المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الكرنب
2024-11-28
الأدعية الدينية وأثرها على الجنين
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الثاني
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الأول
2024-11-28
الكرنب (الملفوف) Cabbage (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-28
العلاقات مع أهل الكتاب
2024-11-28

مدينة طولكرم
2-2-2016
معاوقة المصدر impedance, source
17-4-2020
نبات الأزاليا Rhododendron
23-8-2021
Distance, Measurement of
11-1-2016
مسير القمر الفلكي
23-11-2014
إعتبار وجود الملاكين في المجمع
25-8-2016


كلام في التوبة  
  
5375   07:47 صباحاً   التاريخ: 7-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج4 ، ص208-215
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /

 التوبة بتمام معناها الوارد في القرآن من التعاليم الحقيقية المختصة بهذا الكتاب السماوي فإن التوبة بمعنى الإيمان عن كفر و شرك و إن كانت دائرة في سائر الأديان الإلهية كدين موسى و عيسى (عليهما السلام) لكن لا من جهة تحليل حقيقة التوبة، و تسريتها إلى الإيمان بل باسم أن ذلك إيمان.

حتى أنه يلوح من الأصول التي بنوا عليها الديانة المسيحية المستقلة عدم نفع التوبة و استحالة أن يستفيد منها الإنسان كما يظهر مما أوردوه في توجيه الصلب و الفداء، و قد تقدم نقله في الكلام على خلقة المسيح في الجزء الثالث من هذا الكتاب.

هذا و قد انجر أمر الكنيسة بعد إلى الإفراط في أمر التوبة إلى حيث كانت تبيع أوراق المغفرة و تتجر بها، و كان أولياء الدين يغفرون ذنوب العاصين فيما اعترفوا به عندهم! لكن القرآن حلل حال الإنسان بحسب وقوع الدعوة عليه و تعلق الهداية به فوجده بالنظر إلى الكمال و الكرامة و السعادة الواجبة له في حياته الأخروية عند الله سبحانه التي لا غنى له عنها في سيره الاختياري إلى ربه فقيرا كل الفقر في ذاته صفر الكف بحسب نفسه قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15] ، و قال : {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: 3].

فهو واقع في مهبط الشقاء و منحط البعد و منعزل المسكنة كما يشير إليه قوله تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 4، 5] ، و قوله : {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم : 71,72]  و قوله : {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117].

و إذا كان كذلك فوروده منزلة الكرامة و استقراره في مستقر السعادة يتوقف على انصرافه عما هو فيه من مهبط الشقاء و منحط البعد و انقلاعه عنه برجوعه إلى ربه، و هو توبته إليه في أصل السعادة و هو الإيمان، و في كل سعادة فرعية و هي كل عمل صالح أعني التوبة و الرجوع عن أصل الشقاء و هو الشرك بالله سبحانه، و عن فروعات الشقاء و هي سيئات الأعمال بعد الشرك، فالتوبة بمعنى الرجوع إلى الله و الانخلاع عن ألواث البعد و الشقاء يتوقف عليها الاستقرار في دار الكرامة بالإيمان، و التنعم بأقسام نعم الطاعات و القربات، و بعبارة أخرى يتوقف القرب من الله و دار كرامته على التوبة من الشرك و من كل معصية، قال تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31] ، فالتوبة بمعنى الرجوع إلى الله تعم التوبتين جميعا بل تعمهما و غيرهما على ما سيجيء إن شاء الله.

ثم إن الإنسان لما كان فقيرا في نفسه لا يملك لنفسه خيراً ولا سعادة قط إلا بربه كان محتاجا في هذا الرجوع أيضا إلى عناية من ربه بأمره، و إعانة منه له في شأنه فيحتاج رجوعه إلى ربه بالعبودية و المسكنة إلى رجوع من ربه إليه بالتوفيق و الإعانة، و هو توبة الله سبحانه لعبده المتقدمة على توبة العبد إلى ربه كما قال تعالى : {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة : 118] ، و كذلك الرجوع إلى الله سبحانه يحتاج إلى قبوله بمغفرة الذنوب و تطهيره من القذارات و ألواث البعد ، و هذه هي التوبة الثانية من الله سبحانه المتأخرة عن توبة العبد إلى ربه كما قال تعالى : {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [ النساء :17].

وإذا تأملت حق التأمل وجدت أن التعدد في توبة الله سبحانه إنما عرض لها من حيث قياسها إلى توبة العبد، و إلا فهي توبة واحدة هي رجوع الله سبحانه إلى عبده بالرحمة، و يكون ذلك عند توبة العبد رجوعا إليه قبلها و بعدها، و ربما كان مع عدم توبة من العبد كما تقدم استفادة ذلك من قوله : {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء : 18] ، و أن قبول الشفاعة في حق العبد المذنب يوم القيامة من مصاديق التوبة و من هذا الباب قوله تعالى : {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء : 27].

وكذلك القرب و البعد لما كانا نسبيين أمكن أن يتحقق البعد في مقام القرب بنسبة بعض مواقفه و مراحله إلى بعض، و يصدق حينئذ معنى التوبة على رجوع بعض المقربين من عباد الله الصالحين من موقفه الذي هو فيه إلى موقف أرفع منه و أقرب إلى ربه، كما يشهد به ما يحكيه تعالى من توبة الأنبياء و هم معصومون بنص كلامه كقوله تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128] ، و قوله تعالى : حكاية عن موسى (عليه السلام) : {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] ، و قوله تعالى خطابا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] ، و قوله تعالى : {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة : 117].
و هذه التوبة العامة من الله سبحانه هي التي يدل عليها إطلاق آيات كثيرة من كلامه تعالى كقوله تعالى : {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3]، و قوله تعالى : {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [التوبة : 104] ، إلى غير ذلك.

فتلخص مما مر أولا أن نشر الرحمة من الله سبحانه على عبده لمغفرة ذنوبه، و إزالة ظلمة المعاصي عن قلبه - سواء في ذلك الشرك و ما دونه - توبة منه تعالى لعبده و أن رجوع العبد إلى ربه لمغفرة ذنوبه و إزالة معاصيه - سواء في ذلك الشرك و غيره - توبة منه إلى ربه.

و يتبين به أن من الواجب في الدعوة الحقة أن تعتني بأمر المعاصي كما تعتني بأصل الشرك، و تندب إلى مطلق التوبة الشامل للتوبة عن الشرك و التوبة عن المعاصي.

وثانيا : أن التوبة من الله سبحانه لعبده أعم من المبتدئة و اللاحقة فضل منه كسائر النعم التي يتنعم بها خلقه من غير إلزام و إيجاب يرد عليه تعالى من غيره، و ليس معنى وجوب قبول التوبة عليه تعالى عقلا إلا ما يدل عليه أمثال قوله تعالى : {وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3] و قوله : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31] و قوله : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة : 222] و قوله : {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 17] الآية من الآيات المتضمنة لتوصيفه تعالى بقبول التوبة، و النادبة إلى التوبة ، الداعية إلى الاستغفار و الإنابة وغيرها المشتملة على وعد القبول بالمطابقة أو الالتزام، والله سبحانه لا يخلف الميعاد.

ومن هنا يظهر أن الله سبحانه غير مجبور في قبول التوبة بل له الملك من غير استثناء يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد فله أن يقبل ما يقبل من التوبة على ما وعد و يرد ما يرد منها كما هو ظاهر قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: 90] ويمكن أن يكون من هذا الباب قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } [النساء: 137].

ومن عجيب ما قيل في هذا الباب قول بعضهم في قوله تعالى في قصة غرق فرعون و توبته ، {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس : 90، 91].

قال ما محصله : أن الآية لا تدل على رد توبته، و ليس في القرآن أيضا ما يدل على هلاكه الأبدي، و أنه من المستبعد عند من يتأمل سعة رحمة الله و سبقتها غضبه أن يجوز عليه تعالى أنه يرد من التجأ إلى باب رحمته و كرامته متذللا مستكينا بالخيبة و اليأس، و الواحد منا إذا أخذ بالأخلاق الإنسانية الفطرية من الكرم و الجود و الرحمة ليرحم أمثال هذا الإنسان النادم حقيقة على ما قدم من سوء الفعال فكيف بمن هو أرحم الراحمين و أكرم الأكرمين و غياث المستغيثين.

و هو مدفوع بقوله تعالى : {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: 18] ، و قد تقدم أن الندامة حينئذ ندم كاذب يسوق الإنسان إلى إظهاره مشاهدته وبال الذنب و نزول البلاء.

و لو كان كل ندم توبة و كل توبة مقبولة لدفع ذلك قوله تعالى حكاية لحال المجرمين يوم القيامة : {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [سبأ : 33] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الحاكية لندمهم على ما فعلوا و سؤالهم الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا، و الرد عليهم بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون.

وإياك أن تتوهم أن الذي سلكه القرآن الكريم من تحليل التوبة على ما تقدم توضيحه تحليل ذهني لا عبرة به في سوق الحقائق، و ذلك أن البحث في باب السعادة و الشقاء و الصلاح و الطلاح الإنسانيين لا ينتج غير ذلك فإنا إذا اعتبرنا حال الإنسان العادي في المجتمع على ما نراه من تأثير التعليم و التربية في الإنسان وجدناه خاليا في نفسه عن الصلاح و الطلاح الاجتماعيين قابلا للأمرين جميعا ثم إذا أراد أن يتحلى بحلية الصلاح، و يتلبس بلباس التقوى الاجتماعي لم يمكن له ذلك إلا بتوافق الأسباب على خروجه من الحال الذي فيه، و ذلك يحاذي التوبة الأولى من الله سبحانه في باب السعادة المعنوية ثم انتزاعه و انصراف نفسه عما هو فيه من رثاث الحال و قيد التثبط و الإهمال و هو توبة بمنزلة التوبة من العبد فيما نحن فيه ثم زوال هيئة الفساد و وصف الرذالة المستولية على قلبه حتى يستقر فيه وصف الكمال و نور الصلاح فإن القلب لا يسع الصلاح و الطلاح معا، و هذا يحاذي قبول التوبة و المغفرة فيما نحن فيه و كذلك يجري في مرحلة الصلاح الاجتماعي الذي يسير فيه الإنسان بفطرته جميع ما اعتبره الدين في باب التوبة من الأحكام و الآثار جريا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

و ثالثا : أن التوبة كما يستفاد من مجموع ما تقدم من الآيات المنقولة و غيرها إنما هي حقيقة ذات تأثير في النفس الإنسانية من حيث إصلاحها و إعدادها للصلاح الإنساني الذي فيه سعادة دنياه و آخرته و بعبارة أخرى التوبة إنما تنفع - إذا نفعت - في إزالة السيئات النفسانية التي تجر إلى الإنسان كل شقاء في حياته الأولى و الأخرى و تمنعه من الاستقرار على أريكة السعادة، و أما الأحكام الشرعية و القوانين الدينية فهي بحالها لا ترتفع عنه بتوبة كما لا ترتفع عنه بمعصية.

نعم ربما ارتبط بعض الأحكام بها فارتفعت بالتوبة بحسب مصالح الجعل، و هذا غير كون التوبة رافعة لحكم من الأحكام قال تعالى : {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 16] ، و قال تعالى : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 33، 34] إلى غير ذلك.

و رابعا : أن الملاك الذي شرعت لأجله التوبة على ما تبين مما تقدم هو التخلص من هلاك الذنب و بوار المعصية لكونها وسيلة الفلاح و مقدمة الفوز بالسعادة كما يشير إليه قوله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31]، و من فوائدها مضافة إلى ذلك أن فيها حفظا لروح الرجاء من الانخماد و الركود فإن الإنسان لا يستقيم سيره الحيوي إلا بالخوف و الرجاء المتعادلين حتى يندفع عما يضره و ينجذب إلى ما ينفعه، و لو لا ذلك لهلك، قال تعالى : {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 53، 54] ، و لا يزال الإنسان على ما نعرف من غريزته على نشاط من الروح الفعالة و جد في العزيمة و السعي ما لم تخسر صفقته في متجر الحياة، و إذا بدا له ما يخسر عمله و يخيب سعيه و يبطل أمنيته استولى عليه اليأس و انسلت به أركان عمله و ربما انصرف بوجهه عن مسيره آيسا من النجاح خائبا من الفوز و الفلاح، و التوبة هي الدواء الوحيد الذي يعالج داءه، و يحيي به قلبه و قد أشرف على الهلكة و الردى.

ومن هنا يظهر سقوط ما ربما يتوهم أن في تشريع التوبة و الدعوة إليها إغراء بالمعصية، و تحريصاً على ترك الطاعة، فإن الإنسان إذا أيقن أن الله يقبل توبته إذا اقترف أي معصية من المعاصي لم يخلف ذلك في نفسه أثرا، دون أن تزيد جرأته على هتك حرمات الله و الانغمار في لجج المعاصي و الذنوب، فيدق باب كل معصية قاصدا أن يذنب ثم يتوب.
وجه سقوطه : أن التوبة إنما شرعت مضافا إلى توقف التحلي بالكرامات على غفران الذنوب : للتحفظ على صفة الرجاء و تأثيره حسن أثره، و أما ما ذكر من استلزامه أن يقصد الإنسان كل معصية بنية أن يعصي ثم يتوب، فقد فاته أن التوبة بهذا النعت لا يتحقق معها حقيقة التوبة فإنها انقلاع عن المعصية، و لا انقلاع في هذا الذي يأتي به، و الدليل عليه أنه كان عازما على ذلك قبل المعصية و مع المعصية و بعد المعصية، و لا معنى للندامة أعني التوبة قبل تحقق الفعل بل مجموع الفعل و التوبة في أمثال هذه المعاصي مأخوذ فعلا واحدا مقصودا بقصد واحد مكرا و خديعة يخدع بها رب العالمين، و لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

و خامسا : أن المعصية و هي الموقف السوء من الإنسان ذو أثر سيئ في حياته لا يتاب منها و لا يرجع عنها إلا مع العلم و الإيقان بمساءتها، و لا ينفك ذلك عن الندم على وقوعها أولا، و الندم تأثر خاص باطني من فعل السيئ.

و يتوقف على استقرار هذا، الرجوع ببعض الأفعال الصالحة المنافية لتلك السيئة الدالة على الرجوع و التوبة ثانيا.

وإلى هذا يرجع جميع ما اعتبر شرعا من آداب التوبة كالندم و الاستغفار و التلبس بالعمل الصالح، و الانقلاع عن المعصية إلى غير ذلك مما وردت به الأخبار، و تعرض له كتب الأخلاق.

و سادسا : أن التوبة و هي الرجوع الاختياري عن السيئة إلى الطاعة و العبودية إنما تتحقق في ظرف الاختيار و هو الحياة الدنيا التي هي مستوى الاختيار، و أما فيما لا اختيار للعبد هناك في انتخاب كل من طريقي الصلاح و الطلاح و السعادة و الشقاوة فلا مسرح للتوبة فيه، و قد تقدم ما يتضح به ذلك.

ومن هذا الباب التوبة فيما يتعلق بحقوق الناس فإنها إنما تصلح ما يتعلق بحقوق الله سبحانه، و أما ما يتعلق من السيئة بحقوق الناس مما يحتاج في زواله إلى رضاهم فلا يتدارك بها البتة لأن الله سبحانه احترم الناس بحقوق جعلها لهم في أموالهم و أعراضهم و نفوسهم، و عد التعدي إلى أحدهم في شيء من ذلك ظلما و عدوانا، و حاشاه أن يسلبهم شيئا مما جعله لهم من غير جرم صدر منهم، فيأتي هو نفسه بما ينهى عنه و يظلمهم بذلك، و قد قال عز من قائل : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44].

إلا أن الإسلام و هو التوبة من الشرك يمحو كل سيئة سابقة و تبعة ماضية متعلقة بالفروع كما يدل عليه قوله (عليه السلام) : الإسلام يجب ما قبله، و به تفسر الآيات المطلقة الدالة على غفران السيئات جميعا كقوله تعالى : {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 53، 54] .

و من هذا الباب أيضا توبة من سن سنة سيئة أو أضل الناس عن سبيل الحق و قد وردت أخبار أن عليه مثل أوزار من عمل بها أو ضل عن الحق فإن حقيقة الرجوع لا تتحقق في أمثال هذه الموارد لأن العاصي أحدث فيها حدثا له آثار يبقى ببقائها، و لا يتمكن من إزالتها كما في الموارد التي لا تتجاوز المعصية ما بينه و بين ربه عز اسمه.

و سابعا : أن التوبة و إن كانت تمحو ما تمحوه من السيئات كما يدل عليه قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 275]. على ما تقدم من البيان في الجزء الثاني من هذا الكتاب، بل ظاهر قوله تعالى : {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان : 70، 71] ، و خاصة بملاحظة الآية الثانية أن التوبة بنفسها أو بضميمة الإيمان و العمل الصالح توجب تبدل السيئات حسنات إلا أن اتقاء السيئة أفضل من اقترافها ثم إمحائها بالتوبة فإن الله سبحانه أوضح في كتابه أن المعاصي كيفما كانت إنما تنتهي إلى وساوس شيطانية نوع انتهاء ثم عبر عن المخلصين المعصومين عن زلة المعاصي و عثرة السيئات بما لا يعادله كل مدح ورد في غيرهم قال تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 39 - 42] ، و قال تعالى حكاية عن إبليس أيضا في القصة : {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17].
فهؤلاء من الناس مختصون بمقام العبودية التشريفية اختصاصا لا يشاركهم فيه غيرهم من الصالحين التائبين.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .