المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تفسير آية (84-89) من سورة التوبة  
  
2957   01:08 صباحاً   التاريخ: 10-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 84 - 89] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة : 84-85] .

 

ثم نهى سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة عليهم ، فقال : {ولا تصل} يا محمد {على أحد منهم} أي : من المنافقين {مات أبدا} أي : بعد موته فإنه عليه السلام ، كان يصلي عليهم ، ويجري عليهم أحكام المسلمين {ولا تقم على قبره} أي : لا تقف على قبره للدعاء فإنه عليه السلام كان إذا صلى على ميت ، يقف على قبره ساعة ، ويدعو له ، فنهاه الله تعالى عن الصلاة على المنافقين ، والوقوف على قبورهم ، والدعاء لهم .

ثم بين سبحانه سبب الأمرين ، فقال : {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} فما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك على منافق ، حتى قبض . وفي هذه الآية دلالة على أن القيام على القبر للدعاء ، عبادة مشروعة ، ولولا ذلك لم يخص سبحانه بالنهي عنه الكافر . وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على عبد الله بن أبي ، وألبسه قميصه قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين ، عن ابن عباس ، وجابر ، وقتادة .

وقيل : إنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يصلي عليه ، فأخذ جبرائيل بثوبه ، وتلا عليه : {ولا تصل على أحد منهم} الآية ، عن أنس ، والحسن .

وروي أنه قيل لرسول الله : لم وجهت بقميصك إليه يكفن فيه ، وهو كافر؟

فقال : إن قميصي لن تغني عنه من الله شيئا ، وإني أؤمل من الله أن يدخل بهذا السبب في الاسلام خلق كثير . فروي أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وذكره الزجاج ، قال : والأكثر في الرواية أنه لم يصل عليه .

{ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمراد به الأمة {إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا} بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم ، وبما يأخذها منهم المسلمون على وجه الغنيمة ، وبما يشق عليهم من اخراجها في الزكاة والإنفاق في سبيل الله ، مع اعتقادهم بطلان لإسلام ، فيشد عليهم فيكون ذلك عذابا لهم {وتزهق أنفسهم} أي : تهلك بالموت {وهم كافرون} أي : في حال كفرهم . وقد مضى تفسير مثل هده الآية ، وإنما كرر للتذكير في موطنين ، مع بعد أحدهما عن الآخر ، ويجوز أن يكون الآيتان في فريقين من المنافقين ، فيكون كما يقول القائل : لا تعجبك حال زيد ، ولا تعجبك حال عمرو ، عن الجبائي .

 

- {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 86-89] .

 

ثم بين سبحانه تمام أخبار المنافقين ، فقال : {وإذا أنزلت سورة} من القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم {أن آمنوا بالله} أي : بأن آمنوا ، وهو خطاب للمؤمنين ، وأمر لهم ، بأن يدوموا على الإيمان ، ويتمسكوا به في مستقبل الأوقات ، ويدخل فيه المنافق ، ويتناوله الأمر بأن يستأنف الإيمان ، ويترك النفاق {وجاهدوا مع رسوله} أي : اخرجوا إلى الجهاد معه ، فكأنه قال : آمنوا أنتم وادعوا إلى الإيمان غيركم {استأذنك} أي : طلب الإذن منك في القعود {أولوا الطول} أي : أولو المال ، والقدرة ، والغنى ، عن ابن عباس ، وغيره {منهم} أي : من المنافقين .

{وقالوا ذرنا} أي : دعنا {نكن مع القاعدين} أي : المتخلفين عن الجهاد من النساء والصبيان ، وإنما لحق هؤلاء الذم لأنهم أقوى على الجهاد {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي : رضوا لنفوسهم أن يقعدوا مع النساء ، والصبيان ، والمرضى ، والمقعدين {وطبع على قلوبهم} ذكرنا معنى الطبع فيما تقدم ، قال الحسن : هؤلاء قوم قد بلغوا الحد الذي من بلغه مات قلبه {فهم لا يفقهون} أوامر الله ونواهيه ، ولا يتدبرون الأدلة .

ثم مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين فقال سبحانه : {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم} ينفقونها في سبيل الله ومرضاته {وأنفسهم} يقاتلون الكفار . ثم أخبر سبحانه عما أعد لهم من الجزاء على انقيادهم لله ورسوله فقال {وأولئك لهم الخيرات} من الجنة ونعيمها . وقيل : الخيرات : المنافع والمدح والتعظيم في الدنيا ، والثواب والجنة في الآخرة {وأولئك هم المفلحون} أي : الظافرون بالوصول إلى البغية {أعد الله لهم} أي : هيأ وخلق لهم {جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} مضى تفسيره في غير موضع {ذلك} إشارة إلى ما تقدم ذكره {الفوز العظيم} والفوز : النجاة من الهلكة إلى حال النعمة ، وسميت المهلكة مفازة ، تفاؤلا لها بالنجاة ، وإنما وصفه بالعظيم ، لأنه حاصل على وجه الدوام ، وبالاعزاز ، والإجلال ، والإكرام .

___________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 100-102 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الصلاة على جنازة المنافق والفاسق :

{ ولا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وماتُوا وهُمْ فاسِقُونَ } . الخطاب في لا تصلّ للنبي ، وضمير منهم يعود إلى المنافقين . . وكان من عادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذا مات أحد أصحابه ان يصلي عليه ، ويقف على قبره يستغفر له ويقول لمن حضر : استغفروا لأخيكم ، وسلوا التثبيت له ، فإنه الآن يسأل . وبعد أن نزلت هذه الآية امتنع النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن الصلاة على المنافقين ، لأنها صريحة في النهي عن الصلاة عليهم ، والوقوف على قبورهم للدعاء لهم ، أما سبب هذا النهي فهو إصرارهم على الكفر باللَّه ورسوله ، وموتهم على هذا الإصرار والعناد الذي عبّر عنه تعالى بقوله ، { وماتُوا وهُمْ فاسِقُونَ } .

هذا هو المعنى الظاهر من الآية ، وتتصل به المسائل التالية :

1 - المنافق قسم من أقسام الكافر ، بل هو أسوأ حالا منه ، لأنه يبطن الكفر ، ويظهر الإسلام ، ومن أجل هذا تحرم الصلاة على جنازته ، وقوله تعالى : { ولا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ } صريح في ذلك ، وأوضح منه أو مثله في الوضوح قوله : { ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ } [التوبة - 114] . أما الفاسق فهو  قسم من أقسام المسلم ، لأنه يؤمن باللَّه ورسوله ظاهرا وباطنا ، ولكنه يعصي اللَّه في أحكامه ، فتجب عليه الصلاة ، ولا يجوز تركها بحال .

في ذات يوم جاءني أحد علماء جبل عامل ، وقال : دعيت إلى الصلاة على جنازة رجل أعلم بفسقه ، فهل تجوز لي الصلاة عليه ؟ . قلت : بل تجب عليك كفاية . قال : والفسق ؟ . فرويت له قول الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : « صلّ على من مات من أهل القبلة ، وحسابه على اللَّه » . قال : ولكن المصلي لا بد أن يدعو للميت بعد التكبيرة الرابعة ، والمعروف أن يقول في دعائه له : اللهم لا نعلم منه إلا خيرا ، فان قلتها كنت كاذبا . قلت له : قل : اللهم نعلم منه خيرا ، واقصد بالخير الإسلام .

2 - اختلف المفسرون تبعا لاختلاف الروايات : هل صلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) على جنازة رأس النفاق عبد اللَّه بن أبيّ ؟ . والأقوال في ذلك ثلاثة : الأول أنه صلى ، حيث كان يأمل أن يدخل بسبب هذه الصلاة خلق كثير في الإسلام . .

وهذا مجرد حدس ، ولا يجوز أن نثبت أو نفسر به شيئا من أفعال المعصوم .

القول الثاني : ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد أن يصلي عليه ، فأخذ جبريل بثوبه ، وتلا عليه الآية : ولا تصلّ على أحد منهم . القول الثالث : انه ما صلى عليه .

وجاء في مجمع البيان : « والأكثر في الرواية انه لم يصلّ عليه » . وخير ما قرأت في هذا الباب ما جاء في تفسير الشيخ المراغي ، قال ما معناه : ان البخاري وغيره رووا ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) صلى على ابن أبيّ ، ولما سئل قال : ان اللَّه خيرني في الصلاة على المنافقين ، لأنه قال لي : استغفر لهم أو لا تستغفر . ثم علَّق المراغي على هذا الحديث بأن كثيرا من العلماء قد حكموا بعدم صحته ، لأن آية النهي عن الصلاة على المنافقين نزلت قبل موت ابن أبيّ ، ومحال أن يخالف الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) كتاب اللَّه ، وأيضا محال أن يقول : ان اللَّه خيرني بقوله :

استغفر لهم أو لا تستغفر لأن قوله تعالى : { فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } دليل قاطع على أن ( أو ) هنا ليست للتخيير ، فالحديث بنفسه يدل على أنه كذب وافتراء على اللَّه ورسوله .

3 - قال الطبرسي في مجمع البيان : « في هذه الآية دلالة على أن القيام على القبر للدعاء عبادة مشروعة » . ولا يختلف أحد من فقهاء المسلمين في أن الدعاء للأموات يجوز شرعا ، تماما كالدعاء للأحياء ، بل الأموات أحوج ، ما دمنا نعتقد بالبعث وحسابه وعقابه ، ولا فرق بين أن يكون الدعاء على القبور ، أو على غيرها .

أما زيارة القبور فقد أجمع الفقهاء على جوازها ما عدا أئمة الوهابية . . وقد روى السنة في ثلاثة كتب من صحاحهم أحاديث تنطق صراحة بالجواز ، قال مسلم في صحيحه القسم الثاني من الجزء الأول ، باب استئذان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ربه في زيارة قبر أمه : « زار النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبر أمه ، وقال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ، فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر بالموت » . وقال ابن حجر العسقلاني في ج 3 من كتاب فتح الباري بشرح البخاري ، باب زيارة القبور : « أخرج مسلم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها » . . وزاد أبو داود والنسائي - وهما من أصحاب الصحاح - فإنها تذكرة الآخرة ، وللحاكم من حديث عن النبي : وترق القلب ، وتدمع العين ، فلا تقولوا هجرا . . وتزهد في الدنيا » .

وتكلمنا عن ذلك في كتاب : هذه هي الوهابية . ثم عقدنا فصلا بعنوان زيارة القبور في كتاب ، من هنا وهناك . أما حساب القبر فقد تكلمنا عنه في المجلد الأول من هذا التفسير ص 407 عند تفسير الآية 259 من سورة البقرة . وقد نعود ثانية إلى هذا الموضوع عند الاقتضاء .

{ ولا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وهُمْ كافِرُونَ } . تقدم نظيره في الآية 55 من هذه السورة ، وقال المفسرون : إنما أعاد سبحانه تأكيدا للتحذير من الإعجاب بالمال والولد والاشتغال بهما ، وقلنا أكثر من مرة : ان التكرار في القرآن غير عزيز .

{ وإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ } . وأولو الطول هم الطغاة المترفون الذين يتفادون كل ما يمس مصالحهم من قريب أو بعيد . . والإيمان باللَّه معناه المساواة بينهم وبين سائر الناس ، والجهاد مع رسوله معناه الجهاد ضد البغي والفساد ، أي ضدهم . . وإذا كان الإيمان باللَّه ، والجهاد مع رسوله يعرضان مصالحهم للخطر فهم حرب على اللَّه ورسوله فوق ألَّا يؤمنوا باللَّه ويجاهدوا مع رسوله . . ولكن قد اعترضتهم مشكلة ، وهي كيف يرفضون دعوة الرسول للجهاد معه ، وفي الوقت نفسه يزعمون الإيمان بنبوته ، وأخيرا وجدوا الحل ، وهو أن يستأذنوه في القعود . .

ولكن هذا الاستئذان قد فضحهم وكشف عن كفرهم ونفاقهم ، وانهم يتسترون باسم الإسلام خوفا على أنفسهم .

{ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ } وهم العجزة والصبيان والنساء ، وكفى بذلك خزيا وهوانا { وطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ } طبع مبني للمجهول ، أي ان الأغراض والأهواء قد أعمت قلوبهم عن الحق ، وصدتهم عن اتباعه .

{ لكِنِ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ } . أي إذا تخلَّف المنافقون عن الجهاد فقد قام به النبي ، والذين أخلصوا للَّه في ايمانهم ، فهو نظير قوله تعالى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ } [الانعام - 89] . { وأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } والخيرات والفلاح دنيا وآخرة نتيجة حتمية للأيمان باللَّه والجهاد في سبيل الحق والعدل ، ولا تختص كلمة الخيرات بالخير المادي فقط ، بل تشمل المادي والمعنوي معا ، وطريف قول بعض المفسرين : ان المراد بالخيرات هنا الحور العين دون غيرهن معبّرا بذلك عن أحب الأشياء إلى قلبه ، كما يبدو .

{ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } تقدم نظيره في الآية 72 من هذه السورة ، والسورة 15 من آل عمران .

______________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 79-82 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون﴾ نهي عن الصلاة لمن مات من المنافقين والقيام على قبره وقد علل النهي بأنهم كفروا وفسقوا وماتوا على فسقهم ، وقد علل لغوية الاستغفار لهم في قوله تعالى : السابق : ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم﴾ [آية : 80] من السورة ، وكذا في قوله ﴿سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ [المنافقون : 6] بالكفر والفسق أيضا . 

ويتحصل من الجميع أن من فقد الإيمان بالله باستيلاء الكفر على قلبه وإحاطته به فلا سبيل له إلى النجاة يهتدي به ، وأن الآيات الثلاث جميعا تكشف عن لغوية الاستغفار للمنافقين والصلاة على موتاهم والقيام على قبورهم للدعاء لهم . 

وفي الآية إشارة إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي على موتى المسلمين ويقوم على قبورهم للدعاء . 

قوله تعالى : ﴿ولا تعجبك أموالهم وأولادهم﴾ الآية تقدم بعض ما يتعلق بالآية من الكلام في الآية 55 من السورة . 

قوله تعالى : ﴿وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله﴾ إلى آخر الآيتين . 

الطول القدرة والنعمة ، والخوالف هم الخالفون والكلام فيه كالكلام فيه ، والباقي ظاهر . 

قوله تعالى : ﴿لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم﴾ لما ذم المنافقين في الآيتين السابقتين بالرضا بالقعود مع الخوالف والطبع على قلوبهم استدرك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين آمنوا معه - والمراد بهم المؤمنون حقا الذين خلصت قلوبهم من رين النفاق بدليل المقابلة مع المنافقين - ليمدحهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم أي إنهم لم يرضوا بالقعود ولم يطبع على قلوبهم بل نالوا سعادة الحياة والنور الإلهي الذي يهتدون به في مشيهم كما قال تعالى : ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس﴾ [الأنعام : 122] . 

ولذلك عقب الكلام بقوله : ﴿وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون﴾ فلهم جميع الخيرات - على ما يقتضيه الجمع المحلى باللام - من الحياة الطيبة ونور الهدى والشهادة وسائر ما يتقرب به إلى الله سبحانه ، وهم المفلحون الفائزون بالسعادة . 

قوله تعالى : ﴿أعد الله لهم جنات تجري﴾ الآية الإعداد هو التهيئة وقد عبر بالإعداد دون الوعد لأن الأمور بخواتيمها وعواقبها فلو كان وعدا وهو وعد لجميع من آمن معه لكان قضاء حتميا واجب الوفاء سواء بقي الموعودون على صفاء إيمانهم وصلاح أعمالهم أو غيروا والله لا يخلف الميعاد . 

والأصول القرآنية لا تساعد على ذلك ، ولا الفطرة السليمة ترضى أن ينسب إلى الله سبحانه أن يطبع بطابع المغفرة والجنة الحتمية على أحد لعمل عمله من الصالحات ثم يخلي بينه وبين ما شاء وأراد . 

ولذلك نجده سبحانه إذا وعد وعدا علقه على عنوان من العناوين العامة كالإيمان والعمل الصالح يدور معه الوعد الجميل من غير أن يخص به أشخاصا بأعيانهم فيفيد التناقض بالجمع بين التكليف والتأمين كما قال تعالى : ﴿وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات﴾ [الآية : 72] من السورة ، وقال تعالى : ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما﴾ [الفتح : 29] .

_________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 300-301 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة : 84-85] .

 

أسلوب أشدّ في مواجهة المنافقين :

بعد أن أزاح المنافقون الستار عن عدم مشاركتهم في ميدان القتال ، وعلم الناس تخلفهم الصريح ، وفشا سرّهم ، أمر اللّه سبحانه وتعالى نبيّه بأن يتبع أسلوبا أشدّ وأكثر صراحة ليقتلع وإلى الأبد- جذور النفاق والأفكار الشيطانية ، وليعلم المنافقون بأنّهم لا محل لهم في المجتمع الإسلامي ، وكخطوة عملية في مجال تطبيق هذا الأسلوب الجديد ، صدر الأمر الإلهي‏ {ولا تُصَلِّ عَلى‏ أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ولا تَقُمْ عَلى‏ قَبْرِهِ‏} .

إن هذا الأسلوب- في الواقع- هو نوع من الكفاح السلبي الفاعل في مواجهة المنافقين ، لأنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لم يستطع- للأسباب التي ذكرناها آنفا- أن يأمر بقتل‏ هؤلاء صراحة لتطهير المجتمع الإسلامي منهم ، أمّا هذا الأسلوب السلبي فهو مؤثر في احتقار هؤلاء وتحجيم دورهم ، وتقزيمهم وطردهم من المجتمع الإسلامي .

من المعلوم أنّ المؤمن الحقيقي محترم في الشرع الإسلامي حيّا وميتا ، ولهذا نرى الدين الإسلامي الحنيف قد أصدر ضمن تشريعاته الأمر بتغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، وأوجب أن يولى احتراما كبيرا ، وأن يودع التراب بمراسم خاصّة ، وحتى بعد دفنه فإنّ من حقوقه أن يزور المؤمنون قبره ، ويستغفروا له ، ويطلبوا الرحمة له .

إنّ عدم إجراء هذه المراسم لفرد معين يعني طرده من المجتمع الإسلامي ، وإذا كان الطارد له هو النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم نفسه ، فإنّ الصدمة والأثر النفسي على نفسيته ووجوده سيكون شديدا جدا .

إن هذا البرنامج والأسلوب الدقيق- في الواقع- كان قد أعد لمقابلة منافقي ذلك العصر ، ويجب أن يستفيد المسلمون من هذه الأساليب ، أي أنّ هؤلاء المنافقين ما داموا يظهرون الإسلام ، فمن الواجب عليهم أن يعاملوهم كمسلمين وإن كان باطنهم شيئا آخر ، أمّا إذ أظهروا نفاقهم ، وكشفوا اللثام عن وجوههم الحقيقية ، فعندئذ يجب أن يعاملوهم كأجانب عن الإسلام .

وفي آخر الآية يتّضح سبب هذا الأمر الإلهي ب {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ‏} ورغم ذلك فإنّهم لم يفكروا بالتوبة ولم يندموا على أفعالهم ليغسلوها بالتوبة ، بل إنّهم بقوا على أفعالهم‏ {وماتُوا وهُمْ كافِرُونَ‏} .

وهنا يمكن أن يسأل أحدكم: إنّ المنافقين إذا كانوا- حقيقة- بهذا البعد عن رحمة اللّه ، وعلى المسلمين أن لا يظهروا أي ود أو محبّة تجاههم ، فلما ذا فضّلهم اللّه تعالى ومنحهم كل هذه القوى الاقتصادية من الأموال والأولاد ؟

في الآية الأخرى يوجه اللّه سبحانه وتعالى الخطاب إلى النّبي‏ {ولا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وأَوْلادُهُمْ}‏ فإنّها ليست منحة ومحبة من اللّه تعالى لهؤلاء المنافقين ، بل‏ على العكس تماما ، فإنّ هذه الأموال والأولاد ليست لسعادتهم ، بل‏ {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وهُمْ كافِرُونَ}‏ .

إنّ هذه الآية- كنظيرتها التي مرّت في هذه السورة ، وهي الآية 55- تشير إلى حقيقة ، وهي أن هذه الإمكانيات والقدرات الاقتصادية والقوى الإنسانية للأشخاص الفاسدين ليست غير نافعة لهم فحسب ، بل هي- غالبا- سبب لابتلائهم وتعاستهم ، لأنّ أشخاصا كهؤلاء لا هم يصرفون أموالهم في مواردها الصحيحة ليستفيدوا منها الفائدة البناءة ، ولا يتمتعون بأبناء صالحين كي يكونوا قرة عين لهم ومعتمدهم في حياتهم . بل إنّ أموالهم تصرف غالبا في طريق الشهوات والمعاصي ونشر الفساد وتحكيم أعمدة الظلم والطغيان ، وهي السبب في غفلتهم عن اللّه سبحانه وتعالى ، وكذلك أولادهم في خدمة الظلمة والفاسدين ، ومبتلين بمختلف الانحرافات الأخلاقية ، وبذلك سيكونون سببا في تراكم البلايا والمصائب .

غاية الأمر إنّ الذين يظنون أن الأصل في سعادة الإنسان هو الثروة والقوة البشرية فقط ، أمّا كيفية صرف هذه الثروة والقوّة فليس بذلك الأمر المهم ، تكون لوحة حياتهم مفرحة ومبهجة ظاهرا ، إلّا أنّنا لو اقتربنا منها واطلعنا على دقائقها ، وعلمنا أنّ الأساس في سعادة الإنسان هو كيفية الاستفادة من هذه الإمكانيات والقدرات لعلمنا أنّ هؤلاء ليسوا سعداء مطلقا .

 

- {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 86-89] .


دناءة الهمّة
الكلام في هذه الآيات يدور كذلك حول المنافقين ، إلّا أنّ هذه الآيات تقارن بين الأعمال القبيحة للمنافقين وأعمال المؤمنين الحقيقيين الحسنة ، وتوضح من خلال هذه المقارنة انحراف هؤلاء المنافقين ودناءتهم .

فالآية الأولى تتحدث عن حال المنافقين إذا ما دعا الرّسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم الناس إلى‏ الثبات على الإيمان والجهاد في سبيل اللّه ، فإنّهم- أي المنافقون- رغم قدرتهم الجسمية والمالية سيطلبون العذر والسماح لهم بعدم المشاركة والبقاء مع ذوي الأعذار : {وإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ}‏ .

كلمة «الطول» على وزن فعل- جاءت بمعنى القدرة والاستطاعة المالية ، وعلى هذا فإنّ‏ {أُولُوا الطَّوْلِ‏} بمعنى المستطيعين والقادرين ماليا وجسميا على الحضور في ميدان الحرب ، ورغم ذلك فهم يميلون إلى التخلف مع أولئك الذين لا قدرة لديهم- ماديا أو بدنيا- على الحضور والمشاركة في الجهاد .

وأصل هذه الكلمة مأخوذ من «الطول» ضد العرض ، والاشتراك والارتباط بين هذين المعنيين واضح ، لأنّ القدرة المالية والجسمية يعطي معنى الاستمرارية والدوام وطول القدرة .

وفي الآية التي تليها وبخ القرآن هؤلاء وذمّهم وقبّحهم بأنّهم‏ {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ‏} ، وكما أشرنا سابقا ، فإنّ خوالف جمع خالفة ، وأصلها من (خلف) ، ولذلك يقال للمرأة إذا خرج الرجل من المنزل ، وبقيت في المنزل: إنّها خالفة . والمقصود من الخوالف في هذه الآية كل الذين عذروا عن المشاركة في الجهاد بشكل أو آخر ، أعم من أن يكونوا نساء أو مسنّين أو مرضى أو صبيان . وقد أشارت بعض الأحاديث الواردة في تفسير الآية إلى هذا الموضوع .

ثمّ أضافت الآية: بأن هؤلاء نتيجة لكثرة الذنوب والنفاق وصلوا إلى مرحلة {وطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ‏} . وقد بحثنا في بداية سورة البقرة معنى الطبع على القلب . «2» ثمّ تحدثت الآية التي تليها في الجانب المقابل عن صفات وروحيات الفئة التي تقابل المنافقين ، وهم المؤمنون المخلصون ، وعن أعمالهم الحسنة ، وبالتالي عاقبة أعمالهم المعاكسة تماما لعاقبة أولئك . فهي تقول : {لكِنِ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ‏} فكانت عاقبتهم أن يتمتعوا بكل الخيرات والسعادة واللذائذ المادية والمعنوية في الدنيا والآخرة {وأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏} .

كلمة (الخيرات) صيغة جمع محلّى بالألف واللام ، ومن ذلك يستفاد عموميتها ، فهي تعبير جامع لكل توفيق وخير ونصر وموهبة ، وهي تشمل المادية منها والمعنوية .

كما أن تعبير هاتين الجملتين- حسب القواعد التي قررت في المعاني والبيان- يدل على الحصر ، أي أن هذا التعبير يدل على أن (المخلصين) وحدهم يمثلون هذا الجانب المقابل ، ويدل على أنّ هؤلاء وحدهم الذين يستحقون كل خير وسعادة ، هؤلاء الذين يجاهدون بكل وجودهم وبكل ما يمتلكون .

ويستفاد بوضوح من هذه الآية أن «الإيمان» و«الجهاد» إذا اتحدا في شخص ، فسيصحبهما كل خير وبركة ، ولا سبيل إلى الفلاح والإخلاص ، أو إلى شي‏ء من الخيرات والبركات المادية والمعنوية إلّا في ظل هذين العاملين .

وهناك نقطة أخرى تستحق التنبيه لها ، وهي أنّنا نستفيد من خلال مقارنة صفات هاتين المجموعتين أنّ المنافقين- لفقدانهم الإيمان ، وتلوثهم المضاعف بالمعاصي والذنوب- أفراد جاهلون ، لذلك فهم محرومون من (علو الهمة) التي هي وليدة الفهم والشعور والوعي ، فهم يرضون أن يكونوا مع القاعدين من المرضى والصبيان ، ويأبون الحضور في سوح الجهاد رغم افتخاراته وامتيازاته .

أمّا في المقابل ، فإنّ المؤمنين قد اتضحت لهم الأمور وأدركوا عواقبها فعلت همتهم بحيث رأوا أن الجهاد هو الطريق الوحيد للانتصار على المشاكل التي تعترضهم ، فسعوا إليه بكل وجودهم وقدراتهم .

إن هذا الدرس الكبير هو الذي علمنا القرآن إياه في كثير من آياته ، ومع ذلك‏ فنحن غافلون عنه .

وفي آخر آية من الآيات التي نبحثها إشارة إلى قسم من الجزاء الأخروي المعد لهؤلاء المؤمنين ، فهي تبشرهم بأنّهم قد {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} وتوكّد لهم بأنّ هذه المواهب والنعم سوف لا تفنى ولا تنفد ، بل سيبقون‏ {خالِدِينَ فِيها} ، ثمّ تبيّن أن‏ {ذلِكَ‏} هو {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏} .

إنّ تعبير {أَعَدَّ اللَّهُ‏} علّامة جلية على مدى الاحترام الذي أولى اللّه هؤلاء المؤمنين به ، حيث أعدلهم من قبل كل هذه المواهب والنعم .

________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 314-320 .

2. راجع المجلد الأوّل من الأمثل (ذيل آية 7 من سورة البقرة) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .