أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2020
3176
التاريخ: 4-7-2020
3645
التاريخ: 20-5-2021
3270
التاريخ: 23-9-2020
2381
|
غيب رواة السلطة دور الأشتر في اليرموك !
وغَيَّبَ رواةُ السلطة بطولات الأشتر في اليرموك، أو نسبوها إلى غيره! وكذلك أدوار غيره من أبطال الشيعة ، مثل هاشم بن عتبة المرقال ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأخويه عمرو وأبان وابنه سعيد ، والمقداد بن الأسود فارس حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبي ذر الغفاري ، وكان قائداً لخمس مئة فارس .
فقد شهد هؤلاء معركة اليرموك ، كما شهدها القائد حذيفة بن اليمان ، وكان رسول أبي عبيدة بالفتح ، وعمرو بن معدي كرب ، وهو فارس له وزنه .
وشهدها عبادة بن الصامت بن أخ أبي ذر ، وقيس بن سعد بن عبادة وهو من الأبطال ، وأبو أيوب الأنصاري وهو من الفرسان القادة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري . . وأمثالهم .
قال ابن حبان في الثقات : 2 / 206 : « وكان ممن قتل باليرموك من المسلمين عمرو بن سعيد بن العاص ، وأبان بن سعيد بن العاص » .
وقال في تاريخ دمشق : 2 / 143 : « شهد اليرموك ألف رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيهم نحو من مائة من أهل بدر » .
وقد دامت المعركة أربعة أيام ، كما روى الواقدي . ( فتوح الشام : 1 / 211 ) .
فلماذا لم يرووا بطولات هؤلاء ، وجعلوا المعركة كأنها لخالد بن الوليد ، وآخرين من أتباع السلطة ، مع أن غيرهم أهل البطولات الحقيقية ، وأولاء أهل البطولات الإستعراضية ، وبعضهم مات من سنين كضرار بن الأزور !
لقد اتخذت السلطة قراراً مشدداً بتغييب أخبار شيعة علي ( عليه السلام ) وبطولاتهم التي حققت النصر ، فأهملها الرواة أو غيرها الراوي أو حرفها ، حتى لا يتهموه بالتشيع ، وهي تهمة تكفي لتدمير حياته !
لذلك صرت تقرأ اليرموك حتى عند الراوي الحكومي المعتدل ، كالطبري والبلاذري ، فتجده يختار رواياته بحذر ، حتى لا يمدح المخالفين للسلطة !
وأقلهم حذراً الواقدي، لأنه كتب مغازيه في عصر ضعفت فيه رقابة الخلافة ضد أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فروى روايات تعتبر كفراً عند من تأخر عنه! لكنه خلطها للأسف، أو رواة كتبه، بالمبالغة والأسطورة لمصلحة أتباع السلطة.
وشبيهٌ به ابن الأعثم في كتابه الفتوح، والى حد الكلاعي الأندلسي، سليمان بن موسى، في كتابه: الاكتفاء بسيرة المصطفى، وهو أندلسي توفي سنة 634 .
لذلك تجد في هذه الكتب تفصيلات هي في غيرها إشارات، أو لا وجود لها !
وقد وصف الواقدي وقعة اليرموك، فأطال في أخبار استعداد هرقل ، وأنه أرسل أحد قادته جرجير إلى المسلمين ليفاوضهم ، ففشلت المفاوضات .
ثم أرسل ملك غسان جبلة بن الأيهم ملك سوريا والعرب ، الذين هم مع الروم ، وكان عددهم كما قال الواقدي ستين ألفاً ، ففشلت المحادثات ، وتحداه خالد بن الوليد بأنه سيواجههم بستين فارساً فقط ويهزمهم !
وزعمت رواية الواقدي أن خالداً حارب الستين ألفاً بستين فارساً ، فقتلوا منهم كثيراً وهرب الباقون ، كلهم أجمعون أكتعون أبصعون !
ثم روى الواقدي اللقاءات المزعومة لخالد بماهان القائد العام لقوات الروم ، وأنه تحداه بخشونة وقسوة بدوية ، وكأنها قيمة إسلامية يفتخر بنقلها الرواة !
مع أن عمر بن الخطاب قد عزل خالد بن الوليد وأهانه ، قبل معركة اليرموك !
قال الواقدي : 2 / 146 : « نزلوا خلف اليرموك وجعلوا أذرعات خلف ظهورهم ، ونزلت الروم فيما بين دير أيوب إلى ما يليها من نهر اليرموك بينهم النهر ، فعسكروا هنالك أياماً ، فبعث ماهان صاحبهم إلى خالد بن الوليد : إن رأيت أن تخرج إلي في فوارس وأخرج إليك في مثلهم أذكرك أمراً لنا ولكم فيه صلاح وخير ، ففعل خالد بن الوليد فوافقه ملياً ، فكان فيما عرض عليه إذ قال : قد علمت أن الذي أخرجكم من بلادكم غلاء السعر وضيق الأمر بكم ، وإني قد رأيت أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وراحلة تحمل حملها من الطعام والكسوة والأدم ، فترجعون بها إلى بلادكم وتعيشون بها أهاليكم سنتكم هذه ، فإذا كان قابل بعثتم إلينا فبعثنا إليكم بمثله ، فإنا قد جئناكم من الجيوش والعدد بما لا قبل لكم به !
فقال خالد: ما أخرجنا من بلادنا الجوع ولا ضيق الأمر، ولكنا معشر العرب نشرب الدماء، فحدثنا أن لا دماء أحلى من دماء الروم، فأقبلنا نهريق دماءكم ونشربها ! قال : فنظر أصحابه بعضهم إلى بعض وقالوا : هذا ما كنا نحدث به عن العرب من شربها الدماء » ! وتاريخ دمشق: 2 / 146 .
ولك أن تقايس كلام خالد بكلام الأشتر عندما برز لماهان ودعاه إلى الإسلام !
كما روى الواقدي ذهاب خالد في وفد إلى مقر قيادة ماهان فقال : 1 / 186 : « فلما أشرف خالد بن الوليد ومن معه على عساكر الروم ، نظر المسلمون إلى عساكر الروم وهم خمسة فراسخ في العرض ! وعن نوفل بن دحية أن خالد بن الوليد لما ترجل عن جواده وترجل المائة ، جعلوا يتبخترون في مسيرهم ويجرون حمائل سيوفهم ، ويخترقون صفوف الحجاب والبطارقة ، ولا يهابون أحداً ، إلى أن وصلوا إلى النمارق والفراش والديباج ، ولاح لهم ماهان وهو جالس على سريره ، فلما نظر أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ما ظهر من زينته وملكه ، عظموا الله تعالى وكبروه ، وطرحت لهم الكراسي فلم يجلسوا عليها ، بل رفع كل واحد منهم ما تحته وجلسوا على الأرض ! فلما نظر ماهان إلى فعلهم تبسم وقال : يا معاشر العرب ، لمَ تأبون كرامتنا ، ولمَ أزلتم ما تحتكم من الكراسي وجلستم على الأرض ، ولم تستعملوا الأدب معنا ، ودستم على فراشنا ؟ قال فقال خالد بن الوليد : إن الأدب مع الله تعالى أفضل من الأدب معكم ، وبساط الله أطهر من فرشكم لأن نبينا محمداً ( صلى الله عليه وآله ) قال : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، ثم قرأ قوله تعالى : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى . . » .
فكأن العامية والخشونة والمبالغة، جزءٌ من الدين والتقوى، عند هؤلاء الرواة !
ومن هذه المبالغات العنترية مدح الواقدي لعبد الرحمن بن أبي بكر، بأنه برز لاثنين معاً ولم يقبل أن يعاونه أحد، مع أن هذا لا يقع في الحرب !
قال في فتوح الشام / 1 / 195: «ونظر العلجان إلى صاحبهما مجندلاً فحملا على عبد الرحمن وقصداه، فأراد قيس بن هبيرة أن يعاونه عليهما، فقال له عبد الرحمن: سألتك برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبحق أبي بكر إلا تركت عبد الرحمن يصطلي بهما، فإن قتلت فأنت شريكي في الثواب ، وأقرئ عائشة مني السلام ، وقل لها أخوك قد لحق ببعلك وأبيك . فتأخر قيس عنه وقد عجب من فعاله، فحمل عبد الرحمن على أحد العلجين وهو الأول فطعنه برمحه فاشتبك السنان في درعه، فرمى عبد الرحمن الرمح من يده وانتضى سيفه، وقام في الركاب وضرب العلج بسيفه ضربة طرحه بها نصفين ، ونظر العلج الثالث إلى عبد الرحمن وجرأته ، فبقى حائراً متعجباً من حاله ونظر إلى البطريق وهو متحير باهت ، فبانت له فيه غفلة فقال ما يوقفك يا قيس ، وحمل على البطريق وضربه ضربة هشم بها هامته ، فسقط إلى الأرض صريعاً » .
أما ضرار بن الأزور ، الذي قُتل في اليمامة ، فقد أحياه الرواة بعد سنين في معركة اليرموك ، فكان إلى جانب خالد دائماً ، وملأت أساطيره الصفحات !
وحتى أبو هريرة الذي لم يُقاتل كل عمره ولم يضرب بسيف ، صار عند الرواة أسداً في اليرموك ، ببركة طاعته للسلطة ! قال الواقدي في فتوح الشام : 1 / 206 : « وحملت دوس مع أبي هريرة ، وهزَّ رايته ، وهو يحرض قومه على القتال ، ويقول : أيها الناس سارعوا إلى معانقة الحور العين في جوار رب العالمين ، وما من موطن أحب إلى الله من هذا الموطن . ألا وإن الصابرين قد فضلهم الله على غيرهم الذين لم يشهدوا مشهدهم . فلما سمعت دوس كلامه طافوا به ، وحملوا على الروم حملة منكرة ، ودارت بينهم الحرب كما تدور الرحى ، وتكاثرت جموع الروم على ميمنة المسلمين فعادت الخيل تنكص بأذنابها ، راجعة على أعقابها منكشفة ، كانكشاف الغنم بين أيدي الأسد » .
لكن بطولات الأشتر ظهرت من بين السطور
وتفضل الواقدي وغيره فاعترفوا بحقائق مذهلة عن بطولة مالك الأشتر ! فقال في كتابه فتوح الشام : 1 / 223 : « ثم قال البطريق : قد تعين عليَّ الجهاد وأن أؤدي فرض المسيح ولا بد لي من المبارزة . قال : فتركه ماهان فخرج ، وكان اسمه جرجيس ، وكان عليه درع وعلى الدرع ثوب حديد متقلد بسيفه ومعه قنطارية ( علم صغير عليه صليب ) وعوَّذته القسوس وبَخَّروه ببخور الكنائس وأقبل إليه راهب عمورية وأعطاه صليباً كان في عنقه ، وقال هذا الصليب من أيام المسيح يتوارثه الرهبان ويتمسحون به ، فهو ينصرك فأخذه جرجيس ونادى البراز بكلام عربي فصيح حتى ظن الناس أنه عربي من المتنصرة ، فخرج إليه ضرار بن الأزور كأنه شعلة نار فلما قاربه ونظر إليه والى عظم جثته ندم على خروجه بالعدة التي أثقلته ، فقال في نفسه وما عسى يغني هذا اللباس إذا حضر الأجل ، ثم رجع مولياً فظن الناس أنه ولى فزعاً ، فقال قائل منهم إن ضرار قد انهزم من العلج ، وما ضبط عنه قط أنه انهزم وهو لا يكلم أحداً ، حتى صار إلى خيمته ونزع ثيابه وبقي بالسراويل ، وأخذ قوسه وتقلد بسيفه وجحفته وعاد إلى الميدان ، كأنه الظبية الخمصاء فوجد مالكاً النخعي قد سبقه إلى البطريق ، وكان مالك من الخطاط إذا ركب الجواد تسحب رجلاه على الأرض ، فنظر ضرار فإذا بمالك ينادي العلج : تقدم يا عدو الله يا عابد الصليب إلى الرجل النجيب ناصر محمد الحبيب ! فلم يجبه العلج لما داخله من الخوف منه .
قال : فجال عليه وهمَّ أن يطعنه فلم يجد للطعنة مكاناً لما عليه من الحديد فقصد جواده وطعنه في خاصرته ، فأطلع السنان يلمع من الجانب الآخر ، فنفر الجواد من حرارة الطعنة ، وهمَّ مالك أن يخرج الرمح فلم يقدر ، لأنه قد اشتبك في ضلوع الجواد وهو على ظهره ، لم يقدر أن يتحرك لأنه مزرر في ظهر الجواد بزنانير إلى سرجه . فنظر المسلمون إلى ضرار وقد أسرع إليه مثل الظبية حتى وصل إليه وضربه بسيفه على هامته فشطرها نصفين ، وأخذ سلبه .
فأتاه مالك وقال : ما هذا يا ضرار ، تشاركني في صيدي ! فقال : ما أنا بشريكك وإنما أنا صاحب السلب وهو لي ، فقال مالك : أنا قتلت جواده . فقال ضرار : رب ساع لقاعد ، آكل غير حامل . فتبسم مالك وقال : خذ صيدك هنأك الله به . قال ضرار : إنما أنا مازح في كلامي خذه إليك ، فوالله ما آخذ منه شيئاً وهو لك وأنت أحق به مني . ثم انتزع سلب العلج وحمله على عاتقه ، وما كاد أن يمشي به وهو يتصبب عرقاً . قال زهير بن عابد : ولقد رأيته وهو يسير به وهو راجل ومالك فارس ، حتى طرحه في رحل مالك .
فقال أبو عبيدة : بأبي وأمي والله قوم وهبوا أنفسهم لله ، وما يريدون الدنيا .
قال : فلما قتل البطريق قُص جناح ماهان ، فصاح بقومه وجمعهم إليه وقال لهم : إسمعوا يا أصحاب الملك وبلغوه عني ، أني ما تركت جهدي في نصرة هذا الدين وحاميت عن الملك وقاتلت عن نعمته ، وما أقدر أن أغالب رب السماء ، لأنه قد نصر العرب علينا وملكهم بلدنا . والآن مالي وجه أرجع به إلى الملك ، حتى أخرج إلى الحرب وأبرز إلى مقام الطعن والضرب ، وعزمت أن أسلم الصليب إلى أحدكم وأبرز إلى قتال المسلمين ، فإن قتلت فقد استرحت من العار ومن توبيخ الملك لي ، وإن رزقت النصر وأثرت في المسلمين أثراً ، ورجعت سالماً ، علم الملك أني لم أقصر عن نصرته . فقالوا : أيها الملك ، لا تخرج إلى الحرب حتى نخرج نحن إلى القتال قبلك ، فإذا قتلنا فافعل بعدنا ما شئت .
قال : فحلف ماهان بالكنائس الأربع ، لا يبرز أحد قبله ! قال : فلما حلف أمسكوا عنه وعن مراجعته ، ثم إنه دعا بابن له فدفع إليه الصليب وقال : قف مكاني . وقُدم لماهان عِدة فأفرغت عليه . قال الواقدي : وبلغنا أن عدته التي خرج بها إلى الحرب تقومت بستين ألف دينار ، لأن جميعها كان مرصعاً بالجوهر .
فلما عزم على الخروج تقدم له راهب من الرهبان فقال: أيها الملك ما أرى لك إلى البراز سبيلاً، ولا أحبه لك. قال: ولمَ ذلك؟ قال : لأني رأيت لك رؤيا فارجع ودع غيرك يبرز . فقال ماهان: لست أفعل والقتل أحب إلي من العار! قال : فبخروه وودعوه ، وخرج ماهان إلى القتال ، وهو كأنه جبل ذهب يبرق ، وأقبل حتى وقف بين الصفين ودعا إلى البراز ، وخوف باسمه ، فكان أول من عرفه خالد بن الوليد فقال : هذا ماهان ، هذا صاحب القوم قد خرج . ووالله ما عندهم شئ من الخير ! ( ولم يبرز إليه خالد ولا أبو عبيدة ) !
قال : وماهان يُرَعِّبُ باسمه ، فخرج إليه غلام من الأوس وقال : والله أنا مشتاق إلى الجنة ، وحمل ماهان وبيده عمود من ذهب كان تحت فخذه ، فضرب به الغلام فقتله ، وعجل الله بروحه إلى الجنة . قال أبو هريرة : فنظرت إلى الغلام عندما سقط وهو يشير بإصبعه نحو السماء ، ولم يهله ما لحقه ، فعلمت أن ذلك لفرحه بما عاين من الحور العين .
قال: فجال ماهان على مصرعه وقوي قلبه، ودعا إلى البراز فسارع المسلمون إليه، فكلٌّ يقول: اللهم اجعل قتله على يدي. (لم يسم الراوي من استعد لمبارزته!) .
وكان أول من برز مالك النخعي الأشتر وساواه في الميدان، فابتدر مالك ماهان بالكلام وقال له: أيها العلج الأغلف لا تغتر بمن قتلته، وإنما اشتاق صاحبنا إلى لقاء ربه، وما منا إلا من هو مشتاق إلى الجنة، فإن أردت مجاورتنا في جنات النعيم فانطق بكلمة الشهادة أو أداء الجزية، وإلا فأنت هالك لا محالة! فقال له ماهان: أنت صاحب خالد بن الوليد؟ قال: لا أنا مالك النخعي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال ماهان: لا بد لي من الحرب، ثم حمل على مالك وكان من أهل الشجاعة فاجتهدا في القتال، فأخرج ماهان عموده وضرب به مالكاً على البيضة التي على رأسه، فغاصت في جبهة مالك فشترت عينيه، فمن ذلك اليوم سمي بالأشتر .
قال: فلما رأى مالك ما نزل به من ضربة ماهان عزم على الرجوع، ثم فكر فيما عزم عليه، فدبر نفسه وعلم أن الله ناصره، والدم فائر من جبهته، وعدو الله يظن أنه قتل مالكاً، وهو ينظره متى يقع عن ظهر فرسه، وإذا بمالك قد حمل وأخذته أصوات المسلمين يا مالك إستعن بالله يعينك على قرينك. قال مالك: فاستعنت بالله عليه وصليت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضربته ضربة عظيمة فقطع سيفي فيه قطعاً غير موهن، فعلمت أن الأجل حصين. فلما أحسن ماهان بالضربة ولى ودخل في عسكره !
قال الواقدي : ولما ولى ماهان بين يدي مالك الأشتر منهزماً ، صاح خالد بالمسلمين : يا أهل النصر والبأس احملوا على القوم ما داموا في دهشتهم ، ثم حمل خالد ومن معه من جيشه ( الخمس مئة ) وحمل كل الأمراء بمن معهم ، وتبعهم المسلمون بالتهليل والتكبير ، فصبرت لهم الروم بعض الصبر حتى إذا غابت الشمس وأظلم الأفق ، انكشف الروم منهزمين بين أيديهم ، وتبعهم المسلمون يأسرون ويقتلون كيف شاءوا ، فقتلوا منهم زهاء من مائة ألف وأسروا مثلها ، وغرق في الناقوصة منهم مثلها وأمم لا تحصى ، وتفرق منهم في الجبال والأودية وخيول المسلمين من ورائهم يقتلون ويأسرون ، ويأتون من الجبال بالأسارى .
ولم يزل المسلمون يقتلون ويأسرون إلى أن راق الليل فقال أبو عبيدة: أتركوهم إلى الصباح فتراجعت المسلمون، وقد امتلأت أيديهم من الغنائم والسرادقات وآنية الذهب والفضة، والزلازل (السجاد) والنمارق والطنافس .
قال الواقدي : ووكل أبو عبيدة رجالاً من المسلمين بجمع الغنائم ، وبات المسلمون فرحين بنصر الله حتى أصبحوا ، فإذا ليس للروم خبر ، ووقع أكثرهم في الناقوصة في الليل » . انتهى .
أقول : يفهم من الرواية أن الأشتر ضرب ماهان ، ففرَّ جريحاً ، فذهل الروم وتغيرت كفة المعركة لصالح المسلمين ! ولم تقل الرواية إن ماهان مات كما لم تنف موته ! لكنه مات من ضربة الأشتر ، كما نص الكلاعي ، ثم برز بطل آخر إلى الأشتر فقتله ، فكانوا ثلاثة مبارزة ، ثم حمل عليهم يقصد قادتهم فقتل ثمانية ، فصاروا أحد عشر !
قال الكلاعي في الاكتفاء : 3 / 273 ، يصف الأشتر : « كان من جلداء الرجال وأشدائهم ، وأهل القوة والنجدة منهم ، وأنه قتل يوم اليرموك قبل أن ينهزموا أحد عشر رجلاً من بطارقتهم ، وقتل منهم ثلاثة مبارزة » !
وقوله قبل أن ينهزموا يعني أن ذلك كان في أول المعركة ، وأنه أثَّر في هزيمتهم .
واليه تشير رواية الطبري : 3 / 74 : « فهزمت الروم وجموع هرقل التي جمع ، فأصيب من الروم أهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفاً ، وقتل الله الصقلار وباهان ، وقد كان هرقل قدمه مع الصقلار » .
فالأول الذي زعموا أن ضراراً قتله هو جرجيس ، هو جرجة الذي زعموا أنه أسلم على يد خالد ! والثاني باهان وهو ماهان ، فلا بد أن يكون الثالث صقلار .
ومما يؤيد ذلك أنهم نسبوا قتل ماهان إلى مجهول ، أو قالوا : اختلف فيمن قتله ! وكذلك طمسوا مبارزات الأشتر ، وأسماء القادة الأحد عشر الذين قتلهم !
وفي تاريخ دمشق : 56 / 379 : « وكان الأشتر الأحسن في اليرموك ! قالوا لقد قتل ثلاثة عشر » .
نسبوا بطولات الأشتر إلى ضرار وهو ميت !
يحرص رواة السلطة على عدم ذكر بطولات من لا تحبهم السلطة ، ويعرفون كما كان الحكام يبغضون الأشتر ، لأنه يمثل التحدي في خط علي ( عليه السلام ) كما مَثَّلَ علي ( عليه السلام ) التحدي في خط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد اضطهد معاوية وبنو أمية النخعيين وطاردوهم ، حتى تركوا النسبة إلى النخع ، وانتسبوا إلى جذمهم الأكبر مذحج ، فقالوا المذحجي بدل النخعي !
ويكفي إثباتاً لهوى رواة السلطة أنهم نسبوا بطولات الأشتر وخالد بن سعيد وغيرهما إلى أشخاص منهم ضرار بن الأزور الذي قتل قبل سنوات في اليمامة ، فأحيوه ونسبوا إليه بطولات في اليرموك ومرج الصفر وأجنادين !
بل لو جمعنا أساطيرهم في بطولات ضرار بن الأزور لصارت جزءاً ، لأنه مطيعٌ للسلطة ، فينبغي أن يصل إليه راتبه ومخصصاته حتى بعد موته !
بينما قال في الطبقات : 6 / 39 : « وقاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة أشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعاً ، فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخيل ، حتى غلبه الموت . قال محمد بن عمر ( الواقدي ) : قال عبد الله بن جعفر : مكث ضرار بن الأزور باليمامة مجروحاً قبل أن يرحل خالد بن الوليد بيوم ، فمات . وقد كان قال قصيدته التي على الميم . قال محمد بن عمر : وهذا أثبت عندنا من غيره » .
وتأكيد الواقدي على وفاة ضرار في اليمامة ، ينفي ما رواه الواقدي نفسه من بطولات ضرار في فتوح الشام ، بل يوجب الشك في وقوع تغيير في كتابه !
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق : 24 / 383 : « وقال محمد بن عمر ( الواقدي ) : مكث ضرار باليمامة مجروحاً ، فقبل أن يرحل خالد بيوم مات ضرار ، وقد قال قصيدته التي على الميم . قال محمد بن عمر : وهذا أثبت عندنا من غيره » .
وقال الحاكم : 3 / 237 ، عن ضرار : « شهد يوم اليمامة فقاتل أشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعاً ، فجعل يجثو على ركبتيه ويقاتل ، وتطأه الخيل حتى غلبه الموت » .
وقال ابن حجر في الإصابة : 3 / 483 ، ونحوه تعجيل المنفعة / 195 : « واختلف في وفاته فقال الواقدي : استشهد باليمامة ، وقال موسى بن عقبة : بأجنادين ، وصححه أبو نعيم . وقال أبو عروبة الحراني : نزل حران ومات بها ، ويقال شهد اليرموك وفتح دمشق ، ويقال مات بدمشق . فروى البخاري في تاريخه من طريق بن المبارك عن كهمس عن هارون بن الأصم قال : جاء كتاب عمر وقد توفي ضرار فقال خالد ما كان الله ليخزي ضراراً . وأخرجه يعقوب بن سفيان مطولاً من هذا الوجه فقال : كان خالد بعث ضراراً في سرية ، فأغاروا على حي من بني أسد فأخذوا امرأة جميلة ، فسأل ضرار أصحابه أن يهبوها له ففعلوا فوطأها ثم ندم فذكر ذلك لخالد فقال : قد طيبتها لك . فقال : لا حتى تكتب إلى عمر ، فكتب : إرضخه بالحجارة ! فجاء الكتاب وقد مات ، فقال خالد : ما كان الله ليخزي ضراراً . ويقال إنه الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد . ويقال إنه ممن شرب الخمر مع أبي جندب ، فكتب فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب إليه ادعهم فسائلهم ، فإن قالوا إنها حلال فاقتلهم ، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم . ففعل فقالوا إنها حرام » .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 2 / 747 : « عن ابن شهاب : قتل ضرار بن الأزور يوم أجنادين في خلافة أبي بكر . وقال غيره : توفي ضرار بن الأزور في خلافة عمر بالكوفة . وذكر الواقدي قال : قاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة قتالاً شديداً حتى قطعت ساقاه جميعاً فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخيل ، حتى غلبه الموت . وقد قيل مكث ضرار باليمامة مجروحاً ثم مات قبل أن يرتحل خالد بيوم . قال : وهذا أثبت عندي من غيره . وقد قيل مكث ضرار باليمامة مجروحاً ثم مات قبل أن يرتحل خالد بيوم . وهذا أثبت عندي من غيره » .
فهؤلاء كبار علمائهم يقولون إن ضراراً قتل في اليمامة قبل سنين من فتح الشام ، ومع ذلك نسبوا إليه بطولات ، بعضها مكذوبٌ من أصله ، وبعضها لغير الأشتر ، وبعضها للأشتر ، كقتل باهان أو ماهان ، قائد جيوش هرقل !
وحتى لو صح قول ابن شهاب الزهري أن ضراراً لم يقتل في اليمامة، فقد قتل في أجنادين، وهي قبل اليرموك بسنة ! فكيف نسبوا له البطولات في اليرموك ؟ !
وينبغي أن نختم هنا بسؤال: أين كان خالد بن الوليد وقادة الجيوش الأبطال عن مبارزة جرجيس والصقلار وماهان ، وعندما انهزم المنهزمون ؟ !
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية ينجز تصوير 39 مخطوطًا قديمًا نادرًا في قرية كاخك الإيرانية
|
|
|