أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2017
6995
التاريخ: 6-11-2017
4978
التاريخ: 5-11-2017
7649
التاريخ: 9-6-2021
2702
|
قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأنعام : 46 - 49] .
زاد سبحانه في الإحتجاج عليهم فقال : {قُلْ} يا محمد لهؤلاء الكفار {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} أي : ذهب بهما فصرتم صما عميا { وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} أي : طبع عليها . وقيل : ذهب بعقولكم ، وسلب عنكم التمييز ، حتى لا تفهمون شيئا وإنما خص هذه الأشياء بالذكر ، لأن بها تتم النعمة دينا ودنيا {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} قال الزجاج : هذه الهاء تعود إلى معنى الفعل ، المعنى من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم ، قال : ويجوز أن يكون عائدا إلى السمع ، ويكون ما عطف على السمع داخلا في القصة معه ، إذا كان معطوفا عليه ، قال ابن عباس : يريد لا يقدر هؤلاء الذين يعبدون أن يجعلوا لكم أسماعا ، وأبصارا ، وقلوبا ، تعقلون بها ، وتفهمون ، أي : إن أخذها الله منكم ، فمن يردها عليكم ؟ بين سبحانه بهذا أنه كما لا يقدر على ذلك غير الله ، فكذلك يجب أن لا تعبدوا سواه .
{انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} أي : نبين لهم في القران الآيات ، عن الكلبي ، وقيل : تصريف الآيات توجيهها في الجهات التي يظهرها أتم الإظهار ، ومرة في جهة النعمة ، ومرة في جهة الشدة . وقيل : تصريف الآيات : احداثها دالة على وجوه ، كما أن الآية المعجزة تدل على فاعلها ، وعلى قدرته ، وعلمه ، وعلى نبوة النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) ، وصدقه .
{ثُمَّ هُمْ} أي الكفار {يَصْدِفُونَ} أي : يعرضون عن تأمل الآيات والفكر فيها . وقيل : إعراضهم عنها كفرهم بها ، وإنما قال : {انْظُرْ} لأنه تعالى عجب أولا من تتابع نعمه عليهم ، وضروب دلائله من تصريف الآيات ، وأسباب الاعتبار ، ثم عجب ثانيا من إعراضهم عنها ، ثم زاد تعالى في الحجاج فقال : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} أي : أعلمتم {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} أي : عذبكم الله بعد إعذاره عليكم ، وإرساله الرسل {بَغْتَةً} أي : مفاجأة {أَوْ جَهْرَةً} أي : علانية ، وإنما قابل البغتة بالجهرة ، لأن البغتة تتضمن معنى الخفية ، لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون . وقيل : البغتة أن يأتيهم ليلا ، والجهرة أن يأتيهم نهارا ، عن الحسن .
{هَلْ يُهْلَكُ} أي : لا يهلك بهذا العذاب {إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} أي : الكافرون الذين يكفرون بالله ، ويفسدون في الأرض . وقيل : إنهم كانوا يستدعون العذاب ، فبين أنه إذا نزل لا يهلك به إلا الكافرون ، فإن هلك فيه مؤمن ، أو طفل ، فإنما يهلك محنة ، ويعوضه الله على ذلك أعواضا كثيرة ، يصغر ذلك في جنبها ، والمراد بذلك : عذاب الدنيا دون عذاب الآخرة .
ثم بين سبحانه أنه لا يبعث الرسل أربابا يقدرون على كل شيء يسألون عنه من الآيات ، وأنما يرسلهم لما يعلمه من المصالح ، فقال : {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} ثم ذكر ثواب من صدقهم في باقي الآية ، وعقاب من كذبهم في الآية الثانية ، فقال : {فَمَنْ آمَنَ} أي : صدق الرسل {وَأَصْلَحَ} أي : عمل صالحا في الدنيا {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في الآخرة {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كما يحزن أهل النار .
وقيل : لا يحزنون على ما خلفوا وراءهم في الدنيا {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي : أدلتنا وحججنا ، وقيل : بمحمد (صلَّ الله عليه وآله وسلم) ومعجزاته {يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ} يصيبهم العذاب يوم القيامة {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي : بفسقهم ، وخروجهم عن الإيمان .
____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 57-58 .
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وأَبْصارَكُمْ وخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} . الإنسان بسمعه وبصره وقلبه ، فلو زالت هذه عنه لم يكن شيئا مذكورا ، وكان الحيوان خيرا منه . . وليس من شك ان اللَّه قادر على أخذها لأنه خالقها ، والقصد من هذه الإشارة أن يذكر سبحانه الكافرين ان ما يتخذون من دونه آلهة وأولياء لا يدفعون عنهم ضرا ، ولا يجلبون لهم نفعا : {وإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد - 12] .
{ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } . أي أقمنا عليهم الحجة تلو الحجة بأساليب شتى ، ليتعظوا ويعتبروا ، وقطعنا لهم كل معذرة ليذعنوا ويؤمنوا ، فما زادتهم الدلائل القاطعة إلا تماديا في الكفر والغي والعناد .
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} .
مرة ثانية يعظهم اللَّه ويهددهم بإتيان العذاب الذي لا يستطيعون له دفعا ، سواء أجاءهم بغتة ومن حيث لا يحتسبون ، أو جهرة من حيث هم متأهبون له ، مرة ثانية في هذه الآيات يعظهم اللَّه ويهددهم ليتقوا العذاب قبل وقوعه ، ويثوبوا إلى رشدهم ، ولكن قست القلوب ، فلم تمل لحق ولا هداية .
{وما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ} . هذه هي وظيفة الرسول ، يبشر الطائع ، وينذر العاصي ، وهذه الوظيفة على بساطة تحديدها ، ووضوح مفهومها هي من أشق الوظائف ، وأكثرها صعوبة ، لأنها تمس حياة الطغاة مباشرة ، وتعارضهم في مصالحهم ومنافعهم . وتنتهي وظيفة الرسول بثواب من آمن وعمل صالحا ، وعقاب من كفر وكذّب بآيات اللَّه {فَمَنْ آمَنَ وأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} . لأن المجرم هو الذي يخاف ويحزن ، أما البريء فهو في أمان واطمئنان . {والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} .
الفسق أعم من الكفر ، فكل كافر فاسق ، ولا عكس ، والمراد بالفسق هنا الكفر بدليل قوله تعالى : {كَذَّبُوا بِآياتِنا} .
________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 191 .
قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ} إلى آخر الآية ، أخذ السمع والأبصار هو سلب قوتي السمع والإبصار وهو الإصمام والإعماء والختم على القلوب إغلاق بابها إغلاقا لا يدخلها معه شيء من خارج حتى تتفكر في أمرها ، وتميز الواجب من الأعمال من غير : والخير النافع منها من الشر الضار مع حفظ أصل الخاصية وهو صلاحية التعقل وإلا كان جنونا وخبلا .
وإذ كان هؤلاء المشركون لا يسمعون حق القول في الله سبحانه ولا يبصرون آياته الدالة على أنه واحد لا شريك له فصارت قلوبهم لا يدخلها شيء من واردات السمع والبصر حتى تعرف بذلك الحق من الباطل أقام الحجة بذلك على إبطال مذهبهم في أمر الإله تعالى ووحدته .
وملخصها أن القول بثبوت شركاء لله يستلزم القول ببطلانه وذلك أن القول بالشركاء لإثبات الشفاعة ، وهي أن تشفع وتتوسط في جلب المنافع ودفع المضار ، وإذ كانت الشركاء شفعاء على الفرض كان لله سبحانه أن يفعل في ملكه ما يشاء من غير مصادفة مانع يمانعه أو ضد يضاده فلو سلب الله عنكم سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم فعل ذلك ولم يعارضه أحد من شركائكم لأنها شفعاء متوسطة لا أضداد معارضة ، ولو فعل ذلك وسلب ما سلب لم يقدر أحد منها أن يأتيكم به لأنها شفعاء وسائط لا مصادر للخلق والإيجاد .
وإذا لم يقدر على إيتاء نفع أو إذهاب ضر فما معنى ألوهيتها فليس الإله إلا من يوجد ويعدم ويتصرف في الكون كيف شاء ، وإنما اضطرت الفطرة الإنسانية إلى الإقرار بأن للعالم إلها من جهة الحصول على مبدأ حوادث الخير والشر التي تشاهدها في الوجود ، وإذ كان شيء لا يضر ولا ينفع في جنب الحوادث شيئا فليس تسميته إلها إلا لغوا من القول .
وليس لإنسان صحيح العقل والتمييز أن يجوز كون صورة حجرية أو خشبية أو فلزية عملته يد الإنسان وصنعته فكرته خالقا للعالم أو متصرفا فيه بالإيجاد والإعدام وكذا كون رب الصنم ربا معبودا أبدع العالم على غير مثال سابق مع الاعتراف بكونه عبدا مربوبا .
والحجة تعود بتقرير آخر إلى أن معنى الألوهية يأبى عن الصدق على الشريك بمعنى الشفيع المتوسط فإن مبدئية الصنع والإيجاد لازم معناها الاستقلال في التصرف والتعين في استحقاق خضوع المصنوع المربوب ، والواسطة المفروضة إن كان لها استقلال في العمل كانت أصلا ومبدأ لا واسطة وشفيعا وإن لم يكن له حظ من الاستقلال كانت أداة آلة لها مبدأ وإلها .
ولذا كانت الأسباب الكونية أيا ما فرضت ليس لها إلا معنى الإله والأداة كسببية الأكل للشبع والشرب للري والوالدين للولد والقلم للكتابة والمشي لانطواء المسافة وهكذا .
وقوله : {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} تصريف الآيات تحويلها إلى نحو أفهامهم ، والصدوف الإعراض ، يقال : صدف يصدف صدوفا إذا مال عن الشيء .
قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} إلى آخر الآية ، الجهرة الظهور التام الذي لا يقبل الارتياب ولذا قابلت البغتة التي هي إتيان الشيء فجأة لا يظهر على من أتاه إلا بعد إتيانه وغشيانه فلا يترك له مجال التحذر .
وهذه حجة بين فيها على وجه العموم أن الظالمين على خطر من عذاب الله عذابا لا يتخطاهم ، ولا يغلط في إصابتهم بإصابة من سواهم ، ثم بين أنهم هم الظالمون لفسقهم عن الدعوة الإلهية وتكذيبهم بآيات الله تعالى .
وذلك أن معنى العذاب ليس إلا إصابة المجرم بما يسوؤه ويدمره من جزاء إجرامه ولا إجرام إلا مع ظلم فلو أتاهم من قبل الله سبحانه عذاب لم يهلك به إلا الظالمون ، فهذا ما يدل عليه الآية ثم بين الآيتين التاليتين أنهم هم الظالمون .
قوله تعالى : {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} إلى آخر الآيتين يبين بالآيتين أنهم هم الظالمون ، ولا يهلك بعذاب الله إن أتاهم إلا لظلمهم .
ولذا غير سياق الكلام فوجه وجه البيان إلى النبي (صلَّ الله عليه وآله) ليكون هو المخبر عن شأن عذابه فيكون أقطع للعذر وجيء بلفظ المتكلم ليدل به على صدوره من ساحة العظمة والكبرياء .
فكان ملخص المضمون أمره تعالى نبيه (صلَّ الله عليه وآله) أن يقيم عليهم الحجة أن لو أتاهم عذاب الله لم يهلك إلا الظالمين منهم ثم يقول تعالى لرسوله : إنا نحن الملقين إليك الحجة الآتين بالعذاب نخبرك أن إرسالنا الرسل إنما هو للتبشير والإنذار فمن آمن وأصلح فلا عليه ، ومن كذب بآياتنا فهو الذي يمسه عذابنا لفسقه وخروجه عن طور العبودية فلينظروا في أمر أنفسهم من أي الفريقين هم ؟ .
وقد تقدم في المباحث السابقة استيفاء البحث عن معنى الإيمان والإصلاح والفسق ومعنى نفي الخوف والحزن عن المؤمنين .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 78-80 .
اعرفوا واهب النعم !
الخطاب ما يزال موجها إلى المشركين .
في هذه الآيات حثّ استدلالي على إيقاظهم ببيان آخر يعتمد غريزة دفع الضرر ، فيبدأ بالقول : إنّه إذا سلب منكم الله النعم الثمينة التي وهبها لكم ، مثل السمع والبصر ، وأغلق على قلوبكم أبواب التمييز بين الحسن والسيء ، والحقّ الباطل ، فمن يا ترى يستطيع أن يعيد إليكم تلك النعم؟ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} .
في الواقع ، كان المشركون أنفسهم يعتقدون أنّ الخالق والرازق هو الله ، وكانوا يعبدون الأصنام للاستشفاع بها عند الله .
والقرآن يحثّهم على الاتجاه المباشر نحو الله مصدر كل الخيرات والبركات بدل الاتجاه إلى أصنام لا قيمة لها .
وإضافة إلى ما كان يحمله عبدة الأصنام من اعتقاد بالله ، فإنّ القرآن استجوب عقولهم هنا لإبداء رأيها وحكمها في أمر أصنام لا تملك هي نفسها عينا ولا أذنا ولا عقلا ولا شعورا ، فهل يمكنها أن تهب أمثال هذه النعم للآخرين ؟
ثمّ تقول الآية : انظر إلى هؤلاء الذين نشرح لهم الآيات والدلائل بمختلف الوسائل ، ولكنّهم مع ذلك يعرضون عنها : {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} .
وفيما يتعلق بمعنى «ختم» وسبب ورود «سمع» بصيغة المفرد ، و «أبصار» بصيغة الجمع في القرآن راجع المجلد الاوّل من هذا التّفسير ، (92) .
«نصرف» من «التصريف» بمعنى «التغيير» ، والكلمة هنا تشير إلى مختلف الاستدلالات في صور متنوعة .
و «يصدفون» من «صدف» بمعنى «الجانب» و «الناحية» أي أنّ المعرض عن شيء يدير وجهه إلى جانب أو ناحية أخرى .
وهذه الكلمة تستعمل بمعنى الإعراض أيضا ، ولكنه «الإعراض الشديد» كما يقول الراغب الأصفهاني .
تشير الآية الثّانية ، بعد ذكر هذه النعم الثلاث «العين والأذن والإدراك» التي هي منبع جميع نعم الدنيا والآخرة ـ إلى إمكان سلب هذه النعم كلها دفعة واحدة ، فتقول : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} (2) .
«بغتة» بمعنى «فجأة» و «جهرة» بمعنى «الظاهر» والعلانية ، والمألوف استعمال «سرّا» في مقابل «جهرة» لا «بغتة» ، ولكن لما كانت مقدمات العمل المباغت خافية غالبا ، إذ لو لا خفاؤه لما كان مباغتا ، فإن في «بغتة» يكمن معنى الخفاء والسرية أيضا .
والقصد هو أنّ القادر على إنزال مختلف العقوبات ، وسلب مختلف النعم هو الله وحده ، وإنّ الأصنام لا دور لها في هذا أبدا ، لذلك ليس ثمّة ما يدعو إلى اللجوء إليها ، لكن الله لحكمته ورحمته لا يعاقب إلّا الظالمين .
ومن هذا يستفاد أنّ للظلم معنى واسعا يشمل أنواع الشرك والذنوب ، بل إنّ القرآن يعتبر الشرك ظلما عظيما ، كما قال لقمان لابنه : {لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان : 13] .
الآية الثالثة تشير إلى مركز الأنبياء ، فتقول : ليست الأصنام العديمة الروح هي وحدها العاجزة عن القيام بأي أمر ، فإن الأنبياء العظام والقادة الإلهيين أيضا لا عمل لهم سوى إبلاغ الرسالة والإنذار والتبشير ، فكل ما هنالك من نعم إنّما هي من الله وبأمره ، وأنّهم إن أرادوا شيئا طلبوه من الله : {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} .
والاحتمال الآخر في ربط هذه الآية بالآيات السابقة هو أنّ تلك الآيات كانت تتكلم عن البشارة والإنذار ، وهنا يدور القول على أنّ هذا هو هدف بعثة الأنبياء ، فهم مبشرون ومنذرون .
ثمّ تقول : إنّ طريق النجاة ينحصر في أمرين ، فالذين يؤمنون ويصلحون أنفسهم و {يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ} فلا خوف عليهم من العقاب الإلهي ، ولا حزن على أعمالهم السابقة . {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
أمّا أولئك الذين لا يصدقون بآياتنا ، بل يكذبون بها فإنّ عقابهم على فسقهم وعصيانهم عذاب من الله : {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} .
من الجدير بالانتباه أنّ الآية ذكرت عقاب الذين يكذبون بآيات الله بعبارة {يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ} ، فكأنّ هذا العقاب يطاردهم في كل مكان حتى يشملهم بأشد ما يكون من العذاب .
كذلك ينبغي القول أنّ لكلمة «فسق» معنى واسعا أيضا ، يشمل كل أنواع العصيان والخروج عن طاعة الله وعبوديته وحتى الكفر في بعض الأحيان ، وهذا المعنى هو المقصود في هذه الآية ، لذلك لا محل للبحوث التي عقدها الفخر الرازي ومفسّرون آخرون بشأن معنى «الفسق» وشمولها الذنوب ، ومن ثمّ الدفاع عن ذلك .
______________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، 78-80 .
2. شرحنا معنى «أرأيتكم» عند تفسير الآية 40 من هذه السورة وقلنا : ليس هناك ما يدعو إلى اعتبار المعنى «أخبروني» بل المعنى هو «أعلمتم» ؟
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|