أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري
قوله عز وجل: " وقلنا
يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا " حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا
بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب
عليه إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا " فإما يأتينكم مني هدى فمن
تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون " قال الإمام عليه السلام: وإن الله عزوجل لما لعن إبليس
بإبائه وأكرم الملائكة لسجودها لآدم وطاعتهم لله عزوجل أمر بآدم وحواء إلى الجنة
وقال: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا من الجنة رغدا " واسعا " حيث شئتما بلا
تعب، ولا تقربا هذه الشجرة، شجرة العلم، شجرة علم محمد وآل محمد، آثرهم الله تعالى
به دون سائر خلقه، فقال الله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " شجرة العلم فإنها
لمحمد وآله خاصة دون غيرهم، لا يتناول منها بأمر الله إلا هم ومنها ما كان يتناوله
النبي صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين
بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب،
وهي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة، إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا
" من الثمار والمأكول، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب
وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون بذكر الشجرة فقال بعضهم:
هي برة، وقال آخرون: هي عنبة، وقال آخرون: هي تينة وقال آخرون: هي عنابة،
وقال الله: " ولا تقربا هذه الشجرة " تلتمسان بذلك درجة محمد وآل محمد في فضلهم،
فإن الله عزوجل خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم، وهي الشجرة التي من تناول منها بإذن
الله الهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم، ومن تناول منها بغير إذن الله خاب
من مراده وعصى ربه " فتكونا من الظالمين " بمعصيتكما والتماسكما درجة قد
اوثر بها غيركما إذا رمتما بغير حكم الله، قال
الله تعالى: " فأزلهما الشيطان عنها " عن الجنة
بوسوسته وخديعته وإيهامه وغروره بأن بدأ بآدم فقال: " ما نهكما ربكما عن هذه
الشجرة إلا أن تكونا ملكين " إن تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر
عليه من خصه الله تعالى بالقدرة " أو تكونا من الخالدين " لا تموتان أبدا
" " وقاسمهما " حلف لهما " إني لكما
لمن الناصحين " وكان إبليس بين لحيي الحية أدخلته
الجنة، وكان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه، ولم يعلم أن إبليس قد اختبأ بين
لحييها، فرد آدم على الحية: أيتها الحية هذا من غرور إبليس كيف يخوننا ربنا ؟ أم كيف
تعظمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين
؟ أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي وأتعاطاه بغير حكمة ؟ فلما أيس
إبليس من قبول آدم منه عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية
هي التي تخاطبها وقال: يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عزوجل حرمها عليكما
قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له وتوقيركما إياه ؟ وذلك أن الملائكة
الموكلين بالشجرة التي معها الحراب يدفعون عنها سائر
حيوانات الجنة لا يدفعونكما عنها إن رمتما
فاعلما بذلك أنه قد أحل لك، وابشري بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة
عليه، الآمرة الناهية فوقه. فقالت حواء: سوف اجرب هذا، فرامت الشجرة فأرادت الملائكة
أن يدفعوها عنها بحرابها فأوحى الله إليها: إنما تدفعون بحرابكم مالا عقل له يزجر،
وأماما جعلته ممكنا " مميزا " مختارا " فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجة عليه
فإن أطاع استحق ثوابي، وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي وجزائي، فتركوها ولم يتعرضوا
لها بعد ما هموا بمنعها بحرابهم، فظنت أن الله نهاهم عن منعها لأنه قد أحلها
بعد ما حرمها، فقالت: صدقت الحية، وظنت أن المخاطب لها هي الحية، فتناولت منها
ولم تنكر من نفسها شيئا "، فقالت لآدم: ألم تعلم أن الشجرة المحرمة علينا قد ابيحت
لنا ؟ تناولت منها ولم تمنعي أملاكها، ولم أنكر شيئا " من حالي، فلذلك اغتر
آدم وغلط فتناول فأصابهما ما قال الله تعالى في كتابه: " فأزلهما الشيطان عنها
" بوسوسته وغروره " فأخرجهما مما كانا فيه " من النعيم. " وقلنا
" يا آدم ويا حواء ويا أيها الحية ويا إبليس
" اهبطوا بعضكم لبعض عدو " آدم وحواء وولدهما عدو للحية
وإبليس، والحية وأولادهما أعداؤكم " ولكم في الأرض مستقر " منزل ومقر للمعاش "
ومتاع " منفعة " إلى حين " الموت، قال الله تعالى: " فتلقى آدم
من ربه كلمات " يقولها فقالها " فتاب " الله
" عليه " بها " إنه هو التواب الرحيم " التواب القابل التوبات
، الرحيم بالتائبين " قلنا اهبطوا منها جميعا " " كان أمر في الأول
أن يهبطا، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا
" لا يتقدم أحدهم الآخر، والهبوط إنما هو هبوط
آدم وحواء من الجنة، وهبوط الحية أيضا " منها فإنها كانت من أحسن دوابها، وهبوط
إبليس من حواليها فإنه كان محرما " عليه دخول الجنة " فإما يأتينكم مني هدى
" يأتيكم وأولادكم من بعدكم مني هدى يا آدم
ويا إبليس " فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " لا
خوف عليهم حين يخاف المخالفون، ولا يحزنون إذا يحزنون،
قال: فلما زالت من آدم الخطيئة اعتذر إلى ربه عزوجل وقال: رب تب علي، واقبل معذرتي،
وأعدني إلى مرتبتي، وارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة وذلها في أعضائي
وسائر بدني، قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك أن تدعوني بمحمد وآله الطيبين
عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل تبهظك ؟ قال آدم: يا رب بلى، قال
الله عزو جل فبهم وبمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصا
" فادعني اجبك إلى ملتمسك، وأزدك فوق مرادك، فقال آدم: يا رب يا إلهي وقد بلغ عندك
من محلهم أنك بالتوسل إليك بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وأنا الذي أسجدت له ملائكتك،
وأبحته جنتك، وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرام ملائكتك، قال الله تعالى: يا آدم
إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود لك إذ كنت وعاء لهذه الانوار، ولو كنت سألتني
بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها وأن افطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها لكنت
قد جعلت لك، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي، فالآن فادعني بهم لأجيبك،
فعند ذلك قال آدم: " اللهم بجاه محمد وآله الطيبين، بجاه محمد وعلي وفاطمة
والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضلت بقبول توبتي وغفران زلتي وإعادتي من كرامتك
إلى مرتبتي " قال الله عزوجل: قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت
آلائي ونعمائي إليك، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي، ووفرت نصيبك من رحماتي، فذلك
قوله عزوجل: " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم "
ثم قال الله تعالى للذين أهبطهم من آدم وحواء
وإبليس والحية " ولكم في الأرض مستقر " مقام
فيها تعيشون، وتحثكم لياليها وأيامها إلى السعي للآخرة، فطوبى لمن
يروضها لدار البقاء " ومتاع إلى حين " لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم،
لأن الله تعالى منها يخرج زروعكم وثماركم وبها
ينزهكم وينعمكم، وفيها أيض " ا بالبلايا يمتحنكم،
يلذذكم بنعيم الدنيا تارة لتذكروا نعيم الاخرى الخالص مما ينغص نعيم الدنيا
ويبطله ويزهد فيه ويصغره ويحقره، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها
الرحمات، وفي تضاعيفها النعم التي تدفع عن المبتلى بها مكاره ليحذركم بذلك عذاب الأبد
الذي لا يشوبه عافية، ولا يقع في تضاعفيه راحة ولا رحمة " وقلنا
اهبطوا " قد فسر، ثم قال الله عزوجل: " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا
" الدالات على صدق محمد على ما جاء به من
أخبار القرون السالفة وعلى ما أداه إلى عباد
الله من ذكر تفضيله لعلي عليه السلام وآله الطيبين خير الفاضلين والفاضلات بعد محمد
سيد البريات " اولئك " الدافعون لصدق محمد في أنبائه والمكذبون له في تصديقه لأوليائه
علي سيد الأوصياء والمنتجبين من ذريته الطيبين الطاهرين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 11 / صفحة [ 189 ]
تاريخ النشر : 2024-07-28