أقرأ أيضاً
التاريخ: 24/9/2022
1482
التاريخ: 23/9/2022
1196
التاريخ: 26/10/2022
944
التاريخ: 29-1-2016
1868
|
بمصاحبة التطورات التي رأيناها في الريف، تظهر مجموعات جديدة من البشر ليست لها علاقة بالزراعة، ولكن إليها تتجه، وعندها تتجمع كل المنتجات الزراعية لتموينها بالمواد الغذائية الأساسية، وفي بعض الأحيان توجد هذه المجموعات من البشر في نطاقات واسعة، حيث تكثر مدن صغيرة في وسط غابة متشابكة من المداخن، والقنوات الداكنة، والقضبان اللامعة، وأكوام الفحم المخروطية الشكل السوداء اللون، والمصانع ذات الشكل الهندسي، التي يدوي صخب آلاتها وضجيج نفثات دخانها، هذا ما كان يحدث في حقل الفحم، ومثل هذه البيئات ما تزال توجد في المناطق التي أخذت بأسباب الصناعة مبكراً منذ بداية الثورة الصناعية، وأمثالها ما يزال يظهر في أقطار جديدة.
ففي الاتحاد الروسي، ومنذ قيام الثورة الشيوعية في عام 1719، قد نشأت حول "بيروم Perm" في إقليم جبال أورال مدن وأحياء عمالية فوق مساحة محدودة، حتى أنها تتلامس بل تتداخل في الأخرى، كلها مدن تعدين للفحم وأحياء للعمال، وفي الهند نشأت مدينة "أسانسول" ونمت وازدهرت على تعدين الفحم، وهي كائن لا فقري تضاف اليه باستمرار خلايا جديدة، وليس لها قلب أو مركز حقيقي واضح، فالمدينة جزء من نطاق تغطية طبقة من الحياة البشرية، وتظهر صورة أخرى مماثلة هي صورة حقوق الفحم في غرب أوروبا التي ترصعها مجموعات من المدن الصغيرة وضواحي العمال التي تكاد تتلاحم وتلتصق ببعضها.
وغالبا ما كان يغيب وجود تنوع صناعي في مناطق تعدين الفحم، ذلك لأن مناجم الفحم كانت تحتكر القوة العاملة، كما أن شركات التعدين كانت تنظر بعين العداء والخشية من منافسة الحرف الأقل صعوبة ومشقة، والتي لاشك تجتذب عمال العمل الشاق وهم عمال تعدين الفحم، ولا تتضمن العمالة الإناث، ومدن التعدين هي أكثر مدن العالم تخصصاً، ذلك أن كل السكان العاملين يعملون باستخراج المعادن، لدرجة أن التجهيزات الخاصة بالتجارة والترويج ضعيفة النمو، ففي مركز تعدين مثل "بيكين كورت" Pecquencourt" في حقل فحم شمال فرنسا، يندرج 82% من السكان العاملين في مجموعة الحرف الثانية، وما لا يقل عن 70% يعملون في تعدين الفحم, ويتألف عمال مناطق التعدين أصلا من الأرياف المجاورة، وأحياناً من ريف بعيد، بل هم الآن يتضمنون عمالاً من جهات كثيرة من داخل الدولة ومن خارجها.
وفي البداية كان الطلب على الزيادة في الإنتاج الصناعي سبباً في جذب السكان وبالتالي ازدياد الكثافات السكانية، وبمرور الزمن أصبح النمو في استخدام المكينة، وفي بعض الحالات استهلاك الرواسب المعدنية، سبباً في إحداث تغييرات كثيرة وليست بسيطة، فعلى الرغم من تخطيط المدن المعاصر، وبناء ضواحي أنيقة نسبياً على الطراز الحديث ومريحة، بدلا من الأكواخ البائسة التي كانت شائعة فيما مضى، فإن طبيعة العمل الشاق وبيئة تعدين الفحم الضارة والمنفردة، قد دفعت كثيراً من العاملين الى الهجرة الى مناطق أخرى، وأضحت حقول الفحم في الدول ذات الاقتصاد بمثابة "محطات ترحيل" فيما بين الهجرات من الريف أو من دول أجنبية للوصول الى مراكز أخرى لاحتراف اعمال أخرى أكثر سهولة ونظافة وراحة.
وهناك مناطق صناعية تتصف بخصائص مشابهة لتلك التي تميز المناطق المتخصصة في تعدين الفحم، مثل انتشار أحجام سكانية كبيرة في مراكز عديدة وعالية التخصص متجاورة وأحياناً متلاصقة، ومن أمثلتها المناطق المتخصصة في تعدين الحديد أو المعادن غير الحديدية، أو المراكز التقليدية لصناعات المنسوجات، ففي اقليم صناعة القطن بلانكشير Lancashire كوكبة من المدن مختلف الاحجام، وفي وقت معلوم كانت بيرنلي Burnley تضم أكثر من 72% من السكان العاملين في الصناعات القطنية، كما بلغ صناع النسيج في بلاك بورن Blackbum نحو 63% من جملة السكان العاملين، ولقد كانت صناعة التعدين وصناعة المنسوجات أولى الصناعات التي نمت وتطورت، وكانت هي السبب في بزوغ المجمعات المدنية الصناعية المثالية.
وفي الدول الأقل تقدماً لم يكن التعدين مصحوباً بالتصنيع؛ ففيها يوجد عمال التعدين، ونتاج عملهم، سواء كان خاماً ونصف مصنع، يرسل الى مراكز الصناعة في الدول الصناعية المتقدمة، ويزداد الغطاء الصناعي تركيباً وتعقيداً، ويصير أكثر تنوعاً كلما ازداد النمو والتقدم، ليس بمجرد ازدياد القوة العاملة في مناطق التعدين فقط، وإنما بظهور وإدخال حرف أخرى متنوعة.
وبمرور الزمن حدثت إضافات لصناعات التعدين والنسيج، تمثلت في صناعات أكثر تعقيداً وأكثر تركيزاً، استدعت تشغيل عمالة ماهرة، وفنيين أكفاء مؤهلين، وأسواق استهلاك كبيرة؛ ومن ثم أصبحت المدن القديمة مراكز لأنشطة صناعية جديدة، بينما تظهر مستعمرات من مساكن العمال على امتداد خطوط المواصلات الأكثر ملاءمة، وحول مراكز النشاط التي تتمركز في المناطق المجاورة، ويسير التصنيع والتحضير جنباً الى جنب، وهذا ما نراه في الدول الصناعية العريقة، وفي دول كالاتحاد الروسي واليابان، فقد تضاعف الانتاج الصناعي عشرات المرات، ونمت المدن الصناعية القديمة وظهرت أعداد من المدن الجديدة، وازدهرت الصناعات الهندسية، والكيميائية، والصناعات الغذائية، ويعد النصف الثاني من القرن العشرين فترة ازدهار وازدهار المدن، بل ليقال إنها فترة "الإنفجار الحضري"Urban Explosion الذي صاحب النمو الصناعي.
ولا تستطيع هذه المدن أن تواصل نموها دون الاستعانة بالمجموعة الثالثة من الحرف، ذلك أن تضاعف الوظائف الصناعية تعني ارتفاع القوة الشرائية، وهذه بدورها تخلق متطلبات جديدة وكثيرة، ومن أجل ذلك يسير نمو القطاع الثالث من الحرف جنباً الى جنب بموازاة القطاع الثاني (المجموعة الثانية) من الحرف، وقد قدر أنه في حالة مدينة مكتملة النمو، يلزم لكل (100) وظيفة جديدة في مجموعة الحرف الثانية، إضافة (130) وظيفة في الصناعات الخدمية (المجموعة الحرفية الثالثة)، ففي ألمانيا على سبيل المثال يتراوح نسبة النمو في مجموعة الحرف الثانية 39%، وفي مجموعة الثالثة 45%، وفي اليابان تبلغ نسبة النمو في المجموعة الثانية 25%، وفي الثالثة نحو 37%.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|