1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مختارات
المراد بالفطرة الإنسانية
السيد محمد باقر السيستاني
2023/10/16
المراد بالفطرة الإنسانية خلق الإنسان وتكوينه الخاص بأبعاده المختلفة، فإنّ للإنسان تكويناً إدراكياً وجسدياً ونفسياً وسلوكياً وأخلاقياً وحِكَميّاً خاصّاً، كما هو ملحوظ بالوجدان وهو أمر ظاهر في علوم التشريح ووظائف الأعضاء والطبّ وفي علوم النفس بأنواعها.
وهذا التكوين يملي على الإنسان وفق قواعد الإدراك السليم بعيداً عن وجوه التفكير الارتغابي استجابات وحدوداً وقوانين خاصّة لسلوكه هي ملائمة مع هذا التكوين، وهي كما قلنا أشبه بالتوضيحات التي تقرن بالأجهزة الصناعية في بيان أسلوب تشغيلها والانتفاع بها وصيانتها.
فهذه الاستجابات والحدود نعبّر عنها بالاقتضاءات الفطرية؛ لأنّها مما فطر عليها الإنسان.
وتقع في مقابل ذلك اقتضاءات وحوائج مكتسبة ينجذب الإنسان إليها في إثر عوامل حادثة كالانفعالات والعادات والأعراف وحدوث الإدمان عليها وغير ذلك.
فالفارق بين الاقتضاءات الفطرية والمكتسبة أنّ الاقتضاءات الفطرية هي اقتضاءات ثابتة كامنة في تكوين الإنسان كما هو الحال في الأكل والشرب والنوم والحركة وطلب الراحة والمعاشرة والزواج والتوليد والاستطلاع والنظافة.
وأما الاقتضاءات المكتسبة فهي ما يتعلق بها الإنسان وفق عوامل متجددة، نظير أكثر تفاصيل العادات الغذائية والاجتماعية، فإنها ليست بهذه التفاصيل مما تتضمنه خلقة الإنسان، بل هي مناحي مكتسبة لتعلقات فطرية، فالإنسان مفطور على تناول الطعام، ولكنه ليس مفطوراً على تناول هذا الطعام أو ذاك، وإنما يحصل التعلق بطعامٍ ما من خلال العادات والميول المتجددة.

وتختلف الاقتضاءات الفطرية عن الاقتضاءات المكتسبة من وجهين:

الوجه الأوّل: اختلافهما في تقديرها والاعتبار بها في القوانين الفطرية.
فالاقتضاءات الفطرية المتعارفة ذات دلالات تشريعية وأخلاقية ودينية، بمعنى أنّ ممارسة الإنسان لما فطر عليه يكون على الإجمال أمراً مشروعاً وأخلاقياً وشرعياً لا محالة، فيجوز للإنسان الأكل والشرب والزواج والتوليد ونحوها.
وأما الاقتضاءات المكتسبة فليس لها دلالات من هذا القبيل، بل القبول بها بحسب القانون الفطري يتوقف على شرطين:

١ - عدم مجافاتها مع الحاجات الفطرية ومع القانون الفطري.
٢- أن لا يكون الإيفاء بها خلاف الحكمة لعدم ملاءمتها مع الصلاح الإنساني.
ولذلك فإنّ حاجة المدمن على المخدرات مثلاً ليست حاجة مشروعة في التقدير العقلائي العام وإن كان هناك شعور قوي بها، لعدم توفر أيٍّ من الشرطين فيها.

أما الشرط الأول: - وهو عدم المجافاة مع الفطرة - فلأنّها من جهة أضرارها مجافية مع الحاجة الفطرية إلى الصحة والسلامة النفسية.

وأما الشرط الثاني: - وهو عدم مخالفتها مع الحكمة والصلاح - فلأنّها توجب ابتلاء الآخرين بها فينافي الصلاح الإنساني العام.
إذاً يستخلص من ذلك أن كون الإنسان مطبوعاً على اقتضاءات معينة متعارفة دليل صوابها ومشروعيتها بحسب القانون الفطري، فلا يصح المنع عما بني عليه الطبع واقتضته الفطرة.
فإن انطوت الفطرة العامة التي اقتضت تلك الحاجة على اتجاه محدد كانت دليلاً على مشروعية ذلك الاتجاه الخاص دون ما يغايره، وإن خلت الفطرة العامة عن أي اتجاه محدد ينبغي الانتباه إلى مقتضى الحكمة في شأن القبول العام بهذا الاتجاه أو ذاك من خلال تقدير الصالح الخاص والعام بالنظر إلى آثار كل اتجاه سلوكي على الإنسان والمجتمع الإنساني، فإن لم يكن هناك محدد حكيم لاتجاه معين تعين القبول بكل اتجاه مكتسب والبناء على مشروعيته، وإن كان هناك محدد حكيم لاتجاه ما لموافقته للصلاح العام دون غيره لزم تحديد مشروعية تلك الحاجة بالاتجاه الحكيم.

الوجه الثاني: - الفارق بين الاقتضاءات الفطرية والاقتضاءات المكتسبة - وهو ما يتعلق بالمنظور الطبي، وذلك في مقام التشخيص بين الحالة السليمة والحالة المرضية وشبهها.
وذلك أنّ الاقتضاءات الفطرية تكون حالات سليمة من المنظور الفطري، ولن تُعتبر حالات مرضية بتاتاً، بل يكون فقدانها ووجود أضدادها حالة مرضية أو شبه مرضية استوجبها اختلال في أصل الخلق من خلال تشوّه الإنسان عند نشأته حيث كان جنيناً، أو اختلال طارئ لاحقاً في أثر حوادث خاصة.
وأما الاقتضاءات المكتسبة فيجوز أن تكون حالات غير سليمة حتى وإن تجذّرت بحيث لم يمكن التخلص منها كما هو الحال في الإدمان على الأشياء على وجه يشلّ النشاطات الطبيعية للإنسان، وكذلك الحالات المستدامة من الكآبة والقلق والاضطراب والخوف والوسوسة والهلاوس البصرية والسمعية والتخيلات الواهمة، وكذلك الحال في الميول الغريزية إلى الأطفال والحيوانات والميل إلى ممارسة العنف الزوجي والأسري والاجتماعي (السادية)، أو الميل إلى أن يقع الإنسان مورد العنف الزوجي ونحوه (المازوخية).


من كتاب تكامل الذكر والانثى في الحياة/ للسيّد محمّد باقر السيستاني/ ح١ ، ص ٢5
اعضاء معجبون بهذا
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 7 ايام
2025/10/01م
بحر آرال كان في منتصف القرن العشرين رابع أكبر بحيرة داخلية في العالم، يقع بين كازاخستان وأوزبكستان. غير أن المشاريع السوفيتية في الستينيات، التي حولت مجاري الأنهار المغذية له لريّ القطن، تسببت في انكماشه بشكل كارثي. خلال عقود قليلة فقد البحر أكثر من 90 من مساحته، وانقسم إلى أجزاء صغيرة مع تدهور بيئته... المزيد
عدد المقالات : 52
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/09/25م
يُعد جسر الروماني أحد أبرز المعالم التاريخية التي عرفتها مدينة الموصل على نهر دجلة، حيث يعود بناؤه إلى الحقبة الرومانية عندما كانت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية في القرون الأولى للميلاد. وقد شكّل الجسر آنذاك عقدة وصل مهمة للتجارة والتنقل بين ضفتي النهر، مما جعل الموصل مركزًا استراتيجيًا... المزيد
عدد المقالات : 52
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/09/17م
لقد أسقط السيد محمد باقر الصدر قدس سره بنظريته الاستقرائية في الاحتمالات صرح الماركسية يوم كانت تتسيّد الساحة الفكرية وتبشّر بحتمية انتصارها. واليوم، ونحن في عالمٍ ما بعد الحرب الباردة، نجد أنّ البرهان نفسه لا يزال يمدّنا ببصيرته النافذة. فالماركسية لم تسقط وحدها، بل سقطت معها كل النظريات التي... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/09/17م
حسن الهاشمي القِيَم جمع قِيمة، وهي المبادئ أو المعايير الأخلاقية والسلوكية التي تُوجّه سلوك الأفراد والمجتمعات، وتُعبّر عمّا يعتبره الناس جيدا، مرغوبا، أو صائبا، يعضده في ذلك التفاعل الفطري الداخلي والانسجام الرسالي الخارجي، لما لتلك القيم من حوافز جوهرية في تكامل الانسان وازدهاره ليس في حياته... المزيد
عدد المقالات : 341
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه "يعقوب"، رجل عُرف يومًا بحكمته الراجحة ولسانه البليغ، لكنه اليوم بات شبحًا لمن كان. نشب خلاف بين تاجرين، وارتفعت الأصوات، فتوجهت الأنظار إلى يعقوب، الذي كان الحَكم في مثل هذه النزاعات. قال أحدهم: "يا يعقوب، احكم... المزيد
عدد المقالات : 12
علمية
يُعد الدماغ البشري من أكثر الأعضاء تعقيدًا، فهو لا يقتصر على الذاكرة والتفكير فحسب، بل يشمل أيضًا تنظيم العواطف والصحة النفسية. وفي صميم هذا التنظيم، تكمن كيمياء الدماغ، التي تُشير إلى توازن وتفاعل مختلف النواقل العصبية. هذه النواقل العصبية هي... المزيد
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الخامس والستون: عندما يتكلم الواقع: رؤية الفيزيائي بين الشكّ والتجربة الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 7/10/2025 من الواضح الآن أن العديد من الفلاسفة المحترفين يعتقدون أن العلماء مخطئون بشأن ما يظنون أنهم... المزيد
نظراً لطبيعة الرمال المتحركة في هذه التكوينات الرملية في صورها المختلفة وانخفاض سعتها الحقلية، وتعرض النباتات للرياح وطمرها بالرمال، فإن هذه المواطن البيئية تعمرها مجتمعات نباتية مفتوحة، وتكون كثافة الأنواع فيها متدنية، إذ إنها تتكون من أنواع... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com