أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-11-2016
4371
التاريخ: 11-2-2017
4103
التاريخ: 23-3-2018
2378
التاريخ: 28-4-2017
2837
|
قطع الرحم:
من المحرمات التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها بشكل كبير قطيعة الرحم فقد ورد في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25]. إن صلة الرحم هي مما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل وبالتالي فإن من يقطعها قال عنه الله عز وجل إنه عليه اللعنة وله سوء الدار.
ومن الملفت ربط قطيعة الرحم في أكثر من مورد بالإفساد في الأرض وكأنها من سنخها وهذا طبيعي، فإن الله عندما خلقنا أرادنا أن نتعارف ونتآلف فقطع الرحم هو على خلاف الإرادة الإلهية ويؤدي حتما الى إفساد المجتمع وتفكيكه بعد أن أراد الله منا سبحانه وتعالى منا توحيده وصهره في بوتقة إنسانية واحدة لا يميز فيها أحدنا عن الآخر إلا التقوى. فقد ورد في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. وفي نفس المورد وهو ربط قطيعة الرحم بالإفساد في الأرض ورد قول الله سبحانه وتعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].
وهذا ما يؤكد الحرمة الكبيرة لقطيعة الرحم كونها من أكبر الآثام الشرعية التي يمكن أن يرتكبها إنسان فقد أوردها الله سبحانه وتعالى مقارنة للإفساد في الأرض مشعرا بعظم الجرم المرتكب بواسطتها، وهي على ما في بعض الأحاديث من أقبح المعاصي، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: (أقبح المعاصي قطيعة الرحم والعقوق)(1) .
متى يجوز قطع الرحم؟:
في الأصل لا يجوز بحال قطع رحمنا إلا في موارد محدودة ولطروء عناوين ثانوية وهذا ما سنتعرض له إجمالا فيما يلي:
أ- مقاطعة من يخالفنا :
في بعض الأحيان تنشأ بين الأرحام خلافات كبيرة ذات منطلقات مختلفة، فقد نختلف بسبب أمور مادية، وقد يكون ذلك بسبب خلافات سياسية، أو فكرية، أو حتى مذهبية. فإذا بهم يقاطعون بعضهم البعض ويتعادون معاداة لا يشفع لهم فيها كونهم أرحاماً ينتسبون الى عائلة واحدة، بل قد يكونوا إخوة وأخوات.
أن تكون على خلاف فكري، أو مادي، أو مذهبي مع رحمك فإن ذلك لا يبرر لك مقاطعته والإسلام منع شرعا من القطيعة بهذا السبب، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) فيما رواه عنه الجهم بن حميد أنه قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (يكون لي القرابة على غير أمري ألهم علي حق؟ قال : نعم، حق الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقان : حق الرحم، وحق الإسلام)(2) .
فالإسلام قسم القرابة الى قسمين: إما إخوة لك في الدين فلهم عليك حقان حق الرحم وحق الإسلام، وإما على غير ديننا أو مذهبنا فلهم علينا حق الرحم والقرابة الذي على حسب الرواية لا يقطعه شيء.
ب- مقاطعة من أساء إلينا :
في بعض الأحيان نتعامل مع أرحامنا لا على مقياس الإسلام الذي يتجاوز فيه المسلم المؤمن عن أخطاء الاخرين ويتعامل معهم على أساس إيمانه لا على أساس تصرفاتهم معه فلو شتموه يشتمهم في حين أن المطلوب منهم أن يتجاوزوا عن أخطاء غيره معه ويسامحهم انطلاقاً من مفهوم الدين السمح الذي يتجاوز عن أخطاء الآخرين، ومن ذلك ترى أن بعض الأشخاص يقاطع رحمه وهو مؤمن فإذا سألته لماذا تفعل ذلك وهو غير جائز ومحرم؟ يقول لك: إنهم يؤذونني ويشتمونني ويسيئون إلي ولا يعاملونني معاملة حسنة لا يحترمونني فلماذا أصلهم وهم يتصرفون معي هكذا ؟.
في حين أن الإسلام يدعوه للتسامح والصفح عنهم والتجاوز عن أخطائهم فلعلهم بذلك يلتفتون الى ما يفعلون ويعودون الى رشدهم، وإن لم يفعلوا ذلك فله من الله سبحانه وتعالى الأجر جزاء ما تحمل في سبيل الحفاظ على أحكام الله عز وجل. وقد ورد في ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:
(إن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله: أهل بيتي أبوا إلا توثباً علي وقطيعه لي وشتيمة فأرفضهم ؟ قال: إذاً يرفضكم الله جميعاً، قال : فكيف أصنع ؟ قال تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فإنك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهيراً)( 3) .
فالنبي (صلى الله عليه وآله) عندما جاءه هذا الشخص سائلاً عن جواز أن يقاطع رحمه ويرفضهم أجابه بأنه لا يجوز له ذلك وأن تكليفه أن يصل رحمه وإلا فإن الله سبحانه وتعالى سيقطعهما معاً ويرفضهما معاً لأنهم ترصفوا على خلاف أحكام الشرع فأساؤوا وشتموا وقطعوا رحمهم وهو أيضا تصرف على خلاف الشرع فقطع رحمه تعصباً لشخصه وتأثراً بعصبيته من دون ملاحظة أحكام الشرع الداعي إلى الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع.
وهنا لا بد من الإشارة الى مسألة مهمة ألا وهي ان النبي (صلى الله عليه وآله) عندما قال: (إذاً يرفضكم الله جميعا...) ومع كون أحد الطرفين على حق والثاني على باطل في القضية التي اختلفوا عليها إلا أن هذا لا يبرر القطيعة للرحم التي لو حصلت فإن كلا الطرفين بغض النظر عن أحقية موقفه في القضية موضع النزاع يكون مأثوماً من الناحية الشرعية.
وعندما استغرب السائل ذلك وسأله إذاً ماذا أفعل؟ طلب منه النبي (صلى الله عليه وآله) أن يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه فهذه هي أخلاق الإسلام وهذا ما دعانا الله سبحانه وتعالى إليه. حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. فإن الهدف الذي يدعو إليه الإسلام في العلاقات الاجتماعية هو التحابب والتجاوز عن الأخطاء للحفاظ على متانة العقد الاجتماعي بين المسلمين ولبناء مجتمع إسلامي متماسك وهذا هو أحد أهم أهداف التركيز على وجوب صلة الرحم.
ج- مقاطعة من يقاطعنا :
في بعض الأحيان نحب أن نعامل الآخرين بالمثل كما تعامل الدول بعضها البعض، فإذا زارونا نزورهم وإن قاطعونا نقاطعهم، ولأن كرامتنا الشخصية تمنعنا أن نكون متهالكين على صلة أناس لا يرغبون بصلتنا أو لا يهتمون بنا. فكثيراً ما نرى أشخاصا لا يزورون أرحامهم وإذا سألتهم لماذا تفعلون ذلك؟ يجيبونك: إننا قاطعناهم لأنهم يقاطعوننا. مع العلم أن الإسلام يحث على عدم مقاطعة المقاطع من أرحامنا فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (لا تقطع رحمك وإن قطعك)(4) .
فالرسول (صلى الله عليه وآله) أمرنا أن لا نقطع رحمنا وإن قاطعونا، ونحن عندما ننفذ حكماً شرعياً يكون لنا أجراً أعظم إن كان تنفيذنا لهذا الحكم صعب علينا ومسيئ لنا فإن العار كما يقول الإمام الحسين (عليه السلام) أولى من دخول النار وقد ورد في الترغيب على صلة من قطعنا من أرحامنا ما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) حيث قال: (ما من خطوة أحب الى الله عز وجل من خطوتين: خطوة يسد بها المؤمن صفا في الله، وخطوة الى ذي رحم قاطع)(5) فقد اعتبر الله سبحانه وتعالى أن كل خطوة تخطوها الى صلة رحمك الذي يقطعك لك فيها من الأجر الكثير وهي عند الله عز وجل من أحب الخطوات، كل هذا يهدف الى المحافظة على هذا التكليف صوناً للمجتمع وخاصة العائلة الواحدة عن الفرقة والاختلاف.
د – مقاطعة أعدائنا :
لو كان أرحامنا في صف أعداء الأمة وأعداء الدين ممن يقومون بترصد أي ثغرة فينا للانقضاض علينا فهل يجب علينا أن نصلهم؟ وهل لا يجوز لنا ان نقاطعهم؟ هذه الحالات موجودة في هذه الأيام فبعض المسلمين انتقل الى صف الصهاينة أعداء الأمة والدين وحملوا سلاحاً معهم يريدون قتالنا ويتحينون الفرص للقضاء علينا، فلو كان بعضهم من أرحامنا فهل يجوز لنا أن نودهم وذلك صلة لرحمنا؟ هذه الحالة حصلت في أيام الإسلام الأولى عندما هاجر بعض المسلمين من مكة المكرمة الى يثرب وأراد الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يفتح مكة وأراد أحد المسلمين أن يبلغ من بقي من رحمه في مكة المكرمة بنية الرسول (صلى الله عليه وآله) لأنه يريد أن يود أهله أو رحمه فتدخل الله عز وجل وفضح الموضوع ونزلت الآية الكريمة التي تقول:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]. فالله عز وجل نهى عن اتخاذ عدوه وليّاً نلقي إليه بالمودة فلو كان أحد أرحامنا في صف أعدائنا فهو الذي انتهك رحمه وبالتالي لا رحم بيننا، لأن رحم الإسلام أشد وأقوى وليس قطعا للرحم أن نقطع أعداءنا ولو كانوا قريبين إلينا أشد القرب حتى لو كانوا أبناءنا وإخواننا وهذا ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]. فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن ود من حاد الله ورسوله حتى لو كان أبي، أو أبني ومن المعلوم أن صلة الأب لها حرمة أكبر من غيره من الأرحام ومع ذلك لا ود له إذا كان في صف الأعداء والمحاربين للإسلام والمسلمين.
هـ - مقاطعة من لا نأمن على أنفسنا منه :
في بعض الحالات يكون رحمنا قد بلغ في عداوته الشخصية لنا أن يهددنها بالقتل، أو أن يضرنا ضرراً معتبراً لا يقتصر على مجرد الإهانة الشخصية، بل يتعداه للإيذاء، ففي هذه الحالة لا يجوز أن نعرض أنفسنا للخطر أو الضرر من أجل أن نصل من يريد أذيتنا وهذا واضح في قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173].
فمن الواضح أن هناك في الشرع الحنيف قاعدة عامة مفادها أن المحرم في أصل الشرع كأكل لحم الميتة مثلاً قد يصبح مباحاً بل واجباً في بعض الحالات إذا توقف حفظ الحياة على تناوله، وكذلك فإن قطع الرحم الذي هو حرام شرعاً لكن لو أدت صلته إلى تعريض حياتنا للخطر، أو للإيذاء، أو الضرر غير المحتمل، بل المهانة غير المحتملة ففي هذه الحالة لا يحرم علينا قطع هذا الرحم .
_____________
1ـ عيون الحكم والمواعظ ص 122 .
2ـ بحار الأنوار ج71 ص 131 .
3- نفس المصدر السابق ص 113 .
4- نفس المصدر السابق ص 137 .
5- نفس المصدر السابق ص 89 – 90 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|