قال الله تعالى في كتابة الكريم: {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون} [الأعراف: 9].
هذه الآية الكريمة تجسد حقيقة عظيمة من حقائق يوم القيامة، حيث توضع الموازين لتقاس بها أعمال العباد، فيكشف عن حقيقة كل نفس وما قدمت من خير أو شر.
فمن خفت موازينه، فقد خسر نفسه خسارة لا تعوض، إذ ضيع فطرته السليمة التي فطره الله عليها، واقترف ما جعله عرضة للعذاب الأليم.
{بما كانوا بآياتنا يظلمون}: فبدلا من أن يتلقوا آيات الله بالتصديق والإيمان، قابلوها بالتكذيب والجحود، وفي تفسير القمي: "بالأئمة يجحدون"، أي أن ظلمهم يتجلى في جحودهم لأولياء الله وحججه على خلقه.
وفي الاحتجاج، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل: أليست الأعمال توزن فأجاب: "لا، لأن الأعمال ليست أجساما، وإنما هي صفة لما عملوا، وإنما يحتاج إلى وزن الشيء من يجهل عدد الأشياء ولا يعرف ثقلها ولا خفتها، والله لا يخفى عليه شيء"، فقيل له: فما معنى الميزان فقال: "العدل". ثم سئل عن قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه} [الأعراف: 8]، فقال: "فمن رجح عمله".
وهنا يتبين لنا سر الميزان: إنه المعيار الذي يقاس به قدر كل شيء، فميزان الناس يوم القيامة هو ما يعرف به قدر كل إنسان وقيمته، بناء على عقيدته وأخلاقه وأعماله، ليجزى كل نفس بما كسبت.
وهذا الميزان ليس إلا الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، فهم المقياس الذي يعرف به مقدار الناس وقدر حسناتهم وسيئاتهم، فبهم، وباتباع شرائعهم، والاقتداء بآثارهم، أو بالابتعاد عن سيرتهم، توزن الأعمال.
فميزان كل أمة هو نبيها ووصي نبيها، والشريعة التي أتى بها، فمن ثقلت موازينه، أي كثرت حسناته ورجحت أعماله الصالحة، فأولئك هم المفلحون.
ومن خفت موازينه، فقد خسر نفسه، لأن ظلمه تجلى في تكذيبه للأنبياء والأوصياء، أو في عدم اتباعهم والاستجابة لدعوتهم.
وفي الكافي والمعاني، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله عز وجل: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47]، فقال: "هم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)".
وفي رواية أخرى: "نحن الموازين القسط".
فالموازين هنا ليست أوزانا مادية، بل هي معايير إلهية تجسد العدل الإلهي، وتظهر حقيقة كل إنسان في ميزان الحق، فمن رجحت موازينه بالإيمان والعمل الصالح، فقد فاز فوزا عظيما، ومن خفت موازينه بالجحود والظلم، فقد خسر نفسه في الدنيا والآخرة.
وهكذا تكون الموازين هي العدل الإلهي الذي لا يظلم مثقال ذرة، والذي يظهر للناس حقيقة ما قدموا، فيكون الفلاح للصادقين، والخسران للظالمين.







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN