فتتلألأ الزجاجة كأنها كوكب دري فتزيد نورا على نور، والمصباح موضوع في بيوت العبادة التي يسبح الله فيها رجال من المؤمنين لا تلهيهم عن ذكر ربهم وعبادته تجارة ولا بيع.

فهذه صفة ما أكرم الله به المؤمنين من نور معرفته المتعقب للسعادة الخالدة، وحرمه على الكافرين وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فخص من اشتغل بربه وأعرض عن عرض الحياة الدنيا بنور من عنده، والله يفعل ما يشاء له الملك واليه المصير يحكم بما أراد ينزل الودق والبرد من سحاب واحد، ويقلب الليل والنهار، ويجعل من الحيوان من يمشي على بطنه ومن يمشي على رجلين ومن يمشي على أربع وقد خلق الكل من ماء.

والآيات غير فاقدة للاتصال بما قبلها لما أن بيان الاحكام والشرائع فيما تقدم انتهى إلى مثل قوله: } ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين } والبيان إظهار لحقائق المعارف فهو تنوير إلهي.

على أن الآيات قرآن وقد سمى سبحانه القرآن في مواضع من كلامه نورا كقوله:

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174].

قوله تعالى: { الله نور السماوات والأرض } إلى آخر الآية. المشكاة على ما ذكره الراغب وغيره: كوة غير نافذة وهي ما يتخذ في جدار البيت من الكون لوضع بعض الأثاث كالمصباح وغيره عليه وهو غير الفانوس.

والدري: من الكواكب العظيم الكثير النور، وهو معدود في السماء، والايقاد:

الاشعال، والزيت: الدهن المتخذ من الزيتون.

وقوله: { الله نور السماوات والأرض } النور معروف وهو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا فالاشياء ظاهرة به وهو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات البصر. هذا أول ما وضع عليه لفظ النور ثم عمم لكل ما ينكشف به شئ من المحسوسات على نحو الاستعارة أو الحقيقة الثانية فعد كل من الحواس نورا أو ذا نور يظهر به محسوساته كالسمع والشم والذوق واللمس.

ثم عمم لغير المحسوس فعد العقل نورا يظهر به المعقولات كل ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره.

وإذ كان وجود الشئ هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء كان مصداقا تاما للنور، ثم لما كانت الأشياء الممكنة الوجود إنما هي موجودة بإيجاد الله تعالى كان هو المصداق الأتم للنور فهناك وجود ونور يتصف به الأشياء وهو وجودها ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ووجود ونور قائم بذاته يوجد ويستنير به الأشياء.

فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض، وهذا هو المراد بقوله: { الله نور السماوات والأرض } حيث أضيف النور إلى السماوات والأرض ثم حمل على اسم الجلالة، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال: إن المعنى الله منور السماوات والأرض، وعمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها وهو الوجود الذي يحمل عليها تعالى الله عن ذلك وتقدس.

ومن ذلك يستفاد أنه تعالى غير مجهول لشئ من الأشياء إذ ظهور كل شئ لنفسه أو لغيره إنما هو عن إظهاره تعالى فهو الظاهر بذاته له قبله، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين: { ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } إذ لا معنى للتسبيح والعلم به وبالصلاة مع الجهل بمن يصلون له ويسبحونه فهو نظير قوله: { وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } أسرى: 44، وسيوافيك البحث عنه إن شاء الله.

فقد تحصل أن المراد بالنور في قوله: { الله نور السماوات والأرض } نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العام الذي يستنير به كل شئ وهو مساو لوجود كل شئ وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامة.

وقوله: { مثل نوره } يصف تعالى نوره، وإضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى - وظاهره الإضافة اللامية - دليل على أن المراد ليس هو وصف النور الذي هو الله بل النور المستعار الذي يفيضه، وليس هو النور العام المستعار الذي يظهر به كل شئ وهو الوجود الذي يستفيضه منه الأشياء وتتصف به، والدليل عليه قوله بعد تتميم المثل: { يهدي الله لنوره من يشاء } إذ لو كان هو النور العام لم يختص به شئ دون شئ بل هو نوره الخاص بالمؤمنين بحقيقة الايمان على ما يفيده الكلام.

وقد نسب تعالى في سائر كلامه إلى نفسه نورا كما في قوله: { يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره } الصف: 8، وقوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام: 122] وقوله: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] ، وقوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] ، وهذا هو النور الذي يجعله الله لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم إلى ربهم وهو نور الايمان والمعرفة.

وليس المراد به القرآن كما قاله بعضهم فإن الآية تصف حال عامة المؤمنين قبل نزول القرآن وبعده. على أن هذا النور وصف لهم يتصفون به كما يشير إليه قوله:

{ لهم أجرهم ونورهم } الحديد: 19 وقوله: { يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } التحريم:

8، والقرآن ليس وصفا لهم وإن لو حظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رجع إلى ما قلناه.

وقوله: { كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة } المشبه به مجموع ما ذكر من قوله مشكاة فيها مصباح المصباح { الخ } لا مجرد المشكاة وإلا فسد المعنى، وهذا كثير في تمثيلات القرآن.

وقوله: { الزجاجة كأنها كوكب دري } تشبيه الزجاجة بالكوكب الدري من جهة ازدياد لمعان نور المصباح وشروقه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك سكونا من غير إضطراب بتموج الاهوية وضرب الرياح فهي كالكوكب الدري في تلألؤ نورها وثبات شروقها.

وقوله: { يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار } خبر بعد خبر للمصباح أي المصباح يشتعل آخذا اشتعاله من شجرة مباركة زيتونة أي إنه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها، والمراد بكون الشجرة لا شرقية ولا غربية أنها ليست نابتة في الجانب الشرقي ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار ويفئ الظل عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها فلا يصفوا الدهن المأخوذ منها فلا تجود الاضاءة بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظها طول النهار فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها.

والدليل على هذا المعنى قوله: { يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، فإن ظاهر السياق أن المراد به صفاء الدهن وكمال استعداده للاشتعال وأن ذلك متفرع على الوصفين: لا شرقية ولا غربية.

وأما قول بعضهم: إن المراد بقوله: } لا شرقية ولا غربية { أنها ليست من شجر الدنيا حتى تنبت إما في شرق أو في غرب، وكذا قول آخرين: إن المراد أنها ليست من شجر شرق المعمورة ولا من شجر غربها بل من الشجر الشام الواقع بين الشرق والغرب وزيته أفضل الزيت فغير مفهوم من السياق.

وقوله: } نور على نور { خبر لمبتدأ محذوف وهو ضمير راجع إلى نور الزجاجة المفهوم من السياق، والمعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور كذلك أي في كمال التلمع.

والمراد من كون النور على النور قيل: هو تضاعف النور لا تعدده فليس المراد به أنه نور معين أو غير معين فوق نور آخر مثله، ولا أنه مجموع نورين اثنين فقط بل أنه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه وهذا التعبير شائع في الكلام.

وهذا معنى لا يخلو من جودة وإن كان إرادة التعدد أيضا لا تخلو من لطف ودقة فإن للنور الشارق من المصباح نسبة إليه بالأصالة والحقيقة ونسبة إلى الزجاجة التي عليه بالاستعارة والمجاز، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدد بتعددهما وإن لم يكن بحسب الحقيقة إلا للمصباح والزجاجة صفر الكف منه فللزجاجة بالنظر إلى تعدد النسب نور غير نور المصباح وهو قائم به ومستمد منه.

وهذا الاعتبار جار بعينه في الممثل له فإن نور الايمان والمعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعالى قائم به مستمد منه.

فقد تحصل أن الممثل له هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين والمثل هو المشبه به النور المشرق من زجاجة على مصباح موقد من زيت جيد صاف وهو موضوع في مشكاة فإن نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوة والجودة.

فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جو البيت، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن وجودته المؤثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله وجودة الضياء على ما يدل عليه كون زيته يكاد يضئ ولو لم تمسسه نار، واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون الزجاجة مستمدة من نور المصباح في إنارتها.

وقوله: } يهدي الله لنوره من يشاء { استئناف يعلل به اختصاص المؤمنين بنور الايمان والمعرفة وحرمان غيرهم، فمن المعلوم من السياق أن المراد بقوله: { من يشاء } القوم الذين ذكرهم بقوله بعد: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } الخ، فالمراد بمن يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم.

والمعنى: أن الله إنما هدى المتلبسين بكمال الايمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر - الذين سيذكرهم بعد - لمجرد مشيته، وليس المعنى أن الله يهدي بعض الافراد إلى نوره دون بعض بميته ذلك حتى يحتاج في تتميمه إلى القول بأنه إنما يشاء الهداية إذا استعد المحل إلى الهداية بحسن السريرة والسيرة، وذلك مما يختص به أهل الايمان دون أهل الكفر فافهمه.

والدليل على ذلك ما سيأتي من قوله: { ولله ملك السماوات والأرض } إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء الله.

وقوله: { ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم } إشارة إلى أن المثل المضروب تحته طور من العلم، وإنما اختير المثل لكونه أهل الطرق لتبيين الحقائق والدقائق ويشترك فيه العالم والعامي فيأخذ منه كل ما قسم له، قال تعالى: { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } العنكبوت: 43.

قوله تعالى: { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه } الاذن في الشئ هو إعلام إرتفاع المانع عن فعله، والمراد بالرفع رفع القدر والمنزلة وهو التعظيم، وإذ كانت العظمة والعلو لله تعالى لا يشاركه في ذلك غيره إلا أن ينتسب إليه، وبمقدار ما ينتسب إليه فالاذن منه تعالى في أن ترفع هذه البيوت إنما هو لانتساب ما منها إليه.

وبذلك يظهر أن السبب لرفعها هو ما عطف عليه من ذكر اسمه فيها، والسياق يدل على الاستمرار أو التهيؤ له فيعود المعني إلى مثل قولنا: { أن يذكر فيها اسمه فيرتفع قدرها بذلك }.

وقوله: { في بيوت } متعلق بقوله في الآية السابقة: { كمشكاة } أو قوله:

{ يهدي الله } الخ، والمال واحد، ومن المتيقن من هذه البيوت المساجد فإنها معدة لذكر اسمه فيها ممحضة لذلك، وقد قال تعالى: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].

قوله تعالى: { يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال } إلى آخر الآية. تسبيحه تعالى تنزيهه عن كل ما لا يليق بساحة قدسه، والغدو جمع غداة وهو الصبح والآصال جمع أصيل وهو العصر، والالهاء صرف الانسان عما يعنيه ويهمه، والتجارة على ما قاله الراغب: التصرف في رأس المال طلب للربح. قال: وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ. والبيع على ما قال: إعطاء المثمن وأخذ الثمن، وقلب الشئ على ما ذكره صرف الشئ من وجه إلى وجه، والتقليب مبالغة فيه والتقلب قبوله فتقلب القلوب والابصار تحول منها من وجه من الادراك إلى وجه آخر.

وقوله: { يسبح له فيها بالغدو والآصال } صفة لبيوت أو استئناف لبيان قوله:

{ ويذكر فيها اسمه }، وكون التسبيح بالغدو والآصال كناية عن استمرار هم فيه لا أن التسبيح مقصور في الوقتين لا يسبح له في غيرهما.

والاكتفاء بالتسبيح من غير ذكر التحميد معه لأنه تعالى معلوم بجميع صفاته الكمالية لا سترة عليه إذ المفروض أنه نور والنور هو الظاهر بذاته المظهر لغيره وإنما يحتاج خلوص المعرفة إلى نفي النقائص عنه وتنزيهه عما لا يليق به فإذا تم التسبيح لم يبق معه غيره وتمت المعرفة ثم إذا تمت المعرفة وقع الثناء والحمد وبالجملة التوصيف بصفات الكمال موقعه بعد حصول المعرفة كما قال تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 159، 160] ، فنزهه عما يصفونه به إلا ما وصفه به من أخلصهم لنفسه من عباده، وقد تقدم في تفسير سورة الحمد كلام في معنى حمده تعالى.

وببيان آخر حمده تعالى وهو ثناؤه بصفة الكمال مساوق لحصول نور المعرفة وتسبيحه وهو التنزيه بنفي ما لا يليق به عنه مقدمة لحصوله، والآية في مقام بيان خصالهم التي تستدعي هدايتهم إلى نوره فلا جرم اقتصر فيها بذكر ما هي المقدمة وهو التسبيح، فافهم ذلك.

وقوله: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع } التجارة إذا قوبلت بالبيع كان المفهوم منها بحسب العرف الاستمرار في الاكتساب بالبيع والشراء والبيع هو العمل الاكتسابي الدفعي فالفرق بينهما هو الفرق بين الدفعة والاستمرار فمعنى نفي البيع بعد نفي التجارة مع كونه منفيا بنفيها الدلالة على أنهم لا يلهون عن ربهم في مكاسبهم دائما ولا في وقت من الأوقات، وبعبارة أخرى لا تنسيهم ربهم تجارة مستمرة ولا بيع ما من البيوع التي يوقعونها مدة تجارتهم.

وقيل: الوجه في نفي البيع بعد نفي إلهاء التجارة أن الربح في البيع ناجز بالفعل بخلاف التجارة التي هي الحرفة، فعدم إلهاء التجارة لا يستلزم عدم إلهاء البيع الرابح بالفعل، ولذلك نفي البيع ثانيا بعد نفي إلهاء التجارة ولذلك كررت لفظة { لا } لتذكير النفي وتأكيده، وهو وجه حسن.

وقوله عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الإقام هو الإقامة بحذف التاء تخفيفا.

والمراد بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة الاتيان بجميع الأعمال الصالحة التي كلف الله تعالى عباده بإتيانها في حياتهم الدنيا، وإقامة الصلاة ممثلة لاتيان ما للعبد من وظائف العبودية مع الله سبحانه، وإيتاء الزكاة ممثل لوظائفه مع الخلق وذلك لكون كل منها ركنا في بابه.

والمقابلة بين ذكر الله وبين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهما - وخاصة الصلاة - من ذكر الله يعطي أن يكون المراد بذكر الله الذكر القلبي الذي يقابل النسيان والغفلة وهو ذكر علمي كما أن أمثال الصلاة والزكاة ذكر عملي.

فالمقابلة المذكورة تعطي أن المراد بقوله: { عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } أنهم لا يشتغلون بشئ عن ذكرهم المستمر بقلوبهم لربهم وذكرهم الموقت بأعمالهم من الصلاة والزكاة، وعند ذلك يظهر حسن التقابل بين التجارة والبيع وبين ذكر الله وإقام الصلاة الخ، لرجوع المعنى إلى أنهم لا يلهيهم مله مستمر ولا موقت عن الذكر المستمر والموقت، فافهم ذلك.

وقوله: { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار } هذا هو يوم القيامة، والمراد بالقلوب والابصار ما يعم قلوب المؤمنين والكافرين وابصارهم لكون القلوب والابصار جمعا محلى اللام وهو يفيد العموم.

وأما تقلب القلوب والابصار فالآيات الواصفة لشان يوم القيامة تدل على أنه بظهور حقيقة الامر وانكشاف الغطاء كما قال تعالى: { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } ق: 22، وقال: { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } الزمر:

47، إلى غير ذلك من الآيات.

فتنصرف القلوب والابصار يومئذ عن المشاهدة والرؤية الدنيوية الشاغلة عن الله ساترة للحق والحقيقة إلى سنخ آخر من المشاهدة والرؤية وهو الرؤية بنور الايمان والمعرفة فيتبصر المؤمن بنور ربه وهو نور الايمان والمعرفة فينظر إلى كرامة الله، ويعمي الكافر ولا يجد إلا ما يسوؤه قال تعالى: { واشرقت الأرض بنور ربها } الزمر: 69 وقال: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } الحديد: 12، وقال: { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى } الاسراء:

72، وقال: { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } القيامة: 23 وقال: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } المطففين: 15.

وقد تبين بما مر: أولا: وجه اختصاص هذا لصفة أعني تقلب القلوب والابصار من بين أوصاف يوم القيامة بالذكر وذلك أن الكلام مسوق لبيان ما يتوسل به إلى هدايته تعالى إلى وره وهو نور الايمان والمعرفة الذي يستضاء به يوم القيامة ويبصر به.

وثانيا: أن المراد بالقلوب والابصار النفوس وبصائرها.

وثالثا: أن توصيف اليوم بقوله: { تتقلب فيه القلوب والابصار } لبيان سبب الخوف فهم إنما يخافون اليوم لما فيه من تقلب القلوب والابصار، وإنما يخافون هذا التقلب لما في أحد شقيه من الحرمان من نور الله والنظر إلى كرامته وهو الشقاء الدائم والعذاب الخالد وفي الحقيقة يخافون أنفسهم.

 

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي، ج15 ، ص96-104.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

آية النور!

تحدث الفلاسفة والمفسّرون والعرفاء الاسلاميون كثيراً عن مقاصد الآيات أعلاه، وهي مُرتبطة بما سبقها من الآيات الشريفة التي عرضت لقضية العفة ومكافحة الفحشاء بمختلف السبل.

وبما أنَّ ضمانة تنفيذ الأحكام الإلهية، وخاصّة السيطرة على الغرائز الثائرة، ولا سيّما الغريزة الجنسية التي هي أقوى الغرائز، لا تتمّ دون الإستناد إلى الإيمان، ومن هنا إمتد البحث إلى الإيمان وأثره القويّ، فقالت الآية أوّلا: {الله نور السموات والأرض}.

ما أحلى هذه الجملة! وما أثمنها من كلمات! أجل إنّ الله نور السموات والأرض... النور الذي يغمر كلّ شيء ويضيئه.

ويرى بعض المفسّرين أنّ كلمة «النّور» تعني هنا «الهادي»، وذهب البعض الآخر أنّ المراد هو «المنير». وفسّرها آخرون بـ «زينة السماوات والأرض».

وكلّ هذه المعاني صحيحة، سوى أنَّ مفهوم هذه الآية أوسع بكثير ممّا ذُكر، فالقرآن المجيد والأحاديث الإِسلامية فسّرت النور بأشياء عدّة منها:

1 ـ «القرآن المجيد»: ـ ذكرت الآية (15) من سورة المائدة: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} وجاء في الآية (157) من سورة الأعراف {واتبعوا النور الذي أنزل معه أُولئك هم المفلحون}.

2 ـ «الإيمان» ذكرت الآية (257) من سورة البقرة. {والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.

3 ـ «الهداية الإلهية» مثلما جاء في الآية (122) من سورة الأنعام {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}؟!

4 ـ «الدين الإسلامي» كما نقرأ في الآية (32) من سورة التوبة: {ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}.

5 ـ النّبي الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ نقرأ عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية (46) من سورة الأحزاب: {وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً}.

6 ـ الأئمة الأطهار: كما جاء في الزيارة الجامعة لهم: «خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقّين». وكذلك في نفس هذه الزيارة «وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار».

7 ـ «العلم والمعرفة» حيث عُرِّف بالنور كما جاء في الحديث المشهور «العلم نور يقدفه الله في قلب من يشاء».

كلّ هذه من جهة، ومن الجهة الأُخرى علينا التدقيق في خصائص النور وميزانه، ليتّضح أنَّه يمتاز بما يلي:

1 ـ النور أجمل وألطف ما في العالم، وهو مصدر لكلّ جمال ولطف!

2 ـ النور أسرع الأشياء، كما ثبت لمشهوري العلماء الكبار في العالم، إذ تبلغ سرعته ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثّانية. وبإمكانه الدوران حول الكرة الأرضية سبع مرات في طرفة عين (أقلّ من ثانية واحدة).

ولهذا السبب تقاس المسافات الهائلة بين النجوم فقط بسرعة الضوء، والوحدة المستعملة في هذا المجال هي السنة الضوئية، أي: المسافة التي يقطعها الضوء وهو بتلك السرعة الهائلة ـ في سنة واحدة.

3 ـ بالنور يمكن مشاهدة الأشياء في العالم، ومن دونه يستحيل رؤية أيّ شيء، فالنور ظاهر بنفسه ومظهر لغيره.

4 ـ إنّ ضوء الشمس يُعدّ من أهم أنواع النور في عالمنا، فهو ينمي الأزهار والنباتات وبه تستمرّ الحياة، بل هو رمز بقاء المخلوقات الحيّة، ولا يمكن لموجود حيّ أن يستمرّ في الحياة دون أن يستفيد من نور الشمس بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

5 ـ ثبت اليوم أن جميع الألوان يمكن مشاهدتها بنور الشمس أو الأنوار الأُخرى، وَلولاها لعاشت المخلوقات في عتمة قاتمة.

6 ـ إنّ جميع أنواع الطاقة الموجودة في محيطنا (باستثناء الطاقة النووية) مصدرها الشمس من قبيل حركة الرياح، سقوط المطر، وحركة الأنهر والوسائط فيها والشلالات ولو دققنا في حركة جميع المخلوقات الحية لوجدناها ترتبط بنور الشمس.

مصدر الحرارة وتدفئة الأحياء كلها هو الشمس، حتى أن حرارة النار المتولدة من الخشب أو الفحم أو الفحم الحجري أو النفط ومشتقاته مصدرها حرارة الشمس. لأنّ هذه الأشياء بِحسب الدراسات العلمية تعود إلى النباتات أو الحيوانات، وهذه بدورها قد استفادت من نور الشمس وحرارتها، فخزنت الفائض منها في جسمها، لهذا فإنّ حركة المحركات والمكائن أيضاً من بركات الشمس.

7 ـ نور الشمس قاتل الميكروبات والمخلوقات المضرّة، وبفقدان هذا النور تتبدّل الأرض إلى مستشفىً كبير قد ابتلي سكانها بأنواع الأمراض ويصارعون الموت بين لحظة وأُخرى!

وكلما دققنا في عالم النور الذي يشكل ظاهرة فريدة، يتّضح لنا أثرهُ البالغ الأهمية وبركاته العظيمة.

وبملاحظة هاتين المقدمتين إذا أردنا تشبيه الذات المقدسة لربّ العالمين (رغم منزلته العظيمة التي لا نظير لها ولا شبيه) فلا نجد خيراً من النور؟! الله الذي خلق كل شيء في عالم الوجود ونوّره، فأحيا المخلوقات الحية ببركته، ورزقها من فضل، ولو انقطعت رحمته عنها لحظة، لأصبح الجميع في ظلمات الفناء والعدم.

وممّا يلفت النظر أنّ كل مخلوق يرتبط بالله بمقدار معين يكتسب من النور بنفس ذلك المقدار:

القرآن نور لأنّه كلام الله.

والدين الإسلامي نور لأنّه دينه.

الأنبياء أنوار لأنّهم رسله.

والأئمّة المعصومون(عليهم السلام) أنوار إلهية، لأنّهم حفظة دينه بعد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

والإيمان نور، لأنّه رمز الإلتحام به سبحانه وتعالى.

والعلم نور، لأنّه السبيل إلى معرفته ـ عزَّوجلَّ ـ .

ولهذا: اللّه نور السموات والأرض.

وإذا استعملنا كلمة «النور» بمعناها الواسعِ، أي الظاهر في ذاته والمظهر لغيره في هذه الحالة يصبح استعمال كلمة النور الذات الله المقدسة حقيقة ولا تشبيه فيها، لأنّه لا يوجد أظهر من الله تعالى في العالم، وكلّ الأشياء تظهر من بركاتِ وجودِه.

وجاء في كتاب التوحيد، عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حين سئل عن معنى قوله تعالى:{الله نور السموات والأرض} قال «هادِ لأهل السموات، وهاد لأهل الأرض».

وهذه في الواقع واحدة من خصائص النور الإِلهي، ولا يمكن حصره بهذه الخصيصة، ولهذا يمكن جمع كلّ ما قيل في تفسير هذه الآية، وكلّ تفسير هوإشارة إلى أحدِ أَبعادِ هذا النور الذي لا مثيل له.

والجديرُ بالذكر ما جاء في الفقرة السابعة والأربعين من دعاء الجوشن الكبير الذي يحتوي على صفاتِ الله تعالى: «يا نور النور، يا منور النور، يا خالق النور، يا مدبر النور، يا مقدر النور، يا نور كلّ نور، يا نوراً قبل كلّ نور، يا نوراً بعد كلّ نور، يا نوراً فوق كلّ نور، يا نوراً ليس كمثله نور» وبهذا تأخذ أنوار الوجود نورها من نوره وتنتهي بنوره الطاهر.

وقد أوضح القرآن بعد بيانه الحقائق السالفة ذلك، إذْ ذكر مثالا رائعاً دقيقاً لكيفية النور الإلهي: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسّه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}.

ولشرح هذا المثال يجب الإلمام بعدة أُمور:

«المشكاة» في الأصل تعني الكُوّة التي تخصص في الجدار لوضع المصابيح الزيتية فيها لحفظها من الرياح، وأحياناً تبنى في الجدار فتحة صغيرة، يغطى جانبها المشرف على ساحة الدار بالزجاج، لإضاءة داخل وخارج الغرفة كما تحفظ المصباح من الرياح. كما تطلق هذه الكلمة على وعاء (الفانوس القديم) يصنع من زجاج على شكل متوازي المستطيلات له باب وفتحة في أعلاه لخروج الهواء الساخن. وكانوا يضعون المصباح فيه.

وباختصار نقول: إنّ المشكاة محفظة للمصباح من الرياح الشديدة، وغالباً ما يثبت في الجدار لتركيزِ الضوء وسهولة انعكاسِه.

«الزجاجة» تطلق في الأساس على الأحجار الشفّافة، وسَمّيت الصفائح الشفافة بالزجاج لأنّها تصنع من مواد معدنية، والزجاجة هنا تعني الزجاجة التي توضع فوق المصباح لتحفظ شعلته، وتنظّم جريانَ الهواء، لتزيد من نور الشعلة.

«المصباح» يتألف من وعاء للزيت وفتيل.

عبارة {يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية} تشير إلى الطاقة التي تُجَهِّز هذا المصباحَ بوقود لا ينضب معينه. وزيت الزيتون من أجود الوقود المستعمل للمصابيح، ثمّ أن هذا الزيت يُحْصَلُ عليه من زيتون شجر يتعرّض للشمسِ من جميعِ جوانبه بشكل متساو، لا أن تكون الشجره في الجانب الشرقي مِنَ البستان وبجانب حائط يمنع وصول أشعة الشمس إليها، كما لا تكون في جهة الغرب ليتعرض جانب واحد منها على أشعة الشمس، فلا تنضج ثمرتها بصورة جيدة ولا يكون زيتها نقياً وصافياً.

وبعد هذا الإيضاح يتبيّن أنّنا للإِستفادة من نور المصباح بإشعاع قويّ نحتاج إلى توفر أربعة أشياء.

«محفظة للمصباح» لا تقلل من نوره، بل تركز هذا النور وتعكسه و «زجاجة» تنظم جريان الهواء حول الشعلة، ويجب أن تكون شفّافة بدرجة لا تمنع تشعشع النور، و«مصباح» هو مصدر النور، وهو عبارة عن إناء فيه زيت وفي أعلاه الفتيل.

وأخيراً «مادة الإحتراق» صافية خالصة شفّافة مستعدة للإِشتعال بدرجة يتصوَّر فيها الإِنسان إنّها سوف تشعل لوحدها دون أن يمسّها قبس من النار.

كلّ هذه العبارات تكشف في الحقيقة عن ظاهر القضية.

ومن جهةُ أُخرى أورد كبار المفسّرين تفاسير عديدة بشأن هذا التشبيه وأنّه ما هو «المشبّه» ومن أيّ نور إلهي يكون:

قال البعض: المقصود هنا نور الهداية التي يجعله الله في قلوب المؤمنين، وبعبارة أُخرى: المقصود الإِيمان الذي استقرّ في قلوب المؤمنين.

وقال آخرون: إنّ المشبّه يعني هنا القرآن الذي ينير قلوب الناس.

وآخرون: إنّه اشارة إلى شخص النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم).

وآخرون: إنَّه إشارة إلى أدلة التوحيد والعدل الإِلهي.

وآخرون: إنّه روح الطاعةِ والتقوى التي هي أساسُ كلِّ خير وسعادة.

وفي الحقيقة فإنّ هذهِ التفاسير قد أوردت كلّ ما جاء في القرآن والأحاديث الإسلامية بعنوان مصاديق للنور، وجوهرها واحد، وهو نور الهداية بذاته، ومصدره القرآن والوحي ووجود الأنبياء، وينهل من أدلة التوحيد، ونتيجته التسليم بحكم الله والتمسك بالتقوى.

وتوضيح ذلك: إنّ نور الإيمان الموجود في قلوب المؤمنين يحتوي على العناصر الأربعة المتوفرة في المصباح المضيء، هي:

«المصباح» وهو شعلة الإيمان في قلب المؤمن يضيء طريق الهداية.

و«الزجاجة» هي قلب المؤمن ينظم الإيمان في ذاته ويحفظه من كل سوء.

و«المشكاة» صدر المؤمن، أو بعبارة أُخرى: شخصيته بما فيها وعيه وعلمه وفكرهُ الذي يصون إيمانه من الأعاصير والأخطار.

«شجرة مباركة زيتونة» هي الوحي الإِلهي الذي يكون بمنتهى الصفاء والطهارة وتوقد شعلة إيمان المؤمنين ـ في الحقيقة ـ من نورُ الله الذي ينير السموات والأرض وقد أشرق من قلوب المؤمنين، فأضاءَ وُجودَهم ونور وجوههم.

فتراهم يمزجون الأدلَّة العقلائية بنور الوحي، فيكون مصداق «نور على نور».

ولهذا ترى القلوب المستعدة لاستقبالِ النورِ الإِلهي تهتدي، وهي المقصودة بعبارة{يهدي الله لنوره من يشاء} وعلى هذا فإنَّ المحافظة على النور الإِلهي (نور الهداية والإِيمان) يستوجب توفر مجموعة من المعارف والعلوم والوعي والأخلاق وبناء الذات، من أجل أن تكون كالمشكاة تحفظ هذا المصباح.

كما تحتاج إلى قلب مستعد لينظَّمُ هذا النور الإِلهي كما تنظم الزجاجة شعلة المصباح.

وتحتاج إلى مدد من الوحي، ليمنحها طاقة مثلما تمنحها الشجرة التي سمّاها القرآن بعبارة {شجرة مباركة زيتونة}.

وتجب المحافظة على نورِ الوحي من التلوث والميول المادية والإنحراف إلى الشرق أو الغرب الذي يؤدّي إلى التفسخ والإندثار.

ولتعبيء قوى الإنسان بشكل سليم بعيداً عن كلّ فكر مستورد وانحراف، لتكون مصداقاً لـ {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار}.

وكلّ تفسير يتضمّن حكماً مسبقاً ويتضمّن ذوق المفسّر وعقيدته الخاصّة به، أو رغبةً يساريةً أو يمنيةً، أو خرافة يؤدي إلى تلويث سمعة هذه الشجرة المباركة، ويُقلل من تشعشع مصباحها. وأحياناً يُطفئه.

هذا هو المثال الذي ذكره اللهُ لنورِهِ في هذه الآية، وهو الذي أحاط بكلّ شيء علماً.

وممّا سلف يتّضح لنا أن ما ذكرته الرّوايات عن الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)بخصوص تفسير هذه الآية أنّ المشكاة هي قلب نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) والمصباح نور العلم، والزجاجة وصية علي(عليه السلام)، والشجرة المباركة إبراهيم الخليل(عليه السلام) الذي يرجع نسب بيت النبوّة إليه، وعبارة {لا شرقية ولا غربية} تعني نفي أيّ ميل إلى اليهودية والنصرانية فهو وجه آخر لنور الهداية والإيمان، ومصداق واضح لها، ولا يعني أنّ هذه الآية مختصة بهذا المصداق.

كما أنّ ما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ النور الإِلهي هو القرآن، أو الأدلة العقلائية، أو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بذاته، له جذور مشتركة بالتّفسير أعلاه.

وقد شاهدنا حتى الآن خصائص هذا النور الإِلهي، نور الهداية والإِيمان من خلال تشبيهه بمصباح قويّ الإضاءة.

ويجب أن نعرف الآن أين موضع هذا المصباح، وشكل موضعه؟ ليتّضح لنا ما كان ضرورياً إيضاحه في هذا المجال. لهذا تقول الآية التالية: إنّ هذه المشكاة تقع {في بيوت أذن الله أن ترفع} لكي تكون في مأمن من الشياطين والاعداء والانتهازيين {ويذكر فيها اسمه} ويتلى فيها القرآن والحقائق الإلهية.

وقد اعتبر العديد من المفسّرين هذه الآية مرتبطةً كما قلنا بالآية التي سبقتها(2). غير أن البعض من المفسّرين يرى أنّ هذه الجملة ترتبط بالجملة التي تليها، إلاّ أنّ ذلك بعيد عن الصواب.

أمّا ما أورده البعض وتساءل عن مدى تأثير هذا النور الباهر في البيوت

المذكورة بتلك الخصوصيات، فجوابه واضح، لأنّ البيوت التي ورد ذكرها في هذه الآية والتي يحرسها رجال أشداء يقظون، هم الذين يحفظون هذه المصابيح المنيرة، إضافة إلى أن هؤلاء الرجال يبحثون عن مصدرِ نور، فيهرعون إليه بعد أن يتعرّفون على موضع هذا النور.

ولكن ماالمقصود من هذه البيوت؟

الجواب يتّضح بما ذكرته آخر الآية من خصائص حيث تقول: أنّه في هذه البيوت يسبّح أهلها صباحاً ومساءاً: {يسبح له فيها بالغدو والآصال}(3).

{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} إنّ هذه الخصائص تكشف عن أنَّ هذه البيوت هي المراكز التي حُصِّنَتْ بأمر من الله، وأنّها مركز لذكر الله ولبيان حقيقة الإسلام وتعاليم الله، ويضم هذا المعنى الواسع المساجد وبيوت الأنبياء والأولياء خاصّة بيت النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبيت عليّ(عليه السلام). ولا دليل يؤيِّدُ حصرها من قبل بعض المفسّرين ـ بالمساجد أو بيوت الأنبياء وأمثالها.

وفي الحديث المروي عن الإمام الباقر(عليه السلام) «هي بيوت الأنبياء وبيت عليّ منها»(4).

وفي حديث آخر حيث سئل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا قرأ الآية، أي بيوت هذه؟ فقال: «بيوت الأنبياء» فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها، يعني بيت عليّ وفاطمة. قال: «نعم، من أفاضلها»(5).

وكل ذلك إشارة إلى مصاديق واضحة تذكرها الأحاديث كعادتها حين تفسير القرآن.

أجل، إنَّ كُلَّ مركز يقامُ بأمر من الله، ويذكر فيه اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال، وفيه رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله، فهي مواضع لمشكاة الأنوار الإلهية والإِيمان والهداية.

ولهذه البيوت عدّة خصائص:

أوّلها: أنّها شيّدتْ بأمر من الله.

والأُخرى: إن جدرانها رُفعت وأُحكم بناؤها لتمنع تسلل الشياطين.

وثالثها: أنها مركز لذكر الله.

وأخيراً: فإنّ فيها رجالا يَحْرسُونُها ليل نهار، وهم يسبحون الله، ولا تلهيهم الجواذب الدنيوية عن ذكر الله.

هذه البيوت بهذه الخصائص، مصادر للهداية والإِيمان.

ولابدّ من التنبيه إلى ورود كلمتين في هذه الآية هما «التجارة» و«البيع» وهما كلمتان تبدوان وكأنّ لهما معنىً واحداً، إلاّ أنّ الفرق بينهما هو أنّ التجارة عمل مستمر، والبيع يُنجز مرة واحدة، وقد تكون عابرة.

ويجب الإلتفاتُ إلى أنَّ الآية لم تقل: أنّ هؤلاء لا يمارسون أبداً التجارة والبيع بل قالت: إنّهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

إنّهم يخافون يوم القيامة والعدل الإِلهي الذي تتقلّب فِيْه القلوبُ والأبصار من الخوف والوحشة (ويجب الإنتباه إلى أنَّ الفعل المضارع، «يخافون» يدلّ على الإستمرار في الخوف، وهذا الخوف هو الذي دفعهم إلى تحمل مسؤولياتهم، ولبلوغ رسالتهم في الحياة).

وأشارت آخر هذه الآيات إلى الجزاء الوافي لحراس نور الهداية وعشّاق الحقّ والحقيقة، فقالت: {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله}، ولا عجب في ذلك، لأنّ الفضل الإلهي لمن كان جديراً به غير محدود: {والله يرزق من يشاء بغير حساب}.

وقال بعض المفسّرين عما تعنيه عبارة {أحسن ما عملوا} في هذه الآية، أنّها إشارة إلى جميع الأعمال الطيبة، سواء كانت واجبة أم مستحبة، صغيرة أم كبيرة.

ويرى آخرون أنّها إشارة إلى أنّ الله يكافيء الحسنة بعشر أمثالها، وأحياناً بسبعمائة مثلها، حيث نقرأ في الآية (160) من سورة الأنعام: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}. كما جاء في الآية (261) من سورة البقرة حول جزاء المنفقين في سبيل الله أنَّ المكافأة تعادل سبعمائة مرة أو ضعفها.

كما يمكن أن تفسّر العبارة السابقة بأنّ المقصود هو أنَّ الله يكافيء جميع أعمالهم بموجب أفضلها، ويشمل ذلك أبسط أعمالهم وأوسطها، حيث يجعلها الله بمستوى أفضل الأعمال حين منحه المكافأة.

وليس هذا بعيداً عن رحمة الله وفضله، والعدالة تقضي بمساواة المكافأة مع العمل في سبيل الله، إلاّ أنّ رحمة الله وسعتْ كلّ شيء، فهو يهب دون حساب ولا حدود، فذاته المقدسة غير محدودة، وأنعمه لا تنتهي، وكرمه عظيم لا حدود له.

 

________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج7،ص81-90.

2 ـ هكذا يكون تقدير الآية «هذه المشكاة في بيوت ... أو هذا المصباح في بيوت ... هذه الشجرة في بيوت ... نور الله في بيوت» في الوقت الذي يرى أصحاب التّفسير الثّاني أنّ عبارة «في بيوت»

تعود إلى كلمة «يسبّح»

ليكون معنى الآية (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)

أي في الصباح والمساء. إلاّ أن هذا التّفسير لا ينسجم مع وجود كلمة «فيها»

لأنّه يعد تكراراً لا داعي له، إضافة إلى عدم انسجامها مع الأحاديث الواردة بهذا الصدد (فتأملوا جيداً).

3 ـ «الغدو»

على وزن «علو» بمعنى الصبح

، ويقول الراغب الأصفهاني: الغدوة والغداة من أوّل النهار، وقوبل في القرآن بالآصال، نحو قوله (بالغدو والآصال)

وقوبل الغداة بالعشيِّ.

و«الآصال»

جمع «الأصل»

على وزن «رُسُلْ» وهو بدوره جمع للأصيل بمعنى العصر، والسبب في ذكر الغدو مفردة والآصال جمعاً؟ يقول فخر الرازي، لأنّ الغدو ذات بعد مصدري ولا يجمع المصدر.

4 ـ تفسير نورالثقلين، المجلد الثالث، ص 607.

5ـ تفسير مجمع البيان للآية موضع البحث.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .