المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16325 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
فوائد الزواج / تهذيب النفس
2024-04-24
الطرق المتبعة في تغذية الحمام
2024-04-24
صفات المتقين / لا يحيف على من يبغض
2024-04-24
المستوى الثقافي للزوجة، ومعرفتها بالأحكام العبادية
2024-04-24
الاهمية الاقتصادية والصفات الشكلية للسمان
2024-04-24
كيف تحكم السيطرة على عقلك وفكرك؟
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (21-27) من سورة الاحزاب  
  
10688   05:57 مساءً   التاريخ: 13-4-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحزاب /

قال تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب : 21 - 27]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

حث سبحانه على الجهاد والصبر عليه فقال {لقد كان لكم} معاشر المكلفين {في رسول الله أسوة حسنة} أي قدوة صالحة يقال لي في فلان أسوة أي لي به اقتداء والأسوة من الاتساء كما أن القدرة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر والمعنى كان لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في نصرته والصبر معه في مواطن القتال كما فعل هو يوم أحد إذ انكسرت رباعيته وشج حاجبه وقتل عمه فواساكم مع ذلك بنفسه فهلا فعلتم مثل ما فعله هو وقوله {لمن كان يرجوا الله} بدل من قوله {لكم} وهو تخصيص بعد العموم للمؤمنين يعني أن الأسوة برسول الله إنما تكون {لمن كان يرجوا الله} أي يرجو ما عند الله من الثواب والنعيم عن ابن عباس وقيل معناه يخشى الله ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال وهو قوله {واليوم الآخر} عن مقاتل {وذكر الله كثيرا} أي ذكرا كثيرا وذلك أن ذاكر الله متبع لأوامره بخلاف الغافل عن ذكره .

ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأحزاب فقال {ولما رأى المؤمنون الأحزاب} أي ولما عاين المصدقون بالله ورسوله الجماعة التي تحزبت على قتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع كثرتهم {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} اختلف في معناه على قولين ( أحدهما ) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب ويقاتلونهم ووعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله وكان ذلك معجزا له {وما زادهم} مشاهدة عدوهم {إلا إيمانا} أي : تصديقا بالله ورسوله {وتسليما} لأمره عن الجبائي ( والآخر ) أن الله تعالى وعدهم في سورة البقرة بقوله {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا} إلى قوله {إن نصر الله قريب} ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوهم فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا يصيبهم إلا ما أصاب الأنبياء والمؤمنين قبلهم وزادهم كثرة المشركين تصديقا ويقينا وثباتا في الحرب عن قتادة وغيره .

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو{فمنهم من قضى نحبه} أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب وقيل قضى نحبه معناه فرغ من عمله ورجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد عن محمد بن إسحاق وقيل معناه قضى أجله على الوفاء والصدق عن الحسن وقال ابن قتيبة أصل النحب النذر وكأن قوما نذروا إن يلقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله فقتلوا فقيل فلان قضى نحبه : إذا قتل .

 وروي عن أنس بن مالك أن عمه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله مع المشركين لئن أراني الله قتالا للمشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فلقيه سعد دون أحد فقال أنا معك قال سعد فلم أستطع أن أصنع ما صنع فوجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم كنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سعيد الخزامي عن عبد الأعلى عن حميد بن أنس .

 وقال ابن إسحاق : فمنهم من قضى نحبه من استشهد يوم بدر وأحد {ومنهم من ينتظر} ما وعد الله من نصرة أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه {وما بدلوا تبديلا} أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غير المنافقون قال ابن عباس {من قضى نحبه} حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه وأنس بن النضر وأصحابه وقال الكلبي ما بدلوا العهد بالصبر ولا نكثوه بالفرار .

 وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي (عليه السلام) قال فينا نزلت {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} أي صدق المؤمنون في عهودهم ليجزيهم الله بصدقهم {ويعذب المنافقين} بنقض العهد {إن شاء أو يتوب عليهم} إن تابوا ويكون معناه أنه سبحانه إن شاء قبل توبتهم وأسقط عقابهم وإن شاء لم يقبل توبتهم وعذبهم فإن إسقاط العذاب على المذهب الصحيح بالتوبة تفضل من الله تعالى لا يجب عقلا وإنما علمنا ذلك بالسمع والإجماع على أن الله سبحانه يفعل ذلك فالآية قاضية بما يقتضيه العقل من الحكم ويؤكد ذلك قوله {إن الله كان غفورا رحيما} لأن المدح إنما يحصل إذا رحم سبحانه من يستحق العقاب ويغفر ما جاز له المؤاخذة به ولا مدح في مغفرة ورحمة من يجب عليه غفرانه ورحمته وقيل معناه ويعذب المنافقين بعذاب عاجل في الدنيا إن شاء أ ويتوبوا عن الجبائي .

ثم عاد سبحانه إلى تعداد نعمه فقال {ورد الله الذين كفروا} يعني الأحزاب أبا سفيان وجنوده وغطفان ومن معهم من قبائل العرب {بغيظهم} أي بغمهم الذي جاءوا به وحنقهم لم يشفوا بنيل ما أرادوا و{لم ينالوا خيرا} أملوه وأرادوه من الظفر بالنبي والمؤمنين وإنما سماه خيرا لأن ذلك كان خيرا عندهم وقيل أراد بالخير المال كما في قوله وإنه لحب الخير لشديد {وكفى الله المؤمنين القتال} أي مباشرة القتال بما أنزل الله على المشركين من الريح الشديدة الباردة التي أزعجتهم عن أماكنهم وبما أرسل من الملائكة وبما قذف في قلوبهم من الرعب وقيل بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وقتله عمرو بن عبد ود وكان ذلك سبب هزيمة القوم عن عبد الله بن مسعود وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) {وكان الله قويا} أي قادرا على ما يشاء {عزيزا} لا يمتنع عليه شيء من الأشياء وقيل قويا في ملكه وسلطانه عزيزا في قهره وانتقاله .

ثم ذكر سبحانه ما فعل باليهود من بني قريظة فقال {وأنزل الذي ظاهروهم} أي عاونوا المشركين من الأحزاب ونقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لا ينصروا عليه عدوا {من أهل الكتاب} يعني من اليهود واتفق المفسرون على أنهم بنو قريظة إلا الحسن فإنه قال هم بنو النضير والأول أصح وأليق بسياق الآيات لأن بني النضير لم يكن لهم في قتال أهل الأحزاب شيء وكانوا قد انجلوا قبل ذلك {من صياصيهم} أي من حصونهم {وقذف في قلوبهم الرعب} أي ألقى في قلوبهم الخوف من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه المؤمنين {فريقا تقتلون} منهم يعني الرجال {وتأسرون فريقا} يعني الذراري والنساء .

{وأورثكم أرضهم} أي وأعطاكم أرضهم {وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها} أي وأورثكم أرضا لم تطئوها بأقدامكم بعد وسيفتحها الله عليكم وهي خيبر فتحها الله عليهم بعد بني قريظة عن ابن زيد ويزيد بن رومان ومقاتل وقيل هي مكة عن قتادة وقيل هي الروم وفارس عن الحسن وقيل هي كل أرض تفتح إلى يوم القيامة عن عكرمة وقيل هي ما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب عن أبي مسلم {وكان الله على كل شيء قديرا} ظاهر المعنى .

 _____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص144-147 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

المسلم على قسمين :

{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهً والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهً كَثِيراً} . المراد بالأسوة الحسنة هنا الاقتداء برسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) . و{يَرْجُوا اللَّهً والْيَوْمَ الآخِرَ} أي يأمل ثواب اللَّه ونعيم الآخرة . و{ذَكَرَ اللَّهً كَثِيراً} كناية عن إقامة الفرائض الخمس . والخطاب في {لكم} للذين انصرفوا عن رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) في وقعة الأحزاب ، والقصد منه التوبيخ والتقريع لأنهم تركوا الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في ساعة العسرة ، وهم يتظاهرون بالإسلام ، فيصلَّون مع المسلمين ، ويدّعون الايمان باللَّه واليوم الآخر ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : {ما كانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ومَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ولا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} - 120 التوبة ج 4 ص 116 .

وتومئ الآية إلى أن المسلم الحق هو الذي يقتدي بنبيه ولا يعصي له أمرا .

وتسأل : لقد اتفق الفقهاء على أن من قال : لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه ، يعامل معاملة المسلم ، سواء أطاع أم عصى ؟

الجواب : أجل ، انه يعامل معاملة المسلم في الحياة الدنيا من حيث الزواج والإرث وما إليهما ، ولكن معاملته في هذه الحياة كمسلم شيء ، واعتباره مسلما عند اللَّه وفي يوم الحساب شيء آخر . وبكلمة أوضح ، ان المسلم على قسمين :

مسلم عند الناس لا عند اللَّه ، وهو الذي يقول : لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه ، ويعصي اللَّه والرسول ، وهذا يعامل معاملة المسلم في الدنيا فقط ، ومسلم يقول :

لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه ، ويطيع اللَّه والرسول ، وهذا يعامل معاملة المسلم في الدنيا والآخرة . قال الإمام علي (عليه السلام) : الفقر والغنى بعد العرض على اللَّه .

{ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ وما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وتَسْلِيماً} . ذكر المفسرون القدامى لهذه الآية معنيين ، أرجحهما ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان قد وعد المسلمين من قبل بأنهم سيلاقون ألوانا من المحن والشدائد ، وان أهل الكفر والشرك سيتظاهرون على حربهم واستئصالهم ، وقد جاء هذا الوعد في الآية 214 من سورة البقرة : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ والضَّرَّاءُ} ج 1 ص 319 .

ولما رأى المؤمنون جيش الأحزاب يحاصرهم من كل جانب : {قالوا هذا ما وعدنا اللَّه ورسوله وصدق اللَّه ورسوله} وازدادوا ايمانا على ايمان ، وطاعة على طاعة للَّه وللرسول حيث رأوا بالعيان صدق الوعد والنبوءة ، أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فقد ازدادوا نفاقا وعنادا وقالوا : ما وَعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً .

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهً عَلَيْهِ} من الجهاد والثبات عند لقاء العدو حتى الموت {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ} قبل وقعة الأحزاب كالذين استشهدوا يوم بدر وأحد {ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الشهادة أو النصر {وما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} . وأيضا المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما بدلوا بل ماتوا على النفاق .

وقال المفسرون : ان أنس بن النضر غاب عن بدر ، فشق ذلك عليه ، وقال :

لقد غبت عن أول مشهد شهده رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، ولئن أراني اللَّه تعالى مشهدا مع رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) فيما بعد ليرينّ ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فاستقبله سعد ابن معاذ ، فقال له : يا أبا عمرو إلى أين ؟ قال : واها لريح الجنة ، واللَّه اني لأجدها دون أحد . . فقاتل حتى قتل رضوان اللَّه عليه ، وقد وجد في جسده الشريف بضع وثمانون ضربة وطعنة ورمية .

{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ويُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهً كانَ غَفُوراً رَحِيماً} وعادلا وحكيما ، لا لغو ولا عبث في مشيئته وأفعاله ، فهو يثيب من يستحق الثواب كأهل الصدق والايمان ، ان استمروا على صدقهم وايمانهم ، ويعذب أهل الكفر والنفاق ان أصروا على الكفر والضلال وان تابوا شملهم برحمته ، وغفر لهم ما سلف ، فقوله تعالى : {ويُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ} معناه انه يشاء تعذيبهم ان لم يتوبوا ، والدليل على ذلك قوله : {أَو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهً كانَ غَفُوراً رَحِيماً} أي ان تابوا تاب عليهم وغفر لهم وشملهم برحمته .

{ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} وهم الأحزاب الذين تجمعوا لقتل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بقيادة أبي سفيان {لَمْ يَنالُوا خَيْراً} أي ما زعمته الأحزاب انه خير ، وهو الظفر بالنبي ومن آمن معه {وكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً} .

قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط : (كفاهم القتال بإرسال الرياح والجنود ، وهم الملائكة ، وقيل : المراد علي بن أبي طالب ومن معه ، برزوا للقتال ، وقتل علي عمرو بن ود) . وفي الحديث : {لضربة علي يوم الخندق أفضل من عمل الثقلين} . وفي رواية ثانية : {لمبارزة علي لعمرو أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة} . نقل هذه الرواية الحاكم في المستدرك ج 3 ص 32 . ( السيد محسن الأمين ، أعيان الشيعة ج 2 والشيخ المظفر ، دلائل الصدق ج 2 ) .

ملخص قصة بني قريظة :

{وأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيارَهُمْ وأَمْوالَهُمْ وأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} . المراد بأهل الكتاب هنا بنو قريظة خاصة . وضمير {هم} في قوله تعالى {ظاهروهم} يعود إلى الأحزاب ، وصياصيهم حصون بني قريظة . أما قوله تعالى : {وأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها} فهو بشارة بالفتوح الاسلامية .

قلنا فيما تقدم : ان بني قريظة ، وهم قبيلة من اليهود ، كانوا يساكنون النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالمدينة أوبضواحيها ، وانه كان بينه وبينهم عهد أن لا يعينوا عليه عدوا ، ولما حاصرت الأحزاب المدينة نقضوا العهد وأعلنوا الحرب ، كما هو شأن اليهود قديما وحديثا . . وهاتان الآيتان اللتان نحن بصددهما تشيران إلى ما حدث لبني قريظة بعد نقضهم العهد وهزيمة الأحزاب ، وخلاصته :

لما كفى اللَّه المؤمنين قتال الأحزاب نادى منادي رسول اللَّه بالخروج إلى بني قريظة ، ولما وصل إليهم جيش المسلمين أغلقوا عليهم الحصن ، فعرض النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عليهم الإسلام على أن يكون لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم ، وإلا حاصروهم حتى يستسلموا أو يحاربوا ، فأشار عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يسلموا ويؤمنوا بمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وقال : فو اللَّه لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وانه الذي تجدونه في التوراة ، فأبوا وقالوا : لا نفارق ديننا .

وامتد الحصار خمسا وعشرين ليلة حتى أوشكوا على الهلاك من الجهد والخوف ، وعندئذ طلبوا من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) باختيارهم وملء إرادتهم أن ينزلوا على حكم سعد ابن معاذ ، وهو رئيس الأوس ، وكان بنو قريظة حلفاء لهم ، فاستجاب النبي لطلبهم ، واستدعى سعدا ، وقال له : ان هؤلاء قد نزلوا على حكمك مختارين ، فاحكم بما شئت . قال سعد : وحكمي نافذ عليهم ؟ قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : نعم .

فحكم سعد أن تقتل رجالهم المقاتلون ، وان تقسم أموالهم ، وتسبى ذراريهم ونساؤهم ، وأن تكون ديارهم للمهاجرين دون الأنصار ، لأن للأنصار ديارا ، ولا ديار للمهاجرين .

فأمر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بقتل الرجال الذين كانوا يحملون السلاح ، ومن حث بني قريظة على نقض العهد ودبر المعركة ضد المسلمين كحيي بن أخطب زعيم بني النضير ، ثم قسمت الأموال ، وسبيت الذراري والنساء كما حكم سعد الذي اختاره بنو قريظة حكما . والى هذا يشير قوله تعالى : {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} .

وقدمنا ان سهما من أسهم الأحزاب أصاب أكحل سعد ، وانه طلب من اللَّه ان لا يميته حتى يقر عينيه من بني قريظة . . وبعد أن نفّذ فيهم حكمه انفجر الجرح وانتقل إلى رحمة اللَّه ورضوانه ، وهو قرير العين بالشهادة واستجابة الدعاء .

هل ظلم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بني قريظة ؟

وتسأل : كيف أقر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) حكم سعد ، وفيه ما فيه من العنف والقسوة حتى اتخذ منه أعداء الإسلام وسيلة للطعن والتشهير ؟

الجواب : ان محمدا لم يظلم بني قريظة ، وانما أنفسهم كانوا يظلمون لأنهم اختاروا لها هذا المصير بملء إرادتهم ، ويشهد لذلك :

أولا : انهم عاهدوا النبي ونكثوا العهد في أحرج الأوقات ، كما هو دأب اليهود منذ القديم قال تعالى : {أَو كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} - أي الرؤساء - 100 البقرة .

ثانيا : ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عرض عليهم أن يدعهم وشأنهم شريطة أن يقولوا : لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه ، ونصحهم رئيسهم كعب بن أسد أن يستجيبوا وينطقوا بكلمة الشهادة فرفضوا .

ثالثا : ان بني قريظة أبوا النزول على حكم رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، وقبلوا حكم سعد من تلقاء أنفسهم .

رابعا : ان سعدا حكم بشريعتهم التي يدينون بها ، ويحكمون على الناس بموجبها . قال العقاد : {انما دانهم سعد بنص التوراة الذي يؤمنون به كما جاء في التثنية : (حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح ، فإن أجابتك إلى الصلح ، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك . وان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك ، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمة تغنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك إلهك . .

اصحاح 10 إلى 15 تثنية) . ( كتاب العبقريات الاسلامية ص 219 طبعة دار الفتوح بالقاهرة ) .

وهذا النص موجود في التوراة اصحاح 20 من التثنية ، لا اصحاح 10 إلى 15 كما جاء في العبقريات الاسلامية ، وهو يدل بوضوح على أكثر مما حكم به سعد ابن معاذ على بني قريظة ، لأنه يقول صراحة : ان استجابت المدينة إلى الصلح فجميع أهلها عبيد مسخرون ، وان أبت وجب ذبح جميع الذكور بحد السيف المقاتلين منهم وغير المقاتلين ، ونهب الأموال وسبي النساء والأطفال .

وهناك نص آخر في التوراة لم يذكره العقاد ، وهو أعظم جورا من النص الذي ذكره ، لأنه يأمر بقتل جميع السكان ، ولا يستثني النساء والأطفال ، ثم إحراق المدينة بجميع ما فيها بحيث لا يمكن بناؤها وتجديدها إلى الأبد . . فقد جاء في الأصحاح الثالث عشر من التثنية ما نصه بالحرف الواحد : (فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف ، وتحرّمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف ، وتجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها ، وتحرق بالنار المدينة ، وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك ، فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد) .

فهل بعد هذا يقال : ان محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) ظلم يهود بني قريظة ، وان سعدا جار في حكمه عليهم ؟ . . فمن القضاء العدل أن تلزم كل إنسان بما ألزم به نفسه ، وتحكم عليه بما يدين ويعتقد ، واليهود يعتقدون دينا ، ويطبقون عملا ذبح الذكور ، ونهب الأموال ، وسبي النساء والأطفال ، وهدم البيوت وإحراق القرى والمدن من كل شعب من الشعوب دون أن يعلن عليهم حربا أو ينكث لهم عهدا أو يسيء إليهم بحرف تماما كما تفعل الآن إسرائيل مع شعب فلسطين . . فهل يعد ظالما من يحكم عليهم بتوراتهم ، ويعاملهم بما عاملوا به الناس ؟ مع العلم بأن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قتل المقاتلين منهم بعد أن نكثوا عهده وأعلنوا عليه الحرب ، وهم يقتلون ويحرقون لا لشيء إلا لأن القتل والحرق والفساد دين لهم وطبيعة . . ولوحكم عليهم بالقتل والنهب والسبي دون أن ينكثوا العهد ويعلنوا الحرب لكان الحكم حقا وعدلا ، لأنه حكم بما يدينون ويفعلون . . واتفقت جميع الشرائع السماوية والوضعية على أن من دان بدين لزمته أحكامه ، وهنا يكمن السر في قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) لسعد : (حكمت فيهم بحكم اللَّه من فوق سبعة أرقعة) . جمع رقيع وهو اسم السماء .

-______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص205-210 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} الأسوة القدوة وهي الاقتداء والاتباع ، وقوله : {في رسول الله} أي في مورد رسول الله والأسوة التي في مورده هي تأسيهم به واتباعهم له والتعبير بقوله : {لقد كان لكم} الدال على الاستقرار والاستمرار في الماضي إشارة إلى كونه تكليفا ثابتا مستمرا .

والمعنى : ومن حكم رسالة الرسول وإيمانكم به أن تتأسوا به في قوله وفعله وأنتم ترون ما يقاسيه في جنب الله وحضوره في القتال وجهاده في الله حق جهاده .

وفي الكشاف : ، فإن قلت : فما حقيقة قوله : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}؟ وقرىء أسوة بالضم .

قلت : فيه وجهان : أحدهما أنه في نفسه أسوة حسنة أي قدوة وهو المؤتسى أي المقتدى به كما تقول : في البيضة عشرون منا حديد أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد .

والثاني : أن فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها وتتبع وهي المواساة بنفسه انتهى وأول الوجهين قريب مما قدمناه .

وقوله : {لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} بدل من ضمير الخطاب في {لكم} للدلالة على أن التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خصلة جميلة زاكية لا يتصف بها كل من تسمى بالإيمان ، وإنما يتصف بها جمع ممن تلبس بحقيقة الإيمان فكان يرجوالله واليوم الآخر أي تعلق قلبه بالله فآمن به وتعلق قلبه باليوم الآخر فعمل صالحا ومع ذلك ذكر الله كثيرا فكان لا يغفل عن ربه فتأسى بالنبي في أفعاله وأعماله .

وقيل : قوله : {لمن كان} إلخ ، صلة لقوله : {حسنة} أو صفة له للمنع عن الإبدال من ضمير الخطاب ومآل الوجوه الثلاثة بحسب المعنى واحد .

قوله تعالى : {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله{ ، وصف لحال المؤمنين لما شاهدوا الأحزاب ونزول جيوشهم حول المدينة فكان ذلك سبب رشدهم وتبصرهم في الإيمان وتصديقهم لله ولرسوله على خلاف ما ظهر من المنافقين والذين في قلوبهم مرض من الارتياب وسيىء القول ، وبذلك يظهر أن المراد بالمؤمنين المخلصون لإيمانهم بالله ورسوله .

وقوله : {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله} الإشارة بهذا إلى ما شاهدوه مجردا عن سائر الخصوصيات ، كما في قوله : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام : 78] .

والوعد الذي أشاروا إليه قيل : هوما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وعدهم أن الأحزاب سيتظاهرون عليهم فلما شاهدوهم تبين لهم أن ذلك هو الذي وعدهم .

وقيل : إنهم كانوا قد سمعوا قوله تعالى في سورة البقرة : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة : 214] فتحققوا أنهم سيصيبهم ما أصاب الأنبياء والمؤمنين بهم من الشدة والمحنة التي تزلزل القلوب وتدهش النفوس فلما رأوا الأحزاب أيقنوا أنه من الوعد الموعود وأن الله سينصرهم على عدوهم .

والحق هو الجمع بين الوجهين نظرا إلى جمعهم بين الله ورسوله في الوعد إذ قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله .

وقوله : {وصدق الله ورسوله} شهادة منهم على صدق الوعد ، وقوله : {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} أي إيمانا بالله ورسوله وتسليما لأمر الله بنصرة دينه والجهاد في سبيله .

قوله تعالى : {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} ، قال الراغب : النحب النذر المحكوم بوجوبه ، يقال : قضى فلان نحبه أي وفى بنذره قال تعالى : {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} ، ويعبر بذلك عمن مات كقولهم : قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته .

انتهى .

وقوله : {صدقوا ما عاهدوا الله عليه} أي حققوا صدقهم فيما عاهدوه أن لا يفروا إذا لاقوا العدو ، ويشهد على أن المراد بالعهد ذلك أن في الآية محاذاة لقوله السابق في المنافقين والضعفاء الإيمان : {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار} كما أن في الآية السابقة محاذاة لما ذكر سابقا من ارتياب القوم وعدم تسليمهم لأمر الله .

وقوله : {فمنهم من قضى نحبه} إلخ ، أي منهم من قضى أجله بموت أو قتل في سبيل الله ومنهم من ينتظر ذلك وما بدلوا شيئا مما كانوا عليه من قول أو عهد تبديلا .

قوله تعالى : {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما} اللام للغاية وما تتضمنه الآية غاية لجميع من تقدم ذكرهم من المنافقين والمؤمنين .

فقوله : {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} المراد بالصادقين المؤمنين وقد ذكر صدقهم قبل ، والباء في {بصدقهم} للسببية أي ليجزي المؤمنين الذين صدقوا عهدهم بسبب صدقهم .

وقوله : {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} أي وليعذب المنافقين إن شاء تعذيبهم وذلك فيما لولم يتوبوا أو يتوب عليهم إن تابوا إن الله كان غفورا رحيما .

وفي الآية من حيث كونها بيان غاية نكتة لطيفة هي أن المعاصي ربما كانت مقدمة للسعادة والمغفرة لا بما أنها معاص بل لكونها سائقة للنفس من الظلمة والشقوة إلى حيث تتوحش النفس وتتنبه فتتوب إلى ربها وتنتزع عن معاصيها وذنوبها فيتوب الله عليها في الغاية .

قوله تعالى : {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} الغيظ الغم والحنق والمراد بالخير ما كان يعده الكفار خيرا وهو الظفر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين .

والمعنى : ورد الله الذين كفروا مع غمهم وحنقهم والحال أنهم لم ينالوا ما كانوا يتمنونه وكفى الله المؤمنين القتال فلم يقاتلوا وكان الله قويا على ما يريد عزيزا لا يغلب .

قوله تعالى : {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم - إلى قوله - قديرا} المظاهرة المعاونة ، والصياصي جمع صيصية وهي الحصن الذي يمتنع به ولعل التعبير بالإنزال دون الإخراج لأن المتحصنين يصعدون بروج الحصون ويشرفون منها ومن أعالي الجدران على أعدائهم في خارجها ومحاصريهم .

والمعنى : {وأنزل الذين ظاهروهم} أي عاونوا المشركين وهم بنو قريظة {من أهل الكتاب} وهم اليهود {من صياصيهم} وحصونهم {وقذف} وألقى {في قلوبهم الرعب} والخوف {فريقا تقتلون} وهم الرجال {وتأسرون فريقا} وهم الذراري والنساء {وأورثكم} أي وملككم بعدهم {أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها} وهي أرض خيبر أو الأرض التي أفاء الله مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وأما تفسيرها بأنها كل أرض ستفتح إلى يوم القيامة أو أرض مكة أو أرض الروم وفارس فلا يلائمه سياق الآيتين {وكان الله على كل شيء قديرا} .

 

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص233-236 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

دور المؤمنين المخلصين في معركة الأحزاب :

يستمرّ الكلام إلى الآن عن الفئات المختلفة ومخطّطاتهم وأدوارهم في غزوة الأحزاب ، وقد تقدّم الكلام عن ضعفاء الإيمان والمنافقين ورؤوس الكفر والنفاق والمعوّقين عن الجهاد .

ويتحدّث القرآن المجيد في نهاية المطاف عن المؤمنين الحقيقيين ، ومعنوياتهم العالية ورجولتهم وثباتهم وسائر خصائصهم في الجهاد الكبير .

ويبدأ مقدّمة هذا البحث بالحديث عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، حيث كان إمامهم وقدوتهم ، فيقول : {لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} .

فإنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) خير نموذج لكم ، لا في هذا المجال وحسب ، بل وفي كلّ مجالات الحياة ، فإنّ كلاًّ من معنوياته العالية ، وصبره وإستقامته وصموده ، وذكائه ودرايته ، وإخلاصه وتوجّهه إلى الله ، وتسلّطه وسيطرته على الحوادث ، وعدم خضوعه وركوعه أمام الصعاب والمشاكل ، نموذج يحتذي به كلّ المسلمين .

إنّ هذا القائد العظيم لا يدع للضعف والعجلة إلى نفسه سبيلا عندما تحيط بسفينته أشدّ العواصف ، وتعصف بها الأمواج المتلاطمة ، فهو ربّان السفينة ، ومرساها المطمئن الثابت ، وهو مصباح الهداية ، ومبعث الراحة والهدوء والإطمئنان الروحي لركابها .

إنّه يأخذ المعول بيده ليحفر الخندق مع بقيّة المؤمنين ، فيجمع ترابه بمسحاة ويخرجه بوعاء معه ، ويمزح مع أصحابه لحفظ معنوياتهم والتخفيف عنهم ، ويرغّبهم في إنشاد الشعر الحماسي لإلهاب مشاعرهم وتقوية قلوبهم ، ويدفعهم دائماً نحو ذكر الله تعالى ويبشّرهم بالمستقبل الزاهر والفتوحات العظيمة .

يحذّرهم من مؤامرات المنافقين ، ويمنحهم الوعي والإستعداد اللازم .

ولا يغفل لحظة عن التجهيز والتسلّح الحربي الصحيح ، وإنتخاب أفضل الأساليب العسكرية ، ولا يتوانى في الوقت نفسه عن إكتشاف الطرق المختلفة التي تؤدّي إلى بثّ التفرقة وإيجاد التصدّع في صفوف الأعداء .

نعم . . إنّه أسمى مقتدى ، وأحسن اُسوة للمؤمنين في هذا الميدان ، وفي كلّ الميادين .

«الاُسوة» تعني في الأصل الحالة التي يتلبّسها الإنسان لدى اتّباعه لآخر ، وبتعبير آخر : هي التأسّي والإقتداء ، وبناءً على هذا فإنّ لها معنى المصدر لا الصفة ، ومعنى جملة : {لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة} هو أنّ لكم في النّبي (صلى الله عليه وآله)تأسّياً وإقتداءً جيّداً ، فإنّكم تستطيعون بالإقتداء به واتباعه أن تصلحوا اُموركم وتسيروا على الصراط المستقيم .

والطريف أنّ القرآن الكريم يعتبر هذه الاُسوة الحسنة في الآية أعلاه مختّصة بمن لهم ثلاث خصائص : الثقة بالله ، والإيمان بالمعاد ، وأنّهم يذكرون الله كثيراً .

إنّ الإيمان بالمبدأ والمعاد هو سبب وباعث هذه الحركة في الحقيقة ، وذكر الله يعمل على إستمراره ، إذ لا شكّ أنّ من لم يمتليء قلبه بهكذا إيمان لا يقدر أن يضع قدمه موضع قدم النّبي ، وإذا لم يُدم ذكر الله ويعمّر قلبه به أثناء إستمراره في هذا الطريق ، ويبعد الشياطين عنه ، فسوف لا يكون قادراً على إدامة التأسّي والإقتداء .

وتجدر الإشارة إلى أنّ علياً (عليه السلام) مع شهامته وشجاعته في كلّ ميادين الحرب ، والتي تمثّل معركة الأحزاب نموذجاً منها ، وسيشار إليها فيما بعد ، يقول في نهج البلاغة فيما روي عنه : «كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدو منه»(2) .

بعد ذكر هذه المقدّمة تطرّقت الآية التالية إلى بيان حال المؤمنين الحقيقيين ، فقالت : {ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً} .

ولكن ما هذا الوعد الذي كان الله ورسوله قد وعدهم به؟

قال البعض : إنّه إشارة إلى الكلام الذي كان رسول الله قد تكلّم به من قبل بأنّ قبائل العرب ومختلف أعدائكم سيتّحدون ضدّكم قريباً ويأتون إليكم ، لكن اعلموا أنّ النصر سيكون حليفكم في النهاية ، فلمّا رأى المؤمنون هجوم الأحزاب أيقنوا أنّ هذا ما وعدهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا : ما دام الجزء الأوّل من الوعد قد تحقّق ، فمن المسلّم أنّ جزأه الثّاني ـ أي النصر ـ سيتحقّق بعده ، ولذلك زاد إيمانهم وتسليمهم .

وقال البعض الآخر : إنّ هذا الوعد هوما ذكره الله سبحانه في الآية (214) من سورة البقرة حيث قال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة : 214] .

أي إنّهم قيل لهم من قبل : إنّكم ستخضعون لإمتحان عسير ، فلمّا رأوا الأحزاب تيقّنوا صدق إخبار الله ورسوله ، وزاد إيمانهم وتسليمهم .

ومن الطبيعي أنّ هذين التّفسيرين لا يتنافيان ، خاصّة بملاحظة أنّ أحد الوعدين كان في الأساس وعد الله ، والآخر وعد الرّسول (صلى الله عليه وآله) ، وقد جاءا معاً في الآية مورد البحث ، ويبدو أنّ الجمع بينهما مناسب تماماً .

وتشير الآية التالية إلى فئة خاصّة من المؤمنين ، وهم الذين كانوا أكثر تأسّياً بالنّبي (صلى الله عليه وآله) من الجميع ، وثبتوا على عهدهم الذي عاهدوا الله به ، وهو التضحية في سبيل دينه حتّى النفس الأخير ، وإلى آخر قطرة دم ، فتقول : {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} من دون أن يتزلزل أو ينحرف ويبدّل العهد ويغيّر الميثاق الذي قطعه على نفسه {وما بدّلوا تبديلا} .

إنّهم لم ينحرفوا قيد أنملة عن خطّهم ، ولم يألوا جهداً في سبيل الله ، ولم يتزلزلوا لحظة ، بعكس المنافقين أو ضعاف الإيمان الذين بعثرتهم عاصفة الحوادث هنا وهناك وأفرزت الشدائد في أدمغتهم الخاوية أفكاراً جوفاء خبيثة . . إنّ المؤمنين وقفوا كالجبل الأشمّ وأثبتوا أنّ العهد الذي عاهدوا به لا يقبل النقض أو التراجع عنه .

إنّ لفظة (نحب) على زنة (عهد) تعني العهد والنذر والميثاق ، ووردت أحياناً بمعنى الموت ، أو الخطر ، أو سرعة السير ، أو البكاء بصوت مرتفع(3) .

وهناك إختلاف بين المفسّرين في المعنيّ بهذه الآية .

يروي العالم المعروف (الحاكم أبو القاسم الحسكاني) ـ وهومن علماء السنّة ـ بسند عن علي (عليه السلام) أنّه قال : «فينا نزلت (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فأنا ـ والله ـ المنتظر وما بدّلت تبديلا ، ومنّا رجال قد إستشهدوا من قبل كحمزة سيّد الشهداء»(4) .

وقال آخرون : إنّ جملة (من قضى نحبه) إشارة إلى شهداء بدر واُحد ، وجملة : {ومنهم من ينتظر} إشارة إلى المسلمين الصادقين الآخرين الذين كانوا بإنتظار إحدى الحسنيين : النصر ، أو الشهادة .

وروي عن «أنس بن مالك» أيضاً : أنّ عمّه «أنس بن النضر» لم يكن حاضراً في غزوة بدر ، فلمّا علم فيما بعد ، وكانت الحرب قد وضعت أوزارها ، أسف لعدم إشتراكه في الجهاد ، فعاهد الله على أن يشارك في الجهاد إن وقعت معركة اُخرى ويثبت فيها وإن زهقت روحه ، ولذلك فقد شارك في معركة اُحد ، وحينما فرّ جماعة لم يفرّ معهم ، وقاوم وصمد حتّى جرح ثمّ استشهد(5) .

وروي عن «ابن عبّاس» أنّه قال : إنّ جملة : (منهم من قضى نحبه) إشارة إلى حمزة بن عبدالمطّلب وباقي شهداء اُحد ، وأنس بن النضر وأصحابه(6) .

ولا منافاة بين هذه التفاسير مطلقاً ، لأنّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كلّ شهداء الإسلام الذين إستشهدوا قبل معركة الأحزاب ، وكلّ من كان منتظراً للنصر أو الشهادة ، وكان على رأسهم رجال كحمزة سيّد الشهداء وعلي (عليهما السلام) ، ولذلك ورد في تفسير الصافي : أنّ أصحاب الحسين بكربلاء كانوا كلّ من أراد الخروج للقتال ودّع الحسين (عليه السلام) وقال : السلام عليك يابن رسول الله ، فيجيبه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ : {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}(7) .

ويستفاد من كتب المقاتل أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) تلا هذه الآية عند أجساد شهداء آخرين كمسلم بن عوسجة ، وحين بلغه خبر شهادة «عبدالله بن يقطر»(8) .

ومن هنا يتّضح أنّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كلّ المؤمنين المخلصين الصادقين في كلّ عصر وزمان ، سواء من إرتدى منهم ثوب الشهادة في سبيل الله ، أم من ثبت على عهده مع ربّه ولم يتزعزع ، وكان مستعدّاً للجهاد والشهادة .

وتبيّن الآية التالية النتيجة النهائية لأعمال المؤمنين والمنافقين في جملة قصيرة ، فتقول : {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء} فلا يبقى صدق وإخلاص ووفاء المؤمنين بدون ثواب ، ولا ضعف وإعاقات المنافقين بدون عقاب .

ومع ذلك ، ولكي لا يغلق طريق العودة والإنابة بوجه هؤلاء المنافقين العنودين ، فإنّ الله سبحانه قد فتح أبواب التوبة أمامهم بجملة : (أويتوب عليهم) ـ إذا تابوا ـ ووصف نفسه بالغفور والرحيم {إنّ الله كان غفوراً رحيماً} ليحيي فيهم الحركة نحو الإيمان والصدق والإخلاص والوفاء بالتزاماتهم أمام الله والعمل بمقتضاها .

ولمّا كانت هذه الجملة قد ذكرت كنتيجة لأعمال المنافقين القبيحة ، فإنّ بعض كبار المفسّرين رأى على أساسها بأنّ الذنب الكبير في القلوب التي لها قابلية الهداية ربّما كان دفعاً للحركة المضادّة والرجوع إلى الحقّ والحقيقة ، وقد يكون الشرّ مفتاحاً للخير والرشاد (9) .

وتطرح الآية الأخيرة من هذه الآيات ـ والتي تتحدّث عن غزوة الأحزاب وتنهي هذا البحث ـ خلاصة واضحة لهذه الواقعة في عبارة مختصرة ، فتقول في الجملة الاُولى : {وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً} .

«الغيظ» يعني (الغضب) ويأتي أحياناً بمعنى (الغمّ) ، وهنا جاء مزيجاً من المعنيين ، فإنّ جيوش الأحزاب قد بذلت قصارى جهدها للإنتصار على جيش الإسلام ، لكنّها خابت ، ورجع جنود الكفر إلى أوطانهم يعلوهم الغمّ والغضب .

والمراد من «الخير» هنا الإنتصار في الحرب ، ولم يكن إنتصار جيش الكفر خيراً أبداً ، بل إنّه شرّ ، ولمّا كان القرآن يتحدّث من وجهة نظرهم الفكرية عبّر عنه بالخير ، وهو إشارة إلى أنّهم لم ينالوا أيّ نصر في هذا المجال .

وقال البعض : إنّ المراد من «الخير» هنا (المال) لأنّ هذه الكلمة اُطلقت في مواضع اُخرى بهذا المعنى ، ومن جملتها ما في آية الوصية (180) من سورة البقرة : {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة : 180] .

ومع أنّ أحد الأهداف الأصليّة لمعسكر الكفر كان الحصول على غنائم المدينة والإغارة على هذه الأرض ، وهذا الباعث كان أهمّ البواعث في عصر الجاهلية ، لكنّنا لا نمتلك الدليل على حصر معنى (الخير) هنا بالمال ، بل يشمل كلّ الإنتصارات التي كانوا يطمحون إليها ، وكان المال أحدها لكنّهم حرموا من الجميع .

وتضيف في الجملة التالية : {وكفى الله المؤمنين القتال} فقد هيّأ عوامل بحيث إنتهت الحرب من دون حاجة إلى إلتحام واسع بين الجيشين ، ومن دون أن يتحمّل المؤمنون خسائر فادحة ، لأنّ العواصف الهوجاء القارصة قد مزّقت أوضاع المشركين من جهة ، ومن جهة اُخرى فإنّ الله تعالى قد ألقى الرعب والخوف في قلوبهم من جنود الله التي لا ترى ، ومن جهة ثالثة فإنّ الضربة التي أنزلها علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأعظم بطل من أبطالهم ، وهو «عمرو بن عبد ودّ» ، قد تسبّبت في تبدّد أحلامهم وآمالهم ، ودفعتهم إلى أن يلملموا أمتعتهم ويتركوا محاصرة المدينة ويرجعوا إلى قبائلهم تقدمهم الخيبة والخسران .

وتقول الآية في آخر جملة : {وكان الله قويّاً عزيزاً} فمن الممكن أن يوجد اُناس أقوياء ، لكنّهم ليسوا بأعزّاء لا يُقهرون ، بل هناك من يقهرهم ومن هو أقوى منهم ، إلاّ أنّ القوي العزيز الوحيد في العالم هو الله عزّوجلّ الذي لا حدّ لقدرته وقوّته ولا إنتهاء ، فهو الذي أنزل على المؤمنين النصر في مثل هذا الموقف العسير والخطير جدّاً بحيث لم يحتاجوا حتّى إلى النزال وتقديم التضحيات!

وقوله تعالى : {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب : 26 ، 27]

 

غزوة بني قريظة إنتصار عظيم آخر :

كان في المدينة ثلاث طوائف معروفة من اليهود ، وهم : بنو قريظة ، وبنو النضير ، وبنو قينقاع ، وكانت هذه الطوائف قد عاهدت النّبي (صلى الله عليه وآله) على أن لا تعين عدوّاً له ولا يتجسّسوا لذلك العدوّ ، وأن يعيشوا مع المسلمين بسلام ، إلاّ أنّ «بني قينقاع» قد نقضوا عهدهم في السنة الثّانية للهجرة ، و«بنو النضير» في السنة الرّابعة للهجرة بأعذار شتّى ، وصمّموا على مواجهة النّبي (صلى الله عليه وآله) وإنهارت مقاومتهم في النهاية ، وطردوا إلى خارج المدينة ، فذهب «بنو قينقاع» إلى أذرعات الشام ، وذهب بعض «بني النضير» إلى خيبر ، وبعضهم الآخر إلى الشام(10) .

بناءً على هذا فإنّ «بني قريظة» كانوا آخر من بقي في المدينة إلى السنة الخامسة للهجرة حيث وقعت غزوة الأحزاب ، وكما قلنا في تفسير الآيات السبع عشرة المتعلّقة بمعركة الأحزاب ، فإنّهم نقضوا عهدهم في هذه المعركة ، واتّصلوا بمشركي العرب ، وشهروا السيوف بوجه المسلمين .

بعد إنتهاء غزوة الأحزاب والتراجع المشين والمخزي لقريش وغطفان وسائر قبائل العرب عن المدينة ، فإنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) ـ طبقاً للرّوايات الإسلامية ـ عاد إلى منزله وخلع لامة الحرب وذهب يغتسل ، فنزل عليه جبرئيل بأمر الله وقال : لماذا ألقيت سلاحك وهذه الملائكة قد إستعدّت للحرب؟ عليك أن تسير الآن نحو بني قريظة وتنهي أمرهم .

لم تكن هناك فرصة لتصفية الحساب مع بني قريظة أفضل من هذه الفرصة ، حيث كان المسلمون في حرارة الإنتصار ، وبنو قريظة يعيشون لوعة الهزيمة المرّة ، وقد سيطر عليهم الرعب الشديد ، وكان حلفاؤهم من قبائل العرب متعبين منهكي القوى خائري العزائم ، وهم في طريقهم إلى ديارهم يجرّون أذيال الخيبة ، ولم يكن هناك من يحميهم ويدافع عنهم .

هنا نادى مناد من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن توجّهوا إلى بني قريظة قبل أن تصلّوا العصر ، فاستعدّ المسلمون بسرعة وتهيّئوا للمسير إلى الحرب ، وما كادت الشمس تغرب إلاّ وكانت حصون بني قريظة المحكمة محاصرة تماماً .

لقد إستمرت هذه المحاصرة خمسة وعشرين يوماً ، وأخير سلّموا جميعاً ـ كما سيأتي في البحوث ـ فقُتل بعضهم ، واُضيف إلى سجل إنتصارات المسلمين إنتصار عظيم آخر ، وتطهّرت أرض المدينة من دنس هؤلاء المنافقين والأعداء اللدودين إلى الأبد .

وقد أشارت الآيات ـ مورد البحث ـ إشارة مختصرة ودقيقة إلى هذه الحادثة ، وكما قلنا فإنّ هذه الآيات نزلت بعد الإنتصار ، وأوضحت أنّ هذه الحادثة كانت نعمة وموهبة إلهيّة عظيمة ، فتقول الآية أوّلا : {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} .

«الصياصي» جمع (صيصية) ، أي : القلعة المحكمة ، ثمّ اُطلقت على كلّ وسيلة دفاعية ، كقرون البقر ، ومخالب الديك . ويتّضح هنا أنّ اليهود كانوا قد بنوا قلاعهم وحصونهم إلى جانب المدينة في نقطة مرتفعة ، والتعبير بـ (أنزل) يدلّ على هذا المعنى .

ثمّ تضيف الآية : {وقذف في قلوبهم الرعب} وأخيراً بلغ أمرهم أنّكم {فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أرضهم وديارهم} .

إنّ هذه الجمل تمثّل مختصراً وجانباً من نتائج غزوة بني قريظة ، حيث قتل جمع من اُولئك الخائنين على يد المسلمين ، واُسر آخرون ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من جملتها أراضيهم وديارهم وأموالهم .

والتعبير عن هذه الغنائم بـ «الإرث» لأنّ المسلمين لم يبذلوا كثير جهد للحصول عليها ، وسقطت في أيديهم بسهولة كلّ تلك الغنائم التي كانت حصيلة سنين طويلة من ظلم وجور اليهود وإستثماراتهم في المدينة .

وتقول الآية في النهاية : {وأرضاً لم تطؤوها وكان الله على كلّ شيء قديراً} .

هناك إختلاف بين المفسّرين في المقصود من {أرضاً لم تطؤوها} وأيّ أرض هي؟

فاعتبرها البعض إشارة إلى أرض خيبر التي فتحت على أيدي المسلمين فيما بعد .

وإعتبرها آخرون إشارة إلى أرض مكّة .

وآخرون يعتقدون أنّها إشارة إلى أرض الروم وفارس .

ويرى البعض أنّها إشارة إلى جميع الأراضي والبلدان التي وقعت في يد المسلمين من ذلك اليوم وما بعده إلى يوم القيامة .

إلاّ أنّ أيّاً من هذه الإحتمالات لا يناسب ظاهر الآية ، لأنّ الآية ـ بقرينة الفعل الماضي الذي جاء فيها (أورثكم) ـ شاهدة على أنّ هذه الأرض قد أصبحت تحت تصرّف المسلمين في حادثة غزوة بني قريظة ، إضافةً إلى أنّ أرض مكّة ـ وهي إحدى التفاسير السابقة ـ لم تكن أرضاً لم يطأها المسلمون ، في حين أنّ القرآن الكريم يقول : {وأرضاً لم تطؤوها} .

والظاهر أنّ هذه الجملة إشارة إلى البساتين والأراضي الخاصّة ببني قريظة ، والتي لم يكن لأحد الحقّ في دخولها ، لأنّ اليهود كانوا يبذلون قصارى جهودهم في سبيل الحفاظ على أموالهم وحصرها فيما بينهم .

ولو أغمضنا ، فإنّها تتناسب كثيراً مع أرض «خيبر» التي أخذت من اليهود بعد مدّة ليست بالبعيدة ، وأصبحت في حوزة المسلمين ، حيث إنّ معركة «خيبر» وقعت في السنة السابعة للهجرة .

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص359-377 .

2 ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، فصل الغرائب جملة 9 .

3 ـ مفردات الراغب ، ومجمع البيان ، ولسان العرب مادّة نَحب .

4 ـ مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث .

5 ـ أورد هذه الرّوايات بتفاوت يسير أصحاب تفاسير القرطبي وفي ظلال القرآن ، ومجمع البيان في كتبهم .

6 ـ مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث .

7 ـ تفسير الصافي ذيل الآية مورد البحث .

8 ـ نور الثقلين ، المجلّد 4 ، صفحة 259 .

9 ـ تفسير الميزان ، ذيل الآية مورد البحث .

10 ـ الكامل لابن الأثير ، المجلّد 2 ، صفحة 137 ـ 173 .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع