السيدة خديجة بنت خويلد زواجها :

خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وأمها فاطمة بنت زائدة بن جندب . وكانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة . وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمرو وذكر الطبراني : أنها ولدت لعتيق هند بن عتيق ، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن بناش فولدت له هندا " وهالة . فهند بن عتيق بن عابد ، وهند وهالة ابنا أبي هالة مالك بن بناش . أخو ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة بنت خويلد . من أمهم ( 1 ) .

وروي عن ابن عباس أن نساء أهل مكة احتفلن في عيد كان لهن في رجب ، فلم يتركن شيئا " من إكبار ذلك العيد إلا أتينه . فبينما هن في عيدهن تمثل لهن رجل ، فلما صار منهن قريبا " نادى بأعلى صوته : يا نساء مكة إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد . يبعث برسالة الله . فأيما امرأة استطاعت أن تكون له زوجا " فلتفعل . فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له ، وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض له فيما عرض فيه النساء ( 2 ) .

وروى عن نفيسة بنت أمية أنها قالت : كانت خديجة ذات شرف ومال كثير ، وتجارة تبعث إلى الشام فيكون غيرها كعامة غير الشام ، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وعشرين سنة . وليس له اسم بمكة إلا الأمين ، أرسلت إليه خديجة بنت خويلد تسأله الخروج إلى الشام في تجارتها مع غلامها ميسرة وقالت : أنا أعطيك ضعف ما أعطي قومك . ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله . وخرج إلى سوق بصرى فباع سلعته التي أخرج . واشترى غيرها . وقدم بقا فربحت ضعف ما كانت تربح . فأضعفت لرسول الله صلى الله عليه وآله ضعف ما سمت له ، فم أرسلتني إليه أعرض عليه نكاحها ففعل ( 3 ) .

وروى صاحب الإصابة : إن سبب رغبتها فيه صلى الله عليه وآله وسلم . ما حكاه لها غلامها ميسرة مما شاهد من علامات النبوة ومما سمعه من بحيرا الراهب في حقه ( 4 ).

وقال صاحب الإستيعاب : وكانت خديجة إذ تزوجها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بنت أربعين سنة . وكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ابن خمس وعشرين سنة ( 5 ).

وقال أبو عمر : وأجمع أهل العلم أن خديجة ولدت لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أربع بنات هن : زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم ، وأجمعوا أنها ولدت له ابنا يسمى القاسم . وبه كان يكنى صلى الله عليه [وآله] وسلم . وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم ، وزعم بعضهم أنها ولدت له ولدا " يسمى الطاهر . وقال بعضهم : ما نعلمها ولدت له إلا القاسم وولدت له بناته الأربع ، وقيل : ولد لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم . القاسم وبه يكنى وعبد الله وهو الطيب والطاهر وولدت له بناته الأربع .

وقال أبو عمر : وقول الزبير وأهل النسب : إن عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم هو : الطيب وهو الطاهر . له ثلاثة اسماء ( 6 ) .

ولا يختلف أهل العلم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . لم يتزوج قبل البعثة غير خديجة . ولا تزوج عليها أحدا " من نسائه حتى ماتت ( 7 ) .

إسلامها :

قال ابن إسحاق: كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدق محمدا " صلى الله عليه [وآله] وسلم فيما جاء به عن ربه وآزره على أمره. فكان لا يسمع من المشركين شيئا " يكرهه من رد عليه وتكذيب له إلا فرج الله عنه بها. تثبته وتصدقه وتخفف عنه. وتهون عليه ما يلقى من قومه (8).

وروي عن أبي رافع قال : أول من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب . وأول من أسلم من النساء خديجة ( 9 ) .

وأخرج أحمد وابن سعد عن عفيف الكندي قال : جئت في الجاهلية إلى مكة . وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها . فنزلت على العباس بن عبد المطلب ، قال . فأنا عنده . وأنا أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس فارتفعت ، إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة . فرفع رأسه إلى السماء فنظر . ثم أستقبل الكعبة قائما " مستقبلها ، إذ جاء غلام حتى قام عن يمينه ، ثم لم يلبث إلا يسيرا " حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما . ثم ركع الشاب فركع الغلام وركعت المرأة . ثم رفع الشاب رأسه ورفع الغلام رأسه ورفعت المرأة رأسها . ثم خر الشاب ساجدا " وخر الغلام ساجدا " وخرت المرأة . قال فقلت : يا عباس إني أرى أمرا " عظيما " . فقال العباس : أمر عظيم ، هل تدري من هذا الشاب ؟ قلت : ما أدري قال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي . هل تدري من هذا الغلام ؟ قلت : لا . ما أدري قال : هذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخي ، قال : هل تدري من هذه المرأة ؟ قلت : لا . ما أدري . قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا . إن ابن أخي هذا الذي ترى . حدثنا أن ربه رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه . فهو عليه . ولا والله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة . قال عفيف : فتمنيت بعد أني كنت رابعهم ( 10 ) .

وروى عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده . قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين وصلت خديجة آخر يوم الأثنين ( 11 ).

وروى عن ابن عباس قال : أول من صلى مع النبي بعد خديجة علي بن أبي طالب ( 12 ).

وعن أنس قال : بعث النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يوم الأثنين وصلى علي بن أبي طالب يوم الثلاثاء ( 13 ) .

مناقبها :

عن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في الأرض أربعة خطوط . فقال : أتدرون ما هذا ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم . فقال :

أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم . ومريم ابنة عمران وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون ( 14 ).

وروى الترمذي عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : حسبك من نساء العالمين : مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد . وفاطمة بنت محمد . وآسية امرأة فرعون ( 15 ).

وقال صاحب التاج الجامع للأصول : أي يكفيك من فاضلات النساء كلهن هؤلاء الأربع . وفضل مريم وآسية لما تقدم في سيرتهما . وفضل خديجة لصبرها الجميل وجليل ما صنعته من أعمال صالحة وآثار نافعة قيمة ، وفضل فاطمة لأنها بضعة من محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم . وأم النسل الشريف كله ( 16 ) .

أخرج ابن السني بسند له عن خديجة : إنها خرجت تلتمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعلى مكة . ومعها غداوته . فلقيها جبريل في صورة رجل . فسألها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فهابته وخشيت أن يكون بعض من يريد أن يقتله . فلما ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها : هو جبريل . وقد أمرني أن أقرأ عليك السلام ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ( 17 )

وروى عن أبي هريرة قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك . معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ( 18 ) ، فإذا هي أتتك . فأقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب . لا صخب فيه ولا نصب ( 19 ) .

وعن ابن أبي أوفى : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : قال لي جبريل صلى الله عليه [وآله] وسلم . بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ( 20 ) .

قال صاحب التاج الجامع للأصول : القصب / اللؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت ، والصخب / الصياح ، والنصب / الهم والتعب .

وفي رواية عندما بلغها النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم السلام من ربها جل وعلا ومن جبريل قالت : هو السلام . ومنه السلام . وعلى جبريل السلام . وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته ، فهذه منقبة لم ترد لأحد من بنات آدم عليه السلام . فما أعظمها مفخرة للدنيا والآخرة ( 21 ) .

وفاتها رضي الله عنها :

قال أبو عمر : قيل : توفيت قبل الهجرة بخمس سنين . وقيل : بأربع سنين . وقال قتادة : توفيت خديجة قبل الهجرة بثلاث سنين . عندي أصح . وقال : ويقال كانت وفاتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام ( 22 ) .

وقال ابن إسحاق : كانت وفاة خديجة وأبي طالب في عام واحد ( 23 ) .

وكانت يوم توفيت بنت خمس وستين سنة . ودفنت في الحجون ( 24 ) .

ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفرتها. ولم تكن شرعت الصلاة على ا لجنائز (25) .

______________

( 1 )  رواه الطبراني ( مجمع الزوائد 219 / 9 ) ، الإستيعاب / ابن عبد البر 280 / 4 .

( 2 ) الطبقات الكبرى ابن سعد 15 / 7 ، الإصابة ابن حجر 60 / 8 ( 8 ) .     

( 3 )  الطبقات الكبرى 16 / 7 .

( 4 ) الإصابة 60 / 8 .

( 5 ) الإستيعاب  280 / 4.    

( 6 ) المصدر السابق 282 / 4 .

( 7 ) الإستيعاب 283 / 7 ، مجمع الزوائد 220 / 9 .

( 8 ) الإستيعاب 283 / 7 .

( 9 ) رواه البزار ورجاله الصحيح ( الزوائد 220 / 9 ).        

( 10 )  رواه أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد وغيره ورجاله ثقات ( الزوائد 223 / 9 ) ورواه ابن سعد ( الطبقات 18 / 7 ) والطبراني عن ابن مسعود ( كنز العمال 467 / 13 ) ورواه ابن عبد البر ( الإستيعاب 163 / 3 ) .

( 11 ) رواه ابن عبد البر ( الإستيعاب 283 / 4 ) .

( 12 ) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني 122 / 23 رجاله ثقات .

( 13 ) رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي ( المستدرك 112 / 3 ) ورواه الترمذي .     

( 14 ) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد223/9).

( 15 ) رواه الترمذي بسند صحيح والنسائي والحاكم ( التاج الجامع للأصول 379 / 3 ) .

( 16 ) التاج الجامع / منصور ناصف 379 / 3 .

( 17 ) الإصابة 62 / 8 .

( 18 ) شك الراوي .

( 19 ) رواه البخاري ومسلم والترمذي ( التاج الجامع للأصول 378 / 3 ) ( * ) .       

( 20 )  قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات ( الزوائد 224 / 9 ) .

( 21 ) التاج الجامع 378 / 3 .

( 22 ) الإستيعاب 289 / 4 .  

( 23 ) الإصابة 62 / 8 .

( 24 ) الإستيعاب 289 / 4 .

( 25 ) الطبقات 18 / 7 ، الإصابة 62 / 8.