الحرب النفسية في الحرب العالمية الأولى
المؤلف:
الدكتور بطرس خالد
المصدر:
الإعلام والحرب النفسية
الجزء والصفحة:
ص 32- 36
2025-11-26
40
الحرب النفسية في الحرب العالمية الأولى:
شهدت الحرب العالمية الأولى تحولاً جذرياً في وسائل العمليات النفسية، فبعدما كان استخدامها عرضياً أصبح فناً وعلماً قائماً بذاته، حتى أن البعض قد ذهب إلى القول بأن كسب الحرب العالمية الأولى يعود الفضل فيه للعمليات النفسية، ومهما يكن من مغالاة في هذا القول فإن العمليات النفسية كانت سلاحاً بين الأسلحة الحاسمة في حرب (1914 - 1918م). وقد لعبت سياسة الحلفاء الملطفة ونقاط ويلسون الأربع عشرة، وطابع الإهمال الذي اتصف به القيصر غيلوم، ثم انبعاث القوميات البولندية والفنلندية والتشيكية دوراً حقيقياً في استسلام ألمانيا عام (1918م). وقد لعبت الحرب النفسية دوراً كبيراً في هذه الحرب لأن الدول المشتركة فيها ركزت على وسائل الاتصال الجماهيري وجعلته جزءاً من حياتها المدنية، فقد كان للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى وكالتان مسؤولتان عن الدعاية، الوكالة المدنية للمعلومات والتي عرفت باسم "لجنة كريل"، ثم الوكالة العسكرية التي لها قسم للدعاية أو العمليات النفسية في هيئة العمليات (G2D) بمركز رئاسة الحملة الأمريكية تحت قيادة النقيب "هيبر بلانكتهورن".
لجنة كريل
لقد كان للجنة "كريل" حظاً طيباً في فوزها برئيسها (جورج كريل) الذي كان يتمتع بثقة الرئيس الأمريكي، وقد مكنه موقعه في الإدارة من المشاركة في السياسة القومية وتنسيق نشاطات دعايته مع الوكالات الحكومية الأخرى، لقد أنشأ "كريل" دائرة جديدة في واشنطن كانت مهمتها توفير المواد لاستهلاك الصحافة المحلية، ومعالجة مواد الدعاية للبعثات الدعائية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا التي تنشر الرأي العام الأمريكي عن الحرب وغطت لجنة "كريل" كل مراحل أعمال الدعاية فقد كان لكل قسم فيها مجال مسؤوليته الذي كان يتضمن الإعلان والأفلام، والصحافة باللغات الأجنبية والمنظمات النسائية ومكاتب استعلامات .. الخ.
وأعدت "لجنة كريل" متحدثين متطوعين يتحدثون في كل المجتمعات الأمريكية، وظهرت لافتات كُتِبَ عليها بالإنجليزية ما معناه أن المتحدث لا يتكلم غير أربع دقائق وأعدت أفلاماً للدعاية عرضت على كل أنحاء العالم، وجاء وقت هدد "كريل" شركات العرض السويسرية بمقاطعتها ما لم تعرض أفلام الدعاية الأمريكية كما أُرسل مبعوث الحرب النفسية إلى فرنسا
وإنجلترا وإيطاليا وهولندا واسبانيا والمكسيك وغيرها من بلاد أمريكا اللاتينية وكذلك الصين وروسيا، أما في مسرح العمليات فقد ركزت الحرب النفسية العسكرية الأمريكية على إنتاج المنشورات إذ إن أجهزة الراديو لم تكن موجودة كوسيلة اتصال جماهيري ومكبرات الصوت ما زالت بدائية، وركزت كذلك منشورات الدعاية الأمريكية على خفض الروح المعنوية للعدو، من خلال استخدام المبادئ القطرية، وقد نجح هذا الأسلوب في استسلام عدد كبير من قوات العدو خاصة بعد استخدام أساليب توزيع المنشورات البريطانية والفرنسية وتحسينها باستخدام البالونات والطائرات كوسائل أساسية في التوزيع.
ألمانيا في الحرب العالمية الأولى:
أما ألمانيا فلم ينجح الألمان في دعايتهم في الحرب العالمية الأولى ولاسيما في الجبهة الداخلية، ومع هذا فقد استفادت ألمانيا الهتلرية من هذا الدرس إذ وصلت النازية إلى السلطة عن طريق استمالة الرجل العادي وطبق "هتلر" هذا التكتيك في الميدان الدولي بادئاً بتملق الجماهير في كل مكان، وقام بالعروض التي تدل على القوة ثم انتهي إلى الوحشية الباردة التي لا يهمها ما يحدث في سبيل تحقيق أهدافها.
بريطانيا في الحرب العالمية الأولى:
أنشأت وزارة الخارجية البريطانية مكتباً للدعاية عام 1914، ولكن الجزء الأكبر من الجهد كان يتم بواسطة المؤسسات الخاصة، ونتيجة للصعاب التنظيمية التي قابلها الإنجليز أصبح لديهم في نهاية الحرب وكالتان منفصلتان: الأولى تتكون من "وزارة الاستعلامات" تحت رئاسة (الورد بيفربوك) ومعها "إدارة المخابرات" تحت رئاسة (الكولونيل بوكان) للقيام بأعمال الدعاية خارج بريطانيا، أما الوكالة الأخيرة فهي "اللجنة القومية لأغراض الحرب" وتقوم بأعمال العمليات النفسية داخل بريطانيا.
غايات الدعاية البريطانية:
كانت الدعاية البريطانية نشطة منذ بدء الحرب عام 1914،
بحيث كانت تهدف لتحقيق غايتان هما:
1. أن تقنع أبناء البلاد في الداخل بعدالة قضيتهم في الحرب من خلال:
- أن الاعتداء الألماني على بلجيكا لم يكن إلا اعتداء القوي على الجار الضعيف.
- نشر الروايات المتعلقة بقسوة الألمان و وحشيتهم وإشاعتها في بريطانيا.
- إعلان الألمان عدم اعترافهم بأي قواعد قانونية حربية واستعمالهم للغازات السامة في الحرب.
2. إقناع الدول الصديقة والمحايدة بأن النصر سوف يكون حليفها، وكان ذلك بتحويل الرأي العام الأمريكي بشكل خاص، حيث كانت الدعاية مركزة عليه، لأنه كان الأمل في المستقبل للانتصار على الألمان، وفي هذه النقطة اتبعت الدعاية الإنجليزية الحذر والحكمة والطرق العلمية المنظمة لمحو الشكوك التي ساورت الأمريكيين عن موقف الحلفاء، مع العلم أن كثيراً من الأمريكيين ناصروا الألمان في بداية الأمر واعتبروا أنه لا حق لبريطانيا في محاصرة الموانئ الألمانية لأن في ذلك مخالفة لحرية البحار، وهكذا أعد الخبراء الدراسات الخاصة بالصحافة الأمريكية دون إزعاج للقارئ الأمريكي العادي، بحيث تجنبوا المغالاة وأظهروا الحقائق عن أعمال الألمان دون تدخل ظاهر ودون القيام بمحاولات عنيفة لكسب الرأي العام الأمريكي.
الثورة البلشفية:
جاءت الثورة البلشفية في السنة الرابعة للحرب، واستندت هذه الثورة إلى الحرب النفسية، ثم استمرت الدعاية السلاح الرئيسي الفعال في أيام البولشفيك، ثم عند التحول إلى الشيوعية، وقد استخدمت الدعاية البولشيفية الوسائل التالية:
- تنظيمات الحزب الشيوعي.
- اتحادات العمال.
- المنظمات السرية.
- البعثات التجارية والقنصلية.
- النشرات التي ترسل بالبريد.
- الملصقات والكتب والصحف.
- الأفلام والراديو.
والواقع أن ما حققته الشيوعية في ميدان الحرب النفسية كان يعتبر دائماً جزءاً خاصاً من تطبيقات الماركسية، ولم ينظر إليه على أنه فن يمكن أن تتعلمه أو تستخدمه أية شعوب لا تدين بالشيوعية، وكذلك اعتبر الاكتساح التاريخي الذي قامت به الجيوش الصينية الوطنية بين عام 1922 - 1927 مسألة صينية بحتة، وأغفلت الدروس التي كان من الممكن تعلمها من الحرب النفسية التي قام بها الشيوعيون الصينيون.
الاكثر قراءة في الدعاية والحرب النفسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة