1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاسلامي :

شعراء ثورة ابن الأشعث

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:330-336

15-8-2021

2694

 

شعراء ثورة ابن الأشعث

مر بنا في حديثنا عن الكوفة أن أشرافها كانوا يضطغنون على بني أمية منذ قوضوا دولتها، واتخذوا دمشق حاضرة للخلافة، بل لقد كان العراقيون جميعا يشعرون بهذا الضغن والحقد، سواء منهم الكوفيون وغير الكوفيين، فإنهم فقدوا السيادة، وأصبحوا خاضعين لعرب الشام، ولم يعد لهم من الأمر شئ.

وسلط عليهم الأمويون ولاة يعنفون بهم عنفا شديدا، وكان ذلك يزيد في حقدهم وألمهم، فتعلقوا بكل ثائر على الأمويين. وسرعان ما كانت جيوش أهل الشام تغلب عليهم، فيخضعون على مضض، ويمضون منتظرين للحوادث.

ويتولي؟ ؟ ؟ يأخذهم بسياسة قاسية لا رحمة فيها ولا شفقة، ويحس كثير منهم، وخاصة أشرافهم أنه يستذلهم، فيأنفون لأنفسهم أنفة شديدة،

330

ويودون لو استطاعوا نقض هذا الضيم والخلوص من هذا الذل. وكان ممن تجسدت فيه هذه المشاعر من أشراف الكوفة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي يرجع في نسبه الى ملوك كندة الأقدمين، وكان من أشد العرب إحساسا بشرفه وإعجابا بنفسه وتيها وخيلاء. وواتته الفرصة كي يقود هذه الثورة التي كانت تغلوبها نفوس الأشراف في الكوفة، ذلك أن عبيد الله بن أبي بكرة عامل سجستان أخفق في حملة قادها الى زنبيل ملك الترك، إذ استدرجه الى داخل بلاده ثم أطبق عليه فنكل بجيشه حتي يقال إنه مات كمدا.

وفكر الحجاج في قائد محنك يوليه سجستان، ويقود الحرب فيها، وهداه تفكيره الى عبد الرحمن، وكان في كرمان، فأمده بجيش عظيم كان يسمي «جيش الطواويس، لتمام أهبته وعدته. والتقي بجيوش الترك وانتصر عليها انتصارات عظيمة ملأت يده بالغنائم، غير أنه رأي-خشية على جيشه-أن لا يتوغل وراء الترك، حتي لا يصنعوا به ما صنعوه بابن أبي بكرة. ولم يكد يعرف الحجاج ذلك حتي كتب إليه يتهمه بالخور والضعف، وهدده إن لم يمض في القتال بعزله. فثار عبد الرحمن لكرامته، وجمع قادة الجيش، وحدثهم بكتب الحجاج وكانوا مثله ينطوون على بغضه، ويتمنون لو عادوا الى أهليهم، فأظهروا الثورة عليه، وقالوا إنه لا يبالي بموتنا، ويريد أن يعرضنا للخطر، حتي نسوق له ولخليفته الغنائم. ولم يلبثوا أن بايعوا عبد الرحمن، وصمموا على حرب الحجاج حتي يخرج من العراق.

ووادع عبد الرحمن ملك الترك وعاهده أنه إن ظفر بالحجاج لم يسأله خراجا أبدا، وإن هزمه الحجاج لجأ وأصحابه إليه، فمنعهم. واتجه بجيشه الى العراق، وانضم إليه في طريقه كثير من جند الكوفة والبصرة المقيمين بحاميات الأمصار، ولما صار في فارس خلع عبد الملك بن مروان وخلعه جنده، وبايعوه على كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، وأقبل الجيش «مثل السيل المنحط من عل، ليس يرده شئ حتي ينتهي الى قراره» وأعشي همدان وأبو جلدة اليشكري في مقدمته يثيران الناس ويحمسانهم للقاء الحجاج ومن يستعين بهم من عرب الشام، الذين نزلوا منازلهم وحلوا دورهم بينما أخرجوا منها

 

331

للحرب والموت في سجستان وخراسان على نحو ما نري في قول أبي جلدة (1):

أيا لهفي ويا حزني جميعا … ويا غم الفؤاد لما لقينا

تركنا الدين والدنيا جميعا … وخلينا الحلائل والبنينا (2)

فما كنا أناسا أهل دين … فنصبر للبلاء إذا بلينا

ولا كنا أناسا أهل دنيا … فنمنعها وإن لم نرج دينا

تركنا دورنا لطغام عك … وأنباط القري والأشعرينا (3)

وتقدم الحجاج بجيشه، فالتقي بجيش ابن الأشعث على نهر دجيل في ذي الحجة سنة 81 وانتصر ابن الأشعث وتقدم بجنوده، فاستولي على البصرة، ومضي الحجاج فنزل بجيشه في ضاحية من ضواحيها تسمي الزاوية، وحدثت فيها بين الطرفين معركة عنيفة كان فيها أبو جلدة يحرض على قتال الحجاج بمثل قوله (4):

نحن جلبنا الخيل من زرنجا … مالك يا حجاج منا منجي (5)

لتبعجن بالسيوف بعجا … أو لتفرن فذاك أحجي (6)

وما زال أبو جلدة يحمس الجنود ويبث الغيرة فيهم لنسائهم، حتي شدوا على عسكر الحجاج شدة ضعضعته، وثبت الحجاج وصاح بأهل الشام، فتراجعوا وثبتوا، وكانت الدائرة له. وانسحب ابن الأشعث بمن معه الى الكوفة وهناك حدثت بينه وبين الحجاج موقعة دير الجماجم، وفيها هزم هزيمة ساحقة.

ولم يلبث أن جمع للحجاج جموعا جديدة، والتقي به في «مسكن» فحالفته الهزيمة، فولي وجهه نحو المشرق الى أن وصل الى سجستان، فالتجأ الى زنبيل، وبعد محاولات منه لرجع سلطانه أسلمه الزنبيل لجيوش الحجاج، وقطعت رأسه، وقيل بل مات انتحارا. ويلقانا بجانب أبي جلدة شعراء كثيرون لجوا في هذه الثورة لعل أهمهم أعشي همدان، وهو بحق يعد شاعر هذه الثورة.

332

 

أعشى (7) همدان

هو عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني القحطاني، نشأ في الكوفة، وعني في أول نشأته بالفقه وقراءة القرآن؟ ؟ ؟ فقيه الكوفة المشهور يصهر إليه، فيتزوج أخته ويزوجه أخته.؟ ؟ ؟ وتيقت؟ ؟ ؟ فيه موهبة الشعر فترك القرآن ورواية الحديث النبوي، وأقبل عليه، وآخي أحمد النصبي مغني بلده، فكان إذا قال شعرا غني له فيه. وأول ما بين أيدينا من أشعاره يتصل بمديح النعمان بن بشير الأنصاري الذي ولي على الكوفة سنة تسع وخمسين، وفيه يقول:

متي أكفر النعمان لم ألف شاكرا … وما خير من لا يقتدي بشكور

وله أشعار ينزع فيها منزع زهد في الدنيا، فهو ينفر منها ومن التعلق بمتاعها، وأكبر الظن أنه كان ينظم هذه الأشعار في أول عهده بالنظم حين كان يختلف الى مجالس صهره الشعبي وغيره من وعاظ الكوفة، ومن أطرفها قوله:

وبينما المرء أمسي ناعما جذلا … في أهله معجبا بالعيش ذا أنق (8)

غزا، أتيح له من حينه عرض … فما تلبث حتي مات كالصعق

فما تزود مما كان يجمعه … إلا حنوطا وما واراه من خرق (9)

وغير نفحة أعواد تشب له … وقل ذلك من زاد لمنطلق

ونراه حين هزم التوابون بقيادة سليمان بن صرد سنة خمس وستين يبكيهم بقصيدة كانت إحدي المكتمات التي كتمت في ذلك الزمان (10). ويتولي مصعب البصرة لأخيه عبد الله بن الزبير فيلزمه في سلمه وحربه للمختار الثقفي ناظما أشعارا كثيرة، رواها الطبري، يصور فيها شعوذة المختار الثقفي وما كان يتخذ من

333

 

كرسي وحمامات بيضاء تمويها على جنده (11). ويدال للبصرة من الكوفة، ويفتخر البصريون بانتصارهم، فيغضب لبلدته، ويتوجه إليهم بالخطاب قائلا:

وإذا فاخرتمونا فاذكروا … ما فعلنا بكم يوم الجمل (12)

ونراه يخرج مع جيوش مصعب لحرب الخوارج محاربا تحت لواء المهلب وغيره من القواد أمثال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ويظهر أنه ظل يشهر سيفه ضدهم حتي عهد بشر بن مروان على العراق إذ نراه في موقعة جلولاء، وقد انتصر الخوارج، فمضي يهجو قائد الحملة هجاء مرا. ويتولي خالد بن عتاب بن ورقاء أصبهان، وكان صديقه، فيمدحه مدائح رائعة، غير أنه يجفوه، فيهجوه. ونراه في شعره يتحدث عن طلاقه لامرأة من قومه بسبب بذائها، ويشكو من أخري تنكرها له، مع شغفه بها.

ويبعث به الحجاج مع بعض جيوشه الى مكران، فيمرض هناك، وينظم قصيدة طويلة يصور فيها حنينه الى بلدته وأهله وأنه خرج الى الحرب على رغمه، خوفا من سيف الحجاج وبطشه. ويتوغل مع بعوث الحجاج في بلاد الديلم، فيقع أسيرا، وتهواه بنت للعلج الذي أسره وتحل قيوده، وتأخذ به طرقا تعرفها، وبذلك تخلصه وتهرب معه. ويظهر أنه لم يول وجهه الى العراق، بل اتجه الى سجستان حيث كان ينازل عبيد الله بن أبي بكرة زنبيل ملك الترك، ولما دارت على جيشه الدوائر بكي هذا الجيش مضمنا بكاءه هجاء شديدا لابن أبي بكرة سواء في قيادته غير الحكيمة أو في إهداره لمسئولياته، إذ انتهز ما كان فيه جيشه من ضيق، فباع القفيز من الشعير بدرهم، كما باع لهم العنب الحصرم، وهم يتساقطون جوعا، يقول:

أسمعت بالجيش الذين تمزقوا … وأصابهم ريب الزمان الأعوج

حبسوا بكابل يأكلون جيادهم … بأضر منزلة وشر معرج (13)

لم يلق جيش في البلاد كما لقوا … فلمثلهم قل للنوائح تنشج

​334

ثم اتجه بخطابه الى عبيد الله فقال:

وليت شأنهم وكنت أميرهم … فأضعتهم والحرب ذات توهج

وتبيعهم فيها القفيز بدرهم … فيظل جيشك بالملامة ينتجي (14)

ومنعتهم ألبانهم وشعيرهم … وتجرت بالعنب الذي لم ينضج

ومات ابن أبي بكرة كما قدمنا، فولي سجستان ابن الأشعث، فسأله أن يزيد في عطائه، فلم يلب سؤاله، فمضي يعاتبه في قصيدة طويلة، يقول له في تضاعيفها:

مالك لا تعطي وأنت امرؤ … مثر من الطارف والتالد

تجبي سجستان وما حولها … متكئا في عيشك الراغد

وتتطور الظروف، ويثور ابن الأشعث على الحجاج، فيضع الأعشي يده في يده وكأنه صدر في ثورته عن أمنيته، فقد وقف من قديم في صفوف المعارضة الأموية، وقف كما قدمنا مع التوابين من الشيعة ثم وقف مع مصعب بن الزبير. وكان دائما لا يرضي عن ولاة بني أمية، ويراهم ظالمين للرعية يسومونها العذاب على نحو ما رأينا في هجائه لابن أبي بكرة. وهذا الحجاج على العراق قد بغي وطغي، ولا يعرف أحد طغيانه وبغيه مثله، فقد أمره بالخروج في بعوث الشرق، وخرج كارها مرغما، لا يعرف متي يأذن له في العودة لتقر عينه بأهله وولده. لذلك حين أعلن ابن الأشعث الثورة على الحجاج لزمه ينظم الشعر محمسا لجنده، فلما توجه مقبلا الى العراق سار بين يديه على فرس وهو يقول:

إنا سفونا للكفور الفتان … حين طغي في الكفر بعد الإيمان (15)

بالسيد الغطريف عبد الرحمن … سار بجمع كالدبي من قحطان (16)

أمكن ربي من ثقيف همدان … يوما الى الليل يسل ما كان

إن ثقيفا منهم الكذابان … كذابها الماضي وكذاب ثان

 

335

وأخذ ينظم أشعارا كثيرة، يثير بها الجند ويحرضهم على القتال، ونجده في هذه الأشعار يتحدث عن مجد ابن الأشعث القديم، وما كان لآبائه من ملك وشرف وسيادة في الجاهلية، وهو بذلك يضع في يدنا وثيقة سياسية لهذه الثورة، فهي كما قدمنا ثورة أشراف الكوفة الذين انحدروا من أسر العصر الجاهلي النبيلة، يقول:

يأبي الإله وعزة ابن محمد … وجدود ملك قبل آل ثمود (17)

أن تأنسوا بمذممين عروقهم … في الناس إن نسبوا عروق عبيد

كم من أب لك كان يعقد تاجه … بجبين أبلج مقول صنديد (18)

ما قصرت بك أن تنال مدي العلا … أخلاق مكرمة وإرث جدود

وانتهت الحرب وانتصر الحجاج، وأتي إليه بأعشي همدان أسيرا، فأخذ يستعطفه ويسترحمه ويحاول أن يلين قلبه له بقصيدة رائعة يقول فيها مشيدا بانتصاره:

أبي الله إلا أن يتمم نوره … ويطفئ نار الفاسقين فتخمدا

وينزل ذلا بالعراق وأهله … لما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا

وما نكثوا من بيعة بعد بيعة … إذا ضمنوها اليوم خاسوابها غدا (19)

وما أحدثوا من بدعة وعظيمة … من القول لم تصعد الى الله مصعدا

وما زاحف الحجاج إلا رأيته … معانا ملقي للفتوح معودا

ليهنئ أمير المؤمنين ظهوره … على أمة كانوا بغاة وحسدا

ولكن ذنبه عند الحجاج كان عظيما فاربد وجهه واهتز منكباه، وأمر الحرسي فضرب عنقه سنة 83 للهجرة.

 

336

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرت في الفصل السالف مصادر ترجمته وانظر في الأبيات أغاني (دار الكتب) 11/ 312

(2) الحلائل: الزوجات.

(3) الطغام: الأوغاد. وعك: من قبائل الشام اليمنية. ومثلها الأشعر قبيلة يمنية. وسمأهم أنباطا يريد أنهم ليسوا بدوا، فهم فلاحون.

(4) أغاني 11/ 312.

(5) زرنج: قصبة سجستان.

(6) البعج: الشق. أحجي: أخلق وأجدر

(7) انظر في ترجمة أعشي همدان الأغاني (طبع دار الكتب) 6/ 33 والاشتقاق ص 423 والمؤتلف 14 والموشح ص 191 وراجع فهرس الطبري والجزء

الخامس من أنساب الأشراف للبلاذري وله ديوان نشره جاير ملحقا بديوان أعشي قيس.

(8) أنق: فرح وسرور.

(9) الحنوط: طيب يتخذ للميت خاصة.

(10) طبري 4/ 472.

(11) انظر الطبري 4/ 550، 561، 565.

(12) يشير الى وقعة الجمل وانتصار على فيها بأهل الكوفة على أهل البصرة.

(13) كابل: قصبة زنبيل ملك الترك.

(14) ينتجي: يتسار، من النجوي وهي السر.

(15) سفا: خف وأسرع.

(16) الدبي: الجراد.

(17) ابن محمد: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ويريد بآل ثمود قبيلة ثقيف قوم الحجاج، وكان هناك من يقول إنهم بقايا ثمود.

(18) أبلج: طلق الوجه. مقول: خطيب. صنديد: الجواد الشجاع

(19) خاس: غدر ونكث

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي