أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2022
1881
التاريخ: 27-12-2016
1898
التاريخ: 2024-09-26
218
التاريخ: 2024-09-25
228
|
لا يندر أن يلجأ بعض التجار الى الكذب من أجل بيع سلعهم. ولا يندر ان يلجأ بعض الاشخاص, عموما, الى الكذب من اجل تسويق صورتهم, واعطاء فكرة مفخمة عن شخصياتهم وكفاءاتهم ومؤهلاتهم . في الواقع , الصدق وسيلة اكثر فاعلية للبيع , سواء بيع السلع , بالمعنى التجاري التام , ام تسويق صورة الذات وهيبتها .
اجل, الصدق, وقول الحقيقة , اكثر فاعلية وتأثيرا, حتى من المنظور البراغماتي (الذرائعي), اي حتى بغض النظر عن دعاوي الاعتبارات الاخلاقية والمبادئ , فضلا عن الالتزام الديني . كيف ذلك ؟ لنأخذ مثالا ملموسا :
تعمل ابتسام ممثلا تجاريا لشركة معدات واثاث مكاتب معروفة , لنسمّها (شركة أ) , التي تزود زبائنها ايضا بمواد القرطاسية المكتبية الاستهلاكية (اوراق واقلام ودفاتر وخرطوشات طابعات, وما الى ذلك). كلفها مدير التسويق بتقصي زبائن جدد للشركة , وحدد لها اسم شركة اخرى , لنسمها (شركة ب) يوقن تماما, بحسب معلومات وثيقة وردته, بان من الممكن (كسبها) كزبون جديد .
لكن ظلت ابتسام تماطل فترة , لعدم رغبتها في الذهاب الى مكتب ذلك المدير , والتوسل اليه , وتمضية وقت في شرح مميزات التعامل مع (شركة أ) , ومصلحة (شركة ب) في ذلك. في النهاية , اذعنت لأمر مديرها , الذي طالبها بإلحاح , وسألها عن نتائج تقصيها. فذهبت , على مضض , الى مقر (شركة ب) , الذي يبعد 120 كيلومترا عن مقر (شركة أ) . وصلت , فطلبت من سكرتيرة مدير المشتريات مقابلة الاخر , ابلغت الموظفة مديرها , فطلب هذا ان تجعل ابتسام تنتظر نصف ساعة , ريثما ينتهي من قراءة تقرير مهم .
البعض شعاره : (لا اكذب ولكن ... اتجمل) اعطاء صورة المسؤول المثابر .
في الواقع , كذب مدير مشتريات (شركة ب) اذ لم يكن عنده اي تقرير للقراءة , وكان بالأحرى يتحاور عبر شبكة الانترنت مع اصدقاء وصديقات. لكنه , عبر تلك الكذبة , اراد ان يلمع صورته , ويولي ذاته اهمية , ويظهر بمظهر المتوَسَّل اليه , اي بمركز القوي , بالتالي بمنزلة يظن أنها ارفع .
خلال فترة الانتظار تلك , التي دامت 30 دقيقة , او ربما اكثر بقليل , كانت ابتسام تفكر مع نفسها في مدير المشتريات هذا متفلسف ومتعجرف , وليس في حوزته اي عمل مهم , لكنه يصر على جعل الاخرين ينتظرون , لكي يعطي نفسه صورة المسؤول المثابر , المنهمك في العمل والغارق في الملفات , في حين ان في امكانه استقبالها حالا , من دون تعقيد الامور, والانصات لها بضع دقائق , وحسم الامر بسرعة , لتعود الى مقر شركتها , الكائن في مدينة اخرى. في النهاية , بدلا من ان تكبر , صغرت صورة مدير مشتريات (شركة ب) في عيني ابتسام , التي خفتَ اندفاعها في السعي الى اقناعه بالتعاون مع (شركة أ) للمعدات المكتبية .
على أي حال , بعد انقضاء مدة نصف الساعة , قام مدير المشتريات , اخيراً , باستقبال الممثل التجاري ابتسام , فبدت عليه علامات الكذب. والمعضلة ان ابتسام كذبت بدورها , اذ زعمت قائلة : (في الواقع , كنت مارة في هذا الحي , فرأيت مقر شركتكم بالصدفة , فقررت المبادرة الى القدوم والقاء التحية, واغتنام الفرصة للتحدث عن مزايا معدات شركتنا وأسعارها التنافسية, وخدماتها الممتازة)... وهلم جرا . وكان مردُّ كذبة ابتسام, انها لم تشأ اظهار نفسا بمظهر المتوسل , الذي تعنى القدوم لغاية البيع , وتجشم عناء الطريق المزدحم. ارادت , هي ايضا , نوعا ما تلميع صورتها , عبر التظاهر بعدم الاكتراث. كما ازمعت التغطية على احساسها بالمهانة جراء ارغامها على الانتظار من دون داع .
لن اتعامل معها
هنا ايضا جاءت النتيجة معاكسة : ففي النهاية , استصغر مدير مشتريات (شركة ب) روح ابتسام المهنية , واستهان بشخصها , مفكرا على النحو الاتي :
(لو صح انها فعلا جاءت هكذا, عن طريق الصدفة, من دون سابق تخطيط , فهي ممثل تجاري فاشل. فهذه وسيلة رديئة في العمل, قائمة على العشوائية, وتفتقر الى التنظيم. هل تقصي الزبائن لعبة يانصيب ؟ في هذه الحال, لا ارغب في التعامل مع شركة تتسم بالفوضى, على الرغم من معاناتنا مع مموننا الحالي, لكننا على الاقل نعرفه ونعرف عيوبه. اما اذا كان العكس صحيحا, اي ان هذا الشابة جاءت عمدا لغاية اقناعي بالتعاقد معهم , فهذا يعني انها كذبت, وقصت علي قصصا وروايات, عندما قالت انها مرت من هنا بالصدفة. وانا لا احب الكذابين . قطعا , لن اتعامل معها, على الرغم من ان المزايا التي عددتها عن شركتها تبدو حقا مثيرة للاهتمام, وكنت سأفكر جديا في التعاقد معها , لا سيما انني اعاني حاليا سوء خدمات مموننا الحالي, الذي يفرض اسعارا اعلى . لكن هذه الشابة و ما اسمها , بالمناسبة ؟ نسيت. اه ! الان تذكرت: ابتسام, هذه الشابة المدعوة ابتسام لا تعجبني . لن اتعامل معها ومع شركتها ).
الاثنان كذبا , فعقدا الامور على نفسيهما من دون داع . لنتصور مثلا لو ان مدير مشتريات (شركة ب) استقبل ابتسام حالا , بكل صدق , ومن دون تفلسف وتلميع صورة وتكبر زائف, لكانت ابتسام قابلته بود اكثر. ولو كانت ابتسام اقرب بكل صدق , وبساطة وتواضع , انها مكلفة شخصيا من جانب مديرها بالقدوم الى (شركة ب( واقناع مسؤوليها بمناقب التعاون المشترك بين الشركتين , وانها جاءت خصيصا لتلك الغاية , ونذرت نهار ذلك اليوم المهمة , لكان مدير (شركة ب) اعجب بصدقها وتفانيها وتواضعها , وقدر جهدها وتجشمها عناء المجيء. وطبعا , لكان استحسن ايضا الطابع النظامي المعتمد في (شركة أ) , وربما ابرم مع ابتسام اتفاقا مبدئيا بطلب تموين معدات شركته المكتبية , واوراقها وقرطاسيتها , من (شركة أ). وكان الاثنان سيكونان رابحين , لا سيما ان مدير مشتريات (شركة ب) , ومديرها العام نفسه , منزعجان اصلا من تقصير ممونها الحالي .
كبرياء ونرجسية
مثل تلك الحالات تتكرر يوميا , في مجالات الحياة كافة , اذ , عدا عن (الكذب التجاري) البحت (الذي يجوز تصنيفه في خانة النصب والاحتيال) يميل البعض لا شعوريا , الى نوع من الكذب يجوز تصنيفه (ابيض). فهو يدخل في اطار ما يدعوه متخصصو علم النفس (الحيل اللاشعورية) او (الاليات اللاواعية) , التي يلجا اليها الانسان احيانا عندما يكون في موضع دفاع نفسي, ومنها النكوص والاسقاط , فمثلا , حين يشعر معلم بأصبع الاتهام الى تلميذ كسر زجاجة, سواء اقام بذلك عمدا ام عن طريق الخطأ , يقسم الاخير قسما صادقا انه ليس الجاني . ولا يعاتب على ذلك الكذب , لأنه حقا , وبدافع الخوف , يظن فعلا , في تلك اللحظة, انه ليس الفاعل . وفي حالات كتلك , بدافع الخوف او القلق او ال (ستريس) , او ما يخرج عن الارادة, لا يندر ان يكذب الانسان من باب الدفاع النفسي , الخارج عن الوعي. والأنكى: يظن حقا, وبكل صدق , انه يقول الصدق.
لكن الدفاع النفسي اللاشعوري , ليس مرد الكذب الوحيد. إذ إن هناك عوامل اخرى , منها : الكبرياء , وحب الذات , والنرجسية المفرطة , والرغبة المرضية في اعطاء صورة عن الذات, مفخمة ومبالغ فيها, بهدف كسب احترام الاخرين وتقديرهم , او ترهيبهم (مثل حالة ابتسام ومدير مبيعات (شركة ب) , الواردين في مثالنا) , او بهدف الربح المادي التافه (مثلما في حالات يومية كثيرة). وفي هذه الحالات , بطبيعة الحال , لا يمكن القول انه كذب (ابيض) , بما انه ارادي تماما , ولا يدخل في فصيلة (الاليات النفسية اللاشعورية). وفي الحالتين , يظل الصدق اقوى تأثيرا وافضل نتائج عملية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|