أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2020
5222
التاريخ: 17-4-2020
11146
التاريخ: 13-4-2020
4191
التاريخ: 13-4-2020
7075
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَو أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } [الأحزاب : 51 ، 52]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} أي أعطيت مهورهن والإيتاء قد يكون بالأداء وقد يكون بالالتزام {وما ملكت يمينك} أي وأحللنا لك ما ملكت يمينك من الإماء {مما أفاء الله عليك} من الغنائم والأنفال فكانت من الغنائم مارية القبطية أم ابنه إبراهيم ومن الأنفال صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما {وبنات عمك} أي وأحللنا لك بنات عمك {وبنات عماتك} يعني نساء قريش {وبنات خالك وبنات خالاتك} يعني نساء بني زهرة {اللاتي هاجرن معك} إلى المدينة وهذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} أي وأحللنا لك امرأة مصدقة بتوحيد الله تعالى وهبت نفسها منك بغير صداق وغير المؤمنة إن وهبت نفسها منك لا تحل لك .
{إن أراد النبي أن يستنكحها} أي آثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نكاحها ورغب فيها {خالصة لك من دون المؤمنين} أي خالصة لك دون غيرك قال ابن عباس يقول لا يحل هذا لغيرك وهولك حلال وهذا من خصائصه في النكاح فكان ينعقد النكاح له بلفظ الهبة ولا ينعقد ذلك لأحد غيره واختلف في أنه هل كانت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) امرأة وهبت نفسها له أم لا فقيل إنه لم يكن عنده امرأة وهبت نفسها له عن ابن عباس ومجاهد وقيل بل كانت عنده ميمونة بنت الحرث بلا مهر قد وهبت نفسها للنبي في رواية أخرى عن ابن عباس وقتادة وقيل هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار عن الشعبي وقيل هي امرأة من بني أسد يقال لها أم شريك بنت جابر عن علي بن الحسين (عليهما السلام) والضحاك ومقاتل وقيل هي خولة بنت حكيم عن عروة بن الزبير وقيل إنها لما وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالت عائشة ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر فنزلت الآية فقالت عائشة ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((وإنك إن أطعت الله سارع في هواك)) .
{قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} معناه قد علمنا ما أخذنا على المؤمنين في أزواجهم من المهر والحضر بعدد محصور ووضعناه عنك تخفيفا عنك {وما ملكت أيمانهم} أي وما أخذنا عليهم في ملك اليمين أن لا يقع لهم الملك إلا بوجوه معلومة من الشراء والهبة والإرث والسبي وأبحنا لك غير ذلك وهو الصفي الذي تصطفيه لنفسك من السبي وإنما خصصناك على علم منا بالمصلحة فيه من غير محاباة ولا جزاف {لكيلا يكون عليك حرج} أي ليرتفع عنك الحرج وهو الضيق والإثم {وكان الله غفورا} لذنوب عباده {رحيما} بهم أو رحيما بك في رفع الحرج عنك .
ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخيره في نسائه فقال {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} أي تؤخر وتبعد من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء منهن واختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المراد تقدم من تشاء من نسائك في الإيواء إليك وهو الدعاء إلى الفراش وتؤخر من تشاء في ذلك وتدخل من تشاء منهن في القسم ولا تدخل من تشاء عن قتادة قال وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقسم بين أزواجه وأباح الله له ترك ذلك ( وثانيها ) أن المراد تعزل من تشاء منهن بغير طلاق وترد إليك من تشاء منهن بعد عزلك إياها بلا تجديد عقد عن مجاهد والجبائي وأبي مسلم ( وثالثها ) أن المراد تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء عن ابن عباس .
( ورابعها ) أن المراد تترك نكاح من تشاء من نساء أمتك وتنكح منهن من تشاء عن الحسن قال وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا خطب امرأة لم يكن لغيره أن يخطبها حتى يتزوجها أو يتركها ( وخامسها ) تقبل من تشاء من المؤمنات اللائي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء منهن فلا تقبلها عن زيد بن أسلم والطبري قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليه السلام) من أرجى لم ينكح ومن أوى فقد نكح .
{ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} أي إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن ذلك وتضمها إليك فلا سبيل عليك بلوم ولا عتب ولا إثم عليك في ابتغائها أباح الله سبحانه له ترك القسم في النساء حتى يؤخر من يشاء عن وقت نوبتها ويطأ من يشاء في غير وقت نوبتها وله أن يعزل من يشاء وله أن يرد المعزولة إن شاء فضله الله تعالى بذلك على جميع الخلق .
{ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن} معناه أنهن إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه بعد ما اعتزلهن قرت أعينهن ولم يحزن ويرضين بما يفعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من التسوية والتفضيل لأنهن يعلمن أنهن لم يطلقن عن ابن عباس ومجاهد وقيل معناه ذلك أطيب لنفوسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن لك الرخصة بذلك من الله تعالى ويرضين بما يفعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من التسوية والتفضيل عن قتادة وقرة العين عبارة عن السرور وقيل ذلك المعرفة منهن بأنك إذا عزلت واحدة كان لك أن تؤويها بعد ذلك أدنى بسرورهن وقرة أعينهن عن الجبائي وقيل معناه نزول الرخصة من الله تعالى أقر لأعينهن وأدنى إلى رضاهن بذلك لعلمهن بما لهن في ذلك من الثواب في طاعة الله تعالى ولوكان ذلك من قبلك لحزن وحملن ذلك على ميلك إلى بعضهن .
{والله يعلم ما في قلوبكم} من الرضاء والسخط والميل إلى بعض النساء دون بعض {وكان الله عليما} بمصالح عباده {حليما} في ترك معاجلتهم بالعقوبة .
{لا يحل لك النساء من بعد} أي من بعد النساء اللواتي أحللناهن لك في قوله إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن الآية وهن ستة أجناس النساء اللاتي آتاهن أجورهن أي أعطاهن مهورهن وبنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه ومن وهبت نفسها له يجمع ما شاء من العدد ولا تحل له غيرهن من النساء عن أبي بن كعب وعكرمة والضحاك وقيل يريد المحرمات في سورة النساء عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات .
{ولا أن تبدل بهن من أزواج} ولا أن تبدل الكتابيات بالمسلمات لأنه لا ينبغي أن يكن أمهات المؤمنين .
{ولو أعجبك حسنهن} أي وقع في قلبك حسنهن مكافاة لهن على اختيارهن الله ورسوله عن الحسن والشعبي وقيل إن التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب عنها وقيل إنه منع من طلاق من اختارته من نسائه كما أمر بطلاق من لم تختره فأما تحريم النكاح عليه فلا عن الضحاك .
وقيل أيضا إن هذه الآية منسوخة وأبيح له بعدها تزويج ما شاء فروي عن عائشة أنها قالت ما فارق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الدنيا حتى حلل له ما أراد من النساء وقوله {ولا أن تبدل بهن من أزواج} فقيل أيضا في معناه أن العرب كانت تتبادل بأزواجهم فيعطي أحدهم زوجته رجلا فيأخذ بها زوجة منه بدلا عنها فنهى عن ذلك وقيل في قوله {ولو أعجبك حسنهن} يعني إن أعجبك حسن ما حرم عليك من جملتهن ولم يحللن لك وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
{إلا ما ملكت يمينك} من الكتابيات فأحل له أن يتسراهن عن مجاهد وسعيد بن جبير وقيل معناه لا يحل لك النساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله وهن التسع صرت مقصورا عليهن وممنوعا من غيرهن ومن أن تستبدل بهن غيرهن .
{وكان الله على كل شيء رقيبا} أي عالما حافظا عن الحسن وقتادة .
____________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص170-176 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)
ذكر سبحانه في هذه الآيات أنواع النساء التي تحل للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، وترك له الخيار في أن يهجر من يشاء منهن ، ويعاشر من يشاء ، ثم حرم عليه أن يزيد على اللاتي عنده أو يبدل امرأة مكان امرأة ، وكان في عصمته حينذاك تسع ، والتفصيل فيما يلي :
1 – {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} . المراد بالأجور هنا المهور ، والإيتاء يكون بأداء المهر ، ويكون بالالتزام به في الذمة ، وتومئ الآية إلى أن للنبي أن يتزوج بأي عدد شاء ، وهذا من خصائصه .
وتسأل : ان عقد الزواج يصح حتى ولولم يذكر فيه المهر ، فلما ذا قيد سبحانه التحليل بالمهر ؟
الجواب : ان القيد هنا هو الالتزام بأداء ما تستحقه الزوجة من المهر ، لا بذكر المهر في متن العقد ، والتي لم يسمّ لها مهر في العقد تستحق مهر أمثالها ان دخل بها الزوج . . وكان مهر نساء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خمسمائة درهم ، وقدّر ب 25 ليرة ذهبية .
2 - {وما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} . من الفيء السبايا اللاتي كان يغنمها المسلمون بالحرب مع المشركين ، وتسمى السراري ، وقد أباحها اللَّه للنبي الكريم ولأمته بغير عدد .
3 - {وبَناتِ عَمِّكَ وبَناتِ عَمَّاتِكَ وبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ} . وتسأل : ان بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات يدخلن في النوع الأول من النساء ، فما هو الغرض من ذكرهن بالخصوص ؟
الجواب : غير بعيد أن يكون ذكرهن بالخصوص للتنبيه إلى أن الأليق بمقام الرسول أن يتزوج من القرشيات اللاتي هاجرن من دار الكفر إلى دار الإسلام ، أما المؤمنات منهن غير المهاجرات فالأولى ترك الزواج بهن .
سؤال ثان : ذكر أهل السير ان للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) عشرة أعمام ، وهم : العباس وحمزة وعبد اللَّه وأبو طالب والزبير والحارث وحجلا والمقوم وضرار وأبو لهب ، وست عمات ، وهن صفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة وأميمة وأروى وبرة ( السيرة النبوية لابن هشام ) . وقالوا : ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لم يكن له خال ولا خالة لأن أمه آمنة بنت وهب (عليه السلام) لا أخ لها ولا أخت . ( تفسير روح البيان ) . إذن ، ما هو الوجه لقوله تعالى : {وبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ} ؟
الجواب : المراد بأخوال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وخالاته عشيرة أمه بنو زهرة ، وكانوا يقولون : نحن أخوال النبي .
4 – {وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} . من خصائص النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ان يتزوج امرأة - ان شاء - وهبت له نفسها بلا مهر شريطة أن تكون مؤمنة . . أجل ، يجوز لغيره أن يتزوج بمهر ، ثم تهبه الزوجة مهرها كما يهب أي إنسان لمن يشاء ما يشاء من المال .
{قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} . حدد سبحانه للمؤمنين عدد الأزواج الأحرار ، واعتبر شروطا خاصة في نكاح الجواري ، وحرم عليهم من وهبت لهم نفسها بلا مهر ، وأطلق ذلك للرسول لكيلا يكون عليه حرج فيما أراد من النساء ، وللدلالة أيضا على عظيم منزلته ومكافأة له على جهوده ، واللَّه سبحانه أعلم بما يصلح الناس ، وغفور للمؤمنين ، ورحيم بهم .
{تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ} . في الآية السابقة أطلق سبحانه لنبيه الكريم الحرية في عدد الزوجات ، وفي هذه الآية جعل له الخيار في هجر من يشاء ومعاشرة من أراد منهن {ومَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ} . وله أيضا أن يعود إلى معاشرة من هجرها ، ويهجر من عاشرها ، وبتعبير بعض المتفاصحين له أن يقلب المقدم مؤخرا ، والمؤخر مقدما .
{ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولا يَحْزَنَّ ويَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} . ذلك إشارة إلى تفويض الأمر إلى مشيئة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، والمعنى انهن متى علمن ان الأمر إليك لا إليهن في التسوية بينهن رضيت كل واحدة بما تعطيها من المعاشرة قليلا كان أو كثيرا لعلمها بأن ذلك تفضل منك ، وليس بواجب عليك . . ومع هذا فقد كان النبي يساوي بين أزواجه {واللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ} من الميل إلى بعض الزوجات دون بعض ، واللَّه سبحانه لا يؤاخذ على ما في القلوب من حب أو بغض ، وانما يؤاخذ على العمل الذي لا يرتضيه ، وهذا المعنى هو المراد بقوله :
{وكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً} .
{لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ، ولا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ولَو أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) . ذكر المفسرون لهذه الآية ثلاثة معان أقربها إلى دلالة الظاهر أن اللَّه سبحانه بعد أن أباح للنبي أنواع النساء التي أشار إليها في الآية السابقة أوجب عليه في هذه الآية الاكتفاء بمن في عصمته فعلا ، وكنّ تسعا ، وحرم عليه أن يطلق واحدة منهن ويتزوج مكانها أخرى حتى ولو أعجبته ، وقوله تعالى : {ولو أعجبك حسنهن} يدل على أن للرجل أن ينظر إلى من يريد زواجها ، وقد أفتى بذلك الفقهاء استنادا إلى هذه الآية والى أحاديث عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) . {إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مما أفاء اللَّه عليك من المسبيات {وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} حتى على السرائر والضمائر : {وهُو مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ} - 4 الحديد .
____________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص230-233 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)
قوله تعالى : {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} إلى آخر الآية ، يذكر سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإحلال سبعة أصناف من النساء : الصنف الأول ما في قوله : {أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} والمراد بالأجور المهور ، والثاني ما في قوله : {وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} أي من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم والأنفال ، وتقييد ملك اليمين بكونه مما أفاء الله عليه كتقييد الأزواج بقوله : {اللاتي آتيت أجورهن} للتوضيح لا للاحتراز .
والثالث والرابع ما في قوله : {وبنات عمك وبنات عماتك} قيل : يعني نساء قريش ، والخامس والسادس ما في قوله : {وبنات خالك وبنات خالاتك} قيل : يعني نساء بني زهرة ، وقوله : {اللاتي هاجرن معك} قال في المجمع : ، هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل .
والسابع ما في قوله : {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها} وهي المرأة المسلمة التي بذلت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعنى أن ترضى أن يتزوج بها من غير صداق ومهر فإن الله أحلها له إن أراد أن يستنكحها ، وقوله : {خالصة لك من دون المؤمنين} إيذان بأن هذا الحكم - أي حلية المرأة للرجل ببذل النفس - من خصائصه لا يجري في المؤمنين ، وقوله بعده : {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم} تقرير لحكم الاختصاص .
وقوله : {لكيلا يكون عليك حرج} تعليل لقوله في صدر الآية : {إنا أحللنا لك} أولما في ذيلها من حكم الاختصاص والأول أظهر وقد ختمت الآية بالمغفرة والرحمة .
قوله تعالى : {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} إلخ ، الإرجاء التأخير والتبعيد ، وهو كناية عن الرد ، والإيواء : الإسكان في المكان وهو كناية عن القبول والضم إليه .
والسياق يدل على أن المراد به أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أورده .
وقوله : {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} ، الابتغاء هو الطلب أي ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها فلا إثم عليك ولا لؤم أي يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد .
ويمكن أن يكون إشارة إلى أن له (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم بين نسائه وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء ويعزل بعضهن من القسم فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل وهو أوفق لقوله بعده : {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى - أي أقرب - أن تقر أعينهن - أي يسررن - ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم} وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد .
وقوله : {وكان الله عليما حليما} أي يعلم مصالح عباده ولا يعاجل في العقوبة .
وفي الآية أقوال مختلفة أخر والذي أوردناه هو الأوفق لوقوعها في سياق سابقتها متصلة بها وبه وردت الأخبار عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كما سيجيء .
قوله تعالى : {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} إلخ ، ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها تحريم النساء له (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من خيرهن فاخترن الله ونفي جواز التبدل بهن يؤيد ذلك .
لكن لو فرضت متصلة بما قبلها وهو قوله : {إنا أحللنا لك} إلخ ، كان مدلولها تحريم ما عدا المعدودات وهي الأصناف الستة التي تقدمت .
وفي بعض الروايات عن بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بالآية محرمات النساء المعدودة في قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء : 23] .
فقوله : {لا يحل لك النساء من بعد} أي من بعد اللاتي اخترن الله ورسوله وهي التسعة على المعنى الأول أومن بعد من عددناه في قولنا : {إنا أحللنا لك} على المعنى الثاني أومن بعد المحللات وهي المحرمات على المعنى الثالث .
وقوله : {ولا أن تبدل بهن من أزواج} أي أن تطلق بعضهن وتزوج مكانها من غيرهن ، وقوله : {إلا ما ملكت يمينك} يعني الإماء وهو استثناء من قوله في صدر الآية {لا يحل لك النساء} .
وقوله : {وكان الله على كل شيء رقيبا} معناه ظاهر وفيه تحذير عن المخالفة .
________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص270-272 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)
يمكنك الزواج من هذه النّسوة :
قلنا : إنّ بعض مقاطع هذه السورة تبحث واجبات النّبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين على طريقة اللفّ والنشر المرتّب ، ولذلك فبعد ذكر جانب من الأحكام المتعلّقة بطلاق النساء ، وجّهت الخطاب هنا إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) ، وفصّلت الموارد السبعة التي يجوز للنبي الزواج فيها من تلك النسوة :
1 ـ فقالت أوّلا : {يا أيّها النّبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي آتيت اُجورهنّ} . والمراد من هؤلاء النساء ـ بقرينة الجمل التالية ـ النساء اللاتي لم يكنّ يرتبطن بالنّبي (صلى الله عليه وآله) برابطة قرابة وقد تزوّجنه ، وربّما كانت مسألة دفع المهر لهذا السبب ، لأنّ العرف المتّبع آنذاك هو أنّهم كانوا يدفعون المهر نقداً عند زواجهم من الأجنبيات ، إضافةً إلى أفضلية التعجيل في هذا الدفع ، وخاصّة إذا كانت الزوجة بحاجة إليه . إلاّ أنّ هذا الأمر ليس من الواجبات على أي حال ، إذ يمكن أن يبقى المهر ديناً في ذمّة الزوج إذا ما اتّفق الطرفان على ذلك .
2 ـ {وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك} .
(أفاء الله) من مادّة (الفيء) ، وتقال للأموال التي يحصل عليها الإنسان بدون جهد ومشقّة ، ولذلك يطلق (الفيء) على الغنائم الحربية ، وكذلك الأنفال ، وهي الثروات الطبيعية التي تعود إلى الحكومة الإسلامية ولا يملكها مالك بالخصوص .
يقول الراغب في مفرداته : الفيء بمعنى الرجوع إلى حالة محمودة ، ومنه فاء الظلّ . (لحالة رجوع الظلّ) ثمّ قال : وقيل للغنيمة من دون مشقّة فيء . قال بعضهم : سمّي ذلك بالفيء تنبيهاً على أنّ أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظلّ زائل .
صحيح أنّ الغنائم الحربية لا تنال في بعض الأحيان إلاّ بشقّ الأنفس وبذل الجهد المضني ، إلاّ أنّ مشقّتها أقلّ من مشقّة تحصيل الأموال الاُخرى . وقد يطلق «الفيء» أحياناً على الأموال الطائلة التي يُحصل عليها من خلال هجوم واحد .
لكن مَن مِن نساء النّبي يصدق عليها هذا الحكم ؟
قال بعض المفسّرين : إنّ إحدى نساء النّبي وهي «مارية القبطية» ـ كانت من الغنائم ، وكانت زوجتان اُخريان ـ وهما «صفيّة» و«جويرية» ـ من الأنفال أعتقهما النّبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ تزوّجهما ، وكان هذا الفعل بنفسه جزءاً من خطّة الإسلام العامّة في تحرير العبيد التدريجي ، وإرجاع الشخصية الإنسانية لهم .
3 ـ {وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن معك} وبهذا فإنّ اللاّتي يحلّ للنّبي الزواج منهنّ من بين جميع الأقارب : بنات العمّ والعمّة ، وبنات الخال والخالة ، وبشرط أن يكنّ قد هاجرن مع النّبي (صلى الله عليه وآله) .
إنّ التحديد بهذه الفئات الأربع واضح ، إلاّ أنّ شرط الهجرة من أجل أنّها كانت دليلا على الإيمان في ذلك اليوم ، وعدم الهجرة دليل على الكفر ، أو لأنّ الهجرة تمنحهنّ إمتيازاً أكبر وفخراً أعظيم ، والهدف من الآية هو بيان النساء الفاضلات المؤهّلات لأن يصبحن زوجات للنّبي (صلى الله عليه وآله) .
وهل لهذه الفئات الأربع التي ذكرت كحكم كلّي في الآية ، مصداق خارجي من بين نساء النّبي أم لا؟ إنّ المورد الوحيد الذي يمكن ذكره كمصداق هو زواجه (صلى الله عليه وآله)بزينب بنت جحش ، الذي مرّت قصّته المثيرة في طيّات هذه السورة ، لأنّ زينب كانت بنت عمّة النّبي وكان «جحش» زوج عمّته (2) .
4 ـ (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي (من دون مهر) إن أراد النّبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين) أي أنّ هذا الحكم خاص للنبي (صلى الله عليه وآله) ولا يشمل سائر المؤمنين (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم)وبناءً على هذا فإذا كنّا قد حدّدنا بعض المسائل فيما يتعلّق بالزواج من هؤلاء النسوة ، فقد كان ذلك إستناداً إلى مصلحة حاكمة في حياتك وحياتهن ، ولم يكن أيٍّ من هذه الأحكام والمقرّرات إعتباطياً وبدون حساب .
ثمّ تضيف الآية (لئلاّ يكون عليك حرج) وبالتالي ستكون قادراً على أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقك في القيام بهذا الواجب (وكان الله غفوراً رحيم) .
وفي مورد القسم الأخير ـ أي النساء اللاّتي لا مهر لهنّ ـ ينبغي الإلتفات إلى النقاط أدناه :
1 ـ لا شكّ أنّ جواز إتّخاذ زوجة من دون مهر كان من مختّصات النّبي (صلى الله عليه وآله)والآية صريحة في هذه المسألة ، ولذلك فهي من مسلّمات الفقه الإسلامي ، وبناءً على هذا فلا يحقّ لأيّ امرىء أن يتزوّج امرأة بدون مهر ، قلّ أم كثر ، وحتّى إذا لم يرد ذكر المهر أثناء إجراء صيغة العقد ، ولم تكن هناك قرينة تعيّنه ، فيجب أن يدفع مهر المثل ، والمراد من مهر المثل : المهر الذي تجعله النساء اللاتي تشابهها في الأوصاف والخصوصيات لأنفسهنّ عادةً .
2 ـ هناك بحث بين المفسّرين في أنّه هل لهذا الحكم الكلّي مصداق في مورد زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله) أم لا؟
يعتقد البعض ـ كإبن عبّاس وبعض آخر من المفسّرين ـ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لم يتزوّج بأيّة امرأة على هذه الحال ، وبناءً على هذا فإنّ الحكم أعلاه كان إذناً عاماً للنّبي(صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّه لم يطبّق عملياً مطلقاً .
في حين أنّ آخرين ذكروا أسماء ثلاث أو أربع نسوة من زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله)اللاّتي تزوجهنّ بدون مهر ، وهنّ : «ميمونة» بنت الحارث ، و«زينب» بنت خزيمة ، وكانتا من الأنصار ، وامرأة من بني أسد ، واسمها «اُمّ شريك» بنت جابر ، و«خولة» بنت حكيم .
ومن جملة ما ورد في الروايات أنّ «خولة» عندما وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله)إعترضت عائشة ، فقالت : ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟! فنزلت الآية أعلاه ، غير أنّ عائشة إلتفتت إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) وقالت : أرى الله يسارع في هواك ـ وكان هذا نوع من التعريض بالنّبي (صلى الله عليه وآله) ـ فقال لها النّبي (صلى الله عليه وآله) : «وإنّك إن أطعت الله سارع في هواك» (3) .
لا شكّ أنّ أمثال هؤلاء النسوة كنّ لا يطمعن إلاّ في الفخر المعنوي عن طريق الإقتران بالنّبي (صلى الله عليه وآله) ، ولذلك كنّ على إستعداد للزواج منه بدون أيّ مهر ، إلاّ أنّ وجود مثل هذا المصداق للحكم أعلاه غير مسلّم من الناحية التأريخية كما قلنا ، بل المسلّم أنّ الله سبحانه كان قد أذن لنبيّه بذلك للغاية التي سنشير إليها فيما بعد .
3 ـ يستفاد من هذه الآية جيّداً أنّ إجراء صيغة عقد الزواج بلفظ «الهبة» كان مختّصاً بالنّبي (صلى الله عليه وآله) فقط ، ولا يستطيع أيّ فرد آخر أن يجري عقد الزواج بهذا اللفظ ، ويجوز إجراء العقد بلفظ الزواج أو النكاح ، حتّى وإن لم يجر للمهر ذكر فيه ، حيث يجب دفع مهر المثل عند عدم ذكر المهر كما قلنا آنفاً ، فكأنّه في الحقيقة قد صرّح بمهر المثل .
وقوله تعالى : {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَاءَ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً}
حلّ مشكلة اُخرى في حياة النّبي :
إنّ قائداً ربّانياً عظيماً كالنّبي (صلى الله عليه وآله) خاصّة وأنّه ابتلي بسيل من الحوادث الصعبة المرّة ، وكانوا يحوكون له الدسائس والمؤامرات داخلياً وخارجياً ، لا يقدر أن يشغل فكره بحياته الخاصّة كثيراً ، بل يجب أن يكون له هدوء نسبي في حياته الداخلية ليقوى على التفرّغ لحلّ سيل المشاكل التي أحاطت به من كلّ جانب .
إنّ اضطراب الحياة الشخصية ، وكون قلبه وفكره مشغولين بوضعه العائلي في هذه اللحظات المضطربة الحسّاسة كان أمراً خطيراً للغاية .
ومع أنّ زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) المتعدّد ـ وطبقاً للبحوث السابقة ، والوثائق والمستندات التي أوردناها في تفسير الآية السابقة ـ كانت له أبعاد سياسية وإجتماعية وعاطفية غالباً ، وكان في الحقيقة جزءاً من تنفيذ وتطبيق رسالة الله سبحانه ، إلاّ أنّ الإختلاف بين زوجات النّبي ، والمنافسة النسوية المعروفة بينهنّ ، قد أثار في الوقت نفسه عاصفة من الإضطراب داخل بيت النّبي ممّا شغل فكره وزاد في همّه .
هنا منح الله سبحانه نبيّه إحدى الخصائص الاُخرى ، وأنهى هذه الحوادث والأخذ والعطاء في الجدل إلى الأبد ، وأراح فكر النّبي (صلى الله عليه وآله) من هذه الجهة ، وهدأ خاطره وروعه ، فقال سبحانه في هذه الآية {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء} .
«ترجي» من (الإرجاء) ، أي : التأخير ، و«تؤوي» ، من (الإيواء) ويعني إستضافة شخص في بيتك .
ونعلم أنّ أحكام الإسلام في شأن الزوجات المتعدّدة تقضي بأن يقسم الزوج أوقاته بينهنّ بصورة عادلة ، فإن بات ليلة عند واحدة ، فيجب أن يبيت الليلة الاُخرى عند غيرها ، إذ لا فرق ولا إختلاف بين النساء من هذه الجهة ، ويعبّرون عن هذا الموضوع في الكتب الفقهيّة الإسلامية بـ «حقّ القَسَم» .
فكانت إحدى مختّصات النّبي (صلى الله عليه وآله) هي سقوط رعاية حقّ القسم منه بحكم الآية أعلاه ، وذلك نتيجة للظروف الخاصّة التي كان يعيشها ، والأوضاع المضطربة التي كانت تحيط به من كلّ جانب ، وخاصّة أنّ الحرب كانت تُفرض عليه كلّ شهر تقريباً ، وكان له في نفس الوقت زوجات متعدّدة ، وبسقوط هذا الواجب عنه فقد كان قادراً على أن يقسم أوقاته كيف يشاء ، غير أنّه (صلى الله عليه وآله) كان يراعي تحقيق العدالة ما أمكن رغم هذه الظروف ، كما جاء ذلك في التواريخ الإسلامية صريحاً .
إلاّ أنّ وجود هذا الحكم الإلهي قد منح نساء النّبي الراحة والإطمئنان ، وأضفى على حياته الداخلية الهدوء والسكينة .
ثمّ تضيف الآية : وعندما ترغب عن إحداهن وتعتزلها ، ثمّ ترغب فيها فلا تثريب عليك : {ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك} .
وبهذا فليس الخيار بيدك في البداية وحسب ، بل إنّه بيدك حتّى في الأثناء أيضاً ، وهو في الإصطلاح «تخيير إستمراري» لا إبتدائي ، وبهذا الحكم الواسع ستقطع كلّ الحجج من برنامج حياتك فيما يتعلّق بأزواجك ، وتستطيع أن تسخّر فكرك لمسؤوليات الرسالة العظيمة الثقيلة .
ومن أجل أن تعلم نساء النّبي بأنهنّ إن أذعنّ لأمر الله تعالى في مسألة تقسيم أوقات النّبي (صلى الله عليه وآله) فإنّه يعتبر وسام فخر لهنّ يضاف إلى الفخر بكونهنّ أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله) ، إذ أنّ هذا التسليم نوع من التضحية والإيثار ، وليس فيه أيّ عيب وإنتقاص ، ولذلك يضيف سبحانه : {ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلّهن} .
وذلك أوّلا : لأنّ هذا الحكم عامّ يشملهنّ جميعاً ولا يتفاوتن فيه ، وثانياً : إنّ الحكم الذي يشرع من جانب الله سبحانه إنّما يشرع لمصلحة مهمّة ، وبناءً على هذا فيجب الإذعان له برغبة ورضا ، فينبغي مضافاً إلى عدم القلق والتأثّر أن يفرحن لذلك .
لكن النّبي (صلى الله عليه وآله) ـ وكما أشرنا إلى ذلك ـ كان يراعي تقسيم أوقاته بينهنّ بعدالة قدر المستطاع ، إلاّ في الظروف الخاصّة التي كانت توجب عدم التسوية وتحتّمه ، وكان هذا بحدّ ذاته مطلباً آخر يبعث على ارتياحهنّ ، لأنّهنّ كنّ يرين أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله)يسعى للتسوية بينهنّ مع كونه مخيّراً .
وأخيراً ينهي المطلب بهذه الجملة : {والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً} لا يستعجل في إنزال العقاب بالمذنبين .
أجل . . إنّ الله يعلم بأيّ حكم قد رضيتم ، وله أذعنتم بقلوبكم ، وعن أي حكم لم ترضوا .
وهو سبحانه يعلم إلى مَن أكثر من أزواجكم ، ومن منهنّ تحظى بإهتمام أقل ، ويعلم كيف تراعون حكمه وتنفّذوه مع هذا الإختلاف في الميول والرغبات .
وكذلك يعلم سبحانه مَن هم الذين يجلسون جانباً ، ويعترضون على أحكام الله في شأن النّبي (صلى الله عليه وآله) ، ويعارضونها بقلوبهم ، ويعلم مَن هو الذي يرضى عن هذه الأحكام ويتقبّلها بدون إعتراض .
بناءً على هذا فإنّ تعبير (قلوبكم) واسع يشمل النّبي (صلى الله عليه وآله) وأزواجه ، ويشمل كلّ المؤمنين الذين يقبلون بهذه الأحكام ، أو الذين يعترضون عليها وينكرونها وإن لم يبدوا هذا الإعتراض والإنكار .
وقوله تعالى : {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَج وَلَو أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء رَّقِيباً}
حكم مهمّ آخر فيما يتعلّق بأزواج النّبي :
لقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية حكماً آخر من الأحكام المتعلّقة بزوجات النّبي ، فقال عزّوجلّ : {لا يحلّ لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ إلاّ ما ملكت يمينك} فالآية منعت الرّسول من الزواج الجديد إلاّ الاماء والجواري {وكان الله على كلّ شيء رقيباً} .
للمفسّرين وفقهاء الإسلام بحوث كثيرة في هذه الآية ، ووردت في المصادر الإسلامية روايات مختلفة في هذا الباب ، ونحن نذكر أوّلا ما يبدو من ظاهر الآية أنّه مرتبط بالآيات السابقة واللاحقة ـ بغضّ النظر عن أقوال المفسّرين ـ ثمّ نتناول المطالب الاُخرى .
الظاهر من تعبير (من بعد) أنّ الزواج محرّم عليك بعد هذا ، وبناءً على هذا فإنّ (بعد) إمّا أن تعني (بعد) الزمانية ، أي لا تتّخذ زوجة بعد هذا الزمان ، أو أنّ المراد أنّك بعد أن خيّرت أزواجك بين البقاء معك والحياة حياة بسيطة في بيتك ، وبين فراقهنّ ، وقد رجّحن البقاء معك عن رغبة منهنّ ، فلا ينبغي أن تتزوّج بعدهنّ بامرأة اُخرى .
وكذلك لا يمكنك أن تطلّق بعضهنّ وتختار مكانهنّ زوجات اُخر . وبتعبير آخر : لا تزد في عددهنّ ، ولا تبدّل الموجود منهنّ .
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص446-456 .
2 ـ ذكر بعض المفسّرين وجوهاً أوردها «الفاضل المقداد» في كنز العرفان ، في أنّه لماذا ورد العمّ بصيغة المفرد والعمّات بصيغة الجمع ، وكذلك الخال بصيغة المفرد والخالات بصيغة الجمع ، إلاّ أنّ أفضلها هو أنّ العمّ والخال يستعملان كاسم للجنس في لغة العرب ، وليس كذلك العمّات والخالات ، وقد ذكر ابن العربي عرف أهل اللغة هذا (كنز العرفان ، المجلّد 2 ، ص241) .
وقد رجّح الآلوسي هذا الإحتمال في روح المعاني على كلّ الوجوه الاُخرى .
3 ـ مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث ، وفي تفسير القرطبي جملة : (والله ما أرى بك إلاّ يسارع في هواك) . وأوردها الآلوسي في روح المعاني أيضاً في ذيل الآية مورد البحث . إنّ قبح هذا التعبير ، والمعنى الذي اُخفي فيه لا يخفى على أحد ، إلاّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) يمرّ عليه ويتجاوزه بشكل رائع .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|