أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015
2614
التاريخ: 5-05-2015
2669
التاريخ: 27-02-2015
2181
التاريخ: 2024-03-26
674
|
من الأدلة التي حوتها منظومة الفكر القرآني الخميني في إثبات أصل معرفة القرآن وفهمه بالنسبة للناس جميعا ، هو ما نستطيع تسميته بدليل الفطرة . والحقّ أنّ هذا الدليل شهد في تنظير مدرسة أهل المعنى والاتجاه العرفاني عناية فاقت ما بذلته المدارس والاتجاهات الأخر في البحث القرآني ، بل نلحظ أنّ مساحة مهمة من أطياف البحث في اصول التفسير ومقدماته لم تنتبه إلى هذا الدليل ولم تعبأ به (1).
قبل تقديم الدليل وتقرير مقدماته لنمكث هنيئة مع معنى الفطرة والمقصود منها.
1- المقدمات
بعد أن يذكر الإمام المعنى اللغوي الذي يعني «الخلق» و«الخلقة» ، يكتب :
«اعلم أنّ المقصود من «فطرة اللّه» التي فطر الناس عليها هو الحال والكيفية التي خلق الناس وهم متصفون بها ، والتي تعدّ من لوازم وجودهم ، وتخمرت بها طينتهم في أصل الخلق». ثمّ يضيف : «والفطرة الإلهية- كما سيتضح فيما بعد- من الألطاف التي خصّ اللّه تعالى بها الإنسان من بين جميع المخلوقات».
ثمّ يوضح سماحته ما تتسم به أحكام الفطرة من خصائص ، وهو يكتب :
«ينبغي أن يعلم بأنّ ما هو من أحكام الفطرة لا يختلف فيه أحد ، لأنّها من لوازم الوجود والهيئة المخمرة في أصل الطينة والخلقة ، يستوي فيها الجميع من العالم والجاهل ، والوحشي والمتمدّن ، والمديني [الحضري] والبدوي . كما أنّ من أحكامها أنّه لا ينفذ إليها أي شيء من العادات والمذاهب ولا تخلّ بها الطرق المختلفة.
فاختلاف البلاد والبيئات والمأنوسات والآراء والعادات التي توجب الخلاف والاختلاف في كلّ شيء ، حتّى في الأحكام العقلية ، ليس لها تأثير في الفطريات مطلقا. كما لا يخلّ بها أيضا اختلاف الأفهام والتفاوت في ضعف الإدراك وقوته ، وإلّا إذا لم يكن الشيء بتلك المثابة ، فهو ليس من أحكام الفطرة ، وينبغي عدّه خارجا عن فصيل الفطريات. لهذا قال في الآية الشريفة : {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها} ، أي أنّها لا اختصاص لها بفئة خاصة من الناس ؛ كما قال : {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} بمعنى أنّه لا يغيّرها شيء مثل الامور الاخرى التي تختلف بتأثير العادات وغيرها» (2).
كان هذا ما ذكره الإمام عن الفطرة وأحكامها عند حديثه في مناسبة معينة ، عن قوله سبحانه : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30] ، ليستخلص النتيجة التالية في وصف طبيعة أحكامها : «إنّ أحكام الفطرة أكثر بداهة من جميع الأحكام البديهية ، إذ لا يوجد في الأحكام العقلية جميعها حكم بهذه المثابة ، بحيث لم يختلف فيه أحد من الناس ولن يختلف. على هذا تعدّ الفطرة أوضح الضروريات وأبده البديهيات ، كما ينبغي أن تكون لوازمها من أوضح الضروريات أيضا» (3).
لكن ما هي الفطرة ؟ هل تعنى التوحيد أم تتعدى تخوم التوحيد مع سموه وعلوّ شأنه لتشمل مصاديق اخرى ؟ إنّ الإمام يتبنّى معنى واسعا للفطرة يؤسس له على ضوء مبدأ يفيد أنّ الفطرة المخمورة هي الخير ومنشأ الخيرات ، وأنّ الفطرة المحجوبة هي الشر ومبدأ الشرور (4).
انطلاقا من هذا التمييز وعلى ضوء هذا التأسيس تمتد الفطرة لتستحوذ على منطقة واسعة بسعة الخير نفسه ، وهي تشمل كلّ ما له دخل في المعارف والمعتقدات بل «إنّ جميع المعارف الحقة هي من الامور التي فطر اللّه تعالى شأنه ، العباد عليها» (5).
إنّ الفطرة أنواع ، فمن «أنواع الفطرة الإلهية الفطرة على أصل وجود المبدأ تعالى وتقدس ، ومنها الفطرة على التوحيد ، والفطرة على استجماع الذات [الإلهية] المقدسة لجميع الكمالات ، والفطرة على المعاد ويوم القيامة ، والفطرة على النبوة ، والفطرة على وجود الملائكة والروحانيين وإنزال الكتب وإعلام طرق الهداية. وهذه التي ذكرت بعضها من أحكام الفطرة وبعضها الآخر من لوازمها» (6).
لكن الإمام نفسه يذكر أنّ بعض الأحاديث فسّرت الفطرة بالتوحيد ، وينقل شاهدا على ذلك من زرارة ، في قوله : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ وجل {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم : 30] ، قال : «فطرهم جميعا على التوحيد» (7) ، كما أنّ بعضها فسّرها بالمعرفة أو بالإسلام أو غير ذلك ، فكيف يتمّ التوفيق بين الأمرين ؟
يجيب الإمام بما نصّه : «لا بدّ من معرفة أنّ الفطرة فسرت في هذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث ب «التوحيد» ، إلّا أنّ هذا من قبيل بيان المصداق ، أو التفسير بأشرف أجزاء الشيء ، كأكثر التفاسير الواردة عن أهل العصمة عليهم السّلام ، ففي كلّ مرّة تفسّر بمصداق بحسب مقتضى المناسبة ، فيحسب الجاهل أنّ هناك تعارضا.
إنّ الدليل على أنّ الأمر هو كذلك في هذا المورد ، هو ما ذهبت إليه الآية الشريفة من عدّ «الدين» هو «فطرة اللّه» ، مع أنّ الدين يشمل التوحيد والمعارف الاخرى» (8).
2- تقرير الدليل
الآن بعد أن استقرت صورة الفطرة وانتظمت عناصرها على ضوء هذا الفهم ، ننتقل لتقرير الدليل ، وفق المقدمات التالية :
1- تعدّ الفطرة التي جبل الإنسان عليها أبده القوانين الموجودة بأحكامها ولوازمها ، وهي لا تقتصر على التوحيد وحده بل هو مصداقها أو أشرف أجزائها ، إنّما تشمل كلّ المعارف والمعتقدات الحقة والخيرات ممّا له دخل في كمال الإنسان وسعادته.
2- الإسلام دين الفطرة ، والقرآن كتاب الفطرة ، فالقرآن هو التعبير اللفظي المكتوب للكتاب التكويني المركوز في الإنسان عبر فطرته. بتعبير الإمام نصا :
«الإيمان باللّه تعالى وبالملائكة والكتب والرسل ويوم القيامة ، هو الدين القيم ، والمحكم المستقيم ، الحقّ ، على امتداد حياة العائلة البشرية» (9) ، وهذه المعاني هي حقائق ومعارف مركوزة في المكنون البشري وفي جبلّة الإنسان.
فإذا الفطرة هي الدين ، والدين هو الفطرة ؛ الفطرة دين تكويني والقرآن دين تدويني ، والقرآن يحكي حقائق الفطرة ويعبّر في معارفه عن الجبلّة الإنسانية ، والفطرة تعكس حقائق القرآن وهي مجلاة لمعارفه. بتعبير أخير ، القرآن فطرة ناطقة ، والفطرة قرآن صامت ، و{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم : 30].
3- ما دامت الفطرة هي الميراث العام للبشرية والإدراك الشعوري الباطني الذي ينتظم الناس جميعا ، والثقافة المشتركة التي تتوحدهم ، وما دامت لغة القرآن هي لغة الفطرة الإنسانية ، فإذن لكلّ إنسان حظّ في معرفة القرآن وفهمه ، بل لا مناص من ذلك بلحاظين ، أولهما أنّ القرآن هو إيقاظ لمكنونات الجبلّة الإنسانية ، وهو الصورة اللفظية لما هو مكنون في التكوين الإنساني ، وثانيهما أنّ لغة القرآن هي لغة الفطرة ، والفطرة قانون وجودي عام ، فكيف يجهل الإنسان ما جبل عليه؟ أم كيف لا يفهم لغة فطرته ؟
لا ريب أنّها إشارة دالة تلك التي سجل فيها مفسر معاصر هذه الحقيقة ، في قوله : «لا التوفر على ثقافة خاصة شرط في فهم معارف القرآن الكريم حتّى لا يتيسّر نيل أسراره من دون تلك الثقافة ، ولا الحضارة الخاصة مانعة عنه حتّى تكون الإنسانية محرومة من لطائف القرآن بحكم انتمائها إلى تلك الحضارة الخاصة. إنّ الفطرة هي اللغة الوحيدة التي تخلق الانسجام في العالم الإنساني الوسيع ، وهي الثقافة العامة والمشتركة للبشرية كافة في جميع الأعصار والأمصار ... والقرآن الكريم يتحدّث مع الناس بهذه الثقافة ، ومخاطبه هي الفطرة الإنسانية ، ورسالته هي إيقاظ الفطر. لذلك ، فإنّ لغته معروفة للجميع وفهمه ميسور لعموم الإنسانية» (10).
الحصيلة : «إنّ الآيات التي تدعو الناس عامة من كافر أو مؤمن ، ممّن شاهد عصر النزول أو غاب عنه ، إلى تعقل القرآن وتأمله والتدبر فيه ... تدل دلالة واضحة على أنّ المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث» (11). هذا ما سجّله السيد الطباطبائي في الموضوع ، ثمّ انعطف يقول : «فالحق أنّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود». وما جاء عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام حاثا على اتباع بيانهم «غير مسوّغ لإبطال حجّية القرآن ، وقصر الحجّية على ظاهر بيان أهل البيت عليهم السّلام» (12).
أمّا حديث الثقلين خاصة ، فدلالته أن : «يجعل الحجّية لهما معا ، فللقرآن الدلالة على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية ، ولأهل البيت الدلالة على الطريق وهداية الناس إلى أغراضه ومقاصده» (13).
تأسيسا على هذا الاستدلال المتنوع الذي تتراص فيه الحجج الكلامية والقرآنية ، يسجل الإمام : «إنّ القرآن هو مائدة ممتدة لجميع الطبقات ، أي له بحسب الواقع لغة ، هي في الوقت ذاته لغة عامة الناس ، ولغة الفلاسفة ، ولغة من يصطلح عليه بالعرفاء ، ولغة أهل المعرفة» (14) ومن ثمّ ليس هناك فئة من بني الإنسان تشذ عن فهم القرآن أو لا يكون لها نصيب من إدراكه.
في نص أشمل ذي دلالة على المطلوب ، يقول سماحته : «إنّ هذا الكتاب وهذه المائدة الممتدّة في الشرق والغرب منذ زمان الوحي حتّى القيامة ، يستفيد منها الناس كافّة ؛ الجاهل (العامي) والعالم والفيلسوف والعارف والفقيه ... إنّ البشر يستفيد منه (القرآن) على قدر استعداده ، فثمّ مسائل يستفيد منها عرفاء الإسلام العظام ، وهناك مسائل يستفيد منها الفلاسفة وحكماء الإسلام ، ومسائل يستفيد منها الفقهاء الكبار. هذه المائدة عامة للجميع ، وأنّ هذه الطوائف تستفيد من القرآن ، وفيه المسائل السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وغير العسكرية؛ إذ هي جميعا في هذا الكتاب المقدس.
إنّ الهدف من نزول هذا الكتاب المقدس والغاية من بعثة النبي الأكرم ، هي لكي يكون هذا الكتاب في متناول الجميع ، بحيث يستفيد منه الجميع كلّ بحسب سعته الوجودية والفكرية ... ينبغي للجميع أن يحركوا أفكارهم ويستخدموها ويسخّروا عقولهم باتجاه هذا الكتاب العظيم ، كي يستفيد منه الجميع ونستفيد منه كما هو عليه ، وبحسب استطاعتنا.
لقد جاء القرآن لتستفيد منه جميع الطبقات ، كلّ بمقدار استعداده. لا شكّ أنّ بعض الآيات لا يستطيع أن يفهمها غير الرسول الأكرم والمتعلم بتعليمه ، وينبغي لنا أن نفهمها عن طريقهم. لكن ثمّ كثير من الآيات هي في متناول الجميع ، حيث يجب [على البشر] استخدام أفكارهم وتوظيف عقولهم ليستفيدوا منها في مسائل الحياة ، سواء هذه الحياة أو الحياة الاخرى».
ثمّ يختم الإمام هذا النص بالحديث عن مراتب تنزّل القرآن الكريم من مرتبة الغيب وصولا إلى مرتبة الشهادة ، ليقول : «لقد نزل هذا الكتاب المقدس من مرتبة الغيب ، بل حصلت عدّة تنزلات ، حتّى وصل إلى مرتبة الشهادة بحيث خرج بصورة ألفاظ ، يمكنني أنا وأنتم والجميع فهم هذه الألفاظ والاستفادة من معانيها بحسب استعدادنا. إنّ هدف البعثة هو بسط هذه المائدة بين البشرية منذ زمان النزول حتّى النهاية»(15).
إذا كان هذان النصان يربطان عملية إمكان الفهم ويحللانها على ضوء فلسفة البعثة والغاية منها ، فإنّ هناك نصوصا اخر تستدلّ بالرحمة الإلهية على هذا البعد.
فاللّه جلّ جلاله أنزل كتابه للناس وجعله مفهوما لهم رحمة بهم ، حيث يقول سماحته : «لقد بيّن الحقّ تعالى الحقائق العقلية في القرآن الشريف ، وبيّنها الأنبياء والأئمة المعصومون عليهم الصلاة والسلام في الأحاديث الشريفة ، بلسان العرف ولغة عامة الناس إلى حد ما ، وذلك شفقة ببني الإنسان ورحمة بهم ، لكي يكون لكلّ إنسان نصيب من الحقائق على مقدار فهمه» (16). هذا المعنى قريب لما ذكره صدر الدين الشيرازي (ت : 1050 هـ) من أنّ القرآن «مع عظم قدره ومأواه ، ورفعة سره ومعناه ، ممّا يلبس بلباس الحروف والأصوات ، واكتسى بكسوة الألفاظ والعبادات ، رحمة من اللّه وشفقة على خلقه ، وتأنيسا لهم ، وتقريبا إلى أفهامهم» (17).
في نص آخر يقول : «إنّ القرآن سفرة ممتدة من الأزل إلى الأبد استفاد منه ويستفيد ، جميع طبقات البشر وفئاته». ثمّ ينعطف ليضيف : «إنّ القرآن رحمة للبشر جميعا ، ونبي الإسلام رحمة للعالمين كافة»(18).
يمكن أن نضيف من خلال هذه النصوص للإمام دليلي الرحمة وفلسفة البعثة والهدف منها ، إلى جوار ما مرّ من أدلة سابقة على إمكان الفهم.
______________________
(1)- عني به من المفسّرين المعاصرين بالإضافة إلى الإمام الخميني ، كلّ من السيّد محمّد حسين الطباطبائي والشيخ جوادي آملي ، وهما والإمام ينتمون إلى أهل المعنى.
(2)- شرح چهل حديث : 180- 181.
(3)- شرح چهل حديث : 181.
(4)- انطلاقا من حديث : «خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا» (عوالي اللآلي 4 : 98/ 138) يقسّم امام الفطرة الإنسانية ، إلى فطرة مخمورة وفطرة محجوبة ، فالأولى غير محكومة بأحكام الطبيعة وهي لا تزال تحافظ على سمتها النوري والروحي ، ومن ثمّ فهي الخير ومبدأ الخيرات. أمّا الثانية فقد سرت فيها أحكام الطبيعة فحجبت عن النور وعالمها الأصلي ، فهي الشر ومبدأ جميع الشرور ومنشأ جميع ضروب الشقاء والتعاسة.
ينظر : شرح حديث جنود عقل وجهل : 76- 77.
(5)- شرح چهل حديث : 180.
(6)- نفس المصدر : 181- 182.
(7)- الكافي 2 : 12/ 3.
(8)- شرح چهل حديث : 180.
(9)- نفس المصدر : 182.
(10)- تسنيم 1 : 32- 33.
(11)- الميزان في تفسير القرآن 3 : 84.
(12)- نفس المصدر : 86.
(13)- نفس المصدر.
(14)- صحيفه امام 20 : 408.
(15)- نفس المصدر 14 : 387- 388.
(16)- شرح حديث جنود عقل وجهل : 60.
(17)- مفاتيح الغيب : 10- 11.
(18)- صحيفة الإمام 19 : 112.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|