الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
شعراء بني أمية
المؤلف: شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة: ص:337-342
15-8-2021
5252
شعراء بني أمية
لا نريد هنا أن نتحدث عن مداح بني أمية، فالمديح شيء والشعر السياسي شيء آخر. المديح ثناء يقدمه الشاعر ابتغاء النوال والعطاء، أما الشعر السياسي فنضال عن الحكم وعن نظرية معينة فيه، فهو ليس مجرد مديح، إنما هو دفاع من جهة وهجوم من جهة ثانية، دفاع عن نظرية، تعتنقها جماعة من الجماعات أو فرقة من الفرق، وهجوم على خصومها ومن يقفون في الصفوف المعارضة لها.
وأول صورة تلقانا للشعر السياسي المناصر لبني أمية ما أخذ ينظمه الأمويون أنفسهم من مثل الوليد بن عقبة عقب مقتل عثمان، إذ مضوا يهاجمون الثوار، الذين قتلوه، جاعلين أنفسهم أصحاب الحق في الثأر من قتلته، فهم أهله الأقربون، ومن ثم فهم أولياء دمه. وكان على قد بويع بالخلافة وانشق عليه طلحة والزبير والسيدة عائشة، كما انشق زعيم بني أمية معاوية أمير الشام يسنده جيش يمني موال له تمام الولاء. وبذلك انقسمت الجماعة الإسلامية شيعا، وأخذت كل شيعة تحاول أن تفرض رأيها السياسي باللجوء الى السيف والقوة.
ومضي الثلاثة الأولون الى العراق ونزلوا البصرة فتبعهم على ونزل الكوفة، وبذلك خرجت الخلافة من المدينة، ولم يلبث طلحة والزبير أن سقطا في وقعة الجمل، فخلا الجو لمعاوية ومطالبته بالثأر من قتلة ابن عمه عثمان. وأسرع على بعد أن بايعه أهل العراق جميعا قاصدا معاوية فالتقي به عند صفين على حدود الفرات.
ونشبت معركة عنيفة كاد ينتصر فيها على انتصارا حاسما لولا ما لجأ إليه معاوية من رفع المصاحف وطلب الاحتكام الى القرآن لا الى السيف. وفي هذه الموقعة نظم شعر كثير تبادل فيه الفريقان الهجاء، وكل منهم يدافع عن نظريته في الحكم وعن إمامه الذي ارتضاه مستلهما خصومة الشام والعراق في الجاهلية وما كان من تنافس على سلطان القبائل العربية بين الغساسنة والمناذرة، على شاكلة قول كعب بن جعيل التغلبي:
ص337
أري الشام تكره ملك العراق … وأهل العراق لهم كارهونا
وقالوا على إمام لنا … فقلنا رضينا ابن هند رضينا
ورد عليه بعض شعراء العراق، فقال ينقض ما زعمه، مشيرا الى ما بين الطرفين من عداوات قديمة:
أتاكم على بأهل العراق … وأهل الحجاز فما تصنعونا
فإن يكره القوم ملك العراق … فقدما رضينا الذي تكرهونا (1)
وتطورت الظروف وقتل على بعد التحكيم، وبايع الناس معاوية، ودخلت العراق في طاعته وطاعة من خلفوه من الأمويين، ولكنها ظلت تعارضهم خفية، وكلما استطاعت أن تجهر بمعارضتها نهضت الى ذلك تارة مع الخوارج، وتارة مع الشيعة، وتارة مع ابن الأشعث أو يزيد بن المهلب. وعارضهم الحجاز في عهد يزيد بن معاوية وتجسمت معارضتها في عبد الله بن الزبير.
وقد رأينا شعراء مختلفين يقفون في هذه الصفوف المعارضة يناضلون عن نظرياتهم السياسية، وكان الأمويون يستظهرون عليهم بشعرائهم طوال العصر.
وكان أول ما استخدموا فيه هؤلاء الشعراء هجاء عبد الرحمن بن حسان والأنصار حين اشتبك مع يزيد بن معاوية، وفي رواية مع عبد الرحمن بن الحكم، فاستعان عليه يزيد بالأخطل النصراني التغلبي، على نحو ما مر بنا في غير هذا الموضع، ومنذ هذا التاريخ أصبح الأخطل شاعرا أمويا يناضل عن السياسة الأموية. ويحاول معاوية أن يجعل الخلافة وراثية في بيته، وأن يأخذ البيعة لابنه يزيد في حياته. وكان ذلك في رأي كثيرين بدعة منكرة، إذ تخرج الخلافة به عن الشوري وتصبح إرثا من الأب لابنه، على نحو ما هو معروف عند الروم وما كان معروفا عند الفرس، وعرف معاوية نفور المسلمين من ذلك، فدفع بعض الخطباء الى الدعوة لفكرته، كما دفع بعض الشعراء، وكان أسرع من لباه منهم مسكين الدارمي فأنشأ يقول في كلمة له (2):
ص338
بني خلفاء الله مهلا فإنما … يبوئها الرحمن حيث يريد (3)
إذا المنبر الغربي خلي مكانه … فإن أمير المؤمنين يزيد
علي الطائر الميمون والجد صاعد … لكل أناس طائر وجدود (4)
ويقال إن معاوية أقبل عليه، فقال: ننظر فيما قلت يا مسكين ونستخير الله، ووصله هو وابنه يزيد وأجزلا صلته.
ومن شعراء آل أبي سفيان المتوكل (5) الليثي وعبد الله (6) بن همام السلولي «وكان مكينا حظيا فيهم وهو الذي حدا يزيد بن معاوية على البيعة لابنه معاوية» في أشعار يرويها الرواة، كان يرثي فيها أباه ويحضه على البيعة لابنه من مثل قوله (7):
اصبر يزيد فقد فارقت ذامقة … واشكر حباء الذي بالملك حاباكا
لا رزء أعظم في الأقوام نعلمه … كما رزئت ولا عقبي كعقباكا
أصبحت راعي أهل الدين كلهم … فأنت ترعاهم والله يرعاكا
وفي معاوية الباقي لنا خلف … إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا
ونمضي الى عصر المروانيين، وأول من نلقاه من شعرائهم أبو العباس (8) الأعمي الشاعر المكي مولي بني الدئل يقول أبو الفرج الأصبهاني: «كان من شعراء بني أمية المعدودين المقدمين في مدحهم والتشيع لهم وانصباب الهوي إليهم» ونراه حين غلب ابن الزبير على الحجاز ونفي عنه الأمويين وعلي رأسهم مروان ابن الحكم يبكيهم بأشعار كثيرة من مثل قوله:
ولم أر حيا مثل حي تحملوا … الى الشام مظلومين منذ بريت (9)
أعز وأمضي حين تشتجر القنا … وأعلم بالمسكين حيث يبيت
339ص
إذا مات منهم سيد قام سيد … بصير بعورات الكلام زميت (10)
ليت شعري أفاح رائحة المس … ك وما إن أخال بالخيف أنسي (11)
حين غابت بنو أمية عنه … والبهاليل من بني عبد شمس
خطباء على المنابر فرسا … ن عليها وقالة غير خرس
لا يعابون صامتين وإن قا … لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس
وبلغ ابن الزبير نبذ من كلامه وأنه يمدح عبد الملك ويرسل له بجوائزه وصلاته، فنفاه الى الطائف، وهناك أخذ يهجوه وآله هجاء مرا، محرضا عبد الملك على حربه، وعلي نحو ما كان ينحرف عن ابن الزبير كان ينحرف عن بني هاشم، وفي ذلك يقول لأبي الطفيل عامر بن واثلة وكان شيعيا:
لعمرك إنني وأبا طفيل … لمختلفان والله الشهيد
لقد ضلوا بحب أبي تراب … كما ضلت عن الحق اليهود
ويقال إنه أدرك دولة بني العباس، وتروي له أشعار مختلفة-إن صحت-في بكاء الأمويين، يتفجع فيها عليهم ويتحسر تحسرا شديدا من مثل قوله:
خلت المنابر والأسرة منهم … فعليهم حتي الممات سلام
وممن كان يلهج بهم ويقف في صفوفهم نابغة بني شيبان (12) عبد الله بن المخارق، ويستظهر أبو الفرج أنه كان نصرانيا، لحلفه بالإنجيل والرهبان والأيمان التي يحلف بها النصاري، وفي ديوانه أشعار كثيرة تدل أنه اعتنق الإسلام من مثل قوله:
ويزجرني الإسلام والشيب والتقي … وفي الشيب والإسلام للمرء زاجر
ص340
وكان منقطعا الى عبد الملك، فلما هم بخلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد العهد مثل بين يديه ينشده قصيدة طويلة يقول في تضاعيفها:
لابنك أولي بملك والده … ونجم من قد عصاك مطرح
فعلم الناس أن هذا هو رأي عبد الملك. وظل من بعده يمدح أبناءه، وله تهنئة طويلة ليزيد حين قضي أخوه مسلمة على ابن المهلب. ولزم بعده ابنه الوليد، وله فيه مدائح كثيرة، وكان من هواه في الخمر والشراب، وله فيها أشعار طريفة.
وعلي شاكلته في الانتصار لبني مروان أعشي قبيلته عبد (13) الله بن خارجة، وكان شديد التعصب لهم، وله في عبد الملك مدائح كثيرة، يحضه فيها على حرب ابن الزبير والقضاء عليه من مثل قوله:
آل الزبير من الخلافة كالتي … عجل النتاج بحملها فأحالها (14)
قوموا إليهم لا تناموا عنهم … كم للغواة أطلتم إمهالها
إن الخلافة فيكم لا فيهم … ما زلتم أركانها وثمالها (15)
أمسوا على الخيرات قفلا مغلقا … فانهض بيمنك فافتتح أقفالها
ومن شعراء بني أمية أبو عطاء (16) السندي مولي بني أسد، وكانت فيه لكنة سبق أن تحدثنا عنها وكان من شعراء يزيد بن عمر بن هبيرة آخر ولاة الأمويين على العراق، ولما قتله العباسيون رثاه مراثي بديعة. وقد عاش الى أيام المنصور، ونراه يبكي بني أمية حين سقطت دولتهم هاجيا العباسيين في أشعار كثيرة من مثل قوله:
يا ليت جور بني مروان عاد لنا … وأن عدل بني العباس في النار
بني هاشم عودوا الى نخلاتكم … فقد قام سعر التمر صاعا بدرهم
فإن قلتم رهط النبي وقومه … فإن النصاري رهط عيسي بن مريم
ص341
وبجانب هؤلاء الشعراء كثيرون كانوا لا ينقطعون لبني أمية، ولكنهم كانوا يمدحونهم من حين الى حين، منوهين بأن الأمة لا تصلح إلا عليهم، ولا تتم لها سعادتها إلا بهم، وكانوا لا يزالون يقولون إنهم المختارون للأمة على شاكلة قول الأحوص في الوليد بن عبد الملك (17):
تخيره رب العباد لخلقه … وليا وكان الله بالناس أعلما
وقد يصعدون بهم فيشهونهم بالأنبياء، يقول يزيد بن الحكم في سليمان (18):
سميت باسم امرئ أشبهت شيمته … عدلا وفضلا سليمان بن داودا
أحمد به في الوري الماضين من ملك … وأنت أصبحت في الباقين محمودا
وكان في زهد عمر بن عبد العزيز مدد لهم لا ينفد في تصوير تقواه وانصرافه عن الدنيا ومتاعها الزائل على نحو ما أسلفنا عند كثير، ويقول العبلي في هشام بن عبد الملك وأسلافه (19):
يقطعون النهار بالرأي والحز … م ويحيون ليلهم بالسجود
والغريب أن نجد هذا التصوير يمتد حتي الى من عرفوا منهم بالمجون مثل الوليد بن يزيد، وفيه يقول يزيد بن ضبة (20):
إمام يوضح الحق … له نور على نور
ولما اضطربت الدولة في عهده وعهد خلفائه، وأخذوا يحتربون ويقتل بعضهم بعضا، وبدت في الأفق النذر بزوال حكمهم كتب نصر بن سيار واليهم على خراسان الى يزيد بن عمر بن هبيرة واليهم على العراق يستنصره وينبئه عن تحرك الشيعة في دياره قائلا (21):
أري خلل الرماد وميض جمر … فيوشك أن يكون له اضطرام
فقلت من التعجب ليت شعري … أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نياما … فقل قوموا فقد طال المنام
ص342
ولم تلبث الثورة عليهم أن اندلعت، وقوضت حكمهم سنة 132 للهجرة بين عويل كثير من الشعراء وبكائهم، على نحو ما أسلفنا عند أبي عطاء السندي ونقف الآن عند شاعرين مهمين من شعرائهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الأخبار الطوال للدينوري (طبع ليدن) ص 170.
(2) الأغاني (ساسي) 18/ 71.
(3) يبوئها: ينزلها.
(4) الجد: الحظ.
(5) انظر الأغاني (طبع دار الكتب) 12/ 159.
(6) انظر في ترجمته الشعر والشعراء 2/ 633 وابن سلام ص 522 والخزانة 3/ 638.
(7) البيان والتبيين 2/ 132. والمبرد ص 785 وراجع المصادر السابقة.
(8) انظر في ترجمته الأغاني (طبع الساسي) 15/ 57 ونكت الهميان للصفدي ص 153 ومعجم الأدبا 11/ 179 والتهذيب 3/ 449 والبيان والتبيين 1/ 232، 233.
(9) تحملوا: ارتحلوا. بريت: خلقت.
(10) زميت: وقور.
(11) الخيف: ناحية من مني بمكة.
(12) انظر في ترجمته الأغاني (طبع دار الكتب) 7/ 106 وقد نشرت دار الكتب ديوانه.
(13) انظر ترجمته في الأغاني طبع (ساسي) 16/ 155 وقد نشر جاير ديوانه ملحقا بديوان أعشي قيس.
(14) أحالها: جعلها لا تنتج.
(15) الثمال: الغياث الذي يقوم بأمر قومه.
(16) انظر في ترجمة أبي عطاء أغاني (ساسي) 16/ 78 والشعر والشعراء 2/ 742 والخزانة 4/ 170 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 456 والعيني 1/ 560.
(17) أغاني (دار الكتب) 1/ 298.
(18) أغاني (دار الكتب) 12/ 288.
(19) أغاني 11/ 306.
(20) انظر ترجمته في الأغاني 7/ 95 وما بعدها.
(21) البيان والتبيين 1/ 158.