بِدَايَةُ مَرْحَلَةِ التَّغْيِيْرِ الشَّامِلَةِ مِنَ الدَّمِ إلى القَلَمِ
بَعْدَ اسْتِشْهَادِ الإمَامِ الحُسَيْنِ (عليْه السَّلامُ) وأصْحَابِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، بَدَأَتْ مَرْحَلَةُ التَّغْيِيْرِ الشَّامِلَةِ مِنَ الدَّمِ إلى القَلَمِ..
مُتَطَلَّبَاتُ المَرْحَلَةِ قَد تَغَيَّرَتْ مِنَ الحَرْبِ بِالسَّيفِ إلى الحَرْبِ الفِكْرِيَّةِ، فَقَد حَصَلَ بِسَبَبِ التَّوَسُّعَاتِ الأمويَّةِ فِي بِلادِ الغَرْبِ تَغْييرَاتٌ دِيمغرَافِيَّةٌ فِي هَيْكَلَةِ المُجتَمَعِ الإسْلامِيِّ، ونَتِيْجَةً لِلحِصَارِ المَفرُوضِ على الإمامِ زَينِ العابدِينَ (عليْه السَّلامُ) عَمَدَ إلى مُوَاجَهَةِ الأفْكَارِ وَالأعرَافِ الدَّخِيلَةِ إلى البِنْيَةِ الإسْلامِيَّةِ بأُسلُوبِ الدُّعَاءِ وَالمُنَاجَاةِ.
وَهَكَذا تَحَمَّلَ عِبْءَ الرِّسَالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الإمَامُ البَاقِرُ (عليْهما السَّلامُ).
تَطَلَّبَتْ مَرْحَلَةُ إمَامِنَا البَاقِرِ أن يَقُوْمَ بِتَشْيِيْدِ أُسُسِ الحَضَارَةِ الإسْلامِيَّةِ وَتَحْصِينِ الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ بِرَوَافِدِ المَعْرِفَةِ الحَقَّةِ؛ لِتَقِفَ فِي وَجْهِ المَدِّ الثَّقَافِيِّ الَّذِيْ كَانَ يَخْتَرِقُ الحَيَاةَ الإسْلامِيَّةَ بِسَبَبِ تِلْكَ الفُتُوْحَاتِ والانْفِتَاحِ الحَضَارِيِّ عَلَى ثَقَافَاتِ الأُمَمِ الوَافِدَةِ عَلَى الدَّوْلَةِ الإسْلامِيَّةِ.
وِمنْ هُنَا نَسْتَطِيْعُ أن نَقُوْلَ: إنَّ المَعَالِمَ الرَّئِيْسَةَ لِرِسَالَةِ الأَئمَّةِ بَعْدَ الحُسَيْنِ (عليْه السَّلامُ) تَتَلَخَّصُ فِي التَّحْصِيْنِ المَعْرِفِيِّ وَالثَّقَافِيِّ لِلأُمَّةِ المُسْلِمَةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ وَلِلجَمَاعَةِ الصَّالِحَةِ بِشَكْلٍ خَاصٍّ.
لِذَلِكَ عُدَّ ذَلِكَ العَصْرُ مِن أشَدِّ العُصُورِ الإسْلامِيَّةِ حَسَاسِيَةً؛ نَتِيْجَةً لِتِلْكَ الفُتُوْحَاتِ الَّتِي وَصَلَتْ إلى أقْصَى بِقَاعِ الأرْضِ حَتَّى أثَارَتْ حَفِيْظَةَ المُتَنَفِّذِيْنَ مِن أرْبَابِ المَصَالِحِ وَالمَنَاصِبِ مِن تِلكَ الشُّعُوبِ، فَشَكَّلَتْ مَوْجَةً مِنَ الحِقْدِ فِي نُفُوْسِهِمْ، فَبَدَأوْا بِمُحَارَبَةِ الإسْلامِ بِحَمْلَةٍ دِعَائِيَّةٍ ضِدَّ العَقِيْدَةِ الإسْلامِيَّةِ وأذَاعُوا الشُّكُوْكَ بَيْنَ أَبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ، وَلَمْ يَتَصَدَّ لَهُمْ غَيْرُ الإمَامِ البَاقِرِ (عليْه السَّلامُ) بَعْدَ رَدِّهِ لِجَمِيْعِ الشُّبُهَاتِ الكَلامِيَّةِ وَالعَقَدِيَّةِ المُثَارَةِ ضِدَّ العَقِيْدَةِ الحَقَّةِ .. وَسْطَ غَفْلَةٍ وَتَيَهَانٍ وَعَجْزٍ مُطْبَقٍ مِنَ الحُكُوْمَةِ الأمَويَّةِ.
وَنَتِيْجَةً لِذَلِكَ سَمَتْ شَخْصِيَّةُ الإمَامِ عَلَى جَمِيْعِ الشَّخْصِيَّاتِ الإسْلامِيَّةِ مَعَ َالاجْمَاعِ عَلَى تَعْظِيْمِهِ وَالاعْتِرَافِ لَهُ بِالفَضْلِ حتّى مَلَكَ عَوَاطِفَ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ؛ مِمَّا أجَّجَ غَضَبَ الأمويِّيْنَ وَحِقْدَهُمْ فَأَجْمَعُوْا عَلَى اغْتِيَالِهِ والتَّخَلُّصِ مِنْهُ بِدَسِّ السُّمِّ لَهُ.
وَقَبْلَ رَحِيْلِهِ (عليْه السَّلامُ) أعْلَنَ وَصِيَّتَهُ الأَخِيْرَةَ لِوَلَدِهِ الإمَامِ الصَّادِقِ (عليْه السَّلامُ) قائلاً: ((يَا جَعْفَرُ أُوصِيْكَ بِأَصْحَابِي خَيْرًا))، فقالَ له (عليْه السَّلامُ): ((جُعِلْتُ فِدَاكَ وَاللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ وَالرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ فَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا)).
وَأَوْصَى وَلَدَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي قَمِيْصِهِ الّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيْهِ؛ لِيَكُوْنَ شَاهِدَ صِدْقٍ عِنْدَ اللّهِ تعالى عَلَى عَظِيْمِ عِبَادَتِهِ، وَطَاعَتِهِ لَهُ.
فَقَامَ (عليْه السَّلامُ) بِتَجْهِيْزِ الجُثْمَانِ المُقَدَّسِ فَغَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ، وَهُوَ يَذْرِفُ أَحَرَّ الدُّمُوْعِ عَلَى فَقْدِ أَبِيْهِ الّذِي مَا أظَلَّتْ عَلَى مِثْلِهِ سَمَاءُ الدُّنْيَا فِي عَصْرِهِ عِلْمًا وَفَضْلاً وَحَرِيْجَةً فِي الدِّيْنِ.







وائل الوائلي
منذ 19 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN