علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
البحث حول كتاب تفسير العسكريّ (عليه السلام).
المؤلف: الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه.
المصدر: سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 209 ـ 219.
24/11/2022
2166
مِن الكتب التي اختلف المتأخّرون فيها الكتاب الموسوم بتفسير العسكريّ (عليه السلام)، وهو كتاب كبير في تفسير كثير من آيات الله المباركة.
وقد ذهب إلى صحّته - على ما حكي عنهم - الشيخ الطبرسي والمحقّق الكركيّ والشهيد الثاني والمجلسيّان والحرّ وغيرهم، أمّا نسبة القول إلى ابن شهر آشوب فغير صحيحة، إذ أنّ كلامه عن تفسير آخر غير ما نحن فيه.
وينبغي أن يُعلَم أنّ ما ذكره ابن شهر آشوب من تفسير العسكري مفقود ولم يصل إلينا ورواية ذاك عن الحسن بن خالد البرقي وهو عبارة عن مائة وعشرين مجلدا على ما ذكره ابن شهر آشوب في ترجمة الحسن.
فيما ذهب إلى ضعفه العلّامة والمحقّق الداماد والتفريشيّ والاستراباديّ والأردبيليّ والتستريّ والخوئي وغيرهم.
وأمّا ما نحن فيه فهو عن "محمد بن علي بن محمد بن جعفر الدقّاق قال: حدّثني الشيخان الفقيهان أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان وأبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي قالا: حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (رحمه الله) قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاستراباديّ الخطيب (رحمه الله) عنه قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيّار وكانا من الشيعة الامامية قالا: كان أبوانا إمامين.." انتهى محل الشاهد من كلامه.
هذا وقد انحصر التفسير بهذا الطريق، وليس له أي طريق آخر ما قبل الشيخ الصدوق على ما وصل إلينا.
بل يقال: إنّ هذا التفسير لم يذكره القدماء في تراثهم، بل لم يذكره أي من المحدّثين أو المفسّرين، بل غاية ما يقال إنّ الصدوق روى عنه دون غيره من العالمين - على ما وصل إلينا - ولعلّ نقله عنه لم يكن عن تفسيره الذي وصل إلينا، وإنّما كان مشافهة أو مناولة من غير التفسير الذي هو محل الكلام، وقد قال في البحار: "ولنذكر ما وجدناه في مفتتح تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)"ما يُبيّن لك كونه وجادة.
يُضاف إلى ذلك أنّ الكتاب كان مقطوع الخبر لما بين أيام الصدوق إلى أيام الشهيد الثاني - على ما قيل - أو إلى أيام المجلسي الثاني، إذ قيل: إنّه أول من وجد الكتاب بين مخطوطات كانت عنده.
على كلٍّ، الكتاب الموسوم بتفسير العسكري لم يذكره الشيخ ولا النجاشي ولا من هو في طبقتهما. اللهم إلا أن نعتمد كتاب ابن الغضائري فإنّه قال في ترجمة راويه "محمد بن القاسم، وقيل ابن أبي القاسم المفسّر الاسترابادي، روى عنه أبو جعفر بن بابویه ضعيف كذّاب، روى عنه تفسير يرويه عن رجلين مجهولين، أحدهما يعرف بيوسف بن محمد بن زياد، والآخر علي بن محمد بن سيار عن أبيها، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، والتفسير موضوع عن سهل الديباجيّ عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير" (1).
حتى أنّه لم يُذكر في أيٍّ من كتب القدماء الفقهيّة كالكتب الأربعة، إلا مورد واحد في الفقيه، ولعلّه مشافهة وليس عن تفسيره، بل لم يذكره أي من قدماء المفسّرين كالشيخ في التبيان ولا الطبرسي في مجمع البيان إلا في مورد واحد رواية عن الصدوق، لا عن التفسير وذلك في تفسير سورة الفاتحة.
إذن، دعوى شهرة الكتاب وإن ادّعاها البعض فهي واهية، وهذه كتب القدماء من فقه وتفاسير وأخبار بين أيدينا وهي خالية عنه إلا ما ذكره الصدوق في بعض كتبه، بل يُقال: إنّ الكتاب الموجود بين أيدينا لم يعلم أنّه عين الكتاب الذي كان عند الصدوق، فانقطاعه السنين المتطاولة يمنع من العلم باتّحاد الكتابين حتى يقال: إنّ الصدوق قد اعتمد الكتاب، بل من المطمئن به أنّ كتاب الصدوق مغاير لما هو بين أيدينا، ولعلّه لكل هذا أعرض العلّامة والمحقّق الداماد والتفريشيّ والاستراباديّ والأردبيليّ في جامع الرواة والمحقّق التستريّ والسيّد الخوئي والسيد الخمينيّ وغيرهم عن هذا الكتاب، بل قال السيّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجمه: "هذا مع أنّ الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنّه موضوع، وجل مقام عالم محقّق أن يكتب مثل هذا التفسير، فكيف بالإمام (عليه السلام)" (2).
وسمعت من سيدنا الأستاذ مشافهة أنّ السيد الخميني (قدس سرّه) كان يقول "لا فقه الرضا للرضا (عليه السلام) ولا تفسير العسكري للعسكري (عليه السلام)، والفارق ما بين الكتابين أنّ مؤلّف الأول عالم ومؤلف الثاني جاهل".
هذا كلّه في طريق الكتاب وشهرته.
وأمّا أدلة النافين زيادة على كون النسخة وجادة فقد قيل أولا: بغرابة بعض أخباره، وضعف سبك كلماته وتعبيراته، بحيث يدرك القارئ أنّ مؤلفه غير عالم فضلا عن كونه الإمام (عليه السلام)، وضعف سند أخباره ثانيا. ويستشهد للأول أولا بمطالب كثيرة في طيّات كلماته، ويكفينا ما ذكره الشيخ الغفاريّ وفي حاشيته على الفقيه إذ قال "أقول: أولا: اعتماد الصدوق عليه غير ثابت والثابت نقله عن هذا الرجل فحسب وهو لا يدلّ على المدّعى فقد نقل أخبارا عن أحمد بن هلال والسكونيّ ولا يعتمد عليهما وان سلّمنا فما ربطه بهذا التفسير الموجود، وغاية ما يمكن أن يُقال اعتماده على بعض أخباره، وكم من رجل ضعيف أو جاعل يروي خبراً صحيحاً صدقاً واعتمد عليه الأجلّاء، وهذا لا يدلّ على كون الضعيف أو الجاعل موثّقاً عندهم.
وإن قيل: إن لم يكن الرجل معتمداً عنده فكيف يذكر في غير موضع بعد اسمه قلنا: دأب المؤلّف في كتبه ذكر الرضيلة أو الرحملة بعد اسم مشايخه إذا كانوا إماميّين ليكون ميزة بين عامّيِّهم وإمامِيِّهم وذلك يدلّ على أنّ مذهبهم مرضيّ عنده ولا يدلّ على أزيد من ذلك، فإنّ النجاشي ترحّم على أحمد بن محمد الجوهريّ مع أنّه قال: رأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أروِ عنه شيئا.
وأمّا قوله - أي: صاحب البحار -: "مَن كان مرتبطاً بكلام الأئمة يعلم أنّه كلامهم (عليهم السلام)" فهذا أيضا غير معلوم بل يمكن أن يُقال الأمر فيه بالعكس، فنذكر بعض ما فيه ليتضح الأمر، قال المفسّر أو روى فيه: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر بعد عزله عن تبليغ آيات صدر سورة البراءة "وأمّا أنت فقد عوّضك الله بما قد حمّلك من آياته وكلّفك من طاعاته الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة" وروى أيضا "أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأبي جهل - لمّا طلب منه أن يحرقه بصاعقة إن كان نبيّا: يا أبا جهل إنّما رُفِعَ عنك العذاب لعلّة وهي أنّه سيخرج من صلبك ذرية طيبة: عكرمة ابنك، وسيلي أمور المسلمين ما إن أطاع الله فيه كان عند الله جليلا وإلّا فالعذاب نازل عليك" مع أنّ النبي أمر في فتح مكة بقتل هذه الذرية "الطيبة" في جملة من أمر بقتلهم وقال: ولو وجدوا تحت أستار الكعبة أو كانوا متعلقين بها، وانحراف عكرمة عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) ممّا لا شكّ فيه أحد وهكذا بغضه له (عليه السلام)، هذا مضافاً إلى أنّ عكرمة يومذاك كان شابا لأنّه في يوم أحد كان على ميسرة الكفار وخالد بن الوليد على ميمنتهم، وقد قتل من المسلمين نفرا منهم رافع بن المعلّى بن لوذان وقالوا: قتله عكرمة بن أبي جهل، ونصّ عليه غير واحد من المؤرّخين وأرباب السير والتراجم.
وفيه أيضا أنّ آية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207] نزلت في جماعة عدّ منهم "صهيب الرومي" مع أنّه كان من المبغضين لعلي (عليه السلام) والمنحرفين عنه، روى الكشي في رجاله عن الصادق (عليه السلام) - في عنوان بلال و صهيب - أنّه قال: "كان بلال عبداً صالحاً، وصهيب عبد سوء يبكي على فلان" وروى المفيد في الاختصاص ص 73 قال أبو عبدالله (عليه السلام) "رحم الله بلالا كان يحبّنا أهل البيت ولعن الله صهيبا فإنّه كان يعادينا" وفي خبر آخر: كان يبكي على فلان" وهو الذي صلّى بالناس أيام الشورى عيّنه عمر، وصلّى عليه بحكم عبد الرحمن بن عوف كما اتّفقت عليه تواريخهم.
وفيه: قال النبي (صلى الله عليه وآله): "إنّ الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيها سواه إلا المسجد الحرام والمسجد الأقصى" وهذا كما ترى جعل البيت المقدس عدل المسجد الحرام، وثواب الصلاة فيه كثواب الصلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ...
وفيه: في أوائله "أنّ النبيّ لمّا بنى مسجداً بالمدينة وشرع فيه بابه وأشرع المهاجرون والأنصار أراد الله إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة فنزل جبرئيل عن الله بأن: سدّوا الأبواب عن مسجد النبيّ قبل أن ينزل بكم العذاب، فأوّل من بعث إليه النبي (صلى الله عليه وآله) يأمره بسدّ بابه العباس بن عبد المطلب - إلى آخر كلامه الطويل - " مع أنّ العباس لم يؤمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) يومئذ ولم يهاجر، وكان في غزوة بدر مع المشركين فأسر، وبالجملة مفتريّات هذا التفسير كثيرة، وعلى الطالب الرجوع إليه أو إلى كتاب الأخبار الدخيلة، وعندي أنّ الإصرار بتصحيح أمثال هذه الكتب إصرار تخريب أساس الاماميّة وتجريح أئمتهم المعصومين (عليهم السلام)، والذين تصدّوا لإثبات صحّة هذا التفسير ونسبته إلى المعصوم ربّما تعجبهم كثرة ما نقل فيه من فضائل أهل البيت ومعجزاتهم (عليهم السلام) فغفلوا عمّا فيه من الخبط والتخليط والمفتريات والأباطيل، روى الصدوق - رضوان الله عليه - في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)" أنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال (عليه السلام) يا ابن أبي محمود إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله (عزّ وجلّ): {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108] - إلى أن قال - يا ابن أبي محمود احفظ ما حدّثتك به، فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة". انتهى كلامه (رحمه الله).
ومع ما تبيّن لك من الخلط الكثير من التفسير المذكور كيف يقال بصدور مثله عن الإمام (عليه السلام).
فإن قيل: إنّ الخطأ في بعضه غير كافٍ للقول بضعفه كلّه، إذ يمكن القول بصدور البعض والإعراض عن بعضٍ آخر.
قلت: إنّ الروايات الباطلة المدوّنة فيه تُسقط الاطمئنان بالكتاب كلّه، بداهة وصوله بأجمعه إلينا ككتاب واحد بين دفّتين.
ثانيا: لا يمكن التمييز بعد بين الأخبار الصادقة والكاذبة، إذ ليس على الصادر إشارة أو قرينة ليعلم صدور هذا الخبر من ذاك، وأمّا ما حُفّ بقرائن الصدور فنقول بحجيّته للقرائن لا لوجوده في التفسير المزبور.
الثاني: سبك كلماته وتعبيراته ودنوّ ثقافة كاتبه ومغايرتها لتعبيرات المعصومين (عليهم السلام) لا يحتاج إلى بيان، فإنّ لكلماتهم (عليهم السلام) نوراً تعرف به من قوة بيانها وحسنه حتى قال القائل: "إنّ من البيان لسحرا" وقد رُويَ عنهم (عليهم السلام) "إنّا قوم فصحاء" فنسبة هذا الكتاب للمعصوم (عليهم السلام) وبهذا الأسلوب الأدبيّ الركيك فيه توهين للإمام العسكري (عليهم السلام)، وما على القارئ إلا أن يرجع إلى نهج البلاغة أو الصحيفة السجادية ويقرأ فيها ثم يقرأ على نحو المباشرة التفسير المزبور حتّی يدرك الفارق الشاسع ما بين أسلوب الإمام (عليه السلام) والذي لا يرقى إليه الطير وبين أسلوب التفسير الذي يجافي أسلوبه أسلوب العالم فضلا عن المعصوم (عليه السلام).
الثالث: ضعف سنده، فإنّ جميع ما روي من تفسير العسكري إنّما روي عن محمد بن القاسم المفسّر الاسترابادي الخطيب عن يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار عن الإمام (عليه السلام) - على ما في ديباجة الكتاب - أو عن أبويها - كما في جميع أخبار الصدوق - إذ أنّ كل ما رواه عن العسكري (عليه السلام) بهذا الطريق إنّما رواه عن الاسترابادي عن يوسف بن محمد وعلي بن محمد عن أبويهما، ولتحقيق الحال لا بدّ من الاستطراد قليلا في السند فنقول والله المستعان:
أبو الحسن محمد بن القاسم المفسّر الاسترابادي لم يترجمه الشيخ في الفهرست ولا في رجاله ولا النجاشي كذلك، نعم، نقل العلّامة في الخلاصة عن ابن الغضائري أنّه: "ضعيف كذّاب.. والتفسير موضوع عن سهل الديباجيّ عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير" (3).
وكتاب ابن الغضائري وإن كنّا لم نؤمن به إلا أنّه على الأقل لم يثبت حسنه لمجهوليّته.
من جهة أخرى، فإنّ السيد الخوئي قال: "إنّ المذكور من كلام ابن الغضائري والعلامة أنّ التفسير موضوع عن سهل الديباجيّ عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير، وهذه العبارة لا نعرف لها معنى محصّلاً، فإنّ سهلا لم يقع في سند هذا التفسير.. وغير بعيد أن يكون في العبارة تحريف أو سقط من النساخ" (4).
أقول: ظاهر كلام ابن الغضائري أنّ تفسير العسكري كان موضوعاً ومنسوباً لسهل بن أحمد بن سهل الديباجيّ ثم نسب إلى الأبوين أو الابنين اللذين رويا الكتابَين، وكأنّ هذين الرجلين أخذا الكتاب المنسوب – وضعاً ـ عن سهل الديباجي فنسباه إليهما ثم روياه إلى محمد بن القاسم، فإن كان الأمر كذلك فإنّ الكتاب يزداد ضعف على ضعفه.
على كلٍّ فإنّ محمد بن القاسم لم يوثّقه أحد سوى ما قيل من ترحّم وترضّى الصدوق عليه، والترضّي والترحّم كاشف عن صلاحه، وإلا لما صحّ الترحّم عليه مع فسقه، وهذا مبنى من قال بأنّ ترضّي الصدوق كاشف عن وثاقة الرجل.
وقيل في جوابه: إنّ الشيخ الصدوق روى عنه في الفقيه في موردين خاصة ولم يترضَّ عنه فيهما، مرّة في الأخبار وأخرى في المشيخة، وأمّا في بقيّة كتبه فقد روى عنه في الخصال مرّتين أيضاً مترضّياً عليه فيهما، وكذا روى عنه في العلل مرّتين مترضيّاً مرة وتاركا أخرى، وأما في معاني الأخبار فقد روى عنه خمس مرات مترضيّاً عليه، منها مرّتان، وتاركا له في المرّات الأخريات، نعم، روى عنه في العيون أربع عشرة مرة مترضيّاً عليه.
والسؤال هنا هو: هل أنّ خمسة وعشرين رواية عن محمد بن القاسم من جملة - ما لعلّه - يقارب العشرة آلاف رواية يعدّ الصدوق ممّن أكثر الرواية عنه، أم أنّه يسمى إعراضاً عنه؟!
وذلك لأنّ تفسير العسكري (عليه السلام) في الموجود بين أيدينا يقارب الخمسمئة صفحة، وقد تركه الصدوق كلّه سوى رواية واحدة في الفقيه والذي تبنّى صدوره لقرائن الصدور لا لصحّة السند كما أوضح ذلك في ديباجة كتابه، فكيف يُبنى حينها على وثاقته؟!
فلو كان محمد بن القاسم معتمداً وكتابه صادراً لروى عنه كثيرا واعتمده طويلا ولما أتعب نفسه الشريفة في الرواية عن فلان وفلان وكتاب العسكري (عليه السلام) ماثل بين يديه.
فرواية الصدوق عنه في الفقيه مرّة واحدة قد تكون لقرائن الصدور لا الصحة السند، بل هذه القلّة تعدّ إعراضاً عن الكتاب.
وأمّا ما رواه عنه في بقية كتبه فإنّه لم يتعهّد (رحمه الله) الرواية الصحيحة في أيٍّ من كتبه المذكورة، ولذا روى فيها عن الصحيح والضعيف كما هو معلوم.
نعم، الترحّم والترضّي عليه كلّما ذكره قد يكشف عن حسنه كما ذهب إليه جمع من الرجاليّين ونحن نتبنّى ذلك مع الكثرة خاصّة وإن خالف في ذلك آخرون كالسيد الخوئي من المتأخّرين، وعليه يمكن القول بحسن الرجل على المبنى الأول المذكور.
اللهمّ إلا أن يُقال بأنّ الصدوق في الخصال والعلل والمعاني والفقيه روى عنه إحدى عشرة مرة وقد ترضّى وترحّم عليه منها خمس مرّات خاصّة، فهل هذا المقدار يفي بالقول بأنّه كلّما ذكره ترضّى عليه أو ترحّم عليه.
نعم، روى عنه في العيون أربع عشرة مرّة وقد ترى عنه بأجمعها، وهذا ما يكشف عن حسن حال الرجل والله العالم.
وأمّا يوسف بن محمد بن زياد فهو مهمل وإهماله تام من كل جهة، فلم يذكره أي من القدماء في كتابه الرجاليّ، بل لم يذكره الشيخ في أي من كتابيه ولا الكليني في الكافي، فاسمه لم يصلنا سوى من طريق الصدوق وهو لم يدّعِّ وثاقته، بل غاية ما يقال: إنّه نقل عن محمد بن القاسم المفسّر قوله: إنّه "شيعيّ إماميّ" وهذا لا يكفي للقول بالوثاقة، فإنّ كثيرا ممّن هم كذلك نصّ الأصحاب على ضعفهم.
وأمّا صاحبه أي: علي بن محمد بن سيّار فهو كصاحبه في الإهمال، إذ لم يذكره أيّ من القدماء سوى ما قاله الصدوق عنه.
وقد تبيّن لك أنّ هذين الشخصين مهملان إهمالا تاما، فلم يُذكرَا لا في كتاب رجال ولا في كتاب فقه على ما قضى به التتبّع، وبذلك تسقط حجيّة الكتاب لجهالة رواته الثلاثة، أو المتأخّرين على أقل تقدير.
وينبغي أن يُعلم أنّ الكتاب الذي وصلنا إنّما هو رواية عن يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار عن الإمام (عليه السلام) مباشرة وبلا واسطة وهو ما صُرِّحَ به في ديباجة الكتاب وفي الرواية الأولى من الكتاب، بينما كلّ ما رواه الصدوق في كتبه "الخصال، العلل، والمعاني، والفقيه، والعيون" كلّها عنهما عن أبويهما و هما مجهولان أيضا، ولم تخرق حتى برواية واحدة فيكون على هذا محمد بن القاسم ضعيفاً - إلا على قول كفاية الترضّي للقول بالوثاقة - ويوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار مهملان، وأبواهما أي: محمد بن زياد و محمد بن سيّار - مجهولان أيضا، ما يعني ضعف السند جداً، وعلى مدّعي التوثيق لهؤلاء الأربعة - أي: يوسف وعلي والأبوين - أن يظهر توثيقهم من أيٍّ من الموثّقين القدماء لنؤمن له بما يقول؟
وقد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الكتاب وجادة منقطعة الطريق، وباطل في كثير من مضامينه، وركيك التعابير جدّاً، ومُعرَضٌ عنه من قبل القدماء، وضعيف السند، فمن كلّ هذا يُعلَم عدم صحّة نسبة الكتاب للإمام الهمام الحسن العسكري عليه وعلى آبائه ألف تحية وسلام.
وبعد كلّ هذا يطمئنّ الفقيه بعدم صدور الكتاب عن الإمام (عليه السلام) إن لم يقطع بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخلاصة، ص 404.
(2) معجم رجال الحديث، ج 12، ص 147.
(3) الخلاصة، ص404.
(4) معجم رجال الحديث، ج17، ص155.