أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2017
2385
التاريخ: 12-10-2017
2623
التاريخ: 10-10-2017
2488
التاريخ: 10-10-2017
2284
|
التاعت بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أبي بكر ؛ فقد سدّ عليها جميع نوافذ الحياة الاقتصادية ، فخرجت (سلام الله عليها) غضبى ، فلاثت خمارها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى دخلت على أبي بكر وهو في جامع أبيها ، وكان في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة .
فوقفت مفخرة الإسلام فأنّت أنه أجهش لها القوم بالبكاء ، وارتجّ المجلس ، فأمهلتهم حتّى إذا سكن نشيجهم وهدأت فورتهم افتتحت خطابها الخالد بحمد الله والثناء عليه ، وانحدرت في خطابها كالسيل ، فلم يُسمع أخطب ولا أبلغ منها ، وحسبها أنّها بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي أفاض عليها بمكرمات نفسه ، وغذّاها بحكمه وآدابه .
وتحدّثت في خطابها عن معارف الإسلام ، وفلسفة تشريعاته ، وعلل أحكامه ، وعرضت إلى الحالة الراهنة التي كانت عليها اُمم العالم وشعوب الأرض قبل أن يشرق عليها نور الإسلام ؛ فقد غرقت الاُمم بالجهل والانحطاط خصوصاً (الجزيرة العربية) ؛ فقد كانت في أقصى مكان من الذلّ والهوان ، وكانت الأكثرية الساحقة تقتاد القِدّ ، وتشرب الطَرق ، وترسف في قيود الفقر والبؤس إلى أن أنقذها الله بنبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، فرفعها إلى واحات الحضارة وجعلها سادة الاُمم والشعوب ، فما أعظم عائدته على العرب والمسلمين !
وعرضت سيّدة نساء العالمين في خطبتها إلى فضل ابن عمّها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وعظيم جهاده في نصرة الإسلام ، وذبّه عن حياض الدين ، في حين أنّ المهاجرين من قريش بالخصوص كانوا في رفاهية من العيش وادعين آمنين ، لم يكن لهم أيّ ضلع في نصرة القضية الإسلاميّة والدفاع عنها ، فلم يُؤثر عن أعلامهم أنّهم قتلوا مشركاً ، أو برزوا ببسالة وصمود إلى مقارعة الأقران في الحروب ، وإنّما كانوا ينكصون عند النزال ، ويفرّون من القتال ـ على حدّ تعبيرها ـ وكانوا يتربّصون الدوائر بأهل بيت النبوّة ، ويتوقعون بهم نزول الأحداث .
وأعربت مفخرة الإسلام في خطابها عن أسفها البالغ على ما مُني به المسلمون من الزيغ والانحراف ، والاستجابة لدواعي الهوى والغرور ، وذلك بإقصائهم لأهل البيت (عليهم السّلام) عن مركز القيادة العامة ، وتنبّأت عمّا سيحلّ بهم من الكوارث والخطوب التي تدع فيئهم حصيداً ، وجمعهم بديداً من جرّاء إبعادهم لأهل بيت النبوّة عن مقامهم الذي نصبهم فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
ثمّ عرضت إلى حرمانها من إرث أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقالت : وأنتم تزعمون أن لا إرث لي من أبي ! {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
وَيهاً أيّها المسلمون ! أاُغلب على تراث أبي ؟! .
ثمّ وجهت خطابها إلى أبي بكر : يابن أبي قُحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئاً فريّاً ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] ؟ وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا ، إذ يقول : {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5، 6] ، وقال : {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] ، وقال : {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وقال : {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ، وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي ؟ أم تقولون : إنّ أهل ملّتَين لا يتوارثان ، أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟ .
وبعدما أدلت بهذه الحجج الدامغة المدعمة بآيات من القرآن الكريم التي فنّدت فيها مزاعم أبي بكر من أنّ الأنبياء لا يورثون ، التفتت إليه ، فوجّهت إليه هذه الكلمات اللاذعة قائلةً : فدونكها مرحولةً مزمومةً تكون معك في قبرك ، وتلقاك يوم حشرك ، فنِعمَ الحَكَم الله ، ونِعمَ الزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، و{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67] ، {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 39] .
ثمّ اتّجهت نحو فتيان المسلمين تستنهض هممهم ، وتوقظ عزائمهم للمطالبة بحقّها والثورة على الحكم القائم ، قائلة : يا معشر النقيبة ، وأعضاد الملّة ، وحضنة الإسلام ، ما هذه الغَميزة في حقّي والسِنَة عن ظُلامتي ؟ أما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : المرء يُحفظ في وُلده ؟ لَسرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالةً !
أتقولون : مات محمّد ؟ لعمري ، خطب جليل استوسع وهيُه ، واستنهر فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، واُضيع الحريم ، وأُزيلت الحرمة ، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في أفنيتكم ، ممساكم ومصبحكم ، هتافاً هتافاً : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] .
وأخذت سيّدة النساء تحفّز الأنصار ، وتذكّرهم بجهادهم المشرق في نصرة الإسلام وحماية مبادئه وأهدافه وكفاحهم لأعدائه القرشيّين ، طالبة منهم الثورة ضدّ الحكم القائم وإرجاع الحقّ إلى عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلة : إيهاً بني قيلة ! أأُهضَم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الخُبرة ، وأنتم ذوو العُدّة والعدد ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجُنّة ، تُوافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تُغيثون ، وأنتم موصوفون بالكِفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنُخبة التي انتُخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت ؟!
قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتعب ، وناطحتم الأمم ، وكافحتم البُهم ، فلا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حَلَب الأيّام ، وخضعت نُعرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنّى جرتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ؟!
بؤساً لقوم {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 13] .
ولمّا رأت وهن الأنصار وتخاذلهم عن إجابة الحقّ ، وجّهت لهم أعنف القول ، وأشدّ العتب والتقريع ، قائلة لهم : ألا وقد قلتُ ما قلتُ ، هذا على معرفة منّي بالجذلة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنّها فيضة النفس ، وبثّة الصدر ، ونفثة الغيظ ، وتقدمة الحجّة ، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر ، نقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة بغضب الله ، وشنار الأبد ، موصولة بـ {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة: 6 - 8] ، في عين الله ما تفعلون ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] .
وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فـ {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [هود: 121، 122] .
وهذا أروع خطاب ثوري عرفه التأريخ الإسلامي ؛ فقد وضعت فيه مفخرة الإسلام النقاط على الحروف ، ووضعت المسلمين أمام الأمر الواقع ، وكشفت لهم عمّا سيواجهونه من الويلات والكوارث والأزمات من جراء تخاذلهم عن نصرة الإسلام أمام هذه المحنة الحازبة .
وقد وجلت القلوب وخشعت الأبصار ، وأوشكت الثورة أن تحدث على أبي بكر ويُقصى عن منصبه إلاّ أنّه سيطر على الموقف بلباقة مذهلة فقد قابل بضعة الرسول بكلّ حفاوة وتكريم ، وتصاغر أمامها ، وأظهر لها أنّه لم يتقلّد منصب الحكم ، ولم يتّخذ معها الإجراءات القاسية عن رأيه الخاص ، وإنّما كان عن رأي المسلمين واتّفاقهم .
متى ولا نعلم أنّه حتّى استشار أحداً في تقمّصه للخلافة ، ومصادرته لتركة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميمه لفدك وغيرها ؛ مما أوجب التضييق الاقتصادي على العترة الطاهرة ؟!
وعلى أي حال ، فقد حفظت السيّدة زينب وهي في عهد الصبا هذا الخطاب الخالد ، وهي إحدى رواته ، وكان ذلك آية في نبوغها فقد روته بحرفيته ، وكانت مع اُمّها حينما أدلت بهذا الخطاب الذي هو أحد الركائز المهمّة في مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) ، وقد رجعت معها وهي تجرّ أذيال الخيبة ، قد مزّق الأسى فؤادها ؛ فلم يرع أبو بكر مكانتها ، ولم يستجب المسلمون لمطالبها ، وقد استولت عليها الآلام والهموم على ما تُمنى به الاُمّة من الكوارث والأزمات من جراء إقصاء أهل البيت (عليهم السّلام) عن القيادة العامة للعالم الإسلامي .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|