علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
البحث حول كتاب مسائل علي بن جعفر.
المؤلف: الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه
المصدر: سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 230 ـ 238.
27/11/2022
1919
مسائل علي بن جعفر هو عبارة عن كتاب روائيّ فقهيّ رواه علي بن جعفر الصادق (عليه السلام) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وهو يحوي أربعمائة وتسعة وعشرين رواية في أبواب الفقه المختلفة، ويعرف تارة بمسائل علي بن جعفر وأخرى بكتاب في الحلال والحرام كما ذكره النجاشي.
ولعلي بن جعفر كتاب واحد كما يظهر من النجاشي وهو الموجود اليوم بين أيدينا وإن ذكر الشيخ في الفهرست - كما في النسخة المطبوعة - أنّ له كتاب المناسك ومسائل لأخيه سأله عنها.
ومن المطمئن به أنّ التصحيف قد وقع من النسّاخ إذ لم يصل إلينا إلا كتاب مسائل علي بن جعفر ولم يصل كتاب له باسم "مناسك" بل لم يروِ أي من القدماء عن "مناسك" علي بن جعفر، ما يعني عدم وجوده لا قديما ولا حديثا.
إضافة إلى ذلك فإنّ بعض النسخ لفهرست الشيخ لم يذكر فيها مناسك، وإنّما عبارته هكذا "له كتاب المسائل، مسائل لأخيه سأله عنها".
هذا ولا أزيد عمّا ذكرت وإن كان في البحث تفصيل وذلك لعدم الفائدة منه، إذ الواصل إلينا خصوص مسائل علي بن جعفر والذي هو محلّ الابتلاء.
ترجمة علي بن جعفر:
قال المفيد في الإرشاد: "وكان علي بن جعفر (رضي الله عنه) راوية للحديث، سديد الطريقة، شديد الورع، كثير الفضل، ولزم أخاه موسى (عليه السلام) وروى عنه شيئا كثيراً" (1).
وقال النجاشي: "علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، أبو الحسن، سكن العريض، من نواحي المدينة فنسب ولده إليها، له كتاب في الحلال والحرام، يروي تارة غير مبوّب، وتارة مبوّبا..."(2)
ثم ذكر إليه طريقين.
وقال الشيخ في الفهرست: "علي بن جعفر أخو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، جليل القدر ثقة، وله كتاب المناسك، ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر (عليهما السلام) سأله عنها.."(3) ثم ذكر طريقين إلى كتاب المسائل خاصّة دون ذكره طريقاً لكتاب المناسك، ما يعلم معه عدم وجود كتاب المناسك، وإنّما هو تصحيف "المسائل" كما ذكرنا في تعريف الكتاب.
وفي الرجال قال: "علي بن جعفر بن محمد عمّه (عليهم السلام) - أي: عمّ الرضا (عليه السلام) ـ له كتاب، ثقة" (4).
وكذا وثّقه العلّامة وابن داود وغيرهما.
ويظهر من أخبار الكشي أنّه كان بغاية الأدب مع الجواد (عليه السلام) حيث كان علي بن جعفر كبيراً وكان الجواد (عليه السلام) فتى حتّى انحنى وسوّى له نعليه قبل أن يلبسهما (عليه السلام)"(5).
إذن لا كلام في وثاقة علي بن جعفر، بل كان شديد الورع وكثير الفضل كما ذكره المفيد (رحمه الله).
تعدّد علي بن جعفر:
إنّ علي بن جعفر الذي يروي عن الهادي (عليه السلام) ليس هو علي بن جعفر بن محمد (عليهم السلام) بل هو وكيل الهادي (عليه السلام) وعاش في زمن العسكري (عليه السلام)، وله معه قضايا، وقد صرّح الكشي بعدّة من الأخبار ما يدلّ على ذلك، منها: ما رواه عن محمد بن مسعود قال: قال يوسف بن السخت كان علي بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن - أي الإمام الهادي (عليه السلام) - وكان رجلا من أهل همينيا - قرية من قرى سواد بغداد ـ فسُعيَ به إلى المتوكّل، فحبسه فطال حبسه.."(6) انتهى محل الشاهد.
وغيرها من الأخبار الكثيرة الدالة على ذلك، فيما ظنّه بعضهم من رواية علي بن جعفر بن محمد (عليهم السلام) عن الهادي (عليه السلام) له في غير محلّه، وإنّما الراوي عنه هو وكيله علي بن جعفر.
بل لم تعلم رواية علي بن جعفر الصادق عن الجواد (عليه السلام).
نعم له معه حكايات تدلّ على غاية تأدّبه معه (عليه السلام).
روايته عن أبيه:
لم تُعرف سنة ولادته ولا سنة وفاته وفي كلتيهما خلاف، لكنّ المعلوم أنّه روى عن الكاظم والرضا (عليهما السلام) وعاش في زمن الجواد (عليه السلام)، لكن كم كان عمره عند وفاة الصادق (عليه السلام)، وفي زمن أي من الإمامين (عليهما السلام) توفّي، أي: الجواد أو الهادي؟ فإنّ ذلك غير معلوم.
ونقطة الخلاف في روايته عن أبيه الصادق (عليه السلام) فإنّ المفيد في الإرشاد روى خبراً مرسلا يُستفاد منه روايته عن أبيه إذ قال: "روى محمد بن الوليد قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام) يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول لجماعة من خاصّته وأصحابه: استوصوا بموسى ابني خيراً، فإنّه أفضل ولدي، ومن أُخلف من بعدي، وهو القائم مقامي، والحجّة لله عزّ وجلّ على كافّة خلقه من بعدي.." (7).
إلّا أنّ روايته عن أبيه كما نقلها المفيد تنافي ما أفاده صاحب تاریخ قم والمحقّق النوري، إذ قالا: إنّ عمره عند وفاة أبيه كان سنتين، بل يؤيّده ما أفاده السيد أبو العبّاس أحمد بن علي بن الحسين الحسني المعروف بابن عنبة وصاحب كتاب عمدة الطالب في الأنساب والمتوفي سنة 828 أنّه كان طفلا عند وفاة أبيه، اللهمّ إلا أن يُقال: إنّه سمعها من أبيه عند صغره ورواها عند كبره.
لكن تحمّل الرواية وهو ابن سنتين أمر غير معروف، بل غیر حجّة شرعا؛ وذلك لعدم تميّزه عند السماع.
إضافة إلى ذلك فإنّ المفيد رواها مرسلة وكذا قوله: "وقد روى ذلك - أي تنصيب الكاظم (عليه السلام) للإمامة - من أخوته - أي: أخوة الكاظم (عليه السلام) - إسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان" (8).
بل من المحتمل أنّ علي بن جعفر رواها عن غيره عن الصادق (عليه السلام)، إذ أنّ كثيراً من أخباره قد رواها عن أبيه بواسطة المشايخ.
نعم، قال آخرون: إنّه روى عن الصادق (عليه السلام) وذلك لعدّة قرائن أخرى غير ما ذكرت، منها: ما رواه البرقيّ في المحاسن عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أبيه قال: سألته عن الرجل يصلح له أن يصلي في بيت..." (9).
وفيه أولا: أنّ موسى بن القاسم يروي كتاب علي بن جعفر عن أخيه لا عن أبيه.
ثانيا: أنّ ما وصلنا من كتاب علي بن جعفر أكثر من ثمانمائة رواية، لم يروِ منها عن أبيه غير ثلاثة أخبار - على ما تصفّحت كل مستدركات كتاب على بن جعفر - ما يعلم منه الخطأ في النقل وأنّ أصل السند هو "عن أخيه" لا "عن أبيه" ولو كان لعلي بن جعفر عن أبيه أخبار لنقل ذلك في تراثه.
ثالثا: أنّ الخبر هذا بعينه رواه الحميريّ في قرب الإسناد - وهو نفس تراث علي بن جعفر - عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ما يُعلم منه الخطأ والاشتباه في رواية علي بن جعفر عن أبيه.
رابعا: أنّ كلّ من ترجم علي بن جعفر قال بأنّ عمره كان عامين عند وفاة أبيه أو أنّه كان طفلا عند وفاته فكيف يُقال معها بأنّه روي عن أبيه؟!
ومنها: ما رواه الشيخ عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم في بشارة المصطفى قال: قال: علي بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولاً..
وفيه: أنّه رواها مرسلة ولم يبيّن منشأ الرواية إذ لم يروها غيره في كلّ تراثنا القديم، نعم مضمونها موجود عن علي (عليه السلام).
أمّا نفس الخبر فليس له وجود إلا في كتابه دون تبيان منشأ أخذه، خاصة أنّه (رحمه الله) من علماء القرن السادس وبينه وبين علي بن جعفر ما يقارب الثلاثمائة سنة، ولهذا لم يعد هناك اطمئنان بصحّة سند الخبر وأنّه كذلك.
إذن كلّ ما قيل من رواية علي بن جعفر عن أبيه لم يثبت.
ومنها: ما ذكره البرقي في رجاله من ذكره علي بن جعفر ممّن روى عن الصادق (عليه السلام).
وفيه: أنّ علي بن جعفر المذكور فيمن روى عن الصادق (عليه السلام) هو غير علي بن جعفر الصادق (عليه السلام)، وذلك لأنّ البرقيّ ذكره في أصحاب الباقر (عليه السلام) وممّن أدركه ثم بقي إلى زمن الصادق وروى عنه، في حين أنّ علي بن جعفر لم يكن قد ولد فعلا عند استشهاد الإمام الباقر (عليه السلام) سنة 114هـ، فولادة علي بن جعفر كانت بعد استشهاد الباقر (عليه السلام) بما يقارب العشرين سنة فكيف يمكن معها أن يكون من أصحابه؟!
هذا أحسن ما قيل من رواية علي بن جعفر عن أبيه (عليه السلام).
وقد تلخصّت الأدلة في رواية المفيد وأنّ علي بن جعفر قد سمع نص أبي عبد الله (عليه السلام) على إمامة الكاظم (عليه السلام) وسند رواية البرقيّ وسند رواية بشارة المصطفى، وذكر البرقي علي بن جعفر فيمن روى عن الصادق (عليه السلام).
وقد تبيّن لك أنّ في الكلّ خدشة، ما يعلم معه عدم صحّة رواية علي بن جعفر عن أبيه إلا بواسطة وهم كثر كالحسين بن زيد وجابر الجعفي ومعتب مولى الصادق (عليه السلام) والمغيرة وغيرهم.
شهرة وسند الكتاب:
قلنا: إنّ الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد حيث ذكر علي بن جعفر قال: ".. ولزم أخاه موسى (عليه السلام) وروى عنه شيئا كثيرة".
وقال النجاشي: "له كتاب في الحلال والحرام".
وقال الشيخ في الفهرست: "له كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر (عليه السلام)".
وقال في الرجال: "له كتاب، ثقة".
وقال النجاشيّ أيضا في ترجمة إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر (عليه السلام) " روى عن جدّه.. وعن عمّ أبيه علي بن جعفر (عليه السلام) صاحب المسائل" (10).
وكذا ذكره الصدوق في المشيخة حيث ذكر طريقه إلى كتابه فقال: ".. عن علي بن جعفر عن أخيه موسى، وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر قد رويته بهذا الإسناد" (11).
ومن بعدهم ذكره كثير من الأصحاب كأبي غالب الزراري وابن شهر آشوب والعلّامة وابن داود وغيرهم.
هذا وقد أكثر الأصحاب من الرواية عن علي بن جعفر حتّى يمكن القول بأنّ ما من كتاب روائيّ فقهيّ إلا واعتمد كتابه، ولهذا نرى الكلينيّ والصدوق والشيخ قد أكثروا من الرواية عنه، ما يعلم منه شهرة الكتاب في أيامهم شهرة عظيمة، بل كان معتمداً لديهم حتى رووا عنه أكثر من ثلاثمائة رواية .
هذا كلّه مع عدم تشكيك أحد من القدماء ولا المتأخّرين في نسبة كتاب علي
بن جعفر الموجود بين أيدينا إلى صاحبه، بل لم يدّعِ أحد أنّ فيه خلطاً ودسّاً وزيادة ونقيصة، بل غاية ما يقال: إنّ للكتاب نسختين، مبوّبة، وغير مبوّبة الأولى هي التي تعرف بقرب الإسناد للحميريّ، والثانية هي مسائل علي بن جعفر والنسبة بينهما هي العموم من وجه، وسيتبين لك - عند البحث بقرب الإسناد - أنّ جميع الأخبار المدوّنة في النسختين معتمدة فيها روي عن الكاظم (عليه السلام).
وقد تبيّن لك أنّ الكتاب مشهور معتمد عند القدماء، وهو عين الموجود في أيّامنا، والأخبار المدوّنة فيه هي عين الموجودة في الكتب الأربعة عن علي بن جعفر، ما يعلم وحدة النسخة. ولذا صح اعتماد الموجودة عندنا وأنّها عين مسائل علي بن جعفر.
ومع هذه الشهرة للكتاب فلا داعي بعد للنظر في السند المكتوب في بداية الكتاب والذي هو "أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس قال: حدّثنا أبو جعفر بن یزید بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين، قال: حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن علي بن جعفر بن محمد عن أخيه موسى بن جعفر(عليهم السلام) ..."(12) والسرّ في ذلك كون السند لإثبات صحّة نسبة الكتاب إلى صاحبه، ولمّا كان الكتاب مشهوراً قد أكثر القدماء من الرواية عنه بلا نكير وهو مطابق للموجود فعلا، تُعلم صحّة نسبة الكتاب إلى صاحبه وبذلك تسقط الحاجة إلى سنده.
وقد تلخّص ممّا تقدّم وثاقة علي بن جعفر وعلوّ شأنه وورعه وفقاهته، وأنّه روى عن أخيه الكاظم (عليه السلام) كتابا عُرف بمسائل علي بن جعفر، وأنّ كتابه مشهور معروف قد اعتمده الأصحاب قديما وحديثا بل وأكثروا الرواية عنه، وأنّ الموجود في أيّامنا هو عين كتابه المذكور في الإرشاد ورجال النجاشي وفهرست الشيخ وغيرها من الكتب، وأنّه لم تصبه يد الدسّ والوضع، وعليه يكون الكتاب معتمداً صالحة للفتيا والعمل، والله العالم بحقائق الأمور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد، ص214، باب ذكر أولاد أبي عبد الله (عليه السلام)
(2) رجال النجاشي، ج2، ص72.
(3) الفهرست، ص142.
(4) رجال الشيخ، ص379، باب العين من أصحاب الرضا (عليه السلام).
(5) الكشي، ص489، رقم 408.
(6) الكشي، ص643، رقم 1129.
(7) الإرشاد، ج2، ص220
(8) الإرشاد، ج2، ص216.
(9) مستدركات مسائل علي بن جعفر، ص221.
(10) رجال النجاشي، ج 1، ص 117، رقم 59.
(11) مشيخة الفقيه، ج4، ص5 من المشيخة.
(12) مسائل علي بن جعفر، ص103.