الحرب النفسية عند روما
المؤلف:
الدكتور بطرس خالد
المصدر:
الإعلام والحرب النفسية
الجزء والصفحة:
ص 26- 28
2025-11-26
30
الحرب النفسية عند روما:
1. في أوروبا القديمة كانت روما تفتقر إلى المصادر الأسطورية التي أتيحت لرجال الدعاية الإغريق، فقامت لذلك باختلاق أساطير خاصة بها حتى تتيح لمواطنيها الأمثلة التي يحاكونها، ومن المؤكد أن الرومان كانوا مبدعين لا نظير لهم للدعاية الأسطورية.
وتقول الأسطورة أن مؤسسي روما كانا الشقيقين "رومولوس وريموس"، الذين أنجبتهما عذراء قتلت غيلة، فأصبحا يتيمين ورعتهما وأرضعتهما ذئبة، وهذه الأسطورة دعمت كبرياء الرومان بأصولهم المتواضعة، وكان هذا نافعاً بشكل خاص في ذروة القوة الرومانية لتأكيد مدى الارتفاع الذي حققوه، غير أن قصة صعودهم كانت قصة عنيفة.
2. كان أداء الخدمة العسكرية (فيما كان يمكن أن يصل إلى عشر حملات عسكرية سنوياً) من المؤهلات الأساسية للحصول على منصب سياسي على مدى تاريخ الجمهورية الرومانية.
3. لقد كان إله روما الرئيسي هو مارس ( Mars ) إله الحرب (بالطبع) وقد استخدم الدين وبشكل يفوق كثيراً ما حدث في اليونان، استخداماً نفعياً بوصفه أداة للسيطرة الاجتماعية.
4. كان أحد الأهداف المهمة للحرب النفسية لتوسع روما الإمبراطوري هو بالتحديد القول بأن الحق كان دائماً إلى جانب روما، وكان المعتاد أن يتولى الشعب حث الشيوخ – بعدوانية شديدة – على خوض القتال، وكان الرومان ينتصرون - في العادة، وكان مبرر النصر دائماً هو كون القضية الرومانية هي الحق، حيث يولد النصر شعوراً هائلاً بالكبرياء، وإضافة إلى الوطنية كان ثمة شعور بالعدل الفطري والزهو بالإنجاز التاريخي.
5. وصف "بوليبيوس" قتل المدنيين واغتصابهم - دون تمييز - في مدينة قرطاجة الجديدة في اسبانيا على أيدي قوات "سيبيو" الأفريقي خلال الحرب اليونانية الثانية (202-219 ق.م) قائلاً (إن الهدف من هذه العادة فيما أرى هو بث الرعب في القلوب) وهذا هو ما كان، فلقد شجع القادة الرومان وأيدوا ما اشتهرت به القوات الرومانية من شراسة ووحشية، بوصفها حرب نفسية لإخافة الخصوم الآخرين، ولعل هذا هو ما جعل "سيبيو ايميليانوس" خلال الحرب الثالثة (149-146 ق.م) يأمر بقطع أيدي 400 متمرد في اسبانيا (على رغم أنه يقال أن هذا الرجل نفسه قد بكي حينما رأى قرطاجة وقد دمرت تماماً في نهاية الحرب).
6. لم يحدث أبداً أن صور المؤرخون الرومان، روما في صورة المعتدي، فعندهم روما دائما تقوم بالدفاع عن مصالحها وتقهر الشعوب الأجنبية لكي تنقذها من أنفسها، وكانت وقبل أن يشن أي هجوم ترسل المبعوثين في محاولة متباهية لحل النزاع في مصلحة روما بوسائل أخرى غير الحرب، وكانت روما لا تعلن الحرب على أعدائها إلا إذا رفضت مثل تلك المحاولة، إنها تعلن الحرب بذرائع عادلة تحت مسمى إنقاذ السلام.
7. توضح المصادر الرومانية أن مفتاح النجاح الحربي الروماني يكمن في تدريب الجيوش وتنظيمها وكثيراً ما منحت هذه الحقيقة - بخاصة - للجيوش الرومانية ميزة نفسية على خصومها، فبعد أن رسخت روما شهرتها بأنها قوة لا تقهر - على رغم بعض النكسات كتلك التي انزلها "هانيبال" بروما في معارك بحيرة "تراسمين" أصبحت روما قادرة على أن تعتمد على شهرتها بقدرتها على أن تخسر بعض المعارك أحياناً وكسب الحرب على الدوام، وكان وجود شبكة المواصلات الرومانية من الطرق البرية والبحرية والاهتمام التفصيلي بوسائل النقل والمؤن اللازمة للقوات، في حد ذاته سبباً في ردع أشد المعتدين عزماً، وكان الانضباط والمعنويات العالية للجيش عنصرين أساسيين فيما يتعلق بأسلوب شن الرومان للحرب النفسية إلى جانب حروبهم كلها.
8. كان قيصر مؤمناً متشدداً بالانضباط، فعاقب - بقسوة - الهاربين من الخدمة والمتمردين ولم ينس أبداً الدور الذي تلعبه الأموال والغنائم في دفع الجنود إلى القتال، وكان واحداً من أوائل القادة والمسؤولين الرومان الذين طبعوا صورهم على قطع النقود أثناء حياتهم، بدلاً من طبعها بعد الموت، وكانت النقود المعدنية وسيطاً مهماً من وسائط حمل الدعاية الرومانية ووسيلة ثمينة لنشر صور مرئية للانتصارات الرومانية في كل أنحاء الإمبراطورية.
الاكثر قراءة في الدعاية والحرب النفسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة