أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-7-2017
999
التاريخ: 2024-01-06
786
التاريخ: 31-7-2017
962
التاريخ: 26-7-2017
956
|
الوزارة في عهد هارون الرشيد:
لما بويع بالخلافة استوزر كاتبه، قبل الخلافة، يحيى بن خالد بن برمك، وظهرت دولة بني برمك مذ حينئذٍ.
أحوال الدولة البرمكية وذكر مبدئها ومآلها:
كانوا قديماً على دين المجوس، ثم أسلم من أسلم منهم، وحسن إسلامهم....وهذه كلمات تعرف منها نبذة من أحوال هذه الدولة.
اعلم أن هذه الدولة كانت غرة في جبهة الدهر، وتاجاً على مفرق العصر. ضربت بمكارمها الأمثال، وشدت إليها الرحال، ونيطت بها الآمال. وبذلت لها الدنيا أفلاذ أكبادها، ومنحتها أوفر إسعادها. فكان يحيى وبنوه كالنجوم زاهرة، والبحور زاخرة، والسيول دافعة، والغيوث ماطرة، أسواق الآداب عندهم نافقة، ومراتب ذوي الحرمات عندهم عالية. والدنيا في أيامهم عامرة. وأبهة المملكة ظاهرة. وهم ملجأ اللهف، ومعتصم الطريد، ولهم يقول أبو نواس:
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم *** بني برمك من رائحين وغاد
وزارة يحيى بن خالد للرشيد:
لما جلس الرشيد على سرير المملكة استوزر يحيى بن خالد بن برمك، وكان كاتبه ونائبه ووزيره قبل الخلافة. فنهض يحيى بن خالد بأعباء الدولة أتم نهوض، وسد الثغور وتدارك الخلل، وجبى الأموال وعمر الأطراف وأظهر رونق الخلافة، وتصدى لمهمات المملكة. وكان كاتباً بليغاً لبيباً أديباً سديداً صائب الآراء حسن التدبير، ضابطاً لما تحت يده قوياً على الأمور جواداً يباري الريح كرماً وجوداً ممدحاً بكل لسان، حليماً عفيفاً وقوراً مهيباً، وله يقول القائل:
لا تراني مصافحاً كف يحيى *** إنني إن فعلت ضيعت مالي
لو يمس البخيل راحة يحيى *** لسخت نفســه ببـذل النوال
ومن آراء يحيى السديدة ما قاله للهادي وقد عزم على أن يخلع أخاه هارون من الخلافة ويبايع لابنه جعفر بن الهادي، وكان يحيى كاتب الرشيد، وهو يترجى أن يتولى هارون الخلافة فيصير هو وزير الدولة، فخلا الهادي بيحيى، ووهب له عشرين ألف دينار وحادثه في خلع هارون أخيه والمبايعة لجعفر ابنه، فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين، إن فعلت حملت الناس على نكث الأيمان ونقض العهود، وتجرأ الناس على مثل ذلك، ولو تركت أخاك هارون على ولاية العهد ثم بايعت لجعفر بعده كان ذلك أوكد على بيعته. فترك الهادي مدة ثم غلب عليه حب الولد فأحضر يحيى مرة ثانية وفاوضه في ذلك. فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين لو حدث بك حادث الموت وقد خلعت أخاك وبايعت لابنك جعفر وهو صغير دون البلوغ أفترى كانت خلافته تصح وكان مشايخ بني هاشم يرضون ذلك ويسلمون الخلافة إليه؟ قال: لا. قال يحيى: فدع هذا الأمر حتى تأتيه عفواً، ولو لم يكن المهدي بايع لهارون لوجب أن تبايع أنت له لئلا تخرج الخلافة من بني أبيك. فصوب الهادي رأيه، وكان الرشيد بعد ذلك يرى هذه من أعظم أيادي يحيى بن خالد عنده.
ومن مكارمه: قيل: إن الرشيد لما نكب البرامكة واستأصل شأفتهم حرم على الشعراء أن يرثوهم، وأمر بالمؤاخذة على ذلك. فاجتاز بعض الحرس ببعض الخربات فرأى إنساناً واقفاً وفي يده رقعة فيها شعر يتضمن رثاء البرامكة، وهو ينشده ويبكي، فأخذه الحرس فأتى به إلى الرشيد وقص عليه الصورة. فاستحضره الرشيد وسأله عن ذلك، فاعترف به. فقال له الرشيد: أما سمعت تحريمي لرثائهم؟ لأفعلن بك ولأصنعن. فقال: يا أمير المؤمنين إن أذنت لي في حكاية حالي حكيتها، ثم بعد ذلك أنت ورأيك. قال: قل.
قال: إني كنت من أصغر كتاب يحيى بن خالد وأرقهم حالاً، فقال لي يوماً: أريد أن تضيفني في دارك يوماً. فقلت: يا مولانا أنا دون ذلك، وداري لا تصلح لهذا. قال: لا - بد من ذلك. قلت: فإن كان لا - بد فأمهلني مدة حتى أصلح شأني ومنزلي ثم بعد ذلك أنت ورأيك. قال: كم أمهلك؟ قلت: سنة. قال: كثير. قلت: فشهوراً. قال: نعم. فمضيت وشرعت في إصلاح المنزل وتهيئة أسباب الدعوة. فلما تهيأت الأسباب أعلمت الوزير بذلك. فقال: نحن غداً عندك. فمضيت وتهيأت في الطعام والشراب وما يحتاج إليه، فحضر الوزير في غد ومعه ابناه جعفر والفضل وعدة يسيرة من خواص أتباعه، فنزل عن دابته ونزل ولداه جعفر والفضل، وقال: يا فلان أنا جائع فعجل لي بشيء. فقال له الفضل ابنه: الوزير يحب الفراريج المشوية فعجل منها ما حضر. فدخلت وأحضرت منها شيئاً، فأكل الوزير ومن معه، ثم قام يتمشى في الدار وقال: يا فلان فرجنا في دارك. فقلت: يا مولانا هذه هي داري ليس لي غيرها. قال: بلى لك غيرها. قلت: والله ما أملك سواها. فقال: هاتوا بناء. فلما حضر قال له: افتح في هذا الحائط باباً. فمضى ليفتح، فقلت: يا مولانا! كيف يجوز أن يفتح باب إلى بيوت الجيران والله أوصى بحفظ الجار؟ قال: لا بأس في ذلك.
ثم فتح الباب، فقام الوزير وأبناؤه فدخلوا فيه وأنا معهم فخرجوا منه إلى بستان حسن كثير الأشجار، والماء يتدفق فيه، وبه من المقاصير والمساكن ما يروق كل ناظر، وفيه من الآلات والفرش والخدم والجواري كل جميل بديع. فقال: هذا المنزل وجميع ما فيه لك.
فقبلت يده ودعوت له، وتحققت القصة فإذا هو من يوم حادثني في معنى الدعوة قد أرسل واشترى الأملاك المجاورة لي وعمرها داراً حسنة، ونقل إليها من كل شيء وأنا لا أعلم. وكنت أرى العمارة فأحسبها لبعض الجيران.
فقال لابنه جعفر: يا بني هذا منزل وعيال، فالمادة من أين تكون له؟ قال جعفر: قد أعطيته الضيعة الفلانية بما فيها وسأكتب له بذلك كتاباً. فالتفت إلى ابنه الفضل وقال له: يا بني فمن الآن إلى أن يدخل دخل هذه الضيعة ما الذي ينفق؟ فقال الفضل: علي عشرة آلاف دينار أحملها إليه. فقال: فعجلا له ما قلتما. فكتب لي جعفر بالضيعة، وحمل الفضل إلي المال، فأثريت وارتفعت حالي، وكسبت بعد ذلك معه مالاً طائلاً أنا أتقلب فيه إلى اليوم، فوالله يا أمير المؤمنين ما أجد فرصة أتمكن فيها من الثناء عليهم والدعاء لهم إلا انتهزتها مكافأة لهم على إحسانهم، ولن أقدر على مكافأته، فإن كنت قاتلي على ذلك فافعل ما بدا لك! فرق الرشيد لذلك وأطلقه وأذن لجميع الناس في رثائهم.
قيل: إن هارون الرشيد حج ومعه يحيى بن خالد بن برمك ومعه ولداه الفضل وجعفر. فلما وصلوا إلى مدينة الرسول، صلوات الله عليه، جلس الرشيد ومعه بن يحيى فأعطيا الناس، وجلس الأمين ومعه الفضل بن يحيى فأعطيا الناس، وجلس المأمون ومعه جعفر فأعطيا الناس، فأعطوا في تلك السنة ثلاث أعطيات ضربت بكثرتها الأمثال، وكانوا يسمونه عام الأعطيات الثلاث، وأثرى الناس بسبب ذلك؛ وفي ذلك يقول الشاعر:
أتــانا بنوا الآمال من آل برمكٍ *** فيــا طيب أخبارٍ ويا حسن منظر
لهم رحلة في كل عامٍ إلى العدا *** وأخرى إلى البيت العتيق المستر
إذا نـــزلوا بطحاء مكة أشرقت *** بيحيـى وبالفضل بن يحيـى جعفر
فتظلــم بغداد وتجلو لنا الدجى *** بمكـــــة مـــا تمحـــو ثلاثــة أقمر
فمـــا خلقت إلا لجــــودٍ أكفهم *** وأقـــدامهــم إلا لأعــــواد منبــــر
إذا راض يحيى الأمر ذلت صعابه *** ونـــاهيك من راعٍ لــــه ومدبر
كان يحيى يقول: ما خاطبني أحد إلا هبته حتى يتكلم، فإذا تكلم كان بين اثنتين، إما أن تزيد هيبته أو تضمحل.
وكان يقول: المواعيد شباك الكرام يصيدون بها محامد الأحرار.
كان يحيى إذا ركب يعد صرراً، في كل صرة مائتا درهم يدفعها إلى المتعرضين له.
سيرة ولد الفضل بن يحيى:
كان الفضل من كرام الدنيا وأجواد أهل عصره، وكان قد أرضعته أم هارون الرشيد وأرضعت أمه الرشيد، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة:
كفــى لك فخـــراً أن أكــرم حـرةٍ *** غــذتك، بثدي، والخليفـة، واحد
لقد زنت يحيى في المشاهد كلها *** كما زان يحيى خالداً في المشاهد
ولاه الرشيد خراسان، فخرج إليه أبو الهول الشاعر مادحاً معتذراً من شعرٍ كان هجاه به، فأنشده:
سرى نحوه من غضبة الفضل عارض *** له لجــــة فيهـــا البــــوارق والرعد
وكيــف ينام الليـــل ملــــقٍ فــراشـــه *** علـــى مــدرجٍ يعتـــــاده الأسد الورد
ومـــالي إلى الفضل بن يحيى بن خالد *** من الجرم ما يخشى على مثله الحقد
فجـــد بالرضـــى لا أبتغــي منك غيره *** ورأيــك فيمـــــا كنت عـــــودتني بعد
فقال له الفضل: لا أحتمل تفريقك بين رضاي وإحساني وهما مقرونان فإن أردتهما معاً وإلا فدعهما معاً. ثم وصله ورضي عنه.
........
سيرة جعفر بن يحيى البرمكي:
كان جعفر بن يحيى فصيحاً لبيباً ذكياً فطناً كريماً حليماً، وكان الرشيد يأنس به أكثر من أنسه بأخيه الفضل لسهولة أخلاق جعفر وشراسة أخلاق الفضل. قال الرشيد يوماً ليحيى: يا أبي! ما بال الناس يسمون الفضل الوزير الصغير ولا يسمون جعفراً بذلك؟ فقال يحيى: لأن الفضل يخلفني. قال: فضم إلى جعفر أعمالاً كأعمال الفضل. فقال يحيى: إن خدمتك ومنادمتك تشغلانه عن ذلك. فجعل إليه أمر دار الرشيد فسمي بالوزير الصغير أيضاً.
قال الرشيد يوماً ليحيى: قد أحببت أن أنقل ديوان الخاتم من الفضل إلى جعفر وقد استحييت من مكاتبته في هذا المعنى، فاكتب أنت إليه.
فكتب يحيى إلى الفضل: ً قد أمر أمير المؤمنين، أعلى الله أمره، أن تحول الخاتم من يمينك إلى شمالكً. فأجابه الفضل: ً قد سمعت لما أمر به أمير المؤمنين في أخي، وما انتقلت عني نعمة صارت إليه، ولا غربت عني رتبة طلعت عليه، فقال جعفر: لله در أخي ما أكيس نفسه وأظهر دلائل الفضل عليه وأقوى منة العقل عنده وأوسع في البلاغة ذرعه.......
حدث بختيشوع الطبيب قال: دخلت يوماً على الرشيد وهو جالس في قصر الخلد في مدينة السلام، وكان البرامكة يسكنون بحذائه من الجانب الآخر، وبينهم وبينه عرض دجلة، قال: فنظر الرشيد فرأى اعتراك الخيول وازدحام الناس على باب يحيى بن خالد، فقال: جزى الله يحيى خيراً، تصدى للأمور وأراحني من الكد ووفر أوقاتي على اللذة. ثم دخلت عليه بعد أوقات، وقد شرع يتغير عليهم، فنظر فرأى الخيول كما رآها تلك المرة، فقال: استبد يحيى بالأمور دوني، فالخلافة على الحقيقة له وليس لي منها إلا اسمها. قال: فعلمت أنه سينكبهم، ثم نكبهم عقيب ذلك.
نكبة البرامكة وكيفية الحال في ذلك:
اختلف أصحاب السير والتواريخ في السبب في ذلك. فقيل: إن الرشيد ما كان يصبر عن أخته عباسة ولا - عن جعفر بن يحيى، فقال له: أزوجكها حتى يحل لك النظر إليها، ثم لا تقربها. فكان يجتمعان وهما شابان ثم يقوم الرشيد عنهما، ويخلوان بأنفسهما، فجامعها جعفر فحبلت منه وولدت ولدين وكتمت الأمر في ذلك حتى علم الرشيد فكان ذلك سبب نكبة البرامكة.
وقيل: كان سبب ذلك أن الرشيد كلف جعفر بن يحيى قتل رجل من آل أبي طالب فتحرج جعفر من ذلك وأطلق الطالبي، وسعي إلى الرشيد بجعفر. فقال له: ما فعل الطالبي؟ قال: هو في الحبس. قال الرشيد: بحياتي؟ ففطن جعفر فقال: لا، وحياتك! ولكن أطلقته لأني علمت أنه ليس عنده مكروه. فقال له الرشيد: نعم ما فعلت! فلما قام جعفر قال الرشيد: قتلني الله إن لم أقتلك. ثم نكبهم.
وقيل: إن أعداء البرامكة مثل الفضل بن الربيع مازالوا يسعون بهم إلى الرشيد، ويذكرون له استبدادهم بالملك واحتجانهم للأموال حتى أوغروا صدره فأوقع بهم.
وقيل: إن جعفراً والفضل ابني يحيى بن خالد ظهر منهما من الإدلال ما لا تحتمله نفوس الملوك فنكبهم لذلك.
وقيل: إن يحيى بن خالد رئي، وهو بمكة، يطوف حول البيت ويقول: اللهم إن كان رضاك في أن تسلبني نعمتك عندي وتسلبني أهلي ومالي وولدي فاسلبني إلا الفضل ولدي، ثم ولى. فلما مشى قليلاً عاد وقال: يا رب إنه سمج بمثلي أن يستثني عليك، اللهم والفضل! فنكبهم الرشيد بعد قليل.
شرح مقتل جعفر بن يحيى والقبض على أهله:
كان الرشيد قد حج، فلما عاد من الحج سار من الحيرة إلى الأنبار في السفن، وركب جعفر بن يحيى إلى الصيد وجعل يشرب تارة ويلهو أخرى وتحف الرشيد وهداياه تأتيه، وعنده بختيشوع الطبيب وأبو ذكار الأعمى يغنيه. فلما أظل المساء دعا الرشيد مسروراً الخادم، وكان مبغضاً لجعفر، وقال: اذهب فجئني برأس جعفر ولا تراجعني. فوافاه مسرور بغير إذن وهجم عليه وأبو ذكار يغنيه:
فلا تبعد فكل فتىً سيأتي *** عليه الموت يطرق أو يغادي
فلما دخل مسرور قال له جعفر بن يحيى: لقد سررتني بمجيئك وسوءتني بدخولك علي بغير إذن. فقال: الذي جئت له أعظم، أجب أمير المؤمنين إلى ما يريد بك. فوقع على رجليه فقبلهما، وقال له: عاود أمير المؤمنين فإن الشراب قد حمله على ذلك، وقال: دعني أدخل داري فأوصي! فقال: الدخول لا سبيل إليه، وأما الوصية فأوص بما بدا لك؛ فأوصى. ثم حمله إلى منزل الرشيد وعدل به إلى قبة وضرب عنقه، وأتى برأسه على ترس إلى الرشيد وببدنه في نطع. ووجه الرشيد فقبض على أبيه وإخوته وأهل وأصحابه وحبسهم بالرقة واستأصل شأفتهم.
ومن طريف ما وقع في ذلك ما رواه العمراني المؤرخ قال: حدث فلان قال: دخلت الديوان فنظرت في بعض تذاكر النواب فرأيت فيها أربعمائة ألف دينار ثمن خلعة لجعفر بن يحيى الوزير، ثم دخلت بعد أيام فرأيت تحت ذلك عشرة قراريط ثمن نفط وبواري لإحراق جثة جعفر بن يحيى، فعجبت من ذلك.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|