اشار ممثل المرجعية الدينية العليا في الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ (5 /5 /2017) ستمر علينا في ليلة الجمعة القادمة ذكرى ولادة امام العصر والزمان – عجل الله تعالى فرجه الشريف- الداعي الى سبيل الله والقائم بقسطه.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان "التذكير بكيفية احيائها بما يرضي الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام الحجة (عجل فرجه الشريف) يتطلب التنبيه على ما يعمّق ويقوّي الارتباط بالامام (عليه السلام) ولذلك مناشيء متعددة.
واوضح ان اولى تلك المناشيء "حب الله تعالى وحب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الاطهار ومنهم الامام صاحب العصر والزمان (عليه السلام) مع التركيز على مسألة الولاء والحب الصادق للامام الغائب (عليه السلام)، مبينا ان ذلك ينشأ من تقوية الاعتقاد بالصفات الالهية من الخلق والرزق والتدبير واللطف والنعم ونحو ذلك ومعرفة الامام، موضحا ان الامام يمثل العنصر البشري الكامل الموصل لله تعالى وحده دون غيره من البشر، فهو الطريق الموصل الى المحبوب الاول وكلما كان الارتباط به وبسيرته وطاعته اقوى كلما كان الارتباط والانشداد لله تعالى اقوى ويقرّب المسافة بين العبد ومبعوده".
واضاف ان من الضروري كذلك "تجديد العهد والبيعة للامام (عليه السلام) كل يوم، مشيرا ان من طبع الانسان النسيان والغفلة وكلما تراكم ذلك ضعف الاستحضار لمقومات الارتباط بالامام (عليه السلام)، مؤكدا ان المؤمن بحاجة الى ان يذكر نفسه دائماً بأن له امام معصوم وفي عنقه بيعة وعقد في رقبته ولهذه البيعة مستلزمات والتزامات عملية وسلوكية، منوها انه ينبغي للمؤمن ان يواظب على قراءة دعاء العهد مع الاستحضار القلبي والوعي".
واستدرك في خطبته ان متطلبات التعمق بالامام "الاحساس الروحي والوجداني مع الامام (عليه السلام)، مشيرا الى ضرورة التقرّب من الامام المنتظر (عليه السلام) والارتباط به ارتباطاً يكون المؤمن من انصاره واعوانه حتى وان لم يشهد يوم ظهوره الشريف، مبينا ان الارتباط المقصود به هنا نوع العلاقة التي تجسّد صدق العهد والالتزام بالميثاق والبيعة مع الامام (عليه السلام) دون العلاقة التي يكتفى فيها بمجرد الدعاء والذكر للامام (عليه السلام) الذي لا يتجاوز اللسان".
واردف الشيخ الكربلائي بايضاح ذلك الارتباط في مثال بسيط حيث قال " ان المؤمن الذي يحب الامام (عليه السلام) ويتوق الى التقرب منه والارتباط الصادق به عليه المواظبة على قراءة دعاء العهد الذي ورد في فضله عن الامام الصادق (عليه السلام): (من دعا الى الله تعالى اربعين صباحاً بهذا العهد كان من انصار قائمنا فان مات قبله اخرجه تعالى من قبره واعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة)، مشددا بان تكون القراءة بوعي لمعاني العهد والبيعة التي يجددها للامام (عليه السلام) وان يكون صادقاً في استعداده في حال ظهور الامام (عليه السلام) وانه على استعداد ان يضحي بمنصبه وماله واهله ويتخلى عن ذلك لاجل نصرة الامام (عليه السلام) لا ان يؤثر دنياه على نصرة الامام (عليه السلام) ويتخلى عنه".
وتابع ممثل المرجعية الدينية العليا ان من موارد الارتباط المواظبة على زيارته (عليه السلام)، موضحا ان زيارة الائمة (عليهم السلام) تقوي الارتباط بهم ولكن للامام المهدي (عليه السلام) خصوصية في زيارته فهو الامام الذي له في اعناقنا بيعة وعهد فمن الضروري الالتزام بزيارته اظهاراً للولاء وتوثيقاً وتذكيراً للنفس بالعهد وخصوصاً الزيارة المعروفة بزيارة آل ياسين حيث خروج التوقيع بها من الناحية المقدسة.
واشار الى ضرورة تجسيد الارتباط الوجداني والروحي الصادق مع الامام (عليه السلام) بمعنى محاولة بذل الجهد لاستحضار القلب والوجدان والمشاعر لما يعيشه الامام من احزان وهموم ورزايا وما يجري عليه من محن ومصائب على مر الايام والسنين وتطاول الازمان والدهور، منوها الى ان الامام المهدي (عليه السلام) يعايش الناس ويتألم لما يصيبهم من مصائب ومحن ويعز عليه ارواحنا له الفداء فقد الكثير من العلماء العظام والمؤمنين المجاهدين الذين استشهدوا طوال هذه العصور المتتابعة فمثلا ً حينما نقرأ في دعاء الندبة: (عزيزٌ علي ان تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى.. عزيزٌ علي ان يجري عليك دونهم ما جرى..)
واكد خطيب جمعة كربلاء على ضرورة استحضار تلك الفقرات وما يعيشه الامام (عليه السلام) من محن وبلاء وما يكابده بسبب ذلك، والتألم له لما يشاهده من محن المسلمين وتفرقهم.
وقال "كما انني حينما اعيش ما يمر به مرجعي الذي اقلده من ابتلاءات ومحن فاستشعر آلامه وحزنه، بمعنى اجسد الارتباط الوجداني الصادق والالتحام الروحي مع الامام (عليه السلام) بان نعيش احساساً نفسياً عميقاً نستحضره في كل الاوقات او اغلبها بان الامام المنتظر يعيش معنا، يرقب مسيرتنا، يتألم حينما يرانا نمارس أي لون من الوان الانحراف او التجاوزات الشرعية او التناحر فيما بيننا وان نستشعر ان هذه المخالفات والتناحر يتألم بسببها الامام (عليه السلام) وتزعجه وبالتالي تجعلنا حتى نكون صادقين في حبنا للامام (عليه السلام) نراقب ممارساتنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا بالشكل الذي يمنحنا رضا الله تعالى ورضا الامام (عليه السلام).
وكشف ممثل المرجعية الدينية العليا ان صدق التقرب للامام (عليه السلام) لابد من ان يعمل المؤمن على العمل بجدية ونشاط لمجموعة من الاعدادات لنفسه ومجتمعه تتمثل في:
1- الاعداد الثقافي والفكري: فيعمل على تثقيف نفسه والاهتمام بذلك من خلال اهتمامه بالتفقه في الاحكام الشرعية والوعي والبصيرة في امور دينه بحيث لا يخدع ولا يُضلل.
2- الاعداد السلوكي والعملي بحيث يسعى المؤمن المنتظر لاعداد نفسه للتقوى والورع والاخلاص ومحاسن الاخلاق ليكون نموذجاً عالياً في التدين والصلاح والاستقامة.
3- الاعداد الروحي بكثرة الذكر لله تعالى والدعاء والمناجاة في جوف الليل خصوصاً والبكاء من خشية الله تعالى وترويض النفس على الصبر والتحمل والخوف المجاهدات النفسانية.
4- الاعداد الرسالي والجهادي بمعنى ان المؤمن مهتم بأمور دينه ومجتمعه ويعمل لاصلاح المجتمع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصدي للخطوط المنحرفة وان تطلب ذلك التضحية بنفسه وماله وامتيازاته ولا ينسحب ويتراجع الى الوراء خوفاً من خسارة بعض امتيازاته الدنيوية عند تصديه لهذه الواجبات الدينية والبعض يهتم بعباداته من صلاة وصيام وحج وغير ذلك ولكنه يخشى من القيام بالواجبات الرسالية التي تعني التصدي لحفظ الدين وصيانته.
5- عدم الاستسلام امام الفساد والانحراف وعدم اليأس من اصلاح الاخرين مهما كانت المصاعب والتحديات ومهما تكالب الاعداء واتحدوا فيما بينهم لمواجهة المؤمنين بل يتحلى بالثبات والهمة والعزيمة مهما طالت فترة المواجهة مع الاعداء، وان مفهوم الانتظار الحقيقي للامام (عليه السلام) ان يكون باعثاً على التحرك ويسعى المنتظرون لايجاد الوضع الافضل والاصلح وان يخلق روح المسؤولية وحينئذ وبهذا المعنى يمكن ان نفهم قول المعصوم (أفضل العبادة انتظار الفرج).
6- الرجوع الى الفقهاء العدول (الفقيه العادل الذي تتوفر فيه شروط النيابة العامة) في الاحكام الشرعية والمواقف المصيرية في الاحكام الشرعية والمواقف المصيرية المهمة بل في كل المسائل الاقتصادية والاجتماعية والحياتية والسياسية تطبيقاً لتوجيه الامام (عليه السلام) لشيعته (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله).