أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/المعاد/الحساب والحشر وكيفيته/الإمام علي (عليه السلام)
القطان، عن ابن زكريا، عن ابن حبيب، عن
أحمد بن يعقوب بن مطر، عن محمد بن الحسن بن عبد العزيز، عن
طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد، عن أبي
معمر السعداني، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في جواب من ادعى التناقض بين
آيات القرآن فقال: وأجد الله يقول: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا
لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ:
38] وقال: واستنطقوا، فقالوا: " والله ربنا ما كنا
مشركين " وقال: " ويوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا " وقال: "
إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " وقال: " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد
" وقال: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا
أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " فمرة
يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، ومرة يخبر أن الخلق
ينطقون، ويقول عن مقالتهم: " والله ربنا ما كنا مشركين " ومرة يخبر أنهم يختصمون.
فأجاب عليه السلام بأن ذلك في مواطن غير
واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، يجمع الله عزوجل
الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضا،
ويستغفر بعضهم لبعض، اولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا من الرؤساء والاتباع،
ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار
الدنيا المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، والكفر في هذه
الآية: البراءة، يقول: فيتبرء بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان:
{إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] وقول إبراهيم خليل
الرحمن: " كفرنا بكم " يعني تبرأنا منكم، ثم يجتمعون في
مواطن آخر، فيستنطقون فيه، ويبكون فيه، فلو أن تلك
الاصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق من معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء
الله، فلا يزالون يبكون الدم، ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون:
" والله ربنا ما كنا مشركين " فيختم
الله تبارك وتعالى على أفواههم، ويستنطق الايدي والارجل
والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم، فيقولون لجلودهم:
" لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " ويجتمعون في موطن آخر
فيستنطقون، فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عز و جل: " يوم يفر المرء من أخيه وامه
وأبيه وصاحبته وبنيه " فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا،
فنقوم الرسل - صلى الله عليهم - فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله تعالى: " فكيف
إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا
" ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود،
فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على الملائكة
كلهم، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله، ثم يثني على الرسل
بما لم يثن عليهم أحد مثله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء
ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات وأهل الارض، وذلك قوله عزوجل: " عسى أن يبعثك
ربك مقاما محمودا " فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ونصيب، وويل لمن لم يكن
له في ذلك المقام حظ ولا نصيب، ثم يجتمعون في موطن آخر فيدان بعضهم من بعض، وهذا
كله قبل الحساب، فإذا اخذا في الحساب شغل كل إنسان بما لديه، نسأل الله بركة ذلك
اليوم، قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين. وساق الحديث إلى أن قال: فأما
قوله: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " وقوله: " لا تدركه الابصار
وهو يدرك الابصار " فإن ذلك في موضع ينتهي
فيه أولياء الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى
نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه، فتنضر وجوههم إشراقا، فيذهب عنهم كل قذى
ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه
يدخلون الجنة، فذلك قول الله عزوجل في تسليم الملائكة عليهم: " سلام عليكم طبتم
فادخلوها خالدين " فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة، والنظر إلى ما وعدهم ربهم، فذلك
قوله: " إلى ربها ناظرة " وإنما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى،
وأما قوله: " لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار " فهو كما قال لا تدركه الابصار
ولا تحيط به الاوهام، وهو يدرك الابصار يعني يحيط بها، الحديث.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 7 / صفحة [ 117 ]
تاريخ النشر : 2024-03-18