دور الانتشار الثقافي في التكامل الحضاري للمدنية العراقية القديمة |
3943
06:15 مساءً
التاريخ: 3-12-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2023
1008
التاريخ: 7-1-2020
2446
التاريخ: 8-1-2020
1194
التاريخ: 2-6-2016
1856
|
الانتشار الثقافي هو احد اهم ميكانزمات التطور والتغير الحتمي الاجتماعي والثقافي في المجتمعات الانسانية. ويعرفه الباحث الاجتماعي( وينثروب) على انه (تلك العملية التي تنتقل بوساطتها المكتشفات والمخترعات الحضارية والقيم و السلوكيات بين المجتمعات الانسانية قديمها وحديثها عن طريق الاتصال والتواصل بين هذه المجتمعات تاريخيا او جغرافيا عن طريق الهجرة او التجارة او الحروب او غيرها من وسائل الاتصال).
وهنالك ثلاثة طرق للانتشار الثقافي، الاولى منها هي الطريقة المباشرة عندما يكون هنالك تقارب تاريخي وجغرافي بين الحضارات وهي الطريقة الأكثر انتشارا بين الحضارات القديمة. اما الثانية فهي الانتشار الموجه بالقوة. والثالثة هي الانتشار غير المباشر وهو النمط الاكثر شيوعا في الوقت الحاضر. اذ يستدل دارسي الانثروبولوجيا التطورية على هذه العملية من خلال التشابه بين مفردات الحياة الانسانية بدءا من الآلات وانتهاء بالمؤسسات الاجتماعية وصولا الى عملية تقنين السلوك الانساني عن طريق القوانين.
يفترض دعاة الانتشار الثقافي أن الاتصال بين الشعوب المختلفة قد نتج عنه احتكاك ثقافي الذ ي نتج عنه بالتالي عملية انتشار لبعض السمات الثقافية أو كلها، وهو ما يفسر التباين الثقافي (فكرة البعض) بين الشعوب. وينطلق دعاة هذا الاتجاه من الافتراض بأن عملية الانتشار تبدأ من مركز ثقافي محدد لتنتقل عبر الزمان إلى أجزاء العالم المختلفة عن طريق الاتصالات بين الشعوب. وأن نظرية الانتشار الثقافي تسعى إلى الكشف عن حلقات لربط الثقافات معاً نتيجة تفاعلها جغرافياً وزمنيا فإنها تلتزم أيضاً بالمبدأ التاريخي فى علاقات الثقافات بعضها بالبعض الآخر.
ويرتبط الانتشار الثقافي بالتكامل الحضاري ارتباطا مباشرا، اذ يقوم التكامل الحضاري على عملية التوافق بين القيم الثقافية المعنوية والمادية0 فالتغير الثقافي في الجانب القيمي في حياة الانسان يكتسب الحتمية التي يحظى بها التغير الاجتماعي. كما انه يحدث عن طريق استدماج العديد من الآلات والمخترعات والمكتشفات في الحياة الاجتماعية للمجتمع او حتى عن طريق تقليد السلوكيات والمحاكاة الامر الذي يخلق نسقا جديدا من القيم الاجتماعية بحاجة الى تقبل المجتمعات لها لإتمام عملية التكامل الثقافي او الحضاري التي تشير الى عملية الاستدماج الامثل للقيم (المقاربة بين الفكر و الواقع) التي تأتي بها المخترعات الجديدة اذا ما بنينا هذا الفرضية على ان الثقافة كمفهوم عام تشير الى الجوانب المعنوية، في حين تشير الحضارة الى الجوانب المادية.
ولا يقتصر الانتشار الثقافي على مجتمع معين متخلفا كان ام متطورا بحيث يعمل هذا المجتمع على تصدير النتاجات الثقافية والحضارية الى المجتمعات الاخرى0 بل ان العملية برمتها تنحصر في عملية التفاعل الاجتماعي بين الافراد من المجتمعات المختلفة او بين المجتمعات ذاتها خصوصا اذا كانت هذه المجتمعات قريبة من بعضها البعض الاخر جغرافيا0 كما ان اتجاه هذه العملية لا يتحدد بالرقي الثقافي للمجتمعات فحسب بل يتعداه الى كل ما يمكن ان يكتسبه المجتمع من القيم والمخترعات القادمة من المجتمعات الاخرى شرط ان يفتقد المجتمع المُستقبل او المستلم الى نظيرها ويعمل على تمثلها، اذ ان عملية الانتشار الثقافي تتحدد بعملية التفاعل الاجتماعي(التأثير المتبادل).
فعندما تطرقنا الى فكرة "الحضارة المستنسخة" (حضارتي الإنكا والازتك) عن الحضارة المصرية القديمة نتيجة التواصل الحضاري لا يعني ان افراد هذه المدنيات تقبلوا الاختراعات المصرية كما هي بل تقبلوها على طريقتهم الخاصة اي اضفوا عليها الخصوصية المجتمعية والثقافية. وهذا ما يعلل الفارق في طبيعة البناء للشواهد الحضارية التي تشابهت بين الحضارتين.
وهكذا هو الاعتقاد السائد بين مجموعة من الباحثين والمختصين في الاثار والتاريخ القديم حول نشوء مدنيات الري القدمية في حضارات جنوب بلاد الرافدين اذ أسس هذه المدنية مستوطنون يُعتقد أنهم من شمال البلاد، وهم مزارعون ما زالوا في مرحلة "الثقافة النحاسية او البرونزية". الا ان ما حظيت به هذه الجماعات من الوفرة الاقتصادية نتيجة خصوبة الارض ووفرة الخيرات بدءا من الفائض الغذائي الذي افتقروا اليه في مناطق سكناهم الاصلية هو الذي دفعهم الى الهجرة و من ثم انشاء المدنيات التي يعرفها التاريخ اليوم والتي كانت العامل الاساس في نشوء الحضارة العراقية القديمة واستمرارها.
لقد لعب الرخاء الاقتصادي الذي عاشته المدينة العراقية القديمة دورا بارزا في اتساع النشاط التجاري وعملية التواصل مع الحضارات الاخرى وبالتالي التفاعل معها من خلال عملية الانتشار الحضاري لهذه المدن بين بلدان المعمورة آنذاك سواء من المدن العراقية القديمة او من مدن الحضارات المجاورة كالحضارة المصرية القديمة0 فقد تم العثور على العديد من المراسلات السياسية التي تعود الى الحضارة العراقية القديمة في مكتبة الاسكندرية(رسائل تل العمارنة والتي يعود تاريخها الى فترة النصف الثاني من الالف الثاني قبل الميلاد) والتي تعد اليوم من اقدم المراسلات السياسية والتي تبين قدرة الانسان العراقي على التفاعل الحضاري مع الحضارات الاخرى والتي تميزت بالقابلية على الاختيار بين العناصر الحضارية الوافدة.
وكذلك فان تقبل المدنية العراقية للانتشار الثقافي القادم مع المهاجرين اليها بوصفها مركز استقطاب او جذب سكاني كان من اهم عوامل ثرائها. ولقد رفد سكان المناطق الشمالية الحضارة بعناصر مبتكرات لا تضاهي شأنهم شأن سكان المناطق الجنوبية0 وبتبادل الخبرة وانصهار الأفكار حيث تطورت العديد من القرى و تحولت الى مدن صغيرة تابعة الى المدن الام او المركز مثل(اور،اريدو، الوركاء...الخ) بل انها شكلت الحدود المدنية و الاجتماعية لها0 وقد كان لتحول القرى الكثيرة إلى مدن هو الذي قاد العملية السياسية في العراق القديم الى التحول في شكل السلطة بعد ان مثلت اور(الانموذج) مركز هذه المدن الناشئة نظرا لما تتمتع به من مدنية راقية، اذ شهدت ظهور أولى انظمة الحكم وأشكال السلطة (السلالات الحاكمة) أو ما يعرف بعصر دويلات المدن السومرية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|