الصحيفة السجّادية/أدعية الصحيفة السجادية/السادس عشر : دعاؤه عليه السلام إذا استقال من ذنوبه أو تضرع في طلب الْعفوِ عن عيوبه
|
دعاؤه عليه السلام إذا استقال من ذنوبه أو تضرع في طلب العفو عن عيوبه تاريخ النشر : 2023-06-06
|
وكَانَ مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ إِذَا اسْتَقَالَ مِنْ ذُنُوبِهِ، أَوْ تَضَرَّعَ فِي طَلَبِ الْعَفْوِ
عَنْ عيُوبِهِ:
اللَّهُمَّ يَا مَنْ
بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغيثُ الْمُذْنِبُونَ ويَا مَنْ إِلَى ذِكْرِ
إِحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ ويَا مَنْ لِخِيفَتِهِ
يَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ يَا أُنْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِشٍ غَرِيبٍ، ويَا
فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئِيبٍ، ويَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُولٍ فَرِيدٍ، ويَا
عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاجٍ طَرِيدٍ أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ
رَحْمَةً وعِلْماً وأَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي
نِعَمِكَ سَهْماً وأَنْتَ الَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ
عِقَابِهِ وأَنْتَ الَّذِي تَسْعَى رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ.
وأَنْتَ الَّذِي عَطَاؤُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ. وأَنْتَ الَّذِي اتَّسَعَ
الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ. وأَنْتَ الَّذِي لَا يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ
مَنْ أَعْطَاهُ. وأَنْتَ الَّذِي لَا يُفْرِطُ فِي عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ. وأَنَا،
يَا إِلَهِي، عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ لَبَّيْكَ
وسَعْدَيْكَ، هَا أَنَا ذَا، يَا رَبِّ، مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ. أَنَا الَّذِي
أَوْقَرَتِ الْخَطَايَا ظَهْرَهُ، وأَنَا الَّذِي أَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمُرَهُ،
وأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ، ولَمْ تَكُنْ أَهْلًا مِنْهُ لِذَاكَ. هَلْ
أَنْتَ، يَا إِلَهِي، رَاحِمٌ مَنْ دَعَاكَ فَأُبْلِغَ فِي الدُّعَاءِ أَمْ أَنْتَ
غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فَأُسْرِعَ فِي الْبُكَاءِ أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ
عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ تَذَلُّلًا أَمْ أَنْتَ مُغْنٍ مَنْ شَكَا
إِلَيْكَ، فَقْرَهُ تَوَكُّلًا إِلَهِي لَا تُخَيِّبْ مَنْ لَا يَجِدُ مُعْطِياً
غَيْرَكَ، ولَا تَخْذُلْ مَنْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَدٍ دُونَكَ.
إِلَهِي فَصَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، ولَا تُعْرِضْ عَنِّي وقَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ، ولَا
تَحْرِمْنِي وقَدْ رَغِبْتُ إِلَيْكَ، ولَا تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ وقَدِ
انْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ. أَنْتَ الَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ،
فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وارْحَمْنِي، وأَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ
بِالْعَفْوِ فَاعْفُ عَنِّي قَدْ تَرَى يَا إِلَهِي، فَيْضَ دَمْعِي مِنْ
خِيفَتِكَ، ووَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وانْتِقَاضَ جَوَارِحِي مِنْ
هَيْبَتِكَ كُلُّ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْكَ لِسُوءِ عَمَلِي، ولِذَاكَ خَمَدَ
صَوْتِي عَنِ الْجَأْرِ إِلَيْكَ، وكَلَّ لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ.
يَا إِلَهِي فَلَكَ
الْحَمْدُ فَكَمْ مِنْ عَائِبَةٍ سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَمْ تَفْضَحْنِي، وكَمْ
مِنْ ذَنْبٍ غَطَّيْتَهُ عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي، وكَمْ مِنْ شَائِبَةٍ
أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا، ولَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ
شَنَارِهَا، ولَمْ تُبْدِ سَوْءَاتِهَا لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَايِبِي مِنْ
جِيرَتِي، وحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي ذَلِكَ
عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إِلَى سُوءِ مَا عَهِدْتَ مِنِّي فَمَنْ أَجْهَلُ
مِنِّي، يَا إِلَهِي بِرُشْدِهِ ومَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ ومَنْ
أَبْعَدُ مِنِّي مِنِ اسْتِصْلَاحِ نَفْسِهِ حِينَ أُنْفِقُ مَا أَجْرَيْتَ عَلَيَّ
مِنْ رِزْقِكَ فِيمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ ومَنْ أَبْعَدُ
غَوْراً فِي الْبَاطِلِ، وأَشَدُّ إِقْدَاماً عَلَى السُّوءِ مِنِّي حِينَ أَقِفُ
بَيْنَ دَعْوَتِكَ ودَعْوَةِ الشَّيْطَانِ فَأَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ عَلَى غَيْرِ
عَمًى مِنِّي فِي مَعْرِفَةٍ بِهِ ولَا نِسْيَانٍ مِنْ حِفْظِي لَهُ وأَنَا
حِينَئِذٍ مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَى دَعْوَتِكَ إِلَى الْجَنَّةِ، ومُنْتَهَى
دَعْوَتِهِ إِلَي النَّارِ.
سُبْحَانَكَ مَا
أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِي، وأُعَدِّدُهُ مِنْ مَكْتُومِ أَمْرِي.
وأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَاتُكَ عَنِّي، وإِبْطَاؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي، ولَيْسَ
ذَلِكَ مِنْ كَرَمِي عَلَيْكَ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ لِي، وتَفَضُّلًا مِنْكَ
عَلَيَّ لِأَنْ أَرْتَدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ، وأُقْلِعَ عَنْ
سَيِّئَاتِيَ الْمُخْلِقَةِ، ولِأَنَّ عَفْوَكَ عَنِّي أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ
عُقُوبَتِي بَلْ أَنَا، يَا إِلَهِي، أَكْثَرُ ذُنُوباً، وأَقْبَحُ
آثَاراً، وأَشْنَعُ أَفْعَالًا، وأَشَدُّ فِي الْبَاطِلِ تَهَوُّراً، وأَضْعَفُ
عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً، وأَقَلُّ لِوَعِيدِكَ انْتِبَاهاً وارْتِقَاباً مِنْ
أَنْ أُحْصِيَ لَكَ عُيُوبِي، أَوْ أَقْدِرَ عَلَى ذِكْرِ ذُنُوبِي. وإِنَّمَا
أُوَبِّخُ بِهَذَا نَفْسِي طَمَعاً فِي رَأْفَتِكَ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ أَمْرِ
الْمُذْنِبِينَ، ورَجَاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ
الْخَاطِئِينَ.
اللَّهُمَّ وهَذِهِ
رَقَبَتِي قَدْ أَرَقَّتْهَا الذُّنُوبُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ،
وأَعْتِقْهَا بِعَفْوِكَ، وهَذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَا، فَصَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ يَا إِلَهِي لَوْ
بَكَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ، وانْتَحَبْتُ حَتَّى
يَنْقَطِعَ صَوْتِي، وقُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ، ورَكَعْتُ لَكَ
حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي، وسَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ،
وأَكَلْتُ تُرَابَ الْأَرْضِ طُولَ عُمُرِي، وشَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ
دَهْرِي، وذَكَرْتُكَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي، ثُمَّ لَمْ
أَرْفَعْ طَرْفِي إِلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ مَا اسْتَوْجَبْتُ
بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَيِّئَاتِي. وإِنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لِي
حِينَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ، وتَعْفُو عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ
فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِي بِاسْتِحْقَاقٍ، ولَا أَنَا أَهْلٌ لَهُ
بِاسْتِيجَابٍ، إِذْ كَانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ النَّارَ،
فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِي. إِلَهِي فَإِذْ قَدْ
تَغَمَّدْتَنِي بِسِتْرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْنِي، وتَأَنَّيْتَنِي بِكَرَمِكَ فَلَمْ
تُعَاجِلْنِي، وحَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَمْ تُغَيِّرْ نِعْمَتَكَ
عَلَيَّ، ولَمْ تُكَدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي، فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِي
وشِدَّةَ مَسْكَنَتِي، وسُوءَ مَوْقِفِي.
اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وقِنِي مِنَ الْمَعَاصِي، واسْتَعْمِلْنِي بِالطَّاعَةِ،
وارْزُقْنِي حُسْنَ الْإِنَابَةِ، وطَهِّرْنِي بِالتَّوْبَةِ، وأَيِّدْنِي
بِالْعِصْمَةِ، واسْتَصْلِحْنِي بِالْعَافِيَةِ، وأَذِقْنِي حَلَاوَةَ
الْمَغْفِرَةِ، واجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْوِكَ، وعَتِيقَ رَحْمَتِكَ، واكْتُبْ لِي
أَمَاناً مِنْ سُخْطِكَ، وبَشِّرْنِي بِذَلِكَ فِي الْعَاجِلِ دُونَ الْآجِلِ،
بُشْرَى أَعْرِفُهَا، وعَرِّفْنِي فِيهِ عَلَامَةً أَتَبَيَّنُهَا. إِنَّ ذَلِكَ
لَا يَضِيقُ عَلَيْكَ فِي وُسْعِكَ، ولَا يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ، ولَا
يَتَصَعَّدُكَ فِي أَنَاتِكَ، ولَا يَئُودُكَ فِي جَزِيلِ هِبَاتِكَ الَّتِي
دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ، إِنَّكَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ، وتَحْكُمُ مَا
تُرِيدُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وصلّى الله على محمّد وآله
المطهّرين.