كشفت أكبر دراسة على الإطلاق للجينوم العربي عن أقدم المجموعات السكانية في الشرق الأوسط الحديثة، وتسلط الضوء على كيفية توسع الإنسان الحديث لأول مرة في جميع أنحاء العالم.
ولطالما كانت شبه الجزيرة العربية - التي تضم اليوم البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات - بمثابة مفترق طرق رئيسي بين إفريقيا وأوروبا وآسيا. وتشير النتائج الأثرية والأحفورية والحمض النووي الحديثة، إلى أن تحليل الشرق الأوسط وشعبه يمكن أن يكشف المزيد عن كيفية خروج الإنسان الحديث لأول مرة من إفريقيا إلى بقية العالم.
وحتى الآن، لم تُدرس جينات السكان العرب إلى حد كبير. وفي الدراسة الجديدة، أجرى الباحثون أول تحليل واسع النطاق لعلم الوراثة لسكان الشرق الأوسط، وفحصوا الحمض النووي لـ 6218 بالغا جُنّدوا عشوائيا من قواعد البيانات الصحية القطرية، مع مقارنتها بالحمض النووي للأشخاص الذين يعيشون في مناطق أخرى من العالم اليوم، والحمض النووي من البشر القدامى الذين عاشوا ذات مرة في إفريقيا وأوروبا وآسيا.
وقال المعد الكبير المشارك في الدراسة، يونس مقراب، رئيس مختبر الجينوم الطبي والسكان في Sidra للطب في الدوحة، قطر، لـ "لايف ساينس": "هذه أول دراسة واسعة النطاق على السكان العرب".
ووجد العلماء أن الحمض النووي من مجموعات الشرق الأوسط قدم مساهمات وراثية كبيرة لمجتمعات أوروبا وجنوب آسيا وحتى أمريكا الجنوبية، ويرجع ذلك على الأرجح إلى ظهور الإسلام وانتشاره في جميع أنحاء العالم على مدار الـ 1400 عام الماضية، مع تزاوج الأشخاص المنحدرين من أصول شرق أوسطية مع هؤلاء السكان، على حد قولهم.
وقال مقراب: "السلالة العربية هي عنصر رئيسي في الأسلاف لدى كثير من السكان المعاصرين". وهذا يعني أن ما سيُكتشف في هذه المنطقة ستكون له تداعيات مباشرة على السكان في أماكن أخرى.
وتشير النتائج الجديدة أيضا إلى أن أسلاف المجموعات من شبه الجزيرة العربية انفصلوا عن الأفارقة الأوائل منذ حوالي 90 ألف عام. وقال الباحثون إن هذا هو الوقت نفسه تقريبا الذي انفصل فيه أسلاف الأوروبيين وجنوب آسيا عن الأفارقة الأوائل، ما يدعم فكرة أن الناس هاجروا من إفريقيا إلى بقية العالم عبر شبه الجزيرة العربية.
وقال مقراب "الجزيرة العربية هي حجر الزاوية في الهجرات المبكرة من إفريقيا".
وفي وقت لاحق، انفصلت مجموعات شبه الجزيرة العربية على ما يبدو عن أسلاف الأوروبيين منذ حوالي 42000 عام ثم سكان جنوب آسيا منذ حوالي 32000 عام. وقال مقراب: "في السابق، كان يُنظر إلى السكان العرب على أنهم ينحدرون من عدد كبير من السكان الأوروبيين".
وبعد مغادرة الإنسان الحديث لإفريقيا، واجهوا - وأحيانا تزاوجوا مع - سلالات بشرية أخرى منقرضة الآن، مثل إنسان نياندرتال ودينيسوفان، الذين غادر أسلافهم إفريقيا قبل فترة طويلة من وجود البشر المعاصرين، وعثر عليهم بشكل حصري تقريبا في أوروبا وآسيا. وقال مقراب: "إن الجداول الزمنية التي اكتشفت في دراستنا عندما تباعد العرب عن السكان الآخرين، تفسر سبب ندرة الحمض النووي لإنسان نياندرتال في السكان العرب مقارنة بالسكان الذين اختلطوا لاحقا بأشباه البشر القدامى".
وعلاوة على ذلك، بعد مقارنة الجينوم البشري الحديث بالحمض النووي البشري القديم، اكتشف العلماء أن مجموعة فريدة من عرب شبه الجزيرة قد تكون الأقدم بين جميع مجموعات الشرق الأوسط الحديثة، على حد قول مقراب. وقال الباحثون إن أعضاء هذه المجموعة قد يكونون أقرب الأقارب لأوائل المزارعين والصيادين وجامعي الثمار المعروفين الذين احتلوا الشرق الأوسط القديم.
وأشار العلماء إلى أن الجماعات العربية التي ورثت أسلافها، خضعت على ما يبدو لانقسامات متعددة منذ 12000 إلى 20000 عام. وقال الباحثون إن هذا يتزامن مع الطريقة التي أصبحت بها شبه الجزيرة العربية أكثر جفافا، حيث انتقلت بعض المجموعات إلى مناطق أكثر خصوبة، ما أدى إلى نشوء مجتمعات مستوطنين، واستمر البعض الآخر في العيش في المنطقة القاحلة، والتي كانت أكثر ملاءمة لأنماط الحياة البدوية.
واكتشفت الدراسة الجديدة معدلات عالية من زواج الأقارب في بعض مجموعات شبه الجزيرة العربية التي يعود تاريخها إلى العصور القديمة، ومن المحتمل أن تكون ناتجة عن الطبيعة القبلية لهذه الثقافات التي ترفع الحواجز أمام الزواج المختلط خارج المجموعات القبلية. وقال الباحثون إن زواج الأقارب يمكن أن يسلط الضوء على الطفرات النادرة التي قد تزيد من خطر الإصابة بالأمراض، لذلك قد تساعد النتائج في الكشف عن أسباب بعض الاضطرابات الوراثية وتؤدي إلى الطب الدقيق للمساعدة في تشخيص وعلاج الأمراض في المجتمعات الممثلة في الدراسة.
وقام العلماء بتفصيل النتائج التي توصلوا إليها على الإنترنت في 12 أكتوبر، في مجلة Nature Communications.