أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-7-2019
3443
التاريخ: 16-11-2016
2965
التاريخ: 16-11-2016
1284
التاريخ: 16-11-2016
2183
|
موت عمر، وبيعة عثمان ومقتله، ومَن حرَّض عليه ومَن قتله:
قلنا أنّ بيعة عمر كانت سنة 13 هـ. وأمَّا قتله، فكان آخر ذي الحجّة سنة 23 هـ؛ قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان نصرانيّاً، وقيل: مجوسيَّاً. وكانت مدَّة خلافته عشر سنين ونصف سنة، وقد جعلها من بعده شورى (1) بين خمسة نفر أو ستة، ولكنَّه قيَّدهم برأي أحدهم؛ عبد الرحمن بن عوف صهر عثمان.
وكيفما كان.. فقد بويع عثمان في 3 من المحرَّم سنة 24 هـ، وقيل: في آخر ذي الحجّة سنة 23 هـ، وقُتل آخر سنة 35هـ بيد زعماء المصريّين يومئذٍ، كما سنبيّنه إن شاء الله.
وكان محبوباً في السنين الأولى من خلافته التي دامت اثنتي عشرة سنة، وهي مدّة طويلة لا يقال فيمَن قضاها: (إنّه جاء ثُمَّ قُتل عاجلاً)؛ كما قال معلِّم الآداب في مصر ورحّالة القرن العشرين، الذي اخترع في التاريخ (أنّ الذين حرَّضوا على قتل عثمان وأيَّدوا عليَّاً، هم الخوارج). مع أنّ لفظ الخوارج لم يُسمع ولم يُوجد أيضاً إِلاّ بعد مضي سنتين على قتل عثمان وبيعة علي، ومع أن التاريخ يحدّثنا بأنّ الذين حرّضوا على قتل عثمان وخذلوه، هم من أكابر الصحابة والتابعين في المدينة المنوَّرة.
يحدثنا ابن الأثير: إنَّه (كتب جمْع من أهل المدينة من الصحابة إِلى مَن في الآفاق منهم: إِنْ أردتم الجهاد، فهلمُّوا إليه، فإِنَّ دين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قد أفسده خليفتكم) (2).
ويقول الطبري؛ ابن جرير: (وكتب أهل المدينة إِلى عثمان يدعونه إِلى التوبة، ويحتجُّون ويقسمون له بالله: لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمه من حقِّ الله) (3)، فكتب عثمان إِلى معاوية: (أمَّا بعد، فإِنّ أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث إِليّ من قبلك من مقاتلة الشامي، فلمَّا جاء معاوية الكتاب تربص به وكره (؟) إِظهار مخالفة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد علم اجتماعهم) (4).
ويروي ابن عبد ربِّه الأندلسي ما يبيِّن السرَّ في خذلان الصحابة لعثمان؛ حيث يقول: (روي: أنَّه سئل سعيد بن المسيَّب؛ كيف قُتل عثمان؟ ولِمَ خذله أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: قُتل عثمان مظلوماً، ومَن خذله كان معذوراً. قيل له وكيف ذلك؟ قال: لأنّ عثمان كان يحبُّ قومه، وكان كثيراً ما يولّي بني أميّة ممّن لم يكن له في رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صحبة، وكان يجيء من أمرائه ما يكره أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكان يستعتب فيهم، فلا يعزلهم) (5).
وقالت السيِّدة عائشة بنت أبي بكر لمروان بن الحكم؛ لمّا طلب منها إِصلاح أمر عثمان مع الصحابة وعدم خروجها من المدينة: (ولعلك تظننَّ أنّي في شكٍّ مِن صاحبك؟ أمَا والله، لوددت أنّه مقطَّع في غرارة من غرائري، وأنّي أطيق حمله، فأطرحه في البحر) (6). وقد كان عبد الرحمن بن عوف ـ وهو الذي عقد البيعة لعثمان ـ أوَّل مَن اجترأ عليه؛ كما يحدثنا الطبري في مقام ذكر المفتتِح للجرأة على عثمان، بقوله: (قدمت إِبل مِن إِبل الصدقة على عثمان، فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن، فأرسل مَن أخذها له، فقسمها في الناس وعثمان في الدار) (7).
ولمَّا عوتب عبد الرحمن في أمر عثمان، (وقيل له هذا كلُّه فعلُك، قال: لم أكن أظنُّ به هذا، ولكنَّ لله عليَّ أن لا أكلِّمه أبداً. فمات عبد الرحمن، وهو مهاجر لعثمان. ولمّا دخل عليه عثمان عائداً، تحوَّل عنه إلى الحائط ولم يكلمه) (8).
وأمَّا عمرو بن العاص، فكان من أشدِّ الناس تحريضاً على عثمان وطعناً به، وإن لم يشهد مقتله مع الصحابة(9). يقول الطبري: (كان عمرو بن العاص عاملاً لعثمان على مصر، فعزله، فلمّا قدم المدينة جعل يطعن على عثمان، فقال له عثمان: يا ابن النابغة، أَقمل جربان جبتك؟ فخرج عمرو من عنده وهو محتقِد عليه، يأتي عليَّاً مرًّة، والزبير وطلحة مرَّة، يؤلبهم على عثمان، ويعترض الحاج، فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان الحصار الأوَّل، خرج من المدينة إِلى أرض له بفلسطين يقال لها: السبع، فبينا هو جالس في قصره، إذ مرَّ به راكب، فناداه عمر، ومِن أين؟ قال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؛ يعني عثمان؟ قال: قُتل، قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إِنّي كنت لأحرِّض عليه حتّى الراعي في غنمه في رأس الجبل، فقال له سلامة بن روح الجذامي: إِنّه كان بينكم وبين العرب باب، فكسرتموه، قال عمرو: إِنَّا أردنا أن نخرج الحقَّ من حافرة الباطل)(10).
وعمرو هو القائل لتلك الكلمة الشهيرة: (اتَّق الله يا عثمان؛ فإِنَّك ركبت بنا نهابير (11)، وركبناها معك، فتب إلى الله ) (12).
ولم يُقصِّر طلحة في التأنيب والتحريض، بل قد زاد على ابن العاص بمناجاته لرؤساء المصريّين الذين باشروا قتل عثمان .
(قال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: دخلت على عثمان، فأخذ بيدي وأسمعني كلامَ مَن على بابه؛ فمنهم مَن يقول: ما تنتظرون؟ ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع. قال: فبينما نحن واقفون، إِذ مرَّ طلحة، فقال: أين ابن عديس؟ فقام إليه، فناجاه، ثُمَّ رجع ابن عديس، فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على عثمان ولا يخرج مِن عنده، فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة، اللَّهم اكفني طلحة؛ فإِنّه حمل علي هؤلاء القوم وألَّبهم، وإِنّي لأرجو أن يكون منها (أي الخلافة) صفراً) (13).
ويقول ابن قتيبة: (إنّ طلحة قال للمحاصِرين لعثمان: إِنّ عثمان لا يبالي ما حصرتموه وهو يدخل عليه الطعام والشراب، فامنعوه الماء أن يدخل عليه. ولمَّا أتى عليٌّ بالماء لعثمان، قال طلحة لعليّ: ما أَنت وهذا؟ وكان بينهما كلام شديد) (14).
ويروي ابن أبي الحديد: ( أنّ طلحة كان مقنَّعاً ـ يوم قتل عثمان ـ بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام. وأنّ الزبير قال ـ ساعتئذ ـ : اقتلوه، فقالوا له: إِن ابنك يحامي عنه بالباب، فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني...إلخ) (15).
وعلى الإِجمال (فإنّ مَن يتصفَّح أحوالهم، وما كان يبدو على ألسنتهم مِن الكلمات الشديدة المؤلمة في حقِّ عثمان، سواء في وجهه وفي غيبته، يحكم أنّ النفوس انطوت على مكروهه؛ حتّى كانوا يلقِّبونه: نعثلا) (16).
وبعد، فإِنّا نجتزئ بذكر هذه الكلمات بدون محاكمة وبغير تحليل؛ لأنّا لسنا الآن بصدد التخطئة لزيد أو التصويب لعمرو، وليس غرضنا من ذكرها التشهير بأحد أو إلقاء التبعة على آخر؛ وإِنّما غرضنا منه الاستدلال على أن الذين حرَّضوا على قتل عثمان وخذلوه هم من الصحابة، وفي مقدِّمتهم السيِّدة عائشة.
وأمَّا الذين باشروا قتله، فهم المصريُّون الذين (رجعوا من البويب وبيدهم الصحيفة التي أخذوها من غلام عثمان، وفيها حثٌّ على حبسهم وجلدهم وحلق رؤوسهم ولحاهم وصلب بعضهم، وقيل: أنّ الذي أُخذت منه الصحيفة، هو أبو الأعور السلمي. ولمَّا وصلوا المدينة اجتمعوا حول الدار، واجتمع معهم حكيم ابن جبلة في ركب من البصرة، والأشتر النخعي في أهل الكوفة، واعتزل الأشتر عنهم، فاعتزل حكيم بن جبلة. وكان ابن عديس المصري وأصحابه هم الذين يحصرون عثمان، فأقاموا على حصاره تسعة وأربعين يوماً حتَّى قُتل. وكان عدد المصريّين ألفاً على ما قيل، وكان رئيسهم ابن حرب الغافقي العكي، وهو الذي تولَّى القتل وباشره مع سودان بن حمران وكنانة بن بشر التجيبي من المصريّين. وقيل: أن الخليفة قضى بضربة التجيبي؛ لقول الوليد بن عقبة بن أبي معيط في رثاء عثمان مِن جملة أبيات:
ألا إنّ خير الناس بعد iiثلاثة قتيل التجيبيّ الذي جاء من iiمصر
وقول الفضل بن عبّاس في جوابه:
فلو رأت الأنصار ظلم ابن iiأمِّكم بزعمكم كانوا له حاضري iiالنصر
كفى ذاك عيباً أَن يشيروا iiبقتله وأن يسلموه للأحابيش من مصر (17)
وقول الفضل هذا يدلُّ على رضا الأنصار بالقتل، وهم من الصحابة يومئذٍ، لا من الخوارج.
________________
(1) الشورى من أفضل النظم الانتخابية إذا استعملت بمعناها الحقيقي الواسع، وقد أُمر بها النبيّ(ص)(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، ولكن معاوية يرى (أنّه لم يشتِّت بين المسلمين، ولا فرَّق أهواءهم، إِلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر)، انظر: العقد الفريد، مجلّد3، ص74. وأرى أنَّ هذه الشورى ـ وإنْ خلقت طمع طلحة والزبير بالخلافة، وسعيهما لها ـ خير من تلك السنَّة التي سنَّها معاوية في ولاية العهد، وحصْر الإِمرة بمثل ولده يزيد، وحرمان أبناء المهاجرين والأنصار.
(2) تاريخ ابن الأثير، مجلّد3، ص65.
(3) تاريخ الطبري، مجلّد 5، ص116.
(4) تاريخ الطبري، مجلّد 5، ص115.
(5) العقد الفريد، ج3، ص79.
(6) عصر المأمون، ج1، ص6.
(7) تاريخ الطبري، ج5، ص113.
(8) العقد الفريد، ج3، ص73، وتاريخ أبي الفداء، ج1، ص166.
(9) يقول ابن أبي الحديد (شرح النهج،ج1، ص231): (مثل أبو سعيد الخدري، هل شهد مقتل عثمان أحد من الصحابة ؟ قال: نعم؛ شهده ثمانمائة).
(10) تاريخ الطبري، ج5، ص108.
(11) هي: المهالك.
(12) تاريخ الطبري، مجلّد5، ص111.
(13) تاريخ ابن الأثير، مجلّد 3، ص67، وتاريخ الطبري، مجلّد 5، ص122.
(14) الإِمامة والسياسة، مجلّد 1، ص35.
(15) شرح النهج، مجلّد 2، ص404.
(16) محاضرات الشيخ محمد الخضري المصري، ص391.
(17) تاريخ ابن الأثير، مجلّد 3، ص6، و65، و69، و75، وتاريخ ابن جرير الطبري، مجلّد 5، ص 122؛ ( بتلخيص وتصرُّف).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|