المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الاية (29-44) من سورة الطور  
  
2764   07:19 مساءً   التاريخ: 27-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة الطور /

قال تعالى : {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ } [الطور: 29 - 31].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {فذكر} يا محمد أي فعظ هؤلاء المكلفين ولا تترك دعوتهم وإن أساءوا قولهم فيك {فما أنت بنعمة ربك} أي بأنعام ربك عليك بالنبوة وهذا قسم {بكاهن} وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب بطريق خدمة الجن {ولا مجنون} وهو المؤوف بما يغطي على عقله وقد علم الكفار أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس بكاهن ولا مجنون لكن قالوا ذلك على جهة التكذيب عليه ليستريحوا إلى ذلك كما يستريح السفهاء إلى التكذيب على أعدائهم {أم يقولون} أي بل يقولون هو{شاعر نتربص به ريب المنون} أي ننتظر به حدثان الموت وحوادث الدهر فيهلك كما هلك من تقدم من الشعراء والمنون يكون بمعنى الدهر ويكون بمعنى المنية وأم هذه المنقطعة(2) بمعنى الترك والتحول كقول علقمة(3) :

هل ما علمت وما استودعت مكتوم *** أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

فكأنه قال(4) حبلها مصروم لأن بعده قوله :

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته *** إثر الأحبة يوم البين مسكوم (5)

ثم قال سبحانه {قل} لهم يا محمد {تربصوا فإني معكم من المتربصين} أي إنكم إن تربصتم في حوادث الدهر فإني منتظر مثل ذلك بكم وتربص الكفار بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين قبيح وتربص النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين بالكفار وتوقعهم لهلاكهم حسن وقوله {تربصوا} وإن كان بصيغة الأمر فالمراد به التهديد {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} أي بل أ تأمرهم عقولهم بما يقولونه لك ويتربصونه بك قال المفسرون كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول فأزرى الله سبحانه بعقولهم حيث لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل.

 ثم أخبر سبحانه عن طغيانهم فقال {أم هم قوم طاغون} وقرأ مجاهد بل هم قوم طاغون وبل في المعنى قريبة من أم هنا إلا أن ما بعد بل متيقن وما بعد أم مشكوك فيه والمعنى أن عقولهم لم تأمرهم بهذا ولم تدعهم إليه بل حملهم الطغيان على تكذيبك {أم يقولون تقوله} أي افتعل القرآن وتكذبه من تلقاء نفسه والتقول تكلف القول ولا يقال ذلك إلا في الكذب {بل لا يؤمنون} أي ليس الأمر كما زعموا بل ثبت أنه من عند الله ولكنهم لا يصدقون بذلك عنادا وحسدا واستكبارا.

ثم ألزمهم سبحانه الحجة تحداهم فقال {فليأتوا بحديث مثله} أي مثل القرآن وما يقاربه في نظمه وفصاحته وحسن بيانه وبراعته {إن كانوا صادقين} في أنه تقوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإذا لم يقدروا على الإتيان بمثله فليعلموا أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يتقوله من تلقاء نفسه بل هومن عند الله تعالى ثم احتج عليهم بابتداء الخلق فقال {أم خلقوا من غير شيء} أي أم خلقوا لغير شيء أي أ خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون ونحو هذا عن الزجاج وقيل معناه أم خلقوا عبثا وتركوا سدى عن ابن كيسان وهذا في المعنى مثل الأول وقيل معناه أ خلقوا من غير خالق ومدبر دبرهم .

{أم هم الخالقون} أنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر عن ابن عباس {أم خلقوا السماوات والأرض} واخترعوهما فلذلك لا يقرون بالله وبأنه خالقهم {بل لا يوقنون} بأن لهم إلها يستحق العبادة وحده وإنك نبي من جهة الله {أم عندهم خزائن ربك} أي بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا عن مقاتل وعكرمة وقيل أراد خزائن المطر والرزق عن الكلبي وابن عباس وقيل خزائنه مقدوراته فلا يأتيهم إلا ما يحبون عن الجبائي(6) {أم هم المصيطرون} أي الأرباب المسلطون على الناس فليس عليهم مسيطر ولا لهم ملزم ومقوم وقيل معناه أم هم المالكون الناس القاهرون لهم عن الجبائي {أم لهم سلم} أي مرقى ومصعد إلى السماء {يستمعون فيه} الوحي من السماء فقد وثقوا بما هم عليه وردوا ما سواه {فليأت مستمعهم بسلطان مبين} أي بحجة ظاهرة واضحة أن ادعي ذلك والتقدير يستمعون عليه فهو كقوله {ولأصلبنكم في جذوع النخل} وإنما قيل لهم ذلك لأن كل من يدعي ما لا يعلم ببداية(7) العقول فعليه إقامة البينة والحجة {أم له البنات ولكم البنون} وهذا تسفيه لأحلامهم إذ أضافوا إلى الله سبحانه ما أنفوا منه وهذا غاية في جهلهم إذ جوزوا عليه سبحانه الولد ثم ادعوا أنه اختار الأدون على الأعلى {أم تسألهم أجرا} أي ثوابا على أداء الرسالة وعلى ما جئتهم به من الدين والشريعة {فهم من مغرم مثقلون} أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم فمنعهم ذلك عن الإيمان بك .

ثم قال سبحانه {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} أي أ عندهم الغيب حتى علموا أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) يموت قبلهم وهذا جواب لقولهم نتربص به ريب المنون عن قتادة وقيل أ عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ويخبرون به الناس عن ابن عباس وقيل هو جواب لقولهم إن كان أمر الآخرة حقا كما تدعون فلنا الجنة ومثله ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى عن الحسن والغيب الذي لا يعلمه إلا الله هوما لا يعلمه العاقل ضرورة ولا عليه دلالة فالله عالم به لأنه يعلمه لنفسه والعالم لنفسه يعلم جميع المعلومات فلا يخفى عليه شيء منها {أم يريدون كيدا} أي مكرا بك وتدبير سوء في بابك سرا على ما دبروه في دار الندوة {فالذين كفروا هم المكيدون} أي هم المجزيون بكيدهم فإن ضرر ذلك يعود عليهم ويحيق بهم مكرهم كما جزى الله سبحانه أهل دار الندوة بكيدهم أن قتلهم ببدر {أم لهم إله غير الله} يرزقهم ويحفظهم وينصرهم يعني أن الذين اتخذوهم آلهة لا تنفعهم لا تدفع عنهم.

 ثم نزه سبحانه نفسه فقال {سبحان الله عما يشركون} به من الآلهة ثم ذكر سبحانه عنادهم وقسوة قلوبهم فقال {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا} يعني إن عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لن ينتهوا عن كفرهم وقالوا هو قطعة من السحاب وهو قوله {يقولوا سحاب مركوم} بعضه على بعض وكل هذه الأمور المذكورة بعد أم في هذه السورة إلزامات لعبدة الأوثان على مخالفة القرآن .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص278- 282.

2- وفي المخطوطة : هذه هي المنقطعة.

3- وفي نسختين : علقمة بن عبدة .

4- وفيهما : بل أحملها .

5- قوله : (لم ينقض عبرته) حال من الضمير في (بكى) الراجع الى الكبير . وبكى : وصف لكبير (واثر الاحبة) متعلق ببكى . والبين : الفراق . ومشكوم : مأخوذ من الشيكمة وهي حديدة معترضة في فم الفرس أي : مسدود فوه.

6- وفي نسخة : بدل ( الجبائي ) : (ابن عباس) .

7- وفي نسخة : (بداهة  العقول) .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

تشير هذه الآيات إلى حال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) مع المشركين حين دعاهم إلى التوحيد ونبذ الشرك . . . وقد ابتدأ سبحانه بمخاطبة نبيه الكريم :

1 – {فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ ولا مَجْنُونٍ } . امض في سبيلك ، وثابر يا محمد على مهمتك ، وهي الدعوة إلى اللَّه والتخويف من عذابه ، ولا تكترث بما يقوله عنك بعض المعاندين : انك كاهن تدعي علم الغيب . . . ويقوله آخرون : انك مجنون . . . فأنت بحمد اللَّه وفضله أبعد من كان ويكون عن أكاذيبهم ومزاعمهم . . . وكيف تكون كاهنا أو مجنونا وقد جعلك اللَّه أمينا على وحيه ، واختارك لرسالته ؟ .

2 – {أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} . قال بعضهم لبعض :

محمد شاعر يتكلم من نسج الخيال . . . فاثبتوا على تكذيبه ، وانتظروا أياما ، فإن هلك فذاك ما تبتغون ، وان عاش افتضح بمزاعمه . . . ثم افترقوا على هذا { قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} . أمر سبحانه نبيه الكريم أن يقول لهم :

انتظروا . . وأنا أيضا أنتظر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ، ويصبح من النادمين .

3 – { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا } الافتراء والضلال . والمراد بأحلامهم عقولهم ، البالية وأمانيهم الخادعة .

4 – { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ } . انهم على علم اليقين انك رسول اللَّه حقا وصدقا ، ولكنهم ينكرون الحق بغيا وعنادا حرصا على مناصبهم ومكاسبهم .

5 - ( أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ) اختلق القرآن من تلقائه { بَلْ لا يُؤْمِنُونَ } بحق ولا يكفون عن باطل {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ } في ان القرآن

شعر وكهانة ، فما أكثر ما عندهم من الكهنة والشعراء . وتقدم مثله في الآية 23 من سورة البقرة ج 1 ص 64 .

6 – { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ}  صدفة . . . لا خالق ولا مدبر . . . ولا هدف ولا مسؤولية . . . لا شيء تماما كما تخلق الحشرات في العفونة والقذارات .

7 – { أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ}  أنفسهم بإرادتهم وقدرتهم ؟

8 – { أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ والأَرْضَ } . وتسأل : ان المشركين لا يدعون انهم الخالقون لأنفسهم ولا لغيرهم ، بل نص القرآن على اعترافهم بأن اللَّه هو الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض ، قال تعالى : {ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} - 87 الزخرف . وقال : {ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 61 العنكبوت - إذن - فما هو المبرر لقوله تعالى : {أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ والأَرْضَ} ؟

الجواب : انهم من الوجهة النظرية يعترفون بأن اللَّه هو خالق كل شيء . . .

ولكنهم من الوجهة العملية يتصرفون تصرف من لا يؤمن باللَّه ولا يعترف بوجوده . . .

بل يدل تصرفهم على انهم يدّعون الخلق والربوبية . . . والى هذا يومئ قوله تعالى :

{بَلْ لا يُوقِنُونَ } . وينطبق هذا الوصف على الكثير من الذين يدعون الايمان باللَّه واليوم الآخر في زماننا .

9 – {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ } ؟ وإذا اعترفوا بأن اللَّه خالق كل شيء فهل يدعون بأن اللَّه فوض إليهم إدارة ملكه واختيار أنبيائه ، وتقسيم الأرزاق والأعمار على عباده ؟ وتقدم مثله في الآية 32 من سورة الزخرف .

10 – {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}  على الخلائق وجميع الكائنات . . . شاء اللَّه أم أبى .

11 – { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } وإذا لم يدعوا شيئا من ذلك فهل يدعون انهم ارتقوا بمصعد إلى اللَّه وسمعوه يقول : ان محمدا يفتري الكذب على اللَّه ؟

{فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ } . هذا هو منطق الحق والعدل ، والنهاية في انصاف الخصم . . . فلكل إنسان أن يدعي ما شاء حتى علم الغيب ، شريطة أن يقيم البينة الواضحة على دعواه ، وإلا فهومفتر كذاب .

12 – {أَمْ لَهُ الْبَناتُ ولَكُمُ الْبَنُونَ} . لا فرق إطلاقا بين قولهم : محمد شاعر وكاهن ومجنون وبين قولهم : للَّه البنات ولهم البنون . . ولا ينحصر الافتراء على الرسول بالقول : انه مجنون ، ولا بنسبة الشريك والولد إلى اللَّه . . . فكل من حرم حلالا أو حلل حراما فقد افترى الكذب على اللَّه والرسول .

13 – {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} . لما ذا كذبوا رسول اللَّه ؟

هل ألزمهم بغرامة يعجزون عنها ولا يستطيعون أداءها ؟

14 – {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} . هل هم كتبة الوحي عند اللَّه يسجلون الأرزاق والأعمار ومن يختار من الأنبياء ، وما طلب منهم سبحانه في يوم من الأيام أن يسجلوا اسم محمد مع أسماء الأنبياء .

15 – { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} . هذه هي الحقيقة .

انهم لا يدعون شيئا ، ولا يريدون شيئا إلا المكر والإساءة إلى محمد (صلى الله عليه واله وسلم) . .

ولكن ستدور عليهم دائرة السوء لأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله .

16 – { أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. ومن هو؟ وأين هو هذا الإله الذي يرد عنهم عذاب اللَّه عند نزوله ؟ تعالى اللَّه علوا كبيرا عن الأمثال والأضداد .

{وإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ }. لو رأوا العذاب وجها لوجه لكابروا وقالوا : هذا سحاب وسراب . ومثله قوله تعالى حكاية عنهم :

{ولَو فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} - 14 الحجر ج 4 ص 469 .

والخلاصة ان اللَّه سبحانه لم يدع عذرا لمن كذّب أو يكذّب بنبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) إلا أن ينكر وجود الخالق من الأساس .

____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص167-169.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

لما أخبر عن العذاب الواقع يوم القيامة وأنه سيصيب المكذبين، والمتقون في جنات ونعيم قريرة العيون أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمضي في دعوته وتذكرته مشيرا إلى أنه صالح لإقامة الدعوة الحقة، ولا عذر لهؤلاء المكذبين في تكذيبه ورد دعوته.

فنفى جميع الأعذار المتصورة لهم وهي ستة عشر أمرا شطر منها راجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو تحقق شيء منه فيه سلب صلاحيته للاتباع وكان مانعا عن قبول قوله ككونه كاهنا أو مجنونا أو شاعرا أو متقولا مفتريا على الله وكسؤاله الأجر على دعوته وشطر منها راجع إلى المكذبين أنفسهم مثل كونهم خلقوا من غير شيء أو كونهم الخالقين أو أمر عقولهم بالتكذيب إلى غير ذلك ولا تخلو الآيات مع ذلك عن توبيخهم الشديد على التكذيب.

قوله تعالى: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون} تفريع على ما مر من الإخبار المؤكد بوقوع العذاب الإلهي يوم القيامة، وأنه سيغشى المكذبين والمتقون في وقاية منه متلذذون بنعيم الجنة.

فالآية في معنى أن يقال: إذا كان هذا حقا فذكر فإنما تذكر وتنذر بالحق ولست كما يرمونك كاهنا أو مجنونا.

وتقييد النفي بقوله: {بنعمة ربك} يفيد معنى الامتنان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة وليس هذا الامتنان الخاص من جهة مجرد انتفاء الكهانة والجنون فأكثر الناس على هذه الصفة بل من وجهه تلبسه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنعمة الخاصة به المانع من عروض هذه الصفات عليه من كهانة أو جنون وغير ذلك.

قوله تعالى: {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} أم منقطعة، والتربص الانتظار، وفي مجمع البيان،: التربص الانتظار بالشيء من انقلاب حال له إلى خلافها والمنون المنية والموت، والريب القلق والاضطراب.

فريب المنون قلق الموت.

ومحصل المعنى: بل يقولون هو أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاعر ننتظر به الموت حتى يموت ويخمد ذكره وينسى رسمه فنستريح منه.

قوله تعالى: {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأمرهم بالتربص كما رضوا لأنفسهم ذلك، وهو أمر تهديدي أي تربصوا كما ترون لأنفسكم ذلك فإن هناك أمر من حقه أن ينتظر وقوعه، وأنا أنتظره مثلكم لكنه عليكم لا لكم وهو هلاككم ووقوع العذاب عليكم.

قوله تعالى: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا} الأحلام جمع حلم وهو العقل، وأم منقطعة والكلام بتقدير الاستفهام والإشارة بهذا إلى ما يقولونه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتربصون به.

والمعنى: بل أ تأمرهم عقولهم أن يقولوا هذا الذي يقولونه ويتربصوا به الموت؟ فأي عقل يدفع الحق بمثل هذه الأباطيل؟.

قوله تعالى: {أم هم قوم طاغون} أي إن عقولهم لم تأمرهم بهذا بل هم طاغون حملهم على هذا طغيانهم.

قوله تعالى: {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون} قال في المجمع،: التقول تكلف القول ولا يقال ذلك إلا في الكذب، والمعنى بل يقولون: افتعل القرآن ونسبه إلى الله كذبا وافتراء.

لا بل لا يؤمنون فيرمونه بهذه الفرية.

قوله تعالى: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} جواب عن قولهم: {تقوله} بأنه لوكان كلاما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كلاما بشريا مماثلا لسائر الكلام ويماثله سائر الكلام فكان يمكنهم أن يأتوا بحديث مثله فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين في دعواهم التقول بل هو كلام إلهي لائحة عليه دلائل الإعجاز يعجز البشر عن إتيان مثله، وقد تقدم الكلام في وجوه إعجاز القرآن في تفسير سورة البقرة الآية 23 تفصيلا.

ويمكن أن تؤخذ الآية ردا لجميع ما تقدم من قولهم المحكي إنه كاهن أو مجنون أو شاعر أو متقول لأن عجز البشر عن الإتيان بمثله يأبى إلا أن يكون كلام الله سبحانه لكن الأظهر ما تقدم.

قوله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} إتيان {شيء} منكرا بتقدير صفة تناسب المقام والتقدير من غير شيء خلق منه غيرهم من البشر.

والمعنى: بل أ خلق هؤلاء المكذبون من غير شيء خلق منه غيرهم من البشر فصلح لإرسال الرسول والدعوة إلى الحق والتلبس بعبوديته تعالى فهؤلاء لا يتعلق بهم تكليف ولا يتوجه إليهم أمر ولا نهي ولا تستتبع أعمالهم ثوابا ولا عقابا لكونهم مخلوقين من غير ما خلق منه غيرهم.

وفي معنى الجملة أقوال أخر.

فقيل: المراد أم أحدثوا وقدروا هذا التقدير البديع من غير مقدر وخالق فلا حاجة لهم إلى خالق يدبر أمرهم.

وقيل: المراد أم خلقوا من غير شيء حي فهم لا يؤمرون ولا ينهون كالجمادات.

وقيل: المعنى أم خلقوا من غير علة ولا لغاية ثواب وعقاب فهم لذلك لا يسمعون.

وقيل: المعنى أم خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون.

وما قدمناه من المعنى أقرب إلى لفظ الآية وأشمل.

وقوله: {أم هم الخالقون} أي لأنفسهم فليسوا مخلوقين لله سبحانه حتى يربهم ويدبر أمرهم بالأمر والنهي.

قوله تعالى: {أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} أي أم أخلقوا العالم حتى يكونوا أربابا آلهة ويجلوا من أن يستعبدوا ويكلفوا بتكليف العبودية بل هم قوم لا يوقنون.

قوله تعالى: {أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون} أي بل أ عندهم خزائن ربك حتى يرزقوا النبوة من شاءوا ويمسكوها عمن شاءوا فيمنعوك النبوة والرسالة.

وقوله: {أم هم المصيطرون} السيطرة - وربما يقلب سينها صادا - الغلبة والقهر والمعنى: بل أ هم الغالبون القاهرون على الله سبحانه حتى يسلبوا عنك ما رزقك الله من النبوة والرسالة.

قوله تعالى: {أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين{ السلم المرقاة ذات الدرج التي يتوسل بالصعود فيه إلى الأمكنة العالية، والاستماع مضمن معنى الصعود، والسلطان الحجة والبرهان.

والمعنى: بل أ عندهم سلم يصعدون فيه إلى السماء فيستمعون بالصعود فيه الوحي فيأخذون ما يوحى إليهم ويردون غيره؟ فليأت مستمعهم أي المدعي للاستماع منهم بحجة ظاهرة.

قوله تعالى: {أم له البنات ولكم البنون} قيل: فيه تسفيه لعقولهم حيث نسبوا إليه تعالى ما أنفوا منه.

قوله تعالى: {أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} قال الراغب: الغرم - بالضم فالسكون - ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه أو خيانة انتهى والإثقال تحميل الثقل وهو كناية عن المشقة.

والمعنى: بل أ تسألهم أجرا على تبليغ رسالتك فهم يتحرجون عن تحمل الغرم الذي ينوبهم بتأدية الأجر؟.

قوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون{ ذكر بعضهم أن المراد بالغيب اللوح المحفوظ المكتوب فيه الغيوب والمعنى: بل أ عندهم اللوح المحفوظ يكتبون منه ويخبرون به الناس فما أخبروا به عنك من الغيب الذي لا ريب فيه.

وقيل: المراد بالغيب علم الغيب، وبالكتابة الإثبات والمعنى: بل أ عندهم علم الغيب فهم يثبتون ما علموه شرعا للناس عليهم أن يطيعوهم فيما أثبتوا، وقيل: يكتبون بمعنى يحكمون.

قوله تعالى: {أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون} الكيد ضرب من الاحتيال على ما ذكره الراغب، وفي المجمع،: الكيد هو المكر، وقيل: هو فعل ما يوجب الغيظ في خفية.

انتهى.

ظاهر السياق أن المراد بكيدهم هو مكرهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما رموه به من الكهانة والجنون والشعر والتقول ليعرض عنه الناس ويبتعدوا عنه فتبطل بذلك دعوته وينطفىء نوره، وهذا كيد منهم ومكر بأنفسهم حيث يحرمون لها السعادة الخالدة والركوب على صراط الحق بذلك بل كيد من الله بقطع التوفيق عنهم والطبع على قلوبهم.

وقيل: المراد بالكيد الذي يريدونه هوما كان منهم في حقه (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الندوة والمراد بالذين كفروا المذكورون من المكذبين وهم أصحاب دار الندوة، وقد قلب الله كيدهم إلى أنفسهم فقتلهم يوم بدر، والكلام على هذا من الإخبار بالغيب لنزول السورة قبل ذلك بكثير، وهوبعيد من السياق.

قوله تعالى: {أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون} فإنهم إذا كان لهم إله غير الله كان هو الخالق لهم والمدبر لأمرهم فاستغنوا بذلك عن الله سبحانه واستجابة دعوة رسوله ونصرهم إلههم ودفع عنهم عذاب الله الذي أوعد به المكذبين وأنذرهم به رسوله.

وقوله: {سبحان الله عما يشركون} تنزيه له تعالى أن يكون له شريك كما يدعون، وما في قوله: {عما يشركون} مصدرية أي سبحانه عن شركهم.

قوله تعالى: {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم} الكسف بالكسر فالسكون القطعة، والمركوم المتراكم الواقع بعضه على بعض.

والمعنى: أن كفرهم وإصرارهم على تكذيب الدعوة الحقة بلغ إلى حيث لو رأوا قطعة من السماء ساقطا عليهم لقالوا سحاب متراكم ليست من آية العذاب في شيء فهو كقوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر: 14، 15].

___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص16-20.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

اُمنيات المشركين وتحدّي القرآن

كان الكلام في الآيات المتقدّمة على قسم مهمّ من نعم الجنّة وثواب المتّقين وكان الكلام في الآيات التي سبقتها عن بعض عذاب أهل النار.

لذلك فإنّ الآية الاُولى من الآيات محلّ البحث تخاطب النّبي فتقول: «فذكّر»!

لأنّ قلوب عشّاق الحقّ تكون أكثر إستعداداً بسماعها مثل هذا الكلام، وقد آن الأوان أن تبيّن الكلام الحقّ لها!

وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّ الهدف الأصلي من ذكر جميع تلك النعم ومجازاة الفريقين هو تهيئة الأرضية الروحية لقبول حقائق جديدة! وفي الحقيقة فإنّه ينبغي على كلّ خطيب أن يستفيد من هذه الطريقة لنفوذ كلامه وتأثيره في قلوب السامعين.

ثمّ يذكر القرآن الإتّهامات التي أطلقها أعداء النّبي الألدّاء المعاندون فيقول: {فما أنت بنعمة ربّك بكاهن ولا مجنون}.

«الكاهن» يطلق على من يخبر عن الأسرار الغيبية، وغالباً ما كان الكاهن يدّعي بأنّه له علاقة بالجنّ ويستمدّ الأخبار الغيبية منهم، وكان الكهنة في الجاهلية ـ خاصّةً ـ كثيرين .. ومن ضمنهم الكاهنان «سطيح» و «شق»، والكهنة أفراد أذكياء، إلاّ أنّهم يستغلّون ذكاءهم فيخدعون الناس بإدّعاءاتهم الفارغة.

والكهانة محرّمة في الإسلام وممنوعة ولا يعتدّ بأقوال الكهنة! لأنّ أسرار الغيب خاصّة بعلم الله ولا يطلع غيبه إلاّ من إرتضى من رسول وإمام وحسب ما تقتضيه المصلحة.

وعلى كلّ حال فإنّ قريشاً ومن أجل أن تشتّت الناس وتصرّفهم عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تتّهمه ببعض التّهم، فتارةً تتّهمه بأنّه كاهن، وتارةً تتّهمه بأنّه مجنون، والعجب أنّها لم تقف على تضاد الوصفين، لأنّ الكهنة اُناس أذكياء والمجانين على خلافهم!! ولعلّ الجمع بين الإفترائين في الآية إشارة إلى هذا التناقض في الكلام من قبل القائلين.

ثمّ يذكر القرآن الإتّهام الثالث الذي يخالف الوصفين السابقين أيضاً فيقول: {أم يقولون شاعر نتربّص به ريب المنون}.

فطالما هو شاعر فعلينا أن نصبر، إذ أنّ لأشعاره رونقها وجاذبيتها، فإذا حلّ به الموت وإنطوت أشعاره كما ينطوي سجل عمره وأودعت في ضمير النسيان فسنكون حينئذ في راحة من أمره!!.

وكما يُفهم من كتب اللغة فإنّ «المنون» مشتقّ من المنّ، وهو على معنيين: النقصان والقطع، وهذان المعنيان أيضاً بينهما مفهوم جامع!

ثمّ استعملت كلمة «المنون» في الموت أيضاً، لأنّه ينقص العدد ويقطع المدد.

وقد يطلق «المنون» على مرور الزمان، وذلك لأنّه يوجب الموت ويقطع العلائق وينقص النفر، كما يطلق «المنون» على الليل والنهار أحياناً، ولعلّ ذلك للمناسبة ذاتها(2).

وأمّا كلمة (ريب) فأصلها الشكّ والتردّد والوهم في الشيء الذي تنكشف أستاره بعدئذ فتتضح حقيقته!

وهذا التعبير يستعمل في شأن الموت، فيقال «ريب المنون» لأنّ وقت حصوله غير معلوم لا أصل تحقّقه(3)!

إلاّ أنّ جماعة من المفسّرين قالوا إنّ المراد من «ريب المنون» في الآية محلّ البحث هو حوادث الدهر، حتّى انّه نقل عن ابن عبّاس أنّه قال حيث ما وردت كلمة «ريب» في القرآن فهي بمعنى الشكّ والتردّد، إلاّ في هذه الآية من سورة الطور فمعناها الحوادث(4).

وقال جماعة منهم أنّ المراد منه هو حالة الإضطراب، فيكون معنى «ريب المنون» على هذا القول هو حالة الإضطراب التي تنتاب أغلب الأفراد قبل الموت!

ويمكن أن يعود هذا التّفسير (الأخير) على المعنى السابق، لأنّ حالة الشكّ والتردّد أساس الإضطراب، وكذلك الحوادث التي لم ينبّأ بها من قبل، فهي تقترن بنوع من الإضطراب والشكّ والتردّد، وهكذا فإنّ جميع هذه المفاهيم تنتهي إلى أصل «الشكّ والتردّد».

وبتعبير آخر، فإنّ للريب ثلاثة معان مذكورة: الشكّ، والإضطراب، والحوادث، وهذه جميعاً من باب اللازم والملزوم!.

وعلى كلّ حال، فاُولئك كانوا يطمئنون أنفسهم ويرضون خاطرهم بأنّ حوادث الزمان كفيلة بالقضاء على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانوا يتصوّرون أنّهم سيتخلّصون من هذه المشكلة العظمى التي أحدثتها دعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سائر المجتمع .. لذلك فإنّ القرآن يردّ عليهم بجملة موجزة مقتضبة ذات معنى غزير ويهدّد هؤلاء ـ عمي القلوب ـ مخاطباً نبيّه فيقول: {قل تربّصوا فانّي معكم من المتربصين}.

فأنتم تنتظرون تحقّق تصوّراتكم الساذجة التافهة!! وأنا أنتظر أن يصيبكم عذاب الله!.

وعليكم أن تنتظروا أن ينطوي بموتي بساط الإسلام!! وأنا بعون الله أنتظر أن أجعل الإسلام يستوعب العالم كلّه في حياتي وأن يبقى بعد حياتي أيضاً مواصلا طريقه دائماً!

أجل .. إنّما تعوّلون على تصوراتكم وخيالاتكم، وأنا أعتمد على لطف الله الخاصّ سبحانه.

ثمّ يوبّخهم القرآن توبيخاً شديداً فيقول في شأنهم: {أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون}(5).

كان سَراةُ قريش يعرفون بين قومهم بعنوان «ذوي الأحلام»، أي أصحاب العقول، فالقرآن يقول: أي عقل هذا الذي يدّعي بأنّ وحي السماء ـ الذي تكمن فيه دلائل الحقّ والصدق ـ شعر أو كهانة؟! وأن يزعم بأنّ حامله «النبي» الذي عرف بالصدق والأمانة منذ عهد بعيد، بأنّه شاعر أو مجنون!؟

فبناءً على ذلك ينبغي أن يستنتج أنّ هذه التّهم والإفتراءات ليست ممّا تقول به عقولهم وتأمرهم به، بل أساسها طغيانهم وتعصّبهم وروح العصيان والتمرّد .. فما أن وجدوا منافعهم غير المشروعة في خطر حتّى ودّعوا العقل!! ولوّوا رؤوسهم نحو الطغيان عناداً عن اتّباع الحقّ!.

«الأحلام» جمع حُلُم ومعناه العقل، ولكن كما يقول الراغب في مفرداته أنّ الحلم في الحقيقة بمعنى ضبط النفس والتجلّد عند الغضب، وهو واحد من دلائل العقل والدراية، ويشترك مع الحِلم على زنة العلم ـ في الجذر اللغوي!.

وكلمة «الحُلُم» قد تأتي بمعنى الرؤيا والمنام ولا يبعد مثل هذا التّفسير في الآية محلّ البحث .. فكأنّ كلماتهم ناتجة عن أحلامهم الباطلة!!

ومرّة اُخرى يشير القرآن إلى اتّهام آخر ـ من اتّهاماتهم ـ الذي يعدّ الرابع في سلسلة اتّهاماتهم فيقول: {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون}.

«تقوّله»: مشتقّ من مادّة تقوّل ـ على وزن تكلّف ـ ومعناه الكلام الذي يفتعله الإنسان بينه وبين نفسه دون أن يكون له واقع(6).

وهذه ذريعة اُخرى من ذرائع المشركين والكفّار المعاندين لئلاّ يستسلموا أمام القرآن المجيد ودعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تكرّرت الإشارة إليها مراراً عديدة في آيات القرآن!.

غير أنّ القرآن يردّ عليهم ردّاً يدحرهم ويتحدّاهم متهكماً فيقول: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}.

فأنتم اُناس مثله ولديكم العقل والقدرة على البيان والإطلاع والخبرة على أنواع الكلام فلِمَ لا يأتي مفكّروكم وخطباءكم وفصحاءكم بمثل هذا الكلام!.

وجملة «فليأتوا» أمر تعجيزي، والهدف منه بيان عجزهم وعدم قدرتهم على مجاراة القرآن.

وهذا ما يعبّر عنه في علم الكلام والعقائد بالتحدّي أي دعوة المخالفين إلى المعارضة والإتيان بالمثل «في مواجهة المعجزات!».

وعلى كلّ حال، فهذه آية من الآيات التي تبيّن إعجاز القرآن بجلاء، ولا يختصّ مفهومها بمن عاصروا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل يشمل جميع الذين يزعمون ـ بأنّ القرآن كلام بشر، وأنّه مفترى على الله ـ على إمتداد القرون والأعصار، فهم مخاطبون بهذه الآية أيضاً .. أي هاتوا حديثاً مثله إن كنتم تزعمون بأنّه ليس من الله وأنّه كلام بشر.

وكما نعلم بأنّ نداء القرآن في هذه الآية والآيات المشابهة كان عالياً أبداً، ولم يستطع أي إنسان خلال أربعة عشر قرناً ـ منذ بعثة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى يومنا هذا ـ أن يرد بجواب إيجابي.

ومن المعلوم أنّ أعداء الإسلام وخاصّة أصحاب الكنيسة واليهود ينفقون ما لا يحصى من الأموال الطائلة للتبليغ ضدّ الإسلام، فما كان يمنعهم أن يدعوا قسماً منها تحت تصرّف أصحاب الفكر والقلم المخالفين لينهضوا بوجه معارضة القرآن ويكونوا مصداقاً لقوله تعالى: {فليأتوا بحديث مثله} وهذا العجز «العمومي» شاهد حي على أصالة هذا الوحي السماوي!

يقول بعض المفسّرين في هذا الصدد شيئاً جديراً بالملاحظة فلا بأس بالإلتفات والإصغاء إليه ...

«إنّ في هذا القرآن سرّاً خاصاً يشعر به كلّ من يواجه نصوصه إبتداءً قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها .. إنّه يشعر بسلطان خاصّ في عبارات هذا القرآن يشعر أنّ هنالك شيئاً ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير وأنّ هنالك عنصراً ما ينسكب في الحسّ بمجرّد الإستماع لهذا القرآن، يدركه بعض الناس واضحاً ويدركه بعض الناس غامضاً، ولكنّه على كلّ حال موجود .. هذا العنصر الذي ينسكب في الحسّ، يصعب تحديد مصدره، أهو العبارة ذاتها؟! أهو المعنى الكامن فيها، أهو الصور والظلال التي تشعّها؟ أهو الإيقاع القرآني الخاصّ المتميّز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟. أهي هذه العناصر كلّها مجتمعة؟. أم أنّها هي وشيء آخر وراءها غير محدود!

ذلك سرّ مستودع في كلّ نصٍّ قرآني، يشعر به كلّ من يواجه نصوص هذا القرآن إبتداءً .. ثمّ تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبير والنظر والتفكير في بناء القرآن كلّه»(7).

ولمزيد الإيضاح حول إعجاز القرآن من أبوابه المختلفة يراجع ذيل الآية (23) من سورة البقرة إذ ذكرنا هناك بحثاً مفصّلا في هذا الصدد وكذلك ذيل الآية (88) من سورة الإسراء.

وقوله تعالى :{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَلِقُونَ ( 35 ) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ ( 36 ) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ( 37 ) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَان مُّبِين ( 38 ) أَمْ لَهُ الْبَنَتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ( 39 )أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَم مُّثْقَلُونَ ( 40 ) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( 41 ) أَمْ يُرِيُدونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ( 42 ) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَنَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}:

ما هو كلامكم الحقّ؟

هذه الآيات تواصل البحث الاستدلالي السابق ـ كذلك ـ وهي تناقش المنكرين للقرآن ونبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقدرة الله سبحانه.

وهي آيات تبدأ جميعها بـ«أم» التي تفيد الإستفهام وتشكّل سلسلة من الإستدلال في أحد عشر سؤالا متتابعاً (بصورة الإستفهام الإنكاري)، وبتعبير أجلى: إنّ هذه الآيات تسدّ جميع الطرق بوجه المخالفين فلا تدع لهم مهرباً في عبارات موجزة ومؤثّرة جدّاً بحيث ينحني الإنسان لها من دون إختياره إعظاماً ويعترف ويقرّ بإنسجامها وعظمتها. فأوّل ما تبدأ به هو موضوع الخلق فتقول: {أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}(7).

وهذه العبارة الموجزة والمقتضبة في الحقيقة هي إشارة إلى «برهان العليّة» المعروف الوارد في الفلسفة وعلم الكلام لإثبات وجود الله، وهو أنّ العالم الذي نعيش فيه ممّا لا شكّ ـ فيه ـ حادث (لأنّه في تغيير دائم، وكلّ ما هو متغيّر فهو في معرض الحوادث، وكلّ ما هو في معرض الحوادث محال أن يكون قديماً وأزليّاً).

والآن ينقدح هذا السؤال، وهو إذا كان العالم حادثاً فلا يخرج عن الحالات الخمس التالية:

1 ـ وُجد من دون علّة!

2 ـ هو نفسه علّة لنفسه.

3 ـ معلولات العالم علّة لوجوده.

4 ـ إنّ هذا العالم معلول لعلّة اُخرى وهي معلولة لعلّة اُخرى إلى ما لا نهاية.

5 ـ إنّ هذا العالم مخلوق لواجب الوجود الذي يكون وجوده ذاتياً له.

وبطلان الإحتمالات الأربع المتقدّمة واضح، لأنّ وجود المعلول من دون علّة محال، وإلاّ فينبغي أن يكون كلّ شيء موجوداً في أي ظرف كان، والأمر ليس كذلك!

والإحتمال الثاني وهو أن يوجد الشيء من نفسه محال أيضاً، لأنّ مفهومه أن يكون موجوداً قبل وجوده، ويلزم منه إجتماع النقيضين [فلاحظوا بدقّة].

وكذلك الإحتمال الثالث وهو أنّ مخلوقات الإنسان خلقته، وهو واضح البطلان إذ يلزم منه الدور!.

وكذلك الإحتمال الرابع وهو تسلسل العلل وترتّب العلل والمعلول إلى ما لا نهاية أيضاً محال، لأنّ سلسلة المعلولات اللاّ محدودة مخلوقة، والمخلوق مخلوق ويحتاج إلى خالق أوجده، ترى هل تتحوّل الأصفار التي لا نهاية لها إلى عدد؟! أو ينفلق النور من ما لا نهاية الظلمة؟! وهل يولد الغنى من ما لا نهاية له في الفقر والفاقة؟

فبناءً على ذلك لا طريق إلاّ القبول بالإحتمال الخامس، أي خالقية واجب الوجود [فلاحظوا بدقّة أيضاً].

وحيث أنّ الركن الأصلي لهذا البرهان هو نفي الإحتمالين الأوّل والثاني فإنّ القرآن إقتنع به فحسب.

والآن ندرك جيّداً وجه الإستدلال في هذه العبارات الموجزة!

الآية التالية تثير سؤالا آخر على الإدّعاء في المرحلة الأدنى من المرحلة السابقة فتقول: {أم خلقوا السماوات والأرض}.

فإذا لم يوجدوا من دون علّة ولم يكونوا علّة أنفسهم أيضاً، فهل هم واجبو الوجود فخلقوا السماوات والأرض؟! وإذا لم يكونوا قد خلقوا الوجود، فهل أوكل الله إليهم أمر خلق السماء والأرض؟ فعلى هذا هم مخلوقون وبيدهم أمر الخلق أيضاً!!.

من الواضح أنّهم لا يستطيعون أن يدّعوا هذا الإدّعاء الباطل، لذلك فإنّ الآية تختتم بالقول: {بل لا يوقنون}!

أجل، فهم يتذرّعون بالحجج الواهية فراراً من الإيمان!

ثمّ يتساءل القرآن قائلا: فإذا لم يدّعوا هذه الاُمور ولم يكن لهم نصيب في الخلق، فهل عندهم خزائن الله {أم عندهم خزائن ربّك}(8) ليهبوا من شاؤوا نعمة النبوّة والعلم أو الأرزاق الاُخر ويمنعوا من شاؤوا ذلك: {أم هم المصيطرون} على جميع العوالم وفي أيديهم اُمور الخلائق؟!

انّهم لا يستطيعون ـ أن يدّعوا أبداً أنّ عندهم خزائن الله تعالى، ولا يملكون تسلّطاً على تدبير العالم، لأنّ ضعفهم وعجزهم إزاء أقل مرض بل حتّى على بعوضة تافهة وكذلك إحتياجهم إلى الوسائل الإبتدائية للحياة خير دليل على عدم قدرتهم وفقدان هيمنتهم! وإنّما يجرّهم إلى إنكار الحقائق هوى النفس والعناد وحبّ الجاه والتعصّب والأنانية!.

وكلمة: «مصيطرون» إشارة إلى أرباب الأنواع التي هي من خرافات القدماء، إذ كانوا يعتقدون أنّ كلّ نوع من أنواع العالم إنساناً كان أمّ حيواناً آخر أم جماداً أم نباتاً له مدبّر وربّ خاصّ يدعى بربّ النوع ويدعون الله «ربّ الأرباب» وهذه العقيدة تعدّ في نظر الإسلام «شركاً» والقرآن في آياته يصرّح بأنّ التدبير لجميع الأشياء هو لله وحده ويصفه بربّ العالمين.

وأصل هذه الكلمة من «سَطْر» ومعناه صفّ الكلمات عند الكتابة، و «المسيطر» كلمة تطلق على من له تسلّط على شيء ما ويقوم بتوجيهه، كما أنّ الكاتب يكون مسيطراً على كلماته (وينبغي الإلتفات إلى أنّ هذه الكلمة تكتب بالسين وبالصاد على السواء ـ مسيطر ومصيطر ـ فهما بمعنى واحد وإن كان الرسم القرآني المشهور بالصاد «مصيطر»).

ومن المعلوم أنّه لا منكرو النبوّة ولا المشركون في العصر الجاهلي ولا سواهما يدّعي أيّاً من الاُمور الخمسة التي ذكرها القرآن، ولذلك فإنّه يشير إلى موضوع آخر في الآية التالية فيقول: إنّ هؤلاء هل يدعون أنّ الوحي ينزل عليهم أو يدعون أنّ لهم سُلّماً يرتقون عليه إلى السماء فيستمعون إلى أسرار الوحي: {أم لهم سُلّم يستمعون فيه}.

وحيث إنّه كان من الممكن أن يدّعوا بأنّهم على معرفة بأسرار السماء فإنّ القرآن يطالبهم مباشرةً بعد هذا الكلام بالدليل فيقول: {فليأت مستمعهم بسلطان مبين}.

ومن الواضح أنّه لو كانوا يدّعون مثل هذا الإدّعاء فإنّه لا يتجاوز حدود الكلام فحسب، إذ لم يكن لهم دليل على ذلك أبداً(9).

ثمّ يضيف القرآن قائلا: هل صحيح ما يزعمون أنّ الملائكة اُناث وهم بنات الله؟! {أم له البنات ولكم البنون}؟!

وفي هذه الآية إشارة إلى واحد من إعتقاداتهم الباطلة، وهو استياؤهم من البنات بشدّة، وإذا علموا أنّهم رزقوا من أزواجهم «بنتاً» اسودّت وجوههم من الحياء والخجل! ومع هذا فإنّهم كانوا يزعمون أنّ الملائكة بنات الله، فإذا كانوا مرتبطين بالملأ الأعلى ويعرفون أسرار الوحي، فهل لديهم سوى هذه الخرافات المضحكة .. وهذه العقائد المخجلة؟!

وبديهي أنّ الذكر والاُنثى لا يختلفان في نظر القيمة الإنسانية .. والتعبير في الآية المتقدّمة هو في الحقيقة من قبيل الإستدلال بعقيدتهم الباطلة ومحاججتهم بها.

والقرآن يعوّل ـ في آيات متعدّدة ـ على نفي هذه العقيدة الباطلة ويحاكمهم في هذا المجال ويفضحهم(10)!!

ثمّ يتنازل القرآن إلى مرحلة اُخرى، فيذكر واحداً من الاُمور التي يمكن أن تكون ذريعة لرفضهم فيقول: {أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون}.

«المغرم» ـ على وزن مغْنَم وهو ضدّ معناه ـ أي ما يصيب الإنسان من خسارة أو ضرر دون جهة، أمّا الغريم فيطلق على الدائن والمدين أيضاً.

و «المُثقَل» مشتقّ من الأثقال، ومعناه تحميل العبء والمشقّة، فبناءً على هذا المعنى يكون المراد من الآية: تُرى هل تطلب منهم غرامة لتبليغ الرسالة فهم لا يقدرون على أدائها ولذلك يرفضون الإيمان؟!

وقد تكرّرت الإشارة في عدد من الآيات القرآنية لا في النّبي فحسب، بل في شأن كثير من الأنبياء، إذ كان من أوائل كلمات النبيين قولهم لاُممهم: لا نريد على إبلاغنا الرسالة إليكم أجراً .. ليثبت عدم قصدهم شيئاً من وراء دعوتهم ولئلاّ تبقى ذريعة للمتذرّعين أيضاً.

ومرّة اُخرى يخاطبهم القرآن متسائلا {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} فهؤلاء يدّعون أنّ النّبي شاعر وينتظرون موته لينطوي بساطه وينتهي كلّ شيء بموته وتلقى دعوته في سلّة الإهمال، كما تقدّم في الآية السابقة ذلك على لسان المشركين إذ كانوا يقولون .. (نتربّص به ريب المنون)».

فمن أين لهم أنّهم سيبقون أحياء بعد وفاة النبي؟! ومن أخبرهم بالغيب؟!

ويحتمل أيضاً أنّ القرآن يقول إذا كنتم تدّعون معرفة الأسرار الغيبية وأحكام الله ولستم بحاجة إلى القرآن ودين محمّد فهذا كذب عظيم(11).

ثمّ يتناول القرآن إحتمالا آخر فيقول: لو لم يكن كلّ هذه الاُمور المتقدّمة، فلابدّ أنّهم يتآمرون لقتل النّبي وإجهاض دعوته ولكن ليعلموا أنّ كيد الله أعلى وأقوى من كيدهم: {أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون}(12).

والآية الآنفة يطابق تفسيرها تفسير الآية (54) من سورة آل عمران التي تقول: { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54].

وإحتمل جماعة من المفسّرين أنّ المراد من الآية محلّ البحث هو: «انّ مؤامراتهم ستعود عليهم أخيراً وتكون وبالا عليهم ..» وهذا المعنى يُشبه ما ورد في الآية (43) من سورة فاطر: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43].

والجمع بين التّفسيرين الآنفين ممكن ولا مانع منه.

ويمكن أن يكون لهذه الآية إرتباط آخر بالآية المتقدّمة، وهو أنّ أعداء الإسلام كانوا يقولون: ننتظر موت محمّد. فالقرآن يردّهم بالقول بأنّهم ليسوا خارجين عن واحد من الأمرين التاليين .. أمّا أنّهم يدّعون بأنّ محمّداً يموت قبل موتهم حتف أنفه. فلازم هذا الإدّعاء أنّهم يعلمون الغيب، وأمّا أنّ مرادهم أنّه سيمضي بمؤامراتهم فالله أشدّ مكراً ويردّ كيدهم إليهم، فهم المكيدون!

وإذا كانوا يتصوّرون أنّ في إجتماعهم في دار الندوة ورشق النّبي بالتّهم كالكهانة والجنون والشعر أنّهم سينتصرون على النّبي فهم في منتهى العمى والحمق، لأنّ قدرة الله فوق كلّ قدرة، وقد ضمن لنبيّه السلامة والنجاة حتّى يبلغ دعوته العالمية.

وأخيراً فإنّ آخر ما يثيره القرآن من أسئلة في هذا الصدد قوله: (أم لهم إله غير الله)؟! ويضيف ـ منزّهاً ـ (سبحان الله عمّا يشركون).

فعلى هذا لا أحد يستطيع أن يمنعهم من الله ويحميهم، وهكذا فإنّ القرآن يستدرجهم ويضعهم أمام إستجواب عجيب وأسئلة متّصلة تؤلّف سلسلة متكاملة مؤلّفة من أحد عشر سؤالا! ويقهقرهم مرحلة بعد مرحلة إلى الوراء!! ويضطرهم إلى التنزّل من الإدّعاءات ثمّ يوصد عليهم سُبُلَ الفرار كلّها ويحاصرهم في طريق مغلق!.

كم هي رائعة إستدلالات القرآن وكم هي متينة أسئلته وإستجوابه! .. فلو أنّ في أحد منهم روحاً تبحث عن الحقّ وتطلبه لأذعنت أمام هذه الأسئلة وإستسلمت لها.

الطريف أنّ الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث لا تذكر دليلا لنفي المعبودات ممّا سوى الله، وتكتفي بتنزيه الله {سبحان الله عمّا يشركون}.

وذلك لأنّ بطلان اُلوهية الأصنام والأوثان المصنوعة من الأحجار والخشب وغيرهما مع ما فيها من ضعف وإحتياج أجلى وأوضح من أي بيان وتفصيل آخر، أضف إلى كلّ ذلك فإنّ القرآن استدلّ على إبطال هذا الموضوع بآيات متعدّدة غير هذه الآية.

إنّك بأعيننا!

تعقيباً على البحث الوارد في الآيات المتقدّمة الذي يناقش المشركين والمنكرين المعاندين، هذا البحث الذي يكشف الحقيقة ساطعةً لكلّ إنسان يطلب الحقّ، تميط الآيات محلّ البحث النقاب عن تعصّبهم وعنادهم فتقول: {وان يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم}(13).

هؤلاء المشركين معاندون إلى درجة إنكارهم الحقائق الحسيّة وتفسيرهم الحجارة الساقطة من السماء بالسحاب، مع أنّ كلّ من رأى السحاب حين ينزل ويقترب من الأرض لم يجده سوى بخار لطيف، فكيف يتراكم هذا البخار اللطيف ويتبدّل حجراً!؟

وهكذا يتّضح حال هؤلاء الأشخاص إزاء الحقائق المعنوية!! أجل انّ ظلمة الإثم وعبادة الهوى والعناد كلّ ذلك يحجب أُفق الفكر السليم فيجعله متجهّماً حتّى تنجرّ عاقبة أمره إلى إنكار المحسوسات وبذلك ينعدم الأمل في هدايته.

و «المركوم» معناه المتراكم، أي ما يكون بعضه فوق بعض!

___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13 ، ص280-293.

2 ـ راجع «لسان العرب» و«المفردات للراغب» و«المنجد» و«تفسير القرطبي».

3 ـ راجع المفردات للراغب.

4 ـ القرطبي، ج9، ص6242.

5 ـ هناك إحتمالات وأقوال بين المفسّرين في معنى «أم» هنا أهي إستفهامية أم منقطعة وبمعنى بل كلّ له رأيه فيها وإن كان الرأي الثاني أكثر ترجيحاً عندهم. إلاّ أنّ سياق الآيات يتناسب والمعنى الأوّل غير أنّه ينبغي أن يُعرف بأنّ أم في مثل هذه المواطن ينبغي أن تكون مسبوقة بهمزة الإستفهام ولذلك فإنّ الفخر الرازي قدر لها ما يلي: «أأُنزل عليهم ذكر أم تأمرهم أحلامهم بهذا» وهو يشير إلى أنّ الإسلام ينبغي أن يتّبع دليل النقل أو العقل!..

6 ـ يقول صاحب مجمع البيان: التقوّل: تكلّف ولا يقال ذلك إلاّ في الكذب.

7 ـ في ظلال القرآن، ج7، ص605.

7 ـ هناك تفسيرات اُخر وإحتمالات متعدّدة في وجوه هذه الآية، منها أنّ مفادها: هل خلقوا بلا هدف ولم يك عليهم أيّة مسؤولية؟! .. وبالرغم أنّ جماعة من المفسّرين إختاروا هذا الوجه إلاّ أنّه مع الإلتفات لبقيّة الآية: (أم هم الخالقون) يتّضح أنّ المراد هوما ذكر في المتن، أي خُلقوا من دون علّة. أم هم علّة أنفسهم؟!.

8 ـ الخزائن جمع الخزينة ومعناها مكان كلّ شيء محفوظ لا تصل إليه اليد ويدّخر فيه ما يريد الإنسان يقول القرآن في هذا الصدد {وإنّ من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم}

[الحجر الآية 21].

9 ـ سُلّم يعني «المصعد» كما يأتي بمعنى أيّة وسيلة كانت وقد إختلف المفسّرون في المراد من الآية فأيّ شيء كانوا يدعونه؟! فقال بعضهم: ادّعوا الوحي وقال آخرون هو ما كانوا يدّعونه في النّبي بأنّه شاعر أو مجنون أو ما كانوا يدّعون من الأنداد والشركاء لله .. وفسّر بعضهم ذلك بنفي نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) «ولا مانع من الجمع بين هذه المعاني وإن كان المعنى الأوّل أجلى».

10 ـ كانت لنا بحوث مفصّلة في سبب جعل العرب الملائكة بنات الله في الوقت الذي كانوا يستاءون من البنات. وذكرنا الدلائل الحيّة التي أقامها القرآن ضدّهم فليراجع ذيل الآية (57) سورة النحل وذيل الآية (149) من سورة الصافات ..

11 ـ قال بعض المفسّرين أنّ المراد بالغيب هو اللوح المحفوظ، وقال بعضهم: بل هو إشارة إلى إدّعاءات المشركين وقولهم إذ كانت القيامة فسيكون لنا عند الله مقام كريم. إلاّ أنّ هذه التفاسير لا تتناسب والآية محلّ البحث ولا يرتبط بعضها ببعض.

12 ـ الكيد على وزن صيد نوع من الحيلة وقد يستعمل في التحيّل إلى سبيل الخير، إلاّ أنّه غالباً ما يستعمل في الشرّ، وتعني هذه الكلمة المكر و السعي أو الجدّ كما تعني الحرب أحياناً.

13 ـ «الكِسْفُ»: على وزن فِسْق ـ معناه القطعة من كلّ شيء، ومع ملاحظة بقيّة التعبير. «من السماء»: يظهر المراد منه هنا القطعة من حَجر السماء، وقد دلّت عليه بعض كتب اللغة وهذه الكلمة تجمع على كِسَف على وزن عِنَب، إلاّ أنّ أغلب المفسّرين يرون بأنّ الكلمة هنا مفردة وظاهر الآية أنّها مفردة أيضاً، لأنّها وصفتها بالمفرد ساقطاً ..

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .