العظام التي تدعم اجسادنا مصنوعة من ترتيبات معقدة من المواد بشكل ملحوظ – لدرجة ان فك رموز البنية الدقيقة المسؤولة عن قوتها الكبيرة ومقاومتها للصدمات استعصى لعقود على افضل الجهود التي يبذلها العلماء.
ولكن الآن, قام فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أخيراً بالكشف عن بنية العظم مع ما يقارب دقة الذرة تلو الاخرى, وبعد سنوات عديدة من التحليل باستخدام بعض من اقوى اجهزة الحاسوب في العالم والمقارنة مع التجارب المختبرية لتوكيد النتائج المحسوبة. ونشرت نتائج الدراسة, والنتائج, المقدمة من قبل فريق بقيادة المهندس المدني وعالم المواد ماركوس بوهلر, تم نشرها في عدد هذا الاسبوع من مجلة الطبيعة للاتصالات (Nature Communications).
يقول بوهلر، وهو أستاذ مشارك في الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: كان اللغز في ايجاد كيف ان مادتين مختلفتين – جزيء حيوي مرن وناعم يدعى الكولاجين ونموذج صلب وقصيم من معدن الاباتيت – تجتمعان لتشكيل شيء هو في آن واحد صلب وصلد ومرن بصورة طفيفة.
ان المكونات مختلفة جداً لدرجة “انك لا تستطيع اخذ هاتين المادتين كل على حدة وفهم كيف يتصرف العظم” كما يقول بوهلر. الهيدروكسي اباتيت يشبه الطباشير, ويضيف بوهلر: “انه هش جداً, ان حاولت ثنيه ولو قليلاً سوف يتهشم الى قطع.” الكولاجين, من ناحية اخرى, هو ما يصنع منه الجيلاتين – المثال الاقرب للمادة المهتزة.
لا يمكن لأي من المادتين بمفردها ان توفر الدعم الهيكلي الكافي للجسم. ويقول بوهلر: “انه (اي العظم) يأخذ افضل الصفات من هاتين المادتين”, ويضيف: “ولكن كيفية عمل هذا هو المجهول الكبير.”
تركيب القطع معا
يقول بوهلر: ان المفتاح لخصائص العظام هي الطريقة الدقيقة لتلاحم المركبين مع بعض – وهو ما كان من الصعب جداً على العلماء معرفته. الجزيئات المسؤولة عن هذه الخصائص يمكن ان تستكشف بواسطة ادوات مثل مجاهر القوة الذرية, ولكن فقط ضمن بعدين: على السطح أو في شرائح رقيقة. ولكن العظم عبارة عن هيكل معقد ثلاثي الابعاد, ولم يكن هناك أي وسيلة لتصوير هيكل دقيق كهذا بجميع تعقيداته.
ويقول شو-وي تشانغ, طالب دراسات عليا في الهندسة المدنية والبيئية ومؤلف مشارك في البحث: “من السهل الحصول على صور للعظم, ولكن من الصعب ان نرى اين تتواجد المعادن داخل الكولاجين بصورة دقيقة”
وفي هذا المكان تتدخل اجهزة الحاسوب: يوضح بوهلر انه حتى قبل بضع سنوات, فأن النمذجة اللازمة للاستدلال على الهيكل الداخلي للعظم قد تستغرق سنوات من وقت الحاسوب وعلى اقوى اجهزة الحاسوب.
ولكن الحواسيب الفائقة الاحدث بإمكانها تنفيذ عمليات حسابية مفصلة اكثر في غضون اشهر قليلة. ومع هذا, استغرق الامر عدة محاولات وبعد دراسة النتائج السابقة وتدقيق استجابة المعادن للضغط المتزايد, بغرض الحصول على الجواب الذي تمكن الفريق توكيده من خلال المقارنات مع الفحوصات المختبرية.
وجد الباحثون مفتاح رئيسي, هو أن حبيبات الهيدروكسي اباتيت عبارة عن صفائح صغيرة ورقيقة بالعرض بمقدار بضعة نانومترات (البليون من المتر), ومترسخة بعمق في نسيج الكولاجين. المكونين يرتبطان مع بعض بواسطة التداخلات الكهروستاتيكية, والتي تسمح لهما بالانزلاق ضد بعض بصورة معينة من غير ان تنكسر.
أفضل ما في الاثنين
ويقول بوهلر: “في هذا الترتيب من حبيبات الهيدروكسي اباتيت الصغيرة المضمنة في نسيج الكولاجين, بإمكان كلا المادتين المساهمة بأفضل خصائصها” ويضيف قائلاً: “يتحمل الهيدروكسي اباتيت معظم القوى في المادة, في حين يتحمل الكولاجين معظم التمدد”.
الفهم الجديد لبنية العظم الجزيئية من الممكن أن يساعد في الكشف عن العلة في بعض الامراض, بما في ذلك وهن العظام (تخلخل العظام( ومرض هشاشة العظام. ويقول آرون نير الحاصل على شهادة ما بعد الدكتوراه في الهندسة المدنية والبيئية والمؤلف الاول للورقة البحثية: “بإمكاننا استخدام هذا النموذج لفهم كيف يصبح العظم أكثر هشاشة”. على سبيل المثال, يتكون الكولاجين من آلاف الاحماض الامينية, ولكن, يضيف نير: “اذا تم تغيير أحد تلك الاحماض الامينية فسيغير ذلك الطريقة التي تتشكل بها المعادن” داخل العظم.
وأضاف نير: “لهذا السبب, يعتبر هذا النموذج مهماً للغاية”. بدونه, يمكنك ملاحظة كيفية تغير العظم بسبب مرض ما, ولكن “لا تعلم لماذا. الان, يمكننا ان نرى كيف ان تغيير صغير جداً يغير الطريقة التي تنمو بها المعادن, أو كيف تتوزع القوى والتشوهات”.
في نهاية المطاف, من الممكن أن يقود هذا العمل الى تصنيع مواد جديدة شبيهة بالعظم, إما كمواد طبية حيوية لتكون بديلاَ عن العظم أو كمادة انشائية للاستخدامات الهندسية. ويقول بوهلر: “نأمل أن نتمكن من انجاز هذا في المختبر”.
تقول ساندرا شيفيلبين, وهي استاذ مشارك في الهندسة الميكانيكية والصناعية في جامعة نورث ايسترن, وهي لم تشارك في هذا البحث: “هذا النموذج الجزيئي الحسابي اساسي لفهم الاساس الجزيئي لميكانيكا العظم. بإمكان النماذج الحسابية ان توفر رؤية ضمن أطوال صعبة التحقيق ضمن التجارب”. تحليل فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “مثير من حيث انه يوفر الاساس الجزيئي للتفاعل… هذا العمل هو الأكثر تقدما في مجال النمذجة الجزيئية للأنسجة الحيوية الهيكلية”.
الفونسو كاوتيري الحاصل على شهادة ما بعد الدكتوراه هو احد اعضاء فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. تم دعم هذا العمل من قبل مكتب البحوث البحرية, ومكتب ابحاث الجيش, ومؤسسة العلوم الوطنية, وبرنامج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الايطالي. استخدم البحث مصادر حاسوبية عالية الاداء من برنامج NSF’s XSEDE, واتحاد CILEA, ومبادرة LISA, ومبادرة ISCRA.