علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
البحث حول أحاديث حمّاد بن عيسى.
المؤلف: الشيخ محمد آصف محسني.
المصدر: بحوث في علم الرجال.
الجزء والصفحة: ص 412 ـ 415.
2023-08-03
2035
روى الصدوق في الفقيه (1) عن حمّاد بن عيسى أنّه، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام يوما: «أتحسن أن تصلّي يا حمّاد؟» قال: قلت يا سيدي، أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة. قال: فقال عليه السلام: «لا عليك قم فصلّ». قال: فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت فقال: «يا حمّاد، لا تحسن أن تصلّي ما أقبح بالرجل (منكم) أن تأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة». قال حمّاد فأصابني في نفسي الذّل فقلت: جُعلت فداك! فعلّمني الصلاة؟ فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصبا ...
وطريق الصّدوق إليه في المشيخة ـ بكلا سنديه ـ معتبر. ورواه الكليني بسند معتبر في الكافي (2) قبل الصدوق، ورواه في التهذيب (3) عن الكليني.
وعلى كلٍّ سند الحديث معتبر بسيرة المتأخّرين.
وأورد عليه مؤلّف معرفة الحديث بقوله: ولكنّا إذا سبرنا سند الحديث ومتنه عملا بالخطّة الّتي خطّها الأقدمون من أصحابنا نجده مجعولا مزوّرا مختلفا يشهد على جعله واختلاقه دلائل عديدة:
منها قول النجّاشي عن حمّاد: سمعت من أبي عبد الله عليه السلام سبعين حديثا، فلم أزل أدخل الشّكّ على نفسي حتّى اقتصرت على العشرين.
وهذه العشرون حديثا هي الّتي نراها في كتاب قرب الإسناد (4) رواه عبد الله بن جعفر الحميري عن محمّد بن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل، كلّهم عن حمّاد بن عيسى الجهني، وليس فيها هذه الرّواية.
فلا بدّ أن تكون هي موضوعة.
ومنها إنّ حمادا مات سنة 209 ه وله نيف وسبعون سنة، كما في رجال الكشّي، فيكون مولده حوالي سنة 135 ه.
ولم يكن له حين وفاة الصّادق عليه السلام سنة 148 ه إلّا ثلاثة عشر سنة أو نحوها، فكيف يقول الصّادق عليه السلام لمثل هذا الغلام: «ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة»؟
ومنها إنّ الإمام عليه السلام لم يستحسن صلاة حمّاد الّتي صلّاها على ما حفظه من كتاب حريز مع أنّ المراجعة إلى أحاديث حريز تعطي إنّ نفس تلك الآداب الّتي فعلها الإمام عليه السلام في صلاته تعليما لحمّاد مذكورة فيها، بل وأحسن منها وأتمّ، وأوفى، فكيف ردّ الإمام صلاة حمّاد المشتملة عليها؟
والغرض من هذه الإيرادات تضعيف سيرة المتأخّرين في حجيّة الإخبار الآحاد المرويّة بأسانيد معتبرة.
أقول: أمّا الوجه الأوّل، فما نقله النجّاشي عن حمّاد من الاقتصار على رواية عشرين حديثا، مرسل غير معتبر، نعم، نقل الكشّي برقم: 571 عن محمّد بن عيسى عنه: سمعت أنا وعباد بن صهيب البصري من أبي عبد الله عليهالسلام فحفظ عباد مائتي حديث. وقد كان يحدّث بها عنه عباد وحفظت أنا سبعين (حديثا)، قال حماد: فلم أزل أشكّك نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين حديثا الّتي لم تدخلني فيها الشّكوك، ولا يمكن أن يكون صدور هذا الكلام منه في حياة الصّادق عليهالسلام بل بعد وفاته جزما؛ لأنّ محمّد بن عيسى الناقل لكلام حمّاد لم يدرك حياة الصّادق عليه السلام.
وعلى كلٍّ لا يظهر من هذه الرّواية إنّ حمادا لم يحدّث عن أبي عبد الله عليه السلام أكثر من عشرين حديثا؛ إذ يمكن إخباره بكلّ السبعين قبل حصول الشّك فيها، وإن شئت، فقل: إنّ هناك ثلاثة أزمنة زمان التلقّي والسماع من الصّادق عليه السلام، ولا يدري إنّه أسبوع أو شهر أو أشهر أو سنوات، وزمان حصول الشّك؟
ولا نعلم أنّه في زمان حياة الإمام الصّادق عليه السلام أو بعدها، وزمان الاقتصار على العشرين.
والمتّيقّن من هذا الحديث إنّ حمادا لم يروه عن الصّادق عليه السلام أكثر من سبعين حديثا، فإن ثبت نحكم بكذبه أو حذف الواسطة، وأمّا إنّه لم يروِ أكثر من عشرين رواية عن الإمام، فهذا لا سبيل لنا إليه إلّا بناء على وحدة تلك الأزمنة الثّلاثة، وهي غلط قطعا كما لا يخفى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إنّ نسخة قرب الإسناد لم تصل بسند معتبر إلى المجلسي والحرّ العاملي حتّى يصحّ قول هذا القائل بتعيين أحاديث حمّاد في العشرين المذكورة في قرب الأسناد المذكور على فرض صحّة استدلاله، وسيأتي الكلام حول قرب الإسناد في البحث التالي إن شاء الله تعالى.
وسمعت من بعض المعاصرين من تلامذة السّيد البروجردي رحمه الله أنّه كان يجعل روايات هذا الكتاب مؤيّدة لا أدلّة، وعلى هذا فلا بدّ لهذا القائل من الحكم بصحّة رواية حمّاد الحاكية عن صلاته وصلاة الإمام عليه السلام نظر إلى صحّة أسانيدها.
وأمّا الوجه الثّاني، ففيه أنّ في فهرس النجّاشي: وله نيّف وتسعون سنة.
نعم، في الكشّي نيف وسبعون، لكن لا يبعد ترجيح نسخة النجّاشي على رجال الكشّي، كما لا يخفى على الخبير.
ويؤيّد أنّ الكشّي نفسه عدّ حمّادا من فقهاء أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، كما مرّ في البحث الحادي عشر، ومن البعيد أن يكون من لم يبلغ الحلم فقيها.
وعلى هذا فيمكن أن يكون عمر حمّاد أكثر من ثلاثين سنة؛ وذلك فإنّ معنى النيّف ـ كما في مجمع البحرين ـ هو ما دون العشرة إذا كان بعد العشرة.
وقيل: إنّه من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة.
فنفرض صحّة القول الثّاني فعمره كان 93 عاما ومات، بشهادة الكشّي والنجّاشي في سنة 209 ه فتكون ولادته في سنة 116 ه، فإذا كانت وفاة الصّادق عليه السلام في سنة 148 ه كان عمر حمّاد في الوقت 32 سنة.
ثمّ لا ظهور ولا إشعار في الرّواية على أنّ الإمام عليه السلام أراد حمّادا بقوله: «ما أقبح بالرجل (منكم) أن تأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة ...» بل هو بيان لحقيقة مرّة خارجية، فإنّ من لم يتعلّم واجباته في شبابه وفراغه تكون صلواته إلى آخر عمره باطلة، أو غير تامّة. وكأنّه من تسهيل الأمر على حمّاد، حيث وبخه من غير مباشرة.
وأمّا الوجه الثالث، فهذا القائل لم يبيّن ولم يدلّل على مدّعاه بأنّ حمّادا صلّى بجميع ما ذكر في أحاديث حريز الواردة في الصلاة، ولا يدري كم كان عمر حمّاد في ذاك اليوم، يوم سؤال الإمام عن صلاته؟ فكم فرق بين حفظ كتاب حريز وبين تطبيقه على الأعمال اليومية؟ ونحن نرى كثيرا من المحصّلين اليوم يدرّسون شرح اللمعة، ولا أثر لما فيه على عملهم فضلا عن المتعلّمين.
والحاصل: أنّ هذه الوجوه غير تامّة في نفسها أوّلا، ولا تعلّق لها بضعف سيرة المتأخّرين وصحّة سيرة المتقدّمين بوجه، فكأنّ كلامه قعقعة، والله العاصم.
نكتة: وقفت على كتابين عند إعداد كتابي هذا للطبعة الرابعة، وهما كتاب معرفة الحديث، وكتاب أصول علم الرجال:
الأوّل: يقرب من الكلمات المنسوبة إلى ابن الغضائري في كثرة الجرح، والحكم بوضع الإخبار، كما عرفت نموذجا منه في هذا البحث.
والثّاني: يقرب من مستدرك النوري في التّوثيق وتصحيح الرّوايات، وكلاهما خارجان من حدّ الاعتدال، وبينهما متوسّطات من الكتب والمسالك الرجاليّة، ولعلّ الغالب على الرجاليّين حتّى غير الإخباريّين هو الميل إلى الخط الثّاني، على اختلاف منهم في هذا السلوك شدّة وضعفا، ولا يزالون مختلفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: الفقيه: 1 / 300، باب: 45، وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها.
(2) الكافي: 3 / 311.
(3) التهذيب: 2 / 86 ـ 88، برقم: 69.
(4) انظر: قرب الإسناد: 12 / 15، طبعة النجف.