أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2020
3128
التاريخ: 17-4-2020
11137
التاريخ: 17-4-2020
6578
التاريخ: 13-4-2020
4185
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب : 28 - 30]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
عاد سبحانه إلى ذكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال مخاطبا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) آمرا له أن يخير أزواجه فقال {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} ) أي سعة العيش في الدنيا وكثرة المال {فتعالين أمتعكن} أي أعطكن متعة الطلاق وقد مر بيانها في سورة البقرة وقيل أمتعكن بتوفير المهر {وأسرحكن} أي أطلقكن {سراحا جميلا} والسراح الجميل الطلاق من غير خصومة ولا مشاجرة بين الزوجين {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} أي وإن أردتن طاعة الله وطاعة رسوله والصبر على ضيق العيش والجنة {فإن الله أعد للمحسنات} أي العارفات المريدات الإحسان المطيعات له {منكن أجرا عظيما} .
واختلف في هذا التخيير فقيل إنه خيرهن بين الدنيا والآخرة فإن هن اخترن الدنيا ومحبتها استأنف حينئذ طلاقهن بقوله {أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} عن الحسن وقيل خيرهن بين الطلاق والمقام معه عن مجاهد والشعبي وجماعة من المفسرين واختلف العلماء في حكم التخيير على أقوال ( أحدها ) أن الرجل إذا خير امرأته فاختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها تقع تطليقة واحدة وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود وإليه ذهب أبوحنيفة وأصحابه ( وثانيها ) أنه إذا اختارت نفسها تقع ثلاث تطليقات وإن اختارت زوجها تقع واحدة وهو قول زيد بن ثابت وإليه ذهب مالك ( وثالثها ) أنه إن نوى الطلاق كان طلاقا وإلا فلا وهو مذهب الشافعي ( ورابعها ) أنه لا يقع بالتخيير طلاق وإنما كان ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة ولو اخترن أنفسهن لما خيرهن لبن منه فأما غيره فلا يجوز له ذلك وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) .
ثم خاطب سبحانه نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} أي بمعصية ظاهرة {يضاعف لها العذاب} في الآخرة {ضعفين} أي مثلي ما يكون على غيرهن وذلك لأن نعم الله سبحانه عليهن أكثر لمكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهن ولنزول الوحي في بيوتهن فإذا كانت النعمة عليهن أعظم وأوفر كانت المعصية منهن أفحش والعقوبة بها أعظم وأكثر وقال أبو عبيدة الضعفان أن يجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد مثله وضعفي الشيء مثلاه وقال غيره المراد بالضعف المثل فالمعنى أنها يزاد في عذابها ضعف كما زيد في ثوابها ضعف في قوله {نؤتها أجرها مرتين} {وكان ذلك على الله يسيرا} أي كان عذابها على الله هينا ، عن مقاتل .
_____________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص151-153 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
شكا أزواج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) له من قلة النفقة والزينة ، وطلبن ان يوسع عليهن مما أفاء اللَّه عليه من الأنفال والغنائم ، فنزل قوله تعالى : {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهً ورَسُولَهُ والدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهً أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} . أمر اللَّه نبيه الكريم أن يقول لهن : اخترن واحدا من اثنين : إما الطلاق مع المتعة ان أردتن ما تريده النساء من الدنيا ، والمتعة هي عبارة عن منحة يقدمها المطلَّق لمطلقته ، ويراعى فيها حال الرجل يسرا وعسرا . انظر ج 1 ص 366 . وإما الحياة مع رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) على أن تصبرن على مكابدة الفقر والعوز في الدنيا ، وجزاؤكن عند اللَّه في الآخرة الأجر العظيم . فاختارت نساء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اللَّه والرسول والدار الآخرة على الدنيا وزينتها ، وتسمى هذه الآية آية التخيير .
النبي وكثرة الأزواج :
وآية التخيير دليل قاطع على تكذيب ما زعمه المتقولون من أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) استكثر من النساء لأهواء نفسية ، لأن الحريص على الاستمتاع بالمرأة - كما قال مصطفى صادق الرافعي - لا يخيرها بين الحياة معه على أن تكابد الفقر والعوز إلى آخر يوم ، وبين الابتعاد عنه ان أرادت الحياة وزينتها ، بل يخاطب عاطفتها ويقرب لها كل بعيد يشبع رغبتها من الزينة والمظاهر . . وفي الأمثال : (فرشة العرس عالية) .
وقال العقاد في كتاب العبقريات الاسلامية : (لو كانت لذات الحس هي التي سيطرت على زواج النبي بعد وفاة خديجة لكان الأحجى بإرضاء هذه الملذات ان يجمع إليه تسعا من الفتيات اللاتي اشتهرن بفتنة الجمال في مكة والمدينة والجزيرة العربية ، فيسرعن إليه راضيات فخورات ، وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة التي لا تعلوها مصاهرة) .
ثم ذكر العقاد زوجات النبي (صلى الله عليه واله وسلم) واحدة فواحدة ، وبيّن السبب الموجب لزواجه بها ، وقال : (الا ان المشهرين المتقولين نسوا كل حقيقة من حقائق هذه الحياة الزوجية ، ونسوا أن محمدا اتسم بالطهر والعفة في شبابه ، وانه بقي إلى نحو الخامسة والعشرين لم يتعسف في طلب الحلال ، وهو ميسر له تيسره لكل فتى وسيم حسيب ، ونسوا أنه لما تزوج في تلك السن كان زواجه بسيدة في نحو الأربعين ، وانه اختار أحسابا في حاجة إلى التآلف أو الرعاية ، ولم يختر جمالا مطلوبا للمتاع ، ونسوا ان الرجل الذي وصفوه بلذات الحس لم يكن يشبع في بعض أيامه من خبز الشعير ، نسوا كل هذا ، وهو ثابت في التاريخ ، نسوه لأنهم أرادوا أن يعيبوا ويقولوا وينحرفوا عن الحقيقة) .
{يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} . المراد بالفاحشة هنا المعصية من أي نوع تكون ، ومبينة واضحة . . ولنساء النبي منزلة كريمة عند اللَّه والناس لصلتهن بالرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ، فمن أقدمت منهن على المعصية فقد خاطرت بمكانتها ، واستحقت من العذاب مثلي ما تستحقه غيرها ، لأن اللَّه سبحانه يحاسب الناس على قدر منازلهم ، كما يحاسبهم على قدر عقولهم ، وقد عاتب الأنبياء بما لا يعاتب به أحدا غيرهم .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص211-212 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
آيات راجعة إلى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تأمره أولا : أن ينبئهن أن ليس لهن من الدنيا وزينتها إلا العفاف والكفاف إن اخترن زوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم تخاطبهن ثانيا : أنهن واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلو والشرف فإن اتقين الله يؤتين أجرهن مرتين وإن أتين بفاحشة مبينة يضاعف لهن العذاب ضعفين ويأمرهن بالعفة ولزوم بيوتهن من غير تبرج والصلاة والزكاة وذكر ما يتلى في بيوتهن من الآيات والحكمة ثم يعد مطلق الصالحين من الرجال والنساء وعدا بالمغفرة والأجر العظيم .
قوله تعالى : {يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين ، سياق الآيتين يلوح أن أزواج النبي أو بعضهن كانت لا ترتضي ما في عيشتهن في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الضيق والضنك فاشتكت إليه ذلك واقترحت عليه أن يسعدهن في الحياة بالتوسعة فيها وإيتائهن من زينتها .
فأمر الله سبحانه نبيه أن يخيرهن بين أن يفارقنه ولهن ما يردن وبين أن يبقين عنده ولهن ما هن عليه من الوضع الموجود .
وقد ردد أمرهن بين أن يردن الحياة الدنيا وزينتها وبين أن يردن الله ورسوله والدار الآخرة ، وهذا الترديد يدل أولا : أن الجمع بين سعة العيش وصفائها بالتمتع من الحياة وزينتها وزوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والعيشة في بيته مما لا يجتمعان .
وثانيا : أن كلا من طرفي الترديد مقيد بما يقابل الآخر ، والمراد بإرادة الحياة الدنيا وزينتها جعلها هي الأصل سواء أريدت الآخرة أولم يرد ، والمراد بإرادة الحياة الآخرة جعلها - هي الأصل في تعلق القلب بها سواء توسعت معها الحياة الدنيا ونيلت الزينة وصفاء العيش أولم يكن شيء من ذلك .
ثم الجزاء أعني نتيجة اختيارهن كلا من طرفي الترديد مختلف فلهن على تقدير اختيارهن الحياة الدنيا وزينتها بمفارقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطلقهن ويمتعهن جمعاء من مال الدنيا ، وعلى تقدير بقائهن على زوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واختيار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها الأجر العظيم عند الله لكن لا مطلقا بل بشرط الإحسان والعمل الصالح .
ويتبين بذلك أن ليس لزوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث هي زوجية كرامة عند الله سبحانه وإنما الكرامة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى ولذلك لما ذكر ثانيا علو منزلتهن قيده أيضا بالتقوى فقال : {لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} وهذا كقوله في النبي وأصحابه : {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولا ثم قيد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان والعمل الصالح .
وبالجملة فإطلاق قوله : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات : 13] على حاله غير منتقض بكرامة أخرى بسبب أو نسب أو غير ذلك .
فقوله : {يا أيها النبي قل لأزواجك} أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلغ الآيتين أزواجه ولازمه أن يطلقهن ويمتعهن إن اخترن الشق الأول ويبقيهن على زوجيته إن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة .
وقوله : {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إرادة الحياة الدنيا وزينتها كناية بقرينة المقابلة عن اختيارها وتعلق القلب بتمتعاتها والإقبال عليها والإعراض عن الآخرة .
وقوله : {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} قال في الكشاف : ، أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطأ ثم كثرت حتى استوت في استعماله الأمكنة ، ومعنى تعالين أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن بأنفسهن كما تقول : أقبل يخاصمني وذهب يكلمني وقام يهددني .
انتهى .
والتمتيع إعطاؤهن عند التطليق مالا يتمتعن به والتسريح هو التطليق والسراح الجميل هو الطلاق من غير خصومة ومشاجرة بين الزوجين .
وفي الآية أبحاث فقهية أوردها المفسرون والحق أن ما تتضمنه من الأحكام الشخصية خاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا دليل من جهة لفظها على شموله لغيره وتفصيل القول في الفقه .
وقوله : {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} فقد تقدم أن المقابلة بين هذه الجملة وبين قوله : {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} إلخ ، تقيد كلا منهما بخلاف الأخرى وعدمها ، فمعنى الجملة : وإن كنتن تردن وتخترن طاعة الله ورسوله وسعادة الدار الآخرة مع الصبر على ضيق العيش والحرمان من زينة الحياة الدنيا وهي مع ذلك كناية عن البقاء في زوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصبر على ضيق العيش وإلا لم يصح اشتراك الإحسان في الأجر الموعود وهو ظاهر .
فالمعنى : وإن كنتن تردن وتخترن البقاء على زوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصبر على ضيق العيش فإن .
الله هيأ لكن أجرا عظيما بشرط أن تكن محسنات في أعمالكن مضافا إلى إرادتكن الله ورسوله والدار الآخرة فإن لم تكن محسنات لم يكن لكن إلا خسران الدنيا والآخرة جميعا .
قوله تعالى : {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} إلخ ، عدل عن مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهن إلى مخاطبتهن أنفسهن لتسجيل ما لهن من التكليف وزيادة التوكيد ، والآية والتي بعدها تقرير وتوضيح بنحو لما يستفاد من قوله : {فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} إثباتا ونفيا .
فقوله : {من يأت منكن بفاحشة مبينة} الفاحشة الفعلة البالغة في الشناعة والقبح وهي الكبيرة كإيذاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والافتراء والغيبة وغير ذلك ، والمبينة هي الظاهرة .
ووقوله : {يضاعف لها العذاب ضعفين} أي حال كونه ضعفين والضعفان المثلان ويؤيد هذا المعنى قوله في جانب الثواب بعد : {نؤتها أجرها مرتين} فلا يعبأ بما قيل إن المراد بمضاعفة العذاب ضعفين تعذيبهم بثلاثة أمثاله بتقريب أن مضاعفة العذاب زيادته وإذا زيد على العذاب ضعفاه صار المجموع ثلاثة أمثاله .
وختم الآية بقوله : {وكان ذلك على الله يسيرا} للإشارة إلى أنه لا مانع من ذلك من كرامة الزوجية ونحوها إذ لا كرامة إلا للتقوى وزوجية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما تؤثر الأثر الجميل إذا قارن التقوى وأما مع المعصية فلا تزيد إلا بعدا ووبالا .
______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص247-249 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
أمّا السعادة الخالدة أو زخارف الدنيا !
لم يعزب عن أذهانكم أنّ الآيات الاُولى من هذه السورة قد توّجت نساء النّبي بتاج الفخر حيث سمّتهنّ بـ (اُمّهات المؤمنين) ومن البديهي أنّ المناصب والمقامات الحسّاسة التي تبعث على الفخر تصاحبها مسؤوليات ثقيلة ، فكيف يمكن أن تكون نساء النّبي اُمّهات المؤمنين وقلوبهنّ وأفكارهنّ مشغولة بحبّ الدنيا ومغرياتها ؟
وهكذا ظَنَنَّ ، فإنّ الغنائم إذا سقطت في أيدي المسلمين فلا شكّ أنّ نصيبهنّ سيكون أفخرها وأثمنها كبقيّة نساء الملوك والسلاطين ، ويعطى لهنّ ما ناله المسلمون بتضحيات الفدائيين الثائرين ودماء الشهداء الطاهرة ، في الوقت الذي يعيش هنا وهناك اُناس في غاية العسرة والشظف .
وبغضّ النظر عن ذلك ، فإنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) يجب أن لا يكون لوحده اُسوةً للناس بحكم الآيات السابقة ، بل يجب أن تكون عائلته اُسوة لباقي العوائل أيضاً ، ونساؤه قدوة للنساء المؤمنات حتّى تقوم القيامة ، فليس النّبي (صلى الله عليه وآله) ملكاً وإمبراطوراً ليكون له جناح خاصّ للنساء ، ويُغرق نساءه بالحليّ والمجوهرات الثمينة النفيسة .
وربّما كان هناك جماعة من المسلمين المهاجرين الذين وردوا المدينة لا يزالون يقضون ليلهم على الصُفّة (وهي مكان خاصّ كان إلى جنب مسجد النّبي) حتّى الصباح ، ولم يكن لهم في تلك المدينة أهل ولا دار ، وفي مثل هذه الأحوال لا يمكن أن يسمح النّبي (صلى الله عليه وآله) لأزواجه أن يتوقّعن كلّ تلك الرفاهية والتوقّعات الاُخرى .
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ بعض أزواجه قد كلّمنه بكلام خشن جاف ، حتّى أنّهنّ قلن : لعلّك تظنّ إن طلّقتنا لا نجد زوجاً من قومنا غيرك(2) . هنا اُمر النّبي(صلى الله عليه وآله) أن يواجه هذه المسألة بحزم تامّ ، ويوضّح لهنّ حاله الدائمي ، فخاطبت الآية الاُولى من الآيات أعلاه النّبي (صلى الله عليه وآله) وقالت : {يا أيّها النّبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين اُمتّعكن واُسرحكنّ سراحاً جميلا} .
«اُمتّعكنّ» من مادّة متعة ، وكما قلنا في الآية (236) من سورة البقرة ، فإنّها تعني الهدية التي تلائم أحوال المرأة . والمراد هنا المقدار المناسب الذي يضاف على المهر ، وإن لم يكن المهر معيّناً فإنّه يعطيها هدية لائقة بحالها بحيث ترضيها وتسرّها ، ويتمّ طلاقها وفراقها في جو هاديء مفعم بالحبّ .
«السراح» في الأصل من مادّة (سرح) أي الشجرة التي لها ورق وثمر ، و«سرّحت الإبل» ، أي : أطلقتها لتأكل من الأعشاب وأوراق الشجر ، ثمّ أطلقت بمعنى أوسع على كلّ نوع من السراح ولكلّ شيء وشخص ، وتأتي أحياناً كناية عن الطلاق ، ويطلق (تسريح الشعر) على تمشيط الشعر وترجيله ، وفيه معنى الإطلاق أيضاً . وعلى كلّ حال فإنّ المراد من «السراح الجميل» في الآية طلاق النساء وفراقهنّ فراقاً مقترناً بالإحسان ، وليس فيه جبر وقهر .
وللمفسّرين وفقهاء المسلمين هنا بحث مفصّل في أنّه هل المراد من هذا الكلام أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قد خيّر نساءه بين البقاء والفراق ، وإذا ما انتخبن الفراق فإنّه يعتبر طلاقاً بحدّ ذاته فلا يحتاج إلى إجراء صيغة الطلاق؟ أم أنّ المراد هو أنّهنّ يخترن أحد السبيلين ، فإن أردن الفراق أجرى النّبي (صلى الله عليه وآله) صيغة الطلاق ، وإلاّ يبقين على حالهنّ؟
ولا شكّ أنّ الآية لا تدلّ على أيّ من هذين الأمرين ، وما تصوّره البعض من أنّ الآية شاهد على تخيير نساء النّبي ، وعدّوا هذا الحكم من مختصّات النّبي (صلى الله عليه وآله) ، لأنّه لا يجري في سائر الناس ، لا يبدو صحيحاً ، بل إنّ الجمع بين الآية أعلاه وآيات الطلاق يوجب أن يكون المراد الفراق عن طريق الطلاق .
وهذه المسألة مورد نقاش بين فقهاء الشيعة والسنّة ، إلاّ أنّ القول الثّاني ـ أي الفراق عن طريق الطلاق ـ يبدو أقرب لظواهر الآيات ، إضافةً إلى أنّ لتعبير (اُسرحكنّ) ظهوراً في أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان يقدّم على تسريحهنّ ، خاصّة وأنّ مادّة «التسريح» قد استعملت بمعنى الطلاق في موضع آخر من القرآن الكريم (سورة البقرة / الآية 229)(3) .
وتضيف الآية التالية : {وإن كنتنّ تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإنّ الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً} .
لقد جمعت هذه الآية كلّ اُسس الإيمان وسلوكيات المؤمن ، فمن جهة عنصر الإيمان والإعتقاد بالله والرّسول واليوم الآخر ، ومن جهة اُخرى البرنامج العملي وكون الإنسان في صفّ المحسنين والمحسنات ، وبناءً على هذا فإنّ إظهار عشق الله وحبّه ، والتعلّق بالنّبي واليوم الآخر لا يكفي لوحده ، بل يجب أن تنسجم البرامج العملية مع هذا الحبّ والعشق .
وبهذا فقد بيّن الله سبحانه تكليف نساء النّبي وواجبهنّ في أن يكنّ قدوة واُسوة للمؤمنات على الدوام ، فإن هنّ تحلين بالزهد وعدم الإهتمام بزخارف الدنيا وزينتها ، وإهتممن بالإيمان والعمل الصالح وتسامي الروح ، فإنّهن يبقين أزواجاً للنبي ويستحقّنّ هذا الفخر ، وإلاّ فعليهنّ مفارقته والبون منه .
ومع أنّ المخاطب في هذه الآية هو نساء النّبي إلاّ أنّ محتوى الآيات ونتيجتها تشمل الجميع ، وخاصّة من كان في مقام قيادة الناس وإمامتهم واُسوة لهم ، فإنّ هؤلاء على مفترق الطرق دائماً ، فإمّا أن يستغلّوا المنصب الظاهري للوصول إلى الحياة المادية المرفّهة ، أو البقاء على حرمانهم لنوال رضى الله سبحانه وهداية خلقه .
ثمّ تتناول الآية التالية بيان موقع نساء النّبي أمام الأعمال الصالحة والطالحة ، وكذلك مقامهنّ الممتاز ، ومسؤولياتهنّ الضخمة بعبارات واضحة ، فتقول : {يا نساء النّبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً} .
فأنتنّ تعشن في بيت الوحي ومركز النبوّة ، وعلمكنّ بالمسائل الإسلامية أكثر من عامّة الناس لإرتباطكنّ المستمر بالنّبي (صلى الله عليه وآله) ولقائه ، إضافةً إلى أنّ الآخرين ينظرون إليكنّ ويتّخذون أعمالكنّ نموذجاً وقدوة لهم . بناءً على هذا فإنّ ذنبكنّ أعظم عند الله ، لأنّ الثواب والعقاب يقوم على أساس المعرفة ، ومعيار العلم ، وكذلك مدى تأثير ذلك العمل في البيئة ، فإنّ لكُنَّ حظّاً أعظم من العلم ، ولكُنّ موقع حسّاس له تأثيره في المجتمع .
ويضاف إلى ذلك أنّ مخالفتكنّ تؤذي النّبي (صلى الله عليه وآله) من جهة ، ومن جهة اُخرى توجّه ضربة إلى كيانه ومركزه ، ويعتبر هذا بحدّ ذاته ذنباً آخر ، ويستوجب عذاباً آخر .
والمراد من «الفاحشة المبيّنة» الذنوب العلنية ، ونعلم أنّ المفاسد التي تنجم عن الذنوب التي يقترفها اُناس مرموقون تكون أكثر حينما تكون علنية .
ولنا بحث في مورد «الضعف» و«المضاعف» سيأتي في البحوث .
أمّا قوله عزّوجلّ : (وكان ذلك على الله يسيراً) فهو إشارة إلى أن لا تظنّن أنّ عذابكنّ وعقابكنّ عسير على الله تعالى ، وأنّ علاقتكنّ بالنّبي (صلى الله عليه وآله) ستكون مانعة منه ، كما هو المتعارف بين الناس حيث يغضّون النظر عن ذنوب الأصدقاء والأقرباء ، أو يعيرونها أهميّة قليلة . . كلاّ ، فإنّ هذا الحكم سيجري في حقّكنّ بكلّ صرامة .
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص382-385 .
2 ـ كنز العرفان ، المجلّد 2 ، ص238 .
3 ـ طالع التوضيح الأكثر في هذا الباب في الكتب الفقهية ، وخاصة كتاب الجواهر ، المجلّد 29 ، صفحة 122 وما بعدها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|