لَيسَتْ مُجَرَّدَ حَفِيدَةٍ لرَسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ)، بَلْ هِيَ رَمزٌ مِنْ رموزِ النَّقاءِ والطَّهارَةِ في التأريخِ الإسلاميِّ، حَظِيَتْ بِمَقامٍ رَفيعٍ بينَ أهلِ البَيتِ (عَليهِمُ السَّلامُ).
كما أنَّ الإسمَ "فاطمةَ" الذي تَحمِلُهُ ليسَ مُجَرَّدَ صِدفَةٍ، بَلْ هُوَ انعكاسٌ لِعُمقِ العَلاقَةِ الروحيَّةِ والنَّسَبِيّةِ بينَها وبينَ جَدَّتِها السيّدَةِ فاطِمَةَ الزَّهراءِ (عَليها السَّلامُ)، فالسيِّدةُ المَعصُومَةُ اكتَنَزَتْ مِنْ صِفاتِ الكمالِ والجَّلالِ الكثيرَ، بحيثُ جَسَّدَتْ في سِيرَتِها الشَّخصيَّةِ قِيَمَ العِفَّةِ، والعِلمِ، والعَمَلِ الصالحِ، والتَّقوى. وقد لُقِّبَتْ بـ (كريمَةِ أهلِ البَيتِ)؛ لأنَّها عُرِفَتْ بكَرَمِها الرُّوحيِّ والمادّيِّ على السَّواء.
تَتَجَلَّى عَظمَةُ السيِّدَةُ المعصُومَةُ في الرُّواياتِ التي تَحَدَّثَتْ عَنْ مَقَامِها الرَّفيعِ، حيثُ أنَّ خمسَةً مِنَ المَعصُومِينَ (عَليهِمُ السَّلامُ) أشَارُوا إلى ذلكَ. مِنْ هؤلاءِ المَعصومينَ، الإمامُ الرِّضا (عَليهِ السَّلامُ) الذي قَالَ:
(مَنْ زَارَ المَعْصُومَةَ بِقُم كَمَنْ زَارَنِيْ)
في إشارَةٍ إلى مَنزِلَةِ زيارَتِها وارتباطِها الوثيقِ بهِ، هذا الكلامُ وَحدُهُ يكفِي ليكشِفَ عَنْ مَكانَتِها الرُّوحيَّةِ التي تَجعَلُ زِيارَتَها مُماثِلَةً لزِيارَةِ الإمامِ الرِّضا (عَليهِ السَّلامُ) نفسِهِ.
أمّا الإمامُ الجَّوادُ (عَليهِ السَّلامُ)، فَقَدْ وَعَدَ زوّارَها بِجَنَّةِ عَدنٍ { الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} ، إذ قال: ( مَنْ زَارَ قَبْرَ عَمَّتِيْ بِقُمَّ فَلَهُ الجَنَّةُ).
هذا الحديثُ يُظهِرُ أنَّ زيارتَها ليسَتْ مُجَرَّدَ فِعلٍ عابِرٍ، بَلْ هِيَ مِنَ الأمورِ العَظيمَةِ التي تُدخِلُ الجَنَّةَ. وهَلْ هُنالِكَ أعظَمُ مِنْ ذَلكَ .
لِمَ لُقِّبتْ بالمَعصُومَةِ
لَقَبُ (المَعصُومَةِ) الذي أُطلِقَ عَليها لا يَعنِي العِصمَةَ التامَّةَ المعروفَةَ عَنِ الأئمَّةِ المَعصُومينَ (عَليهِمُ السَّلامُ)، الذينَ نَصَّ اللهُ تعالى على عِصمَتِهِم على لِسانِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ). بَلْ هِيَ عِصمَةٌ كَسبِيَّةٌ، وهذا النوعُ مِنَ العِصمَةِ هُوَ إشعارٌ بِبُلوغِ السيِّدَةِ المَعصُومَةِ مَرتَبةً مِنَ الطَّهارَةِ والنَّقاءِ التي تُقَرِّبُها مِنَ العِصمَةِ المَعروفَةِ لدى أهلِ البَيتِ. فَهِيَ شَبيهَةٌ بجَدَّتِها السيِّدَةِ فاطِمةَ الزَّهراءِ (عَليها السَّلامُ) في تَهَجُّدِها وتَقَواها، ونَشَأَتْ في بَيتٍ طاهِرٍ يَزخَرُ بالمَعصُومينَ، فَهِيَ ابنةُ معصومٍ، وأُختُ مَعصومٍ، وعَمَّةُ مَعصومٍ.
مَنِ الّذي تَوَلّى دَفنَها
مكانَةُ السيِّدَةِ المَعصُومَةِ العالِيَةِ تَتَجَلَّى في الطّريقَةِ التي تَمَّ دَفنُها بِها ، حيثُ تَوَلَّى الإمامُ الرِّضا (عَليهِ السَّلامُ) بنفسِهِ عَمَلِيَّةَ دَفنِها، وهذا الحَدَثُ يُعَدُّ مِنَ العَلاماتِ البارِزَةِ على رَفيعِ مَقامِها. مَشهَدُ دَفنِها يُذَكِّرُنا بِما فَعَلَهُ الإمامُ السّجَّادُ (عليهِ السَّلامُ) معَ جُثمانَي الشَّهيدَينِ أبي الفَضلِ العَبّاسِ وعَليٍّ الأكبرِ (عَليهِما السَّلامُ) في كربلاءَ. كُلُّ هذهِ الدلائلِ تُشيرُ إلى أنَّ للسيِّدَةِ فاطمةَ المَعصُومَةِ رُتبَةٌ سامِيَةٌ تجعَلُها مَوضِعَ غِبطَةٍ مِنَ الأولياءِ والشُّهداءِ، رَغمَ أَنَّها ليسَتْ مَعصومَةً كالأئمّةِ المَعصُومينَ (عَليهِمُ السَّلامُ).
خَاتِمَة
إنَّ مَقَامَ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ المَعصُومَةِ (عَليها السَّلامُ) هُوَ مَقَامٌ مُمَيَّزٌ في تأريخِ أهلِ البَيتِ (عَليهِمُ السَّلامُ)، يَعكِسُ عَظَمَةَ تَربِيَتِها ونَشأَتِها في بَيتِ النُّبُوَّةِ.
ومزارُها اليومَ في قُمَّ مَوضِعُ الأُنسِ، وَمَقصَدُ الطالبِ، ومَلجَأُ المُتَحِيِّرِ، مَن قَصَدَها عارِفًا بِحَقِّها ضُمِنَتْ لَهُ الجَنَّةُ ،ولايَزالُ أهلُ تِلكَ البِلادِ يَنعُمونَ بِبَرَكَتِها آناءَ اللّيلِ وأطرافَ النَّهارِ .







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN