أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-06
1237
التاريخ: 21-10-2019
1937
التاريخ: 7-2-2017
3612
التاريخ: 24-7-2019
2050
|
ثم إذا تشابهت جزيرة العرب باللغة واعتمدت في الإسلام على أفصح لهجاتها، وهي لغة قريش، فلا تتشابه كثيرًا في درجة ارتقائها في المدنية، ويغلط من يدعي أن العرب كانوا نصف متمدنين أو نصف متوحشين لما خرجوا من جزيرتهم، وكما كان منهم أهل الوبر القائمون على الزرع والضرع، كان منهم أهل المدر، وهؤلاء يعانون التجارة والصناعة والمدن التجارية الصناعية بطبيعتها تكون على استعداد دائم للامتزاج بمن تعامله ويعاملها، وعلى معرفة بمداخل الحياة ومخارجها. هذا واليماني يمتاز بصفات ليست للحجازي، والنجدي غير الحضرمي، والعماني غير الأحسائي، وابن الساحل غير ابن الداخل والجبلي غير السهلي ومن مجموعهم كانت هذه الأمة العربية الفاتحة. وإن خليفة يوصي قائده وهو يوجهه لقتال الروم في الشام بقوله: «إنك ستجد قومًا حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حسبوا أنفسهم له -. يريد بهم الرهبان - ويقول له: لا تغدر ولا تمثل ولا تقتل هرما ولا امرأةً ولا وليدًا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا ما أكلتم، ولا تحرقن نخلا ولا تخربن عامرًا ولا تغل (1)» إن خليفة يقول لقائده هذا مضمون له التوفيق؛ لأنه يملي عليه أجمل عظة في العدل والإحسان، يقول روبنسون: إن شيعة محمد هم وحدهم الذين جمعوا بين محاسنة الأجانب ومحبة انتشار دينهم، هذه العاطفة. التي دفعتهم في سبيل الفتح وهو سبب لا حرج فيه، فنشر القرآن جناحيه خلف جيوشه الظافرة إذ آغاروا على الشام، وانقضوا انقضاض الصواعق على إفريقية الشمالية من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلانطي، ولم يتركوا أثرًا للعسف في طريقهم إلا ما كان لا بد منه في كل حرب، فلم يبيدوا قط أمة أبت الإسلام. ا.هـ. هذه سياسة العرب في فتحها لم يحيدوا عنها قيد أنملة، أما الرومان الذين بهت أنصارهم بعظمتهم، ولم ينظروا إلى الصورة التي دوخوا بها الأرض واستتبعوا الشعوب، فكانوا يبيدون كل عامر ويقتلون الأولاد والنساء والشيوخ، ثم يسترقون بقايا السيوف استرقاقًا ممقوتًا مجردًا من كل عاطفة ومروءة. كان الرومان إذا أطاعهم بلد قبلوا ما سقطوا عليه فيه من معبودات وأرباب، يضيفونها إلى ما عندهم منها، كأن المعبودات بعض الأعلاق والطرائف، كلما كثرت مجموعتها كان لغواتها ما يفاخرون به ويباهون، أما العرب فكانوا ينادون علنًا بدينهم، موحدين الله، مصلين على رسوله، يفيضون العدل بين الرعية، ولا كبير أمام شريعتهم؛ لأنها ساوت بين العظيم والصعلوك، لا يكرهون أحدًا على دينهم مهما عظم سلطانهم، يكتفون بخراج أو جزية لا يعد مقدارها شيئًا بالقياس إلى ما كان على الناس أ أن يؤدوه من قبل، فلا عجب إذا دخل المغلوبون في دين الغالبين أفواجًا، ولا بدع أن تشبه المغلوب بغالبه، فتلقف لسانه وهان عليه قبول أوضاع جديدة ما كان له بها عهد، وعد ما أتاه به نعمة، وأي نعمة لانطوائه على السلام والطمأنينة والعدل المطلق... وإن قائدًا كخالد بن الوليد يكتب إلى ملوك فارس قبل وقعة القادسية، يريدهم على الدخول في أمره ليدعهم وأرضهم ويجوزهم على غيرهم وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة. ويكتب إلى مرازبة (2) فارس: بعد، فأسلموا تسلموا، وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر. إن قائدًا يقول هذا معبرًا بلسان قومه عن استهانته بالموت في سبيل هدفه الأعلى، لا يستعظم منهم أن يغلبوا يوما الزحف أقل أعدائهم بعددهم، بيد أن العرب كانوا يحاربون وهم يعرفون السبب الذي من أجله يحاربون، فإذا ما سمعتهم كبروا التكبيرة ثم التكبيرتين والثلاث وهم زاحفون على أعدائهم أيقنت أنهم لا يرجعون أو ينتصرون، ولا يبقون ولا يذرون، وكانوا مع هذا كما قال فيهم (3) أعداؤهم: «فرسانا في النهار، رهبانًا في الليل، يدوون بالقرآن إذا جنَّ عليهم الليل دوي النحل، وهم آساد الناس لا يشبههم الأسود.» قوم كانوا بالأمس لإفراطهم في الحرية لا يخضعون لنظام، فلما دخلوا في الإسلام رأيتهم لا يخالفون أمرًا لكبيرهم، يبايعونه على الطاعة والموت في سبيل الجماعة. وإن خليفة كابن الخطاب يقول: إني حريص على أن لا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا البعض، فإذا عجز ذلك عنا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست معلمكم إلا بالعمل، إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم، وإنما أنا عبد الله عرضت علي الأمانة فإن أبيتها ورددتها عليكم واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا سعدت، وإن أنا حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت، ففرحت قليلًا وحزنت طويلًا، وبقيت لا أقال ولا أرد فأستعتب.» إن خليفة كهذا يقول عام الرمادة، وهو عام مجاعة وجدب وقحط كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم، ويقسم أن لا يذوق سمنًا ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيي الناس، وجعل يترد بالزيت حتى تغير لون بشرته، ثم ينحر جزورًا يطعمها الناس فيغرفون له طيبها فيؤتى بقدر من سنام ومن كبد فيقول: أنَّى هذا؟ فيقال له: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم، فقال: بخ بخ بئس الوالي أنا أكلت طيبها وأطعمت الناس کرادیسها(4)، ارفع هذه الصفحة هات لنا غير هذا الطعام، فيؤتى بخبز وزيت فيكسر ويثرد في ذلك الزيت ويرسل الجفنة إلى أناس مقفرين إن خليفة يعمل هذا في أيام الشدة، وفي أيام الرخاء، يقول لجماعة يطعمهم أكسار بعير وخبرا: إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب، (5) ولكني رأيت الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم، فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)، إن خليفة يفعل هذا غير متصنع ولا متعتع (6) حري بأن يحبه قومه ويطيعوه في كل ما يأمرهم به. لما فتح عتبة (7) بن فرقد أذربيجان صنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود ثم بعث بهما إلى عمر، فلما أتاه الرسول بهما كشف عنهما فذاق الخبيص، فقال: إن هذا لطيب أثر، أكلُّ المهاجرين أكل منه ما شبعه؟ قال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب إليه من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد، أ أما ولا كد أمك ولا كد أبيك، لا تأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم. حمل بعض الفرس إلى أبي عبيدة بن مسعود آنية فيها أنواع أطعمة فارس والألوان والأخبصة وغيرها فقالوا: هذه كرامة أكرمناك بها وقرى لك.» قال: أأكرمتم الجند وقريتموهم مثله؟ قالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون فرده وقال: لا حاجة لنا فيه، بئس المرء أبو عبيدة أن صحب قومًا من بلادهم أهرقوا دماءهم دونه أو لم يهريقوا، فاستأثر عليهم بشيء يصيب، لا والله لا نأكل مما أفاء الله عليهم إلا مثل ما يأكل أوساطهم.» هكذا كانت سيرة من نهضوا بهذه الفتوح من خليفتهم إلى قائدهم، وكيف لا يفتحون المشرق والمغرب ومثل سيرتهم الذكية تأخذ بمجامع القلوب وما عهدت قط عند من نزلوا عليهم.
................................................
1- الغلول: الخيانة في المغنم
2- المرزبان: رئيس العجم وهو المقدم على القوم ودون امللك، ج مرازبة.
3- تاريخ الطبري.
4- الكراديس: رءوس المنكبين والركبتين والوركين والقطع العظام من اللحم.
5- الصلائق: ما ع ً مل بالنار طبخا وشيٍّا، والسبائك: ما يُسبك من الدقيق الحواري، والصناب: صباغ يُتخذ من الخردل والزبيب.
6- تعتع في الكلام: إذا تردد من حصر وعي.
7- فتوح البلدان للبلاذري.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|