ها قد اقبل شهر الله ناشراً جناحاً من الرحمة واخر من الغفران يظلل بهما صائميه , ها قد اقبل شهر القرآن مبشراً المرتلين لأجزاء هذا السفر الخالد بمضاعفة الحسنات ومحو السيئات والارتفاع بالدرجات , ها قد اقبل شهر الخير ليعم بالبركة وجزيل الفضل الالهي كل من عمل فيه عملاً يقصد به القربة الى الله , ها قد اقبل هذا الشهر الكريم محملاً بوعود العتق من النيران , فكل خير فيه مضاعف بأكثر من مثله اضعافاً , وفيه تُغلُّ شياطين الجن فلا تعمل طيلة هذا الشهر , فماذا اعددنا للقاءه ؟..
فكما لله تعالى بقاع في الأرض، لها خصوصيَّةٌ وآداب كذلك له عزّ وجلّ أيام في السنة، لها خصوصيَّةٌ وآداب ولهذه البقاع والأيام رحمة ٌ وأَمْنٌ ومغفرةٌ وجوائزُ وعطايا وحرمةٌ.. وأسرارٌ، قد نُدْرك بعضاً منها برحمة الله التي وسعت كلَّ شيء.وقد يغيب عنَّا الكثيرُ بتراكم ذنوبنا، وغفلتنا، وسهونا.
و شهر رمضان الكريم هو أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي.... ويكفي الإلتفات إلى أن الله جل جلاله أضاف هذا الشهر إلى اسمه المبارك، لنعلم جلاله وقدسية هذا الزمن، فهو"شهر الله". وله أسماء أخرى، منها: شهر الصيام، وشهر القيام، وشهر الدعاء وشهر المغفرة، وشهر التوبة، وشهر الدعاء، وشهر القرآن، وشهر العبادة، وشهر الإنابة، وشهر الخير، وشهر الصبر، وشهر الطاعة.
ومن بركات هذا الشهر:
1- انه شهر الضيافة الإلهية، وفي هذا منتهى الكرامة والتشريف لخلق الله سبحانه . لذا ينبغي للمسلم أن يبالغ في مراقبة جوارحه لكفها عن المعاصي، ولحثها على الطاعات، وليحافظ على آداب الضيافة وحرمة المضيف عز وجل.
فإذا تدرب على الاستقامة لأيام، وأتم الشهر على هذه الحال، أعانه ذلك على الاستقامة دوماً، وتغيرت حياته وحاله باتجاه مرضاة خالقه وبارئه تبارك وتعالى. ولا ينسى المرء المسلم قط، قول صادق آل محمد (ص)... " لا يكن يوم صومك كيوم فطرك"... ولا بد أن يظهر ذلك على سكناته وحركاته وأفعاله وكلماته... ومعاملاته مع الأهل والناس.
2- فضلا ً عن صيام جوارحك عن المحرَّمات، بل المكروهات أيضاً عليك بالسكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبيد الخيف من مولاها. وليكن سرك خير من علانيتك، ولتكن علانيتك صالحةً.
3- لا تسنى قراءة خطبة رسول الله (ص) أكثر من مرة في هذا الشهر الكريم، وذلك بتأمل وتمعن.. وكأنك أنت المخاطب بها والمعني بكلماتها. لأنها خطبة لو كتبت بماء الذهب، ما استوفت حقها.
4- لا تترك الدعاء بعد كل فريضة في هذا الشهر الكريم، ومنه:... " يا علي يا عظيم، يا غفور يا رحيم....".
5- إذا تأملت في الأدعية الرمضانية المباركة، لوجدت العديد منها يتلعق بحج بيته الحرام... فلا تستغرب ذلك، وادعو ربَّك صادقاً مقبلاً مفوضاً أمرك إليه.
... فإن وفد الله يكتب في هذا الأيام... فلعلك تكون منهم إنشاء الله تعالى.
6- عليك بختم القرآن، بأن تقرأ في كل يوم جزءاً، فتختم الثلاثين بإنتهاء الشهر، فلكل شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان. وكثير من المؤمنين من يختمه أكثر من مرة إذا تلاه آناء الليل وأطراف النهار، قال الله عز وجل: ( ورتل القرءان ترتيلا)..
7- ولا بد في هذه الليالي المباركات من قيام الليل، الذي وإنْ كان شاقاً في غيرها من ليالي السنة، إلا أنها تكون أكثر يسراً في شهر رمضان.... فينبغي إتيان صلاة الليل بحسب المسنون، لأن (إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيلاً) فلعل الله سبحانه ينظر إليك نظرة ً رحيمة فتصبح من الذين (تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقنهم ينفقون) وعندها (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين بما كانوا يعملون). كما ينبغي أن تدعو بما تيسر من أدعية السحر المبارك، خاصةً دعاء أبي حمزة الثمالي.... ولو مقاطع منه في كل ليلة، ففيه من المعاني ما يعجز اللسان عن وصفه. فإنها عيون تشفي غليل العطاشى في شهر رمضان وفي غيره ، قال الله جل جلاله: (قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم).
8- وعلى سنة مولانا زين العابدين (ع) الذي كان إذا دخل شهر رمضان لا يتكلم إلا بالدعاء والتسبيح والإستغفار، هكذا علينا أن نكون، وأن نكثر من قول " لا إله إلا الله".
9- ومن السنة الحميدة المعروفة عندنا قراءة دعاء الافتتاح في ليالي شهر رمضان، فينبغي إحياء هذه العادة الحسنة
10- وكما في شهر شعبان" المناجاة الشعبانية"، كذلك في شهر رمضان دعاء " البهاء"، وهو دعاءٌ عظيم الشأن له سرٌ مع المتهجدين بالاسحار.
11- أما ليالي القدر فينبغي الاستعداد لها بمراجعة أعمالها وإعداد العدة التي تساعد على القيام بها ... فقد لا تدركها من قابل. وكم من إخواننا ومعارفنا ممن كان معنا في السنة الخالية، ووافته منيته قبل شهر رمضان من السنة الباقية، فكانت ليالي قدره آخر ليالي يقضيها في هذه الدنيا.
12- ومن السنة التي يؤجر من يحييها، الاستهلال أول هذا الشهر، وآخره.
13- عندما تدعو ربك جل جلاله كن على يقين أنه لا يقدر لك إلا الخير، خير الدنيا والآخرة... ففوض أمرك إليه، ولا تركن إلى وسوسات الشيطان الرجيم، بل استحضر دوماً قوله عز وجل: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
فالله سبحانه وتعالى يستجيب لعبده إذا كانت هناك مصلحة في ذلك، والواقع يشهد أن كثيراً من الناس لا يعرفون خيرهم الحقيقي من شرهم الحقيقي، حيث( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير).. لذا إياك ثم إياك أن تسيء الظن بوعد الله الصادق بالاجابة، بل ظن كأن حاجتك أصبحت بالباب.... فمن النعم العظيمة التي يغفل عنها الناس، عدم استجابة الدعاء، مع أن الله سبحانه وعد صريحاً بذلك كما في الآية الكريمة أعلاه، وذلك أنَّ الله سبحانه في غاية الرعاية والعناية لعباده، حيث يمنع عنهم ما يضرهم وإن اعتقدوا في طلبهم الخير، تماماً، كما لظنه أنه طيب ومنعش، والأب يعلم أنه شراب سام قاتل. الا ترى أن الأب في مثل هذه الحال يمنع طلب الولد حرصاً عليه ورعاية له بل لو استجاب له لكان ملوماً في إعطاء ولده هذا السُّم فيجب اليقين أن الله سبحانه يعلم الجزئيات والخصوصيات والواقع وعواقب الأمور... وهو بعباده رؤوف رحيم. وهو أغير منك على نفسك، تبارك وتعالى. وعلى كل الأحوال لا يخلو دعاء من فائدة، وكيف يخلو من فائدة ما أمر الله سبحانه به ؟ فما من مسلم دعا الله تعالى فإما تستجاب له دعوته.وإما تدخر للآخرة وإما يدفع فيه بلاء يريد أن يصيبه .وعندما يرى المؤمن عظيم الثواب الذي ادخره الله له نتيجة دعائه، يقول:" يا رب ليت إنك لم تكن عجلت لي شيئاً وادخرته لي". وعن مولانا الصادق (ع) في الكافي الشريف، أنه قال:... " يتمنى المؤمن أنه لم تستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب".
... وأخيراً:
هذه ايام الله فاغتنمها... فهي ماضية لا تتوقف وإن تمنيت ذلك.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN