أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-3-2018
1531
التاريخ: 28-7-2017
901
التاريخ: 27-7-2017
921
التاريخ: 28-7-2017
782
|
1ـ مع هارون الرشيد
دخل إليه وقد عمد على القبض عليه، لأشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب وشنعة نسبها إلى شيعته فقرأه (عليه السلام) ثم قال له: يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا، وربنا غفور ستور، أبي أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] (1).
ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم:
الرحم إذا مست اضطربت ثم سكنت، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل. فتحول عند ذلك عن سريره ومد يمينه إلى موسى (عليه السلام) فأخذ بيمينه ثم ضمه إلى صدره، فاعتنقه وأقعده عن يمينه وقال: أشهد أنك صادق وجدك صادق ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) صادق ولقد دخلت وأنا أشد الناس حنقاً (2) وغيظاً لما رقي إليّ فيك فلما تكلمت بما تكلمت وصافحتني سرّي عني وتحول غضبي عليك رضى.
وسكت ساعة ثم قال له: أريد أن أسألك عن العباس وعلي بما صار عليّ أولى بميراث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من العباس، والعباس عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصنو أبيه؟
فقال له الإمام (عليه السلام): أعفني. قال: والله لا أعفيتك، فأجبني.
قال: فإن لم تعفني فآمني. قال: آمنتك، قال موسى بن جعفر (عليه السلام): إن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إن أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإن علياً آمن وهاجر، وقال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] (3) فتغيّر لون هارون.
ثم تابع الرشيد فقال: ما لكم لا تنسبون إلى عليّ وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله وهو جدكم؟ فقال الكاظم (عليه السلام):
إن الله نسب المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [الأنعام: 84] (4) {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ } [الأنعام: 85] (5). فنسبه لأمه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام). كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليه السلام) بآبائهم وأمهاتهم، فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة بأمه وحدها. وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام): {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42] (6).
بالمسيح من غير بشر. وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون ـ وقد اضطرب وساءه ما سمع ـ:
من أين قلتم الإنسان يدخل الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله، فقال الإمام الكاظم (عليه السلام): هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك، ولا تيم ولا عدي ولا بنو أمية ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها. قال الرشيد: فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عما آمنتك. فقال موسى (عليه السلام): لك ذلك. قال (عليه السلام): فإن الزندقة قد كثرت في الإسلام وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار، هم المنسوبون إليكم.
فقال هارون: فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال (عليه السلام): الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله وهم الذين يحادّون الله ورسوله. قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } [المجادلة: 22] (7)، وهم الملحدون، عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد.
فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد وتزندق؟ فقال (عليه السلام): أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيبه آدم (عليه السلام) فقال اللعين: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } [الأعراف: 12] (8). فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة فقال هارون: ولإبليس ذرية؟ فقال (عليه السلام):
نعم ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجلّ: { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } [الكهف: 50، 51] فهل عرف الرشيد من أي فريق هو؟!
ثم قال له الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال (عليه السلام): نعم. وأوتي بدواة وقرطاس فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع أمور الأديان أربعة:
ـ أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها، الأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وهو إجماع الأمة.
ـ وأمر يحتمل الشك والإنكار، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها، وسنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الأمة وعامتها الشك فيه والإنكار له. وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه (صلّى الله عليه وآله):
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] (9).
يبلغ الحجّة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، لأن الله عدل لا يجور، يحتج على خلقه بما يعملون، ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون.
فأجازه الرشيد وأحسن لقاءه. وانصرف الإمام (عليه السلام) وقد دلّ خصمه ـ المسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين ـ على أمور الدين كما أوضح له منزلة أهل البيت (عليهم السلام) وصحة أقوالهم ودعم ما ذهب إليه بأوثق الأدلة والبراهين ولا غرو فهذا الغصن الطيّب هو من تلك الشجرة الطيّبة التي غرسها الرسول (صلّى الله عليه وآله) وتعهّد سقايتها ورعايتها.
2ـ مع الفضل بن الربيع
زار هارون الرشيد قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) فاجتمع به الإمام (عليه السلام) وبعد انتهاء المقابلة، خرج (عليه السلام) فاجتاز على الأمين ابن الرشيد، فالتفت الأمين إلى الفضل بن الربيع قائلاً له: عاتب هذا، فقام الفضل إلى الإمام فقال له: كيف لقيت أمير المؤمنين على هذه الدابة التي إن طُلبت عليها لم تسبق وإن طَلبت عليها تلحق؟
ـ قال الإمام (عليه السلام): لست أحتاج أن أطلب، ولا أن أُطلب، ولكنها دابة تنحط عن خيلاء الخيل، وترتفع عن ذلة البعير، وخير الأمور أوسطها) (10) فتركه الإمام (عليه السلام) و انصرف وبدا على الفضل الارتباك والعجز.
3ـ مع أبي يوسف
أمر هارون الرشيد أبا يوسف (11) أن يسأل الإمام (عليه السلام) بحضرته لعله أين يبدي عليه العجز فيتخذ من ذلك وسيلة للحطّ من كرامته، ولما اجتمع (عليه السلام) بهم وجه إليه أبو يوسف السؤال التالي:
ـ ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال الإمام: لا يصح.
ـ فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال الإمام: نعم.
ـ فما الفرق بين الموضعين؟
ـ ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال أبو يوسف: لا.
ـ أتقضي الصوم؟ نعم. ولمَ؟ هكذا جاء هذا.
فسكت أبو يوسف ولم يطق جواباً وبدا عليه الخجل والعجز فقال هارون:
ـ ما أراك صنعت شيئاً.
ـ رماني بحجر دامغ (12).
وتركهما الإمام (عليه السلام) وانصرف بعد أن خيّم عليهما الحزن والشقاء. ولا عجب فالإمام (عليه السلام) هو ابن الإمام جعفر الصادق الذي أسس الجامعة الإسلامية ووضع مناهجها العلمية الأصيلة، وهو سرّ أبيه (عليه السلام).
____________________
(1) سورة الشعراء: الآية 88-89.
(2) حنقاً: الحنق شدة الاغتياظ والغضب.
(3) سورة الأنفال: الآية 73.
(4) سورة الأنعام: الآية 84.
(5) سورة الأنعام: الآية 85.
(6) سورة آل عمران: الآية 42.
(7) سورة المجادلة: الآية 22.
(8) سورة الأعراف: الآية 12 وسورة ص: الآية 76.
(9) سورة الأنعام: الآية 149.
(10) زهر الآداب، ج1، ص132.
(11) أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ولد سنة 113هـ، وتوفي في بغداد سنة 182هـ وكان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي وأخذ الفقه عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم عن أبي حنيفة وولي القضاء لهارون الرشيد حتى لقب بقاضي القضاة. وكان يقضي ببغداد سنة 166هـ في أيام خروج الهادي. تحف العقول، ص300، وطبقات الفقهاء، ص113. والإرشاد، ص318.
(12) المناقب، ج3، ص429.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|