بات البحث عن بدائل للنفط الروسي بعد حظره بقرار أميركي، أحد السيناريوهات أمام القارة الأوروبية وواشنطن نفسها لتعويض النقص في إمداداتها بالطاقة.
وتحدثت تقارير غربية خلال الأيام الماضية عن أن هناك مباحثات أميركية وأوروبية مع دول مثل
فنزويلا وأخرى إفريقية مثل
الجزائر و
نيجيريا لتعويض نقص تدفق
النفط الروسي.
ووفقا لتلك التقارير فواشنطن تسعى لإيجاد بدائل للنفط الروسي، حتى لو تطلب ذلك إعادة النظر في سياستها الخارجية وعقوباتها ضد فنزويلا.
البحث عن النفط الفنزويلي
وتوجه وفد أميركي هو "الأعلى في السنوات الأخيرة"، يوم السبت، إلى فنزويلا للقاء ممثلي حكومة الرئيس الفنزويلي
نيكولاس مادورو.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: "لا يستبعد أن واشنطن تعتبر كاراكاس مصدرا إضافيا للنفط بعد أن كانت تستورد 700 ألف برميل يوميا من النفط الروسي، كما أنها تسعى لفصل روسيا عن حلفائها الدوليين وبينهم فنزويلا".
وكانت واشنطن فرضت حظرا على واردات كاراكاس من النفط بعد أن كان شبه كامل إنتاجها يصدر إلى السوق الأميركية؛ لمحاولة الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
أكبر احتياطات نفط عالمياً
وفنزويلا لم تستخرج سوى 755 ألف برميل في اليوم في يناير الماضي، حسب منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك".
وتراجع الإنتاج منذ بضعة أشهر أيضا إلى 400 ألف برميل في اليوم، في أدنى مستوى له منذ الأربعينيات.
ورغم أن فنزويلا تملك احتياطات نفط بين الأكبر في العالم، إلا أن الخبير النفطي رافاييل كويروز، يقول إنها "ليست خيارا" بديلا عن النفط الروسي".
ويضيف رافاييل كويرو: "كي تصبح خيارا مناسبا، يجب أن يكون لديها القدرة على زيادة إنتاجها"، مشيرا إلى أنه تم توجيه الإنتاج الحالي بعد الحظر الأميركي نحو الحلفاء السياسيين على غرار الصين والهند، بحسب وكالة" فرانس برس".
وكان الرئيس الفنزويلي وعد مؤخرا بأن بلاده ستنتج هذا العام مليوني برميل في اليوم مهما حصل.
لكن الخبير الاقتصادي المتخصص بشؤون النفط كارلوس ميندوزا بوتيلا، يؤكد أن "الأمر سيستغرق "4 أو 5 سنوات لتحقيق هذا الهدف".
وقطعت فنزويلا العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة عام 2019، فيما حاولت الولايات المتحدة الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، الذي لم تعترف بإعادة انتخابه عام 2018، من خلال فرض حزمة عقوبات على فنزويلا ولا سيما حظر استيراد النفط منها.
وقبل قطع العلاقات عام 2019، كانت الولايات المتحدة المشتري الرئيسي للنفط الفنزويلي.
أزمة تداعي البنى التحتية
وبعض مواقع استخراج النفط متداعية وحتى مهجورة في فنزويلا، حيث يتطلب تحديث البنى التحتية ملايين الدولارات من الاستثمارات الأجنبية، وفقا للوكالة الفرنسية.
ويرى الخبراء أن هذه الأموال لن تؤمن إلا بإصلاح قانون المحروقات وضمان السلامة القانونية للشركات الخاصة التي تعرضت للتأميم في الماضي، ورفع العقوبات الأميركية للتمكن من التصدير.
ويقول الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي لويس فيسينتي ليون: "سنشهد مفاوضات لمنح تراخيص لإنتاج النفط رغم العقوبات الأميركية المفروضة على كراكاس".
ولفت إلى أن "مصلحة واشنطن هي أن تزيد فنزويلا إنتاجها وأن تسهم في استقرار أسعار النفط في السوق العالمية".
غاز الجزائر
وفي بحث دول أوروبا ومن بينها ألمانيا عن بدائل للغاز الروسي، يدور الحديث عن قدرة إفريقيا على أن تكون موردا بديلا.
ولدى بعض البلدان الإفريقية، احتياطات كبيرة من الغاز، لكن في كثير من الأحيان تكون قدرات الإنتاج والنقل محدودة، وفق مراقبين.
وبين تلك الدول تأتي الجزائر والتي تعتبر عاشر أكبر منتج للغاز في العالم، حيث صدرت في عام 2021، شحنات غاز طبيعي مسال بشكل كبير للأسواق الأوروبية.
وفقا لبيانات اقتصادية فهذا يضع الجزائر في المرتبة الرابعة بين مصدري الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، والتي تعتبر ألمانيا واحدة من أكبر أسواقها.
وعن إمكانية أن تلعب الجزائر دورا في هذا السيناريو، يقول الدكتور مهماه بوزيان، الخبير الجزائري في شؤون الطاقة: "إن أوروبا تمثل سوقا استهلاكية للغاز الطبيعي ناهزت 394 مليار متر مكعب في سنة 2020، كما وصلت مستوى 400 مليار متر مكعب في السنة الماضية 2021، ويتم ضمان تغطية 40% منها عن طريق واردات الغاز الروسي".
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "رغم كل التضارب في الأرقام التي تتحدث عن حجم واردات الغاز الروسي نحو أوروبا في السنة الماضية، إلا أنها كميات مهولة، لا يمكن تعويضها من أحد ومن أية جهة".
ويردف بوزيان: "حتى الجزائر التي عادت بمستوى صادراتها من الغاز الطبيعي عن طريق الأنابيب أو عن طريق الغاز المسال إلى مستوياتها المرتفعة لما قبل سنة 2011، حيث صدرت الجزائر في السنة الماضية 58 مليار متر مكعب، لكن هذا الإنتاج كله يمثل ثلث إمدادات الغاز الروسي للدول الأوروبية.
ويتابع: "رغم امتلاك الجزائر لبنى تحتية هامة وبينها شبكة أنابيب ومحطات إسالة الغاز ومرافئ شحن، ولديها طاقة إنتاجية جاهزة تقدر بنحو 80 مليار متر مكعب، لكن استخدامها بأقصى طاقتها هذه هي بحاجة إلى ضخ استثمارات هامة في صناعة الغاز في المنبع".
ويؤكد الخبير الجزائري، أنه "كل المساعي المروج لها والمتحدث عنها بصخب، لا علاقة للجزائر بها، فهي لن تنخرط فيها إلا في حالة إعلان دول الاتحاد الأوروبي، نظرة واضحة ومشتركة وممتدة في الزمن، يعلنون من خلالها حاجتهم الدائمة إلى الغاز الجزائري على مدى الـ30 عاما المقبلة".
ويضيف: "بعد هذا الإعلان يُترجم ذلك في تدفق استثمارات مؤسساتهم المالية وشركاتهم الطاقوية بكثافة في المجال المنجمي الجزائري للنفط والغاز مستقبلا، مع إمضاء عقود طويلة الأجل لإمدادات الغاز، وبخلاف ذلك، فإن الجزائر غير معنية بأية شطحة سياسية تشتهي غازنا".
الغاز النيجيري
كما يثير مشروع ضخم في نيجيريا الآمال في الحصول على المزيد من واردات الغاز للأوروبيين، فالجزائر والنيجر ونيجيريا وافقت على بناء خط أنابيب للغاز عبر الصحراء الكبرى بطول أكثر من 4 آلاف كيلومتر، حيث سيوصل هذا الأنبوب الغاز عبر الدول الثلاث إلى أوروبا.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، سينقل خط الأنابيب 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا بعد اكتماله، بحسب مرصد الطاقة العالمي.
لكن لفترة طويلة لم يسمح الوضع الأمني في المنطقة والتوترات بين الجزائر والنيجر بإكمال المشروع، وفقا لإذاعة "صوت ألمانيا".
وفي عام 2021 فقط، أعادت الجزائر والنيجر فتح حدودهما وأعيد إحياء مشروع خط أنابيب الغاز، ومن المقرر إنشاء خط أنابيب للغاز يمكن أن يربط نيجيريا بعد ذلك بخطوط الأنابيب القائمة بين أوروبا والجزائر.
وحاليا فإن "أكبر المشترين للغاز الطبيعي المسال النيجيري في أوروبا هم فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وهي بلدان لديها محطات للغاز الطبيعي المسال، كما أن لألمانيا محطة خاصة بها وتخطط لبناء محطتين في المستقبل.
وهنا، تقول الخبيرة في قطاع الطاقة بالجمعية الأفريقية للأعمال الألمانية خدي كامارا: إن أوروبا استوردت في عام 2019 حوالي 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، منها أكثر من 12 مليارا من نيجيريا".
وتؤكد أن نيجيريا هي من بين البلدان العشر الأولى التي لديها أكبر احتياطي من الغاز في العالم، و"لديها إمدادات أكثر مما هو مطلوب لسوقها الخاصة، وبالتالي فهي قادرة على التصدير".
ولكن، وبحسب خدي كامارا، وحتى تتمكن نيجيريا من لعب دور فعال في إمداد السوق الأوروبية بالغاز، يجب أن تتمكن من تجاوز العقبات القائمة التي تقيد إنتاجها، وبينها البنية التحتية التي لا تكاد تسمح بمزيد من الإعانات والكفاءة المطلوبة.