أُقيم صباح هذا اليوم (17جمادى الآخرة 1438هـ) الموافق لـ(16آذار 2017م) حفلُ افتتاح المؤتمر العالميّ حول التجديد في المنبر الحسينيّ الذي تقيمه العتبةُ العبّاسيّة المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة، تحت شعار: (الحَوْزَةُ العِلْمِيَّةُ رَائِدَةُ التَّجْدِيدِ) وبعنوان: (المؤتمر الدوليّ حول التجديد في المنبر الحسينيّ) وعلى قاعة مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة في النجف الأشرف.
كانت هناك كلمةٌ لمؤسّسة بحر العلوم الخيريّة ألقاها بالنيابة سماحة السيد محمد علي بحر العلوم وجاء فيها: "نجتمع في هذا اليوم من أجل التداول في أحد أهمّ الشؤون العامّة التي أصبحت محلّ اهتمام العديد من الباحثين والمفكّرين المهتمّين بشؤون هذه الأمّة وسبل صياغة الوعي فيها، وتعتبر حادثة كربلاء أحد أهمّ ركائز ودعائم الاعتقاد، ولذا نشهد محاولة البعض ممّن هو خارج منظومتنا أن يخترق هذا التفكير ويعمل على الإخلال بهذه الدعامة، لكنّ وجودَ المرجعيّة الدينيّة الواعية لمخاطر الزمان الحاضر والمستوعبة لدروس الماضي بتوجيهاتها وإرشاداتها هو الحصنُ المنيعُ الصامد، إنّ المعركة التي نخوضها هي معركةٌ فكريّة يستخدم فيها الآخر كلّ وسائله المتاحة من أجل تشكيك الشباب بمعتقدهم ورموزهم الدينيّة والعلميّة، مضافاً الى بثّ روح الانهزام والإحباط في نفوسهم، ويعتبر المنبر الحسينيّ العلامة المميّزة لثقافة هذه الطائفة والشعار الذي يلتفّ حوله أبناؤها في أحزانهم وأفراحهم، وكان وما زال يقوم بصياغة وعي الأمّة وثقافتها".
وأضاف: "تعلّمنا من الحوزة العلميّة المثال المدرسيّ أنّ العالم متغيّر وهذا يعني أنّ أحد أهمّ سنن الحياة الدنيا هي التغيّر والتحوّل الذي يمكن أن يكون له اتّجاهان: الانجذاب الى الأسفل والرقيّ الى الأعلى، وبالطبع لا يوجد منّا من يريد الأوّل والكلّ يسعى الى الثاني، وإذا كان هذا أملنا وطموحنا فلا طريق لنا إلّا العمل على تجديد وسائلنا وآليّاتنا مع تغيّر شؤون الحياة".
واستدرك بالقول: "إنّ الأصالة والتجديد ليسا بالمتقابلين اللذين لا يمكن اجتماعهما وإنّما كلّ أمرٍ يكمّل الآخر، فالتجديدُ من دون الأصالة يكون وليداً غير شرعيّ والأصالة من دون تجديد يُصيبها الهرم والشيخوخة فلا تجدي حينئذٍ، إنّهما يكمّلان بعضهما من خلال فهم الماضي وجعله الأساس الذي يقوم عليه البناء، والتجديد هو الفهم الواعي لعالم اليوم وما يطرحه الآخرون وما يجب طرحه".
وتابع بحر العلوم: "انطلقنا في التحضير لمؤتمرنا هذا من مبدأ أنّ الحوزة العلميّة هي الحاضنة للفكر والرأي والاجتهاد والتجديد، وهي التي ينطلق منها الخطباء الحسينيّون في مسيرتهم وقد لمسنا آثار تلك المسيرة في قراء تاريخ الماضين وخصوصاً في القرن الماضي".
وتابع قائلاً: "كيف استطاع علماءُ المنبر من صياغة الخطاب الحسينيّ بأساليب وطرق متجدّدة في وقتٍ كان المنبرُ الحسينيّ هو الوسيلة الوحيدة لبثّ ثقافة أهل البيت(عليهم السلام) في مجتمعنا، وما اختيارنا لمحاور الدراسة من الشخصيّات إلّا عيّنةٌ من تلك الجهود ابتداءً من الجيل الأوّل في بداية القرن الماضي وانتهاءً بعميد المنبر الحسينيّ الشيخ أحمد الوائلي(قدّس سرّه)، كما أنّ من منجزات ذلك العصر الموسوعات العلميّة المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) التي تجمع الدراسة والتحليل والتوثيق وتجمع نتاج الماضين في منظومة واحدة، وقد يكون الشهيد المرحوم جواد شبّر من السابقين في جمع الشعر الحسينيّ في موسوعة أدب الطفّ ولم يمنعنا تسليط الضوء على منجزات الماضي من تسليط الضوء على الحاضر وتكريم كبار الخطباء والإشادة بدورهم تقديراً لما أنجزوه وحقّقوه".
مضيفاً: "هذا الأمر الذي كان من السنن الحسنة التي خطّها لنا العلّامة المرحوم السيد محمد بحر العلوم(قدّس سرّه) عندما دأب على تكريم الأحياء، كذلك كان تكريمُ أصحاب الموسوعات العلميّة الحديثة سواءً التي اعتنت بالوقائع والأحداث أم بتراجم الخطباء، وأحد الأمور التي حاولنا أن نقوم بها في هذا المؤتمر أنّنا في مسيرة العرفان لا يجب أن نسلّط الضوء على الإنتاج المعرفيّ لهؤلاء الأعلام، بل يجب أن نقف إجلالاً وإكباراً لهؤلاء الذين أبقوا لنا هذا المنبر الحسينيّ من خلال صمودهم وإصرارهم على ارتقاء هذه الأعواد طيلة سنوات الظلم والاضطهاد، ولم يهابوا السجن والتعذيب والقتل ورووا بدمائهم الزاكية تلك الشجرة المثمرة المعطاء".
واختتم: "إنّنا نريد أن نفكّر بصوتٍ عالٍ ونناقش ما يطرحه الباحثون بصدرٍ واسع وأُفقٍ رحب، أساس بحثنا وحديثنا مبنيّ على حسن الظنّ ببعضنا ولا نعمل على إلغاء الآخر ولا الاستهانة به، لأنّ الأمر عامّ والشأن مهمّ والكلّ يُحاول أن يفكّر في حلٍّ، ويقع أوّلاً وأخيراً عليكم إخوتنا وأساتذتنا الخطباء الأملُ في البناء نحو منبرٍ حسينيّ يفخر به الجميع ويحوز على رضا مولانا صاحب العصر والزمان(عجّل الله فرجه) ".