أكدت الوفود المشاركة في مؤتمر الحياة الطيبة عند أهل البيت (عليهم السلام) على ضرورة اتباع الإسلام المحمدي الأصيل لحل مشاكل المجتمعات. جاء ذلك في كلمة ألقاها ممثل الوفود المشاركة بالمؤتمر الشيخ أحمد قبلان من لبنان بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي حضرها سماحة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي، وعدد من أعضاء مجلس الإدارة، ورؤساء الأقسام، فضلاً عن الأكاديميين والباحثين. وعُقد المؤتمر تحت شعار (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، وبعنوان: (معالم الحياة الطيبة عند أهل البيت عليهم السلام)، وتُنظّمه جمعية العميد العلمية والفكرية، وقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة ممثّلاً بالمركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، وأدناه نص الكلمة: ما أعظمها من لحظة روحية أثيرية أعمق من عالم الجسد ومقولة الحس، حيث خصّنا الله تعالى بواحدة من عناوين الأبدية الممسوكة بأشرف ما في عالم الملكوت الأكبر طيفًا منه على قبتين: خصّ الأولى منها بأبي الفضل (عليه السلام) تالي العصمتين، وجمع الثانية بما لله من شرف أكبر ضمّح عطره الأزلي بوريد الحسين (عليه السلام). وكمدخل لما نحن فيه من ضرورة الحفل الفكري فيما خص الحياة الطيبة، لا شك أننا كمخلوقين مخاطبون بتكوين الذات الفردية، والذات العامة، وفقًا لاحتياجات الفرد والجماعة والاجتماع العام، لا بما يكفي للإشباعات المادية دون الإشباعات المعنوية، بل بسعة ما يلزم لنا كمخلوقين لا ننفصل فيه عن مشيئة الخلق والتكوين، الذي حشد لغته التكوينية والتشريعية ببحر هذا الكون وواقع هذه الأرض، وهو المعني بقوله سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وهذا أمر يتعلق بصميم مفهومنا للتوحيد والنبوة والإمامة، وما يلزم على هذا المفهوم من تشريع ضامن لميزة الحياة الطيبة بعالم الفرد والجماعة والاجتماع كقيمة متفردة بعالم الأرض والإنسان، وذلك لتفرد القيمة النبوية والإمامية في هذا المجال. وهذا لا ينفصل عن عالم التشريع والبرامج وإعادة تقديم التشريع كضامن عملي في المجال التربوي والاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي والتفاعلي والبنائي لعالم الأسرة والقطاعات المجتمعية المختلفة بما في ذلك مفهوم السلطة وعقلها وهياكل برامجها كأساس يتناسب مع الهوية العامة للتشريع، وبما يمكن تقديمه كأساس نموذجي في عالم التعدد العالمي للحضارات والكيانات، وذلك بسعة ما يليق بحقيقة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وهذا يتوقف على تقديم نموذج وجودي ومفاهيمي للعالم والخلق والتكوين، كما يفترض تقديم المادة الاجتماعية حول الفرد والجماعة والاجتماع العام، سيّما السلطة وفلسفة أدوارها وبرامجها وما تتكوّن منه الوظائف العامة، وأين منها الانسان وتفرده وفقًا لمفهوم العوالم والآثار المتبادلة وهو المفهوم الذي قدمه الله وآل محمد كعنوان للعوالم وتأثيرات فعل الدنيا بعالم الآخرة وميزان القيامة، وما يجب تقديمه بعالم الدنيا كقيمة متفردة بعالم الإنسان وقيمه وحقوقه وميزة تفضيله وسط كيانات وحضارات تتفاضل بما لديها من عقل وفلسفة ووعي وجودي واجتماعي ونفوذي وبرامج بخصوص الإنسان وخدماته الدنيوية العميقة.
ونحن في هذا المجال مطالبون بتقديم الإسلام المحمدي وفقًا لمحمديته المتفردة على الله تعالى، ولا يكفي تقديم الإسلام الفردي أو المجتمعي بصورة نظرية دون أطره العملية وقدراته التنافسية والتفاضلية بعالم الجماعة والاجتماع. وأخص بذلك مفاهيم الحياة الطيبة بضوء الآيات والروايات وما يلزم عليها بعالم التفضيل والتفرد وفق مشهدية العالم التعددي وسباق الحضارات، وذلك لا بخلفية مقاطعة العالم، بل عبر مشاركته وفقًا للصورة التفضيلية للنموذج، على أنّ النجاح لا يمكن أن يقتصر على الشق الفردي دون الشق العام، أو على المفاهيم النظرية قبالة السلوك والتطبيقات المجتمعية، ومنه السلطة وهيكلها ووظائفها وطبيعة أدوارها وقدرتها التنافسية على التطبيقات الأخلاقية والإنسانية والخدمية التي تطال بنية المجتمع وقدراته التأسيسية في عالم التعدّد والفرز التفضيلي بعالم الوجود وعوالمه. وهذا يفترض أن القيم التي تتعلق بمكارم الأخلاق ومرجعيات السلوك ومقولة الوجود وفلسفة من أين وفي أين وإلى أين، لا يمكن أن تنفصل عن مفهوم الدولة كمؤسسة مرجعية أو ملاذية ذات قدرة تأطيرية للقطاعات المختلفة رغم اعتمادنا للفردية والحريات الشخصية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي تتناسب مع الطرح الوجودي الرباني، الذي لا ينفصل عن واقع الدنيا ومحنتها وطبيعة تعقيداتها، وحقيقة الصراع فيها مأخوذ فيها المنافسة الكيانية، وتعددية الأقطاب، وخصومة الأمم، وفرز الحضارات، لا كمنافسة وفق نظرية الأقوى، بل كمنافسة بعالم الأفضل القوي، لأن من لا يملك القوة لا يملك القدرة على تطبيق الأطروحة التي يؤمن بها وينتسب إليها. واعتقادنا هنا جازم بأن ما جاء به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن ربه سبحانه وتعالى، وما خصه الله ونبيه بآل محمد (عليهم السلام)، لجهة التأويل والتفضيل وضبط القيم والحقوق والمرجعيات هو الأفضل على الإطلاق، وله ميزة التفرد والريادة، والواجب يلزمنا بتقديم نموذج ناجح ومتفرّد ومتماسك عبر تقديم صيغة ربانية مجتمعية تتناسب مع المفهوم الأفضل للحياة الطيبة، وهذا يفرض علينا تكوين هياكل وكيانات فردية وتيارات ونظم متناسقة تعمل على تكوين أرضية الدولة التي تتشابك هذا المعنى من مقولة الحياة الطيبة، وفقًا للمفهوم الإلهي الذي جاء به النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله). كما يلزمنا بالعمل على الفردية التفضيلية والأسرة التفضيلية والبيئة التفضيلية والتيارات والكيانات الأهلية التفضيلية والملاذات الاجتماعية التفضيلية بسياق مشهدية العالم، وهذا يشمل السلطة وعمل الحكومة وبرامجها التفاضلية وواقعها الأميز الذي يتناسب مع بنية وأرضية ما جاء به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله) وهو ما يتطابق بشدة مع قول البرفيسور مايكل هارت: إنّ محمدًا (صلى الله عليه وآله) كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى في كلا المستويين الديني والدنيوي، وشكل اتحادًا فريدًا لا نظير له وفق التأثير الديني والدنيوي، ليخلص لنتيجة مفادها: "أنّ فرادة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وصلت للذروة بحيث لا يطمع أحد ممن سبق أو لحق بطمر الفجوة التي بينه وبين النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، لذا حين أكد تصنيفه كأعظم شخصية على الاطلاق قال: "هو الرجل الوحيد في التاريخ كلّه الذي نجح أعلى النجاح على المستويين الديني والدنيوي". والمطلوب منا اليوم أن نكون محمديين بنسبة نجاح يليق بما تفرد به النبي محمد (صلى الله عليه وآله) على أهل الدنيا، وهو عين ما خلص إليه روبرت أوزبورن الأخصائي بشؤون هوليوود ومادتها الفكرية والفنية من أنّ محمدًا (صلى الله عليه وآله) جاء بأعظم قيمة إنسانية ومجتمعية تفرد بها بدنيا الأديان والانسان، ولم يكن بدنيا الإنسان ضامن لهذه الصيغة التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله) من بعده إلا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وهذا ما لفتنا إليه في بحثنا الذي قدمناه ليكون جزءًا من مشاركة عميقة في عالم الأرضيات الفكرية والتطبيقية وبما يتناسب مع الدين الأعظم والشريعة التي اختصها الله تعالى بدنيا الشرف، لتكون آية الله المتفردة بعالم الإنسان، وهو يقودنا للحديث عن الأمة القرآنية كأساس منافس وتفضيلي بالنظام العالمي وسط عالم غارق بالدم والفساد والإبادة والفظاعات، وهو ما أكده الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) على أنّه الدين العملي الأوحد في عالم كمالات الإنسان، وهو ما دفع المؤرخ الإنكليزي ويلز للقول: "لا دين يسير مع المدنية كما يسير الإسلام بكل جوانبه التاريخية والمدنية كما والروحية، ثمّ يخلص للقول: ما أحوج العالم لدين محمد". وأخيراً، إذا كان من وصية، فسأنقل لكم وصية البرفيسور غريسيب وهو رئيس جامعة برلين الأسبق حيث قال: "أيها المسلمون ما دام كتابكم المقدس عنوان نهضتكم موجودًا بينكم وتعاليم نبيكم محفوظة عندكم فارجعوا إلى الماضي لتؤسسوا المستقبل". وهذه صرخة اليوم ولحظة الموقف والخيار وسط كارثة تغييب تطال أهل الإسلام، وتضع البعض بجحيم الأمركة والصهينة والأوربة والتبعية المذلة، وتدفع البعض نحو الانتحار على طريقة التطبيع الملعون مع أسوأ غدة صهيونية إرهابية ، وتعمل على تقديم مذابح غزة والمنطقة كأساس لهوية هذا الإجرام الأممي وسط نفق يبتلع البشرية وأهلها، وضمن بالوعة نظام عالمي تتقاطعه أنياب واشنطن والأطلسي وتل أبيب وكيانات من هنا وهناك تعتاش على الدم والاحتكار، والغزوات المختلفة من ترسانة ومال واقتصاد ونهب موارد وفظاعات ومذابح إنسانية وإبادات بشرية كما يجري اليوم في قطاع غزة وغيرها من الشرق الأوسط والعالم.