1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاسلامي :

شعراء الغزل العذري

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:360-364

11-7-2021

3835

شعراء الغزل العذري

الغزل العذري غزل نقي طاهر ممعن في النقاء والطهارة، وقد نسب الى بني عذرة إحدى قبائل قضاعة التي كانت تنزل في وادي القري شمالي الحجاز، لأن شعراءها أكثروا من التغني به ونظمه، ويروي أن سائلا سأل رجلا من هذه القبيلة ممن أنت؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا، ويروي أيضا أن سائلا سأل عروة بن حزام العذري صاحب عفراء: أصحيح ما يروي عنكم من أنكم أرق الناس قلوبا؟ فأجابه: نعم والله لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت وما لهم داء إلا الحب.

ولم تقف موجة الغزل العذري لهذا العصر عند عذرة وحدها، فقد شاع في بوادي نجد والحجاز، وخاصة بين بني عامر، حتي ليصبح ظاهرة عامة تحتاج الى تفسير، ولا شك في أن تفسيرها يرجع الى الإسلام الذي طهر النفوس، وبرأها من كل إثم. وكانت نفوسا ساذجة لم تعرف الحياة المتحضرة في مكة والمدينة ولا ما يطوي فيها من لهو وعبث ومن تحلل أحيانا من قوانين الخلق الفاضل على نحو ما مر بنا عند الأحوص والعرجي، وهي من أجل ذلك لم تعرف الحب الحضري المترف ولا الحب الذي تدفع إليه الغرائز، فقد كانت تعصمها بداوتها وتدينها بالإسلام الحنيف ومثاليته السامية من مثل هذين اللونين من الحب، إنما تعرف الحب العفيف السامي الذي يصلي المحب بناره ويستقر بين أحشائه، حتي ليصبح كأنه محنة أو داء لا يستطيع التخلص منه ولا الانصراف عنه.

وفي كتاب الأغاني من هذا الغزل مادة وفيرة نقرأ فيها لوعة هؤلاء المحبين وظمأهم الى رؤية معشوقاتهم ظمأ لا يقف عند حد، ظمأ نحس فيه ضربا من التصوف، فالشاعر لا يني يتغني بمعشوقته، متذللا متضرعا متوسلا، فهي ملاكه السماوي، وكأنها فعلا وراء السحب، وهو لا يزال يناجيها مناجاة شجية، يصور فيها وجده الذي ليس بعده وجد وعذابه الذي لا يشبهه

 

360

عذاب. وتمضي به الأعوام لا ينساها، بل يذكرها في يقظته ويحلم بها في نومه، وقد يصبح كهلا أو يصير الى الشيخوخة، ولكن حبها يظل شابا في قلبه، لا يؤثر فيه الزمن ولا يرقي إليه السلوان، حتي ليظل يغشي عليه، بل حتي ليجن أحيانا جنونا.

وتقترن بأشعار هذا الغزل أسماء كثيرة، كما يقترن به قصص غزير، وهو قصص فيه بساطة وسذاجة حلوة، قصص يصور لنا حياة هؤلاء العشاق العذريين المتبدين، وقد أحكم الرواة نسجه، إذ مضوا يلفقون فيه عقدة نفسية، خيلوا لسامعيهم أنها عقدة حقيقية، وذلك أنهم زعموا أنه كان من تقاليد العرب أن لا يزوجوا فتياتهم ممن يتغزلون بهن، لما يجلبن لهن من فضيحة بين العرب.

وهو تقليد لم يعرف في جاهلية ولا إسلام. وقد مضوا يقولون إن السلطان كان يهدر دماء هؤلاء الغزلين، كأنهم أتوا جناية عظيمة، ولو قتل السلطان في الغزل لقتل أمثال الأحوص، لا هؤلاء المتعففين أصحاب الحب الطاهر الشريف، وقد حرم القرآن الكريم والحديث النبوي قتل النفس بغير حق. ولا شك في أن هذا كله قصص لفقه الرواة كي يوجدوا لهذا الغزل عقدة، بعثت على ما أحسوه عند هؤلاء العشاق من إحساس بالحرمان الشديد. وإذا كان خيال الرواة لعب في أخبارهم فإنه لعب أيضا في أسمائهم، إذ اخترع من لدنه لبعض هذه الأخبار وما طوي فيها من أشعار أشخاصا لعلهم لم يوجدوا أبدا.

وارجع الى أخبار مجنون بني عامر وأشعاره التي احتلت في الجزء الثاني من كتاب الأغاني تسعين صحيفة ونيفا فستجد الأصمعي يقول: «رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر وابن القرية وإنما وصفهما الرواة»، ويقول ابن الكلبي: «حدثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتي من بني أمية كان يهوي ابنة عم له، وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون، وقال الأشعار التي يرويها الناس له ونسبها إليه».

وقد يكون اسم العاشق من هؤلاء العذريين حقيقيا، غير أن الرواة أضافوا إليه أشعارا وأخبارا كثيرة، ومن خير من يمثل ذلك قيس بن ذريح، يقول أبو الفرج في ترجمته لمجنون بني عامر نقلا عن الجاحظ: «ما ترك الناس شعرا مجهول القاتل في ليلي إلا

 

361

نسبوه الى المجنون، ولا شعرا هذه سبيله قيل في لبني إلا نسبوه الى قيس بن ذريح». وقد تفصح القصة المضافة الى بعض هؤلاء العشاق عن انتحالها وأنها من صنع الرواة وإن لم ينص على ذلك القدماء، وخير ما يمثل ذلك قصة (1) وضاح اليمن التي تذهب الى أنه عشق أم البنين زوجة الوليد، وأنها هويته، فكانت تدخله عندها وتخفيه في صندوق، وعرف ذلك زوجها، فحفر بئرا عميقة، رماه فيها، وهيل عليه التراب وسويت الأرض.

وعلي هذا النحو تلقانا في هذا الغزل العذري أسماء وأخبار خيالية من صنع الرواة، غير أن وراءها أسماء وأخبارا كثيرة، لا يرقي إليها الشك. والمهم أن الظاهرة صحيحة، فقد وجد هذا الغزل العذري في العصر الأموي بنجد وبوادي الحجاز، وكثر أصحابه وكثرت أشعاره، حتي غدت لونا شعبيا عاما، ولعل شعبيتها هي التي أكثرت من القصص حولها، كما أبهمت بعض من نظموها.

وقد اختار الرواة أشخاصا، جعلوا منهم أبطالا ونسبوا إليهم كثيرا من تلك الأشعار.

وخاصة إذا اتفق أن كان فيها اسم محبوبة هذا البطل، على نحو ما صنعوا بالأشعار التي وجدوا فيها اسم لبني، فإنهم أضافوها-كما لاحظ الجاحظ-إلي قيس ابن ذريح.

ومن الأشخاص الحقيقية في هذا الغزل عروة بن حزام العذري وصاحبته عفراء، وقد ترجم له صاحب (2) الأغاني وروي له أشعارا رقيقة من مثل قوله:

وإني لتعروني لذكراك رعدة … لها بين جلدي والعظام دبيب

فو الله لا أنساك ما هبت الصبا … وما أعقبتها في الرياح جنوب

ومنهم الصمة (3) القشيري، وكان من فتيان بني عامر وشجعانهم، وأحب ابنة عم له تسمي ريا، وخطبها من أبيها فآثر عليه شابا موسرا، فزاد

362

 

شغفه بها، وأخذ ينظم الأشعار فيها. ثم رأي أن يغزو في طبرستان لعله ينساها، فخرج وذكراها لا تفارقه حتي قتل في غزوة واسمها على شفتيه، ومن قوله في عينية له بديعة:

وأذكر أيام الحمي ثم أنثني … على كبدي من خشية أن تصدعا

ومنهم كثير عزة، وقد مضت ترجمته، وذو الرمة وسنترجم له في شعراء الطبيعة. ويدخل فيهم جماعة من أتقياء مكة والمدينة، على رأسهم عبد الرحمن ابن أبي عمار الجشمي وعروة بن أذينة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وكان عبد (4) الرحمن من نساك مكة، ولقب بالقس لنسكه، وتصادف أن استمع يوما الى سلامة، فشغف بها، وشاع ذلك، فلقبها الناس بلقبه وسموها سلامة القس، وفيها يقول:

سلام هل لي منكم ناصر … أم هل لقلبي عنكم زاجر

قد سمع الناس بوجدي بكم … فمنهم اللائم والعاذر

وكان عروة (5) من فقهاء المدينة ومحدثيها، ومن الطريف أنه كان يوقع شعره ويضع له الألحان بنفسه، وبذلك نفهم وفرة الموسيقي في غزله، فهو ألحان وأنغام على شاكلة قوله:

إن التي زعمت فؤادك ملها … جعلت هواك كما جعلت هوي لها

فبك الذي زعمت بها وكلاكما … يبدي لصاحبه الصبابة كلها

بيضاء باكرها النعيم فصاغها … بلباقة فأدقها وأجلها

منعت تحيتها فقلت لصاحبي … ما كان أكثرها لنا وأقلها

أما ابن (6) عتبة فكان أحد الفقهاء السبعة المقدمين في المدينة الذين حمل عنهم الفقه والحديث، وكان ضريرا، كما كان رقيقا مرهف الإحساس، وله

 

363

غزل كثير في زوجته عثمة بعد طلاقه لها يصور فيها حبه وندمه وألمه من مثل قوله:

لعمري لئن شطت بعثمة دارها … لقد كدت من وشك الفراق أليح (7)

أروح بهم ثم أغدو بمثله … ويحسب أني في الثياب صحيح

ومن طريف ما يلقانا في هذا الحب العذري بكاء المعشوقات لمن حرموا منهن، وماتوا على حبهن، ولعل أكثرهن بكاء على معشوقها ليلي (8) الأخيلية الخفاجية العامرية، وكان قد تعلق بها من قومها فتي شاعر شجاع يسمي توبة ابن الحمير، وشغف بها شغفا، والتاع قلبه، وهام بها هياما شديدا، حتي ليقول:

ولو أن ليلي الأخيلية سلمت … على ودوني تربة وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أوزقا … إليها صدي من جانب القبر صائح (9)

وظل يلهج باسمها الى أن قتل في بعض الغارات سنة 85 للهجرة فبكته ليلي بقصائد كثيرة تصور ما أوقده في فؤادها من جذوة الحب، من مثل قولها:

أيا عين بكي توبة بن حمير … بسح كفيض الجدول المتفجر

لتبك عليه من خفاجة نسوة … بماء شئون العيرة المتحدر

وآليت لا أنفك أبكيك ما دعت … على فنن ورقاء أو طار طائر

وكل شباب أو جديد الى بلي … وكل امرئ يوما الى الله صائر

 

364

ويقال إنها ماتت في إحدي زياراتها لقبره، فدفنت الى جنبه. ونقف قليلا عند بطلين من أبطال هذا الحب العذري، هما: قيس بن ذريح عاشق لبني وجميل عاشق بثينة.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظرها بترجمته في الأغاني (طبع دار الكتب) 6/ 18؟ ؟ ؟ وما بعدها وراجع أيضا تهذيب تاريخ؟ ؟ ؟ لابن عساكر 7/ 295 وحديث الأربعاء 1/ 293.

(2) أغاني (ساسي) 20/ 152 وانظر الشعر والشعراء 2/ 604 وذيل الأمالي ص 157 والخزانة 1/ 533.

(3) ترجمته في الأغاني (طبع دار الكتب) 6/ 2 وما بعدها وانظر قصيدته العينية في الطرائف الأدبية ص 76.

(4) انظر في حبه لسلامة الأغاني (طبع دار الكتب) 8/ 334 وما بعدها.

(5) راجع في ترجمته الأغاني (طبعة ساسي) 21/ 105 والشعر والشعراء 2/ 560 والموشح ص 211.

(6) انظر ترجمته في الأغاني (طبع دار الكتب) 9/ 139 وما بعدها وصفة الصفوة 2/ 51 وتهذيب التهذيب ونكت الهميان 197.

(7) أليح: أشفق وأجزع.

(8) انظر في ليلي الأخيلية وأخبارها مع توبة ترجمتها في الأغاني (طبع دار الكتب) 11/ 204 وما بعدها والشعر والشعراء 1/ 416 والأمالي للقالي 1/ 86 وما بعدها.

(9) زقا: ضاح.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي