المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16685 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه}
2024-07-06
آدم والنهي عن الشجرة
2024-07-06
سجود الملائكة واعراض ابليس
2024-07-06
من آداب عصر الغيبة: الاستغاثة به
2024-07-06
من آداب عصر الغيبة: التبرؤ من أعدائه
2024-07-06
من آداب عصر الغيبة: إحياء أمره بين الناس
2024-07-06

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تعدد الزوجات  
  
1802   08:47 صباحاً   التاريخ: 5-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج4 , ص 156-166
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قضايا إجتماعية في القرآن الكريم /

 وأمر الوحدة والتعدد فيما نشاهده من أقسام الحيوان غير واضح ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحد الإناث وتختص بالذكور لما أن الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الافراخ وتربيتها وربما تغير الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة أعني بالتأهيل والتربية كما يشاهد من أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها.

وأما الانسان فاتخاذ الزوجات المتعددة كانت سنة جارية في غالب الأمم القديمة كمصر والهند والصين والفرس بل والروم واليونان فإنهم كانوا ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها بل وكان ذلك عند بعض الأمم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه كاليهود والعرب فكان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد وقد ذكروا أن سليمان الملك تزوج مئات من النساء.

وأغلب ما كان يقع تعدد الزوجات أنما هو في القبائل ومن يحذو حذوهم من سكان القرى والجبال فإن لرب البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الأعضاء فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الاستيلاد ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم وليكون ذلك وسيلة يتوسلون بها إلى الترؤس والسؤدد في قومهم على ما في كثرة الازدواج من تكثر الأقرباء بالمصاهرة.

وما ذكره بعض العلماء أن العامل في تعدد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنما هو كثرة المشاغل والأعمال فيهم كأعمال الحمل والنقل والرعي والزراعة والسقاية والصيد والطبخ والنسج وغير ذلك فهو وإن كان حقا في الجملة إلا أن التأمل في صفاتهم الروحية يعطي أن هذه الأعمال في الدرجة الثانية من الأهمية عندهم وما ذكرناه هو الذي يتعلق به قصد الانسان البدوي أولا وبالذات كما أن شيوع الادعاء والتبني أيضا بينهم سابقا كان من فروع هذا الغرض.

على أنه كان في هذه الأمم عامل أساسي آخر لتداول تعدد الزوجات بينهم وهو زيادة عدة النساء على الرجال بما لا يتسامح فيه فإن هذه الأمم السائرة بسيرة القبائل كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات وقتل الفتك والغيلة فكان القتل يفني الرجال ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلا بتعدد الزوجات هذا.

والاسلام شرع الازدواج بواحدة وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد على ما سنشير إليها قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].

وقد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات أولا انه يضع آثارا سيئة في المجتمع فإنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيب آمالهن ويسكن فورة الحب في قلوبهن فينعكس حس الحب إلى حس الانتقام فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد ويقابلن الرجال بمثل ما أساءوا إليهن فيشيع الزنا والسفاح والخيانة في المال والعرض فلا يلبث المجتمع دون أن ينحط في أقرب وقت.

وثانيا: أن التعدد في الزوجات يخالف ما هو المشهود المتراءى من عمل الطبيعة فإن الاحصاء في الأمم والأجيال يفيد أن قبيلي الذكورة والإناث متساويان عددا تقريبا فالذي هيأته الطبيعة هو واحدة لواحد وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة.

وثالثا أن في تشريع تعدد الزوجات ترغيبا للرجال إلى الشره والشهوة وتقوية لهذه القوة في المجتمع.

ورابعا أن في ذلك حطا لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال وهو تقويم جائر حتى بالنظر إلى مذاق الاسلام الذي سوي فيه بين امرأتين ورجل كما في الإرث والشهادة وغيرهما ولازمه تجويز التزوج باثنتين منهن لا أزيد ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه وهذه الاشكالات مما اعترض بها النصارى على الاسلام أو من يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع.

والجواب عن الأول ما تقدم غير مرة في المباحث المتقدمة أن الاسلام وضع بنية المجتمع الانساني على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الاحساسية فالمتبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الاجتماعية دون ما تهواه الاحساسات وتنجذب إليه العواطف.

وليس في ذلك إماتة العواطف والاحساسات الرقيقة وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية فإن من المسلم في الأبحاث النفسية أن الصفات الروحية والعواطف والاحساسات الباطنة تختلف كما وكيفا باختلاف التربية والعادة كما أن كثيرا من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مثلا مذمومة عند الغربيين وبالعكس وكل أمة تختلف مع غيرها في بعضها. 
والتربية الدينية في الاسلام تقيم المرأة الاسلامية مقاما لا تتألم بأمثال ذلك عواطفها نعم المرأة الغربية حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ولقنت بذلك جيلا بعد جيل استحكم في روحها عاطفة نفسانية تضاد التعدد ومن الدليل على ذلك الاسترسال الفظيع الذي شاعت بين الرجال والنساء في الأمم المتمدنة! اليوم.

أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة من كل من هووها وهوتهم من نسائهم من محارم وغيرها ومن بكر أو ثيب ومن ذات بعل أو غيرها حتى أن الانسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا سواء في ذلك الرجال والنساء ولم يقنعوا بذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعا قل ما يسلم منه فرد حتى بلغ الامر مبلغا رفعوا قبيل سنة إلى برلمان بريطانيا العظمى أن يبيح لهم اللواط سنة قانونية وذلك بعد شيوعه بينهم من غير رسمية وأما النساء وخاصة الابكار وغير ذوات البعل من الفتيات فالأمر فيهن أغرب وأفظع.

فليت شعري كيف لا تأسف النساء هناك ولا يتحرجن ولا تنكسر قلوبهن ولا تتألم عواطفهن حين يشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن؟ وكيف لا تتألم عواطف الرجل وإحساساته حين يبنى بفتاه ثم يجدها ثيبا فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ثم لا يلبث حتى يباهي بين الاقران أن السيدة ممن توفرت عليها رغبات الرجال وتنافس في القضاء منها العشرات والمئات!! وهل هذا إلا أن هذه السيئات تكررت بينهم ونزعه الحرية تمكنت من أنفسهم حتى صارت عادة عريقة مألوفة لا تمتنع منها العواطف والاحساسات ولا تستنكرها النفوس؟ فليس إلا أن السنن الجارية تميل العواطف والاحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها.

وأما ما ذكروه من استلزام ذلك إهمالهن في تدبير البيت وتثاقلهن في تربية الأولاد وشيوع الزنا والخيانة فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك فإن هذا الحكم جرى في صدر الاسلام وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدعى حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته بل كان الامر بالعكس.

على أن هذه النساء اللاتي يتزوج بهن على الزوجة الأولى في المجتمع الاسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك أعني الزوجة الثانية والثالثة والرابعة إنما يتزوج بهن عن رضاء ورغبة منهن وهن من نساء هذه المجتمعات ولم يسترققهن الرجال من مجتمعات أخرى ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا وإنما رغبن في مثل هذا الازدواج لعلل اجتماعية فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدد الزوجات ولا قلوبهن تتألم منها بل لو كان شيء من ذلك فهو من لوازم أو عوارض الزوجية الأولى أعني أن المرأة إذا توحدت للرجل لا تحب أن ترد عليها وعلى بيتها أخرى لخوفها أن تميل عنها بعلها أو تترأس عليها غيرها أو يختلف الأولاد ونحو ذلك فعدم الرضاء والتألم فيما كان إنما منشأه حالة عرضية التوحد بالبعل لا غريزة طبيعية.

والجواب عن الثاني أن الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مختل من وجوه.

منها أن أمر الازدواج لا يتكي على هذا الذي ذكروه فحسب بل هناك عوامل وشرائط أخرى لهذا الامر فأولا الرشد الفكري والتهيؤ لأمر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال فالنساء وخاصة في المناطق الحارة إذا جزن التسع صلحن للنكاح والرجال لا يتهيؤون لذلك غالبا قبل الست عشرة من السنين وهو الذي اعتبره الاسلام للنكاح.

ومن الدليل على ذلك السنة الجارية في فتيات الأمم المتمدنة فمن الشاذ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سن البلوغ القانوني فليس إلا أن الطبيعة هيأتها للنكاح قبل تهيئتها الرجال لذلك.

ولازم هذه الخاصة أن لو اعتبرنا مواليد ست عشرة سنة من قوم والفرض تساوى عدد الذكورة والإناث فيهم كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال وهى سنة أول الصلوح مواليد سنة واحدة وهم مواليد السنة الأولى المفروضة والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين وهى مواليد السنة الأولى إلى السابعة ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة وهى سن بلوغ الأشد من الرجال حصل في السنة الخامسة والعشرين على الصلوح من الرجال مواليد عشرة سنين ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة.

وثانيا أن الاحصاء كما ذكروه يبين أن النساء أطول عمرا من الرجال ولازمه أن تهيئ سنة الوفاة و الموت عددا من النساء ليس بحذائهن رجال.

و ثالثا: أن خاصة النسل و التوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء فالأغلب على النساء أن يئسن من الحمل في سن الخمسين و يمكث ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك، و ربما بقي قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي و هي مائة سنة فيكون عمر صلاحية الرجال للتوليد و هو ثمانون سنة تقريبا ضعفه في المرأة و هو أربعون تقريبا، و إذا ضم هذا الوجه إلى الوجه السابق أنتج أن الطبيعة و الخلقة أباح للرجال التعدي من الزوجة الواحدة إلى غيرها فلا معنى لتهيئة قوة التوليد و المنع عن الاستيلاد من محل شأنه ذلك فإن ذلك مما تأباه سنة العلل و الأسباب الجارية.

و رابعا: أن الحوادث المبيدة لأفراد المجتمع من الحروب و المقاتل و غيرهما تحل بالرجال و تفنيهم أكثر منها بالنساء بما لا يقاس كما تقدم أنه كان أقوى العوامل لشيوع تعدد الزوجات في القبائل فهذه الأرامل و النساء العزل لا محيص لهن عن قبول التعدد أو الزنا أو خيبة القوة المودعة في طبائعهن و بطلانها.

و مما يتأيد به هذه الحقيقة ما وقع في الألمان الغربي قبل عدة شهور من كتابة هذه الأوراق: أظهرت جمعية النساء العزل تحرجها من فقدان البعولة و سألت الحكومة أن يسمح لهن بسنة تعدد الزوجات الإسلامية حتى يتزوج من شاء من الرجال بأزيد من واحدة و يرتفع بذلك غائلة الحرمان، غير أن الحكومة لم تجبهن في ذلك و امتنعت الكنيسة من قبوله و رضيت بفشو الزنا و شيوعه و فساد النسل به.

و منها أن الاستدلال بتسوية الطبيعة النوعية بين الرجال و النساء في العدد مع الغض عما تقدم إنما يستقيم فيما لو فرض أن يتزوج كل رجل في المجتمع بأكثر من الواحدة إلى أربع من النساء لكن الطبيعة لا تسمح بإعداد جميع الرجال لذلك و لا يسع ذلك بالطبع إلا لبعضهم دون جميعهم و الإسلام لم يشرع تعدد الزوجات بنحو الفرض و الوجوب على الرجال بل إنما أباح ذلك لمن استطاع أن يقيم القسط منهم، و من أوضح الدليل على عدم استلزام هذا التشريع حرجا و لا فسادا أن سير هذه السنة بين المسلمين و كذا بين سائر الأمم الذين يرون ذلك لم يستلزم حرجا من قحط النساء و إعوازهن على الرجال.

بل بالعكس من ذلك أعد تحريم التعدد في البلاد التي فيها ذلك ألوفا من النساء حرمن الأزواج و الاجتماع المنزلي و اكتفين بالزنا.

و منها أن الاستدلال المذكور مع الإغماض عن ما سبق إنما يستقيم لو لم يصلح هذا الحكم و لم يعدل بتقييده بقيود ترتفع بها المحاذير المتوهمة فقد شرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف و في القسم و الفراش و فرض عليهم نفقتهن ثم نفقة أولادهن و لا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلا و من يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة و غير ذلك إلا لبعض أولي الطول و السعة من الناس لا لجميعهم.

على أن هناك طرقا دينية شرعية يمكن أن تستريح إليها المرأة فتلزم الزوج على الاقتصار عليها و الإغماض عن التكثير.

و الجواب عن الثالث: أنه مبني على عدم التدبر في نحو التربية الإسلامية و مقاصد هذه الشريعة فإن التربية الدينية للنساء في المجتمع الإسلامي الذي يرتضيه الدين بالستر و العفاف و الحياء و عدم الخرق تنمي المرأة و شهوة النكاح فيها أقل منها في الرجل على الرغم مما شاع أن شهوة النكاح فيها أزيد و أكثر و استدل عليه بتولعها المفرط بالزينة و الجمال طبعا و هذا أمر لا يكاد يشك فيه رجال المسلمين ممن تزوج بالنساء الناشئات على التربية الدينية فشهوة النكاح في المتوسط من الرجال تعادل ما في أكثر من امرأة واحدة بل و المرأتين و الثلاث.

و من جهة أخرى من عناية هذا الدين أن يرتفع الحرمان في الواجب من مقتضيات الطبع و مشتهيات النفس فاعتبر أن لا تختزن الشهوة في الرجل و لا يحرم منها فيدعوه ذلك إلى التعدي إلى الفجور و الفحشاء و المرأة الواحدة ربما اعتذرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة و المصاحبة كأيام العادة و بعض أيام الحمل و الوضع و الرضاع و نحو ذلك و الإسراع في رفع هذه الحاجة الغريزية هو لازم ما تكرر منا في المباحث السابقة من هذا الكتاب أن الإسلام يبني المجتمع على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الإحساسية فبقاء الإنسان على حالة الإحساس الداعية إلى الاسترسال في الأهواء و الخواطر السوء كحال التعزب و نحوه من أعظم المخاطر في نظر الإسلام.

و من جهة أخرى من أهم المقاصد عند شارع الإسلام تكثر نسل المسلمين و عمارة الأرض بيد مجتمع مسلم عمارة صالحة ترفع الشرك و الفساد.

فهذه الجهات و أمثالها هي التي اهتم بها الإسلام في تشريع تعدد الزوجات دون ترويج أمر الشهوة و ترغيب الناس إلى الانكباب عليها و لو أنصف هؤلاء المستشكلون كان هذه السنن الاجتماعية المعروفة بين هؤلاء البانين للاجتماع على أساس التمتع المادي أولى بالرمي بترويج الفحشاء و الترغيب إلى الشره من الإسلام الباني للاجتماع على أساس السعادة الدينية.

على أن في تجويز تعدد الزوجات تسكينا لثورة الحرص التي هي من لوازم الحرمان فكل محروم حريص، و لا هم للممنوع المحبوس إلا أن يهتك حجاب المنع و الحبس، فالمسلم و إن كان ذا زوجة واحدة فإنه على سكن و طيب نفس من أنه ليس بممنوع عن التوسع في قضاء شهوته لو تحرجت نفسه يوما إليه، و هذا نوع تسكين لطيش النفس، و إحصان لها عن الميل إلى الفحشاء و هتك الأعراض المحرمة.

و قد أنصف بعض الباحثين من الغربيين حيث قال: لم يعمل في إشاعة الزنا و الفحشاء بين الملل المسيحية عامل أقوى من تحريم الكنيسة تعدد الزوجات(1).

و الجواب عن الرابع أنه ممنوع فقد بينا في بعض المباحث السابقة عند الكلام في حقوق(2)
المرأة في الإسلام: أنه لم يحترم النساء و لم يراع حقوقهن كل المراعاة أي سنة من السنن الدينية أو الدنيوية من قديمها و حديثها بمثل ما احترمهن الإسلام و سنزيد في ذلك وضوحا.

و أما تجويز تعدد الزوجات للرجل فليس بمبني على ما ذكر من إبطال الوزن الاجتماعي و إماتة حقوقهن و الاستخفاف بموقفهن في الحياة و إنما هو مبني على جهات من المصالح تقدم بيان بعضها.

و قد اعترف بحسن هذا التشريع الإسلامي و ما في منعه من المفاسد الاجتماعية و المحاذير الحيوية جمع من باحثي الغرب من الرجال و النساء من أراده فليراجع إلى مظانه.

و أقوى ما تشبث به مخالفوا سنة التعدد من علماء الغرب و زوقوه في أعين الناظرين ما هو مشهود في بيوت المسلمين تلك البيوت المشتملة على زوجات عديدة: ضرتان أو ضرائر فإن هذه البيوت لا تحتوي على حياة صالحة و لا عيشة هنيئة، لا تلبث الضرتان من أول يوم حلتا البيت دون أن تأخذا في التحاسد حتى أنهم سموا الحسد بداء الضرائر، و عندئذ تنقلب جميع العواطف و الإحساسات الرقيقة التي جبلت عليها النساء من الحب و لين الجانب و الرقة و الرأفة و الشفقة و النصح و حفظ الغيب و الوفاء و المودة و الرحمة و الإخلاص بالنسبة إلى الزوج و أولاده من غير الزوجة و بيته و جميع ما يتعلق به إلى أضدادها، فينقلب البيت الذي هو سكن للإنسان يستريح فيه من تعب الحياة اليومي و تألم الروح و الجسم من مشاق الأعمال و الجهد في المكسب معركة قتال يستباح فيها النفس و العرض و المال و الجاه، لا يؤمن فيه من شيء لشيء، و يتكدر فيه صفو العيش و ترتحل لذة الحياة، و يحل محلها الضرب و الشتم و السب و اللعن و السعاية و النميمة و الرقابة و المكر و المكيدة، و اختلاف الأولاد و تشاجرهم، و ربما انجر الأمر إلى هم الزوجة بإهلاك الزوج، و قتل بعض الأولاد بعضا أو أباهم، و تتبدل القرابة بينهم إلى الأوتار التي تسحب في الأعقاب سفك الدماء و هلاك النسل و فساد البيت، أضف إلى ذلك ما يسري من ذلك إلى المجتمع من الشقاء و فساد الأخلاق و القسوة و الظلم و البغي و الفحشاء و انسلاب الأمن و الوثوق و خاصة إذا أضيف إلى ذلك جواز الطلاق فإباحة تعدد الزوجات و الطلاق ينشئان في المجتمع رجالا ذواقين مترفين لا هم لهم إلا اتباع الشهوات و الحرص و التولع على أخذ هذه و ترك تلك، و رفع واحدة و وضع أخرى، و ليس فيه إلا تضييع نصف المجتمع و إشقاؤه و هو قبيل النساء، و بذلك يفسد النصف الآخر.

هذا محصل ما ذكروه، و هو حق غير أنه إنما يرد على المسلمين لا على الإسلام و تعاليمه، و متى عمل المسلمون بحقيقة ما ألقته إليهم تعاليم الإسلام حتى يؤخذ الإسلام بالمفاسد التي أعقبته أعمالهم؟ و قد فقدوا منذ قرون الحكومة الصالحة التي تربي الناس بالتعاليم الدينية الشريفة بل كان أسبق الناس إلى هتك الأستار التي أسدلها الدين و نقض قوانينه و إبطال حدوده هي طبقة الحكام و الولاة على المسلمين، و الناس على دين ملوكهم، و لو اشتغلنا بقص بعض السير الجارية في بيوت الملوك و الفضائح التي كان يأتي بها ملوك الإسلام و ولاته منذ أن تبدلت الحكومة الدينية بالملك و السلطنة المستبدة لجاء بحياله تأليفا مستقلا، و بالجملة لو ورد الإشكال فهو وارد على المسلمين في اختيارهم لبيوتهم نوع اجتماع لا يتضمن سعادة عيشتهم و نحو سياسة لا يقدرون على إنفاذها بحيث لا تنحرف عن مستقيم الصراط، و الذنب في ذلك عائد إلى الرجال دون النساء و الأولاد و إن كان على كل نفس ما اكتسبت من إثم، و ذلك أن سيرة هؤلاء الرجال و تفديتهم سعادة أنفسهم و أهليهم و أولادهم و صفاء جو مجتمعهم في سبيل شرهم و جهالتهم هو الأصل لجميع هذه المفاسد و المنبت لكل هذه الشقوة المبيدة.
و أما الإسلام فلم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب و الفرض على كل رجل، و إنما نظر في طبيعة الأفراد و ما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة، و اعتبر الصلاح القاطع في ذلك كما مر تفصيله ثم استقصى مفاسد التكثير و محاذيره و أحصاها فأباح عند ذلك التعدد حفظا لمصلحة المجتمع الإنساني، و قيده بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد الشنيعة و هو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن و يعدل فمن وثق من نفسه بذلك و وفق له فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات، و أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم و أهليهم و أولادهم و لا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم و فروجهم، و لا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل و لذته فلا شأن للإسلام فيهم، و لا يجوز لهم إلا الازدواج بواحدة لو جاز لهم ذلك و الحال هذه.

على أن في أصل الإشكال خلطا بين جهتين مفرقتين في الإسلام، و هما جهتا التشريع و الولاية.

توضيح ذلك أن المدار في القضاء بالصلاح و الفساد في القوانين الموضوعة و السنن الجارية عند الباحثين اليوم هو الآثار و النتائج المرضية أو غير المرضية الحاصلة من جريانها في الجوامع و قبول الجوامع لها بفعليتها الموجودة و عدم قبولها، و ما أظن أنهم على غفلة من أن المجتمع ربما اشتمل على بعض سنن و عادات و عوارض لا تلائم الحكم المبحوث عنه و أنه يجب تجهيز المجتمع بما لا ينافي الحكم أو السنة المذكورة حتى يرى إلى ما يصير أمره؟ و ما ذا يبقى من الأثر خيرا أو شرا أو نفعا أو ضرا؟ إلا أنهم يعتبرون في القوانين الموضوعة ما يريده و يستدعيه المجتمع بحاضر إرادته و ظاهر فكرته كيفما كان، فما وافق إرادتهم و مستدعياتهم فهو القانون الصالح و ما خالف ذلك فهو القانون غير الصالح.

و لذلك لما رأوا المسلمين تائهين في أودية الغي فاسدين في معاشهم و معادهم نسبوا ما يشاهدونه منهم من الكذب و الخيانة و الخنا و هضم الحقوق و فشو البغي و فساد البيوت و اختلال الاجتماع إلى القوانين الدينية الدائرة بينهم زعما منهم أن السنة الإسلامية في جريانها بين الناس و تأثيرها أثرها كسائر السنن الاجتماعية التي تحمل على الناس عن إحساسات متراكمة بينهم، و يستنتجون من ذلك أن الإسلام هو المولد لهذه المفاسد الاجتماعية و منه ينشأ هذا البغي و الفساد و فيهم أبغى البغي و أخنى الخنا، و كل الصيد في جوف الفراء و لو كان دينا واقعيا و كانت القوانين الموضوعة فيه جيدة متضمنة لصلاح الناس و سعادتهم لأثرت فيهم الآثار المسعدة الجميلة، و لم ينقلب وبالا عليهم!.

و لكنهم خلطوا بين طبيعة الحكم الصالحة المصلحة، و بين طبيعة الناس الفاسدة المفسدة، و الإسلام مجموع معارف أصلية و أخلاقية و قوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء إذا أفسد بعض أجزائها أوجب ذلك فساد الجميع و انحرافها في التأثير كالأدوية و المعاجين المركبة التي تحتاج في تأثيرها الصحي إلى سلامة أجزائها و إلى محل معد مهيأ لورودها و عملها، و لو أفسد بعض أجزائها أو لم يعتبر في الإنسان المستعمل لها شرائط الاستعمال بطل عنها وصف التأثير، و ربما أثرت ما يضاد أثرها المترقب منها.

هب أن السنة الإسلامية لم تقو على إصلاح الناس و محق الذمائم و الرذائل العامة لضعف مبانيها التقنينية فما بال السنة الديمقراطية لا تنجع في بلادنا الشرقية أثرها في البلاد الأوربية؟ و ما بالنا كلما أمعنا في السير و الكدح بالغنا في الرجوع على أعقابنا القهقرى و لا يشك شاك أن الذمائم و الرذائل اليوم أشد تصلبا و تعرقا فينا و نحن مدنيون متنورون منها قبل نصف قرن و نحن همجيون، و ليس لنا حظ من العدل الاجتماعي و حياة الحقوق البشرية و المعارف العامة العالية و كل سعادة اجتماعية إلا أسماء نسميها و ألفاظا نسمعها.

فهل يمكن لمعتذر عن ذلك إلا بأن هذه السنن المرضية إنما لم تؤثر أثرها لأنكم لا تعملون بها، و لا تهتمون بإجرائها فما بال هذا العذر يجري فيها و ينجع و لا يجري في الإسلام و لا ينجع؟.
و هب أن الإسلام لوهن أساسها و العياذ بالله عجز عن التمكن في قلوب الناس و النفوذ الكامل في أعماق المجتمع فلم تدم حكومته و لم يقدر على حفظ حياته في المجتمع الإسلامي فلم يلبث دون أن عاد مهجورا فما بال السنة الديمقراطية و كانت سنة مرضية عالمية ارتحلت بعد الحرب العالمية الكبرى الأولى عن روسيا و انمحت آثارها و خلفتها السنة الشيوعية؟ و ما بالها انقلبت إلى السنة الشيوعية بعد الحرب العالمية الكبرى الثانية في ممالك الصين و لتوني و إستوني و ليتواني و رومانيا و المجر و يوغوسلاوي و غيرها، و هي تهدد سائر الممالك و قد نفذت فيها نفوذا؟.

و ما بال السنة الشيوعية بعد ما عمرت ما يقرب من أربعين سنة، و انبسطت و حكمت فيما يقرب من نصف المجتمع الإنساني و لم يزل دعاتها و أولياؤها يتباهون في فضيلتها أنها المشرعة الصافية الوحيدة التي لا يشوبها تحكم الاستبداد و لا استثمار الديمقراطية و أن البلاد التي تعرقت فيها هي الجنة الموعودة ثم لم يلبث هؤلاء الدعاة و الأولياء أنفسهم دون أن انتهضوا قبل سنتين على تقبيح حكومة قائدها الوحيد ستالين الذي كان يتولى إمامتها و قيادتها منذ ثلاثين سنة، و أوضحوا أن حكومته كانت حكومة تحكم و استبداد و استعباد في صورة الشيوعية، و لا محالة كان له التأثير العظيم في وضع القوانين الدائرة و إجرائها و سائر ما يتعلق بذلك فلم ينتش شيء من ذلك إلا عن إرادة مستبدة مستعبدة و حكومة فردية تحيي ألوفا و تميت ألوفا و تسعد أقواما و تشقي آخرين.

و الله يعلم من الذي يأتي بعد هؤلاء و يقضي عليهم بمثل ما قضوا به على من كان قبلهم.

و السنن و الآداب و الرسوم الدائرة في المجتمعات أعم من الصحيحة و الفاسدة ثم المرتحلة عنها لعوامل متفرقة أقواها خيانة أولياؤها و ضعف إرادة الأفراد المستنين بها كثيرة يعثر عليها من راجع كتب التواريخ.

فليت شعري ما الفارق بين الإسلام من حيث إنها سنة اجتماعية و بين هذه السنن المتقلبة المتبدلة حيث يقبل العذر فيها و لا يقبل في الإسلام؟ نعم كلمة الحق اليوم واقعة بين قدرة هائلة غربية و جهالة تقليد شرقية فلا سماء تظلها و لا أرض تقلها و على أي حال يجب أن يتنبه مما فصلناه أن تأثير سنة من السنن أثرها في الناس و عدمه و كذا بقاؤها بين الناس و ارتحالها لا يرتبط كل الارتباط بصحتها و فسادها حتى يستدل عليه بذلك بل لسائر العلل و الأسباب تأثير في ذلك فما من سنة من السنن الدائرة بين الناس في جميع الأطوار و العهود إلا و هي تنتج يوما و تعقم آخر و تقيم بين الناس برهة من الزمان و ترتحل عنهم في أخرى لعوامل مختلفة تعمل فيها، و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء.

و بالجملة القوانين الإسلامية و الأحكام التي فيها، تخالف بحسب المبنى و المشرب سائر القوانين الاجتماعية الدائرة بين الناس فإن القوانين الاجتماعية التي لهم تختلف باختلاف الأعصار و تتبدل بتبدل المصالح لكن القوانين الإسلامية لا تحتمل الاختلاف و التبدل من واجب أو حرام أو مستحب أو مكروه أو مباح غير أن الأفعال التي للفرد من المجتمع أن يفعلها أو يتركها و كل تصرف له أن يتصرف به أو يدعه فلوالي الأمر أن يأمر الناس بها أو ينهاهم عنها و يتصرف في ذلك كأن المجتمع فرد و الوالي نفسه المتفكرة المريدة.

فلو كان للإسلام وال أمكنه أن يمنع الناس عن هذه المظالم التي يرتكبونها باسم تعدد الزوجات و غير ذلك من غير أن يتغير الحكم الإلهي بإباحته، و إنما هو عزيمة إجرائية عامة لمصلحة نظير عزم الفرد الواحد على ترك تعدد الزوجات لمصلحة يراها لا لتغيير في الحكم بل لأنه حكم إباحي له أن يعزم على تركه.

____________________________

1- رسالة المستر جان ديون بورت الانجليزي في الاعتذار الى حضرة محمد والقرآن ترجمة الفاضل : السعيدي بالفارسية .
2- البحث العلمي من جزء الثاني , ص260.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .