أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-6-2021
3199
التاريخ: 13-08-2015
2913
التاريخ: 10-04-2015
8607
التاريخ: 30-9-2019
4169
|
شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالله الهاشمي الكوفي (1)، ولد في بغداد سنة 623هـ في أسرة كريمة، وتوجه منذ الصغر نحو الدرس والتحصيل العلمي حتى بلغ مرتبة التدريس، وصفه ابن شاكر الكتبي بقوله: (كان أديباً فاضلاً عالماً شاعراً ظريفاً كيساً دمث الأخلاق).
مارس شمس الدين الكوفي مهنة التدريس في المدرسة التتشية (2)، وتولى الخطابة في جامع السلطان (3)، وخصص ساعات في الأسبوع للوعظ في باب بدر (4). وكان حريصاً على الإسلام والمسلمين، يفيد الناس في التدريس، ويحثهم في خطبه ومواعظه على التمسك بعروة الدين، والتعاون والتعاضد، وأخذ الحيطة والحذر من الغادرين والطامعين.
وحينما داهم هولاكو بجيوشه الجرارة العراق، وضرب العاصمة بغداد سنة 656 هـ، واستباح الدور والمدارس والمساجد، ونهب الأموال، وانتهك الأعراض، وقتل الناس بلا رحمة ولا شفقة، تألم شمس الدين الكوفي أشد الألم، وعبر عن مشاعره تجاه هذه الحادثة الموجعة بقصائد كثيرة، بكى فيها دولة بني العباس، والمدينة المنكوبة، ووصف الفضائح التي ارتكبها هذا الطاغية، وقد سماه محمد رضا الشيبي في كتابه عن أبي الفوطي (شاعر مأساة بغداد).
رثى الشاعر الأهل، وندب الأحباب، وابن الأصحاب، في قصائد تفيض بالدمع والأسى، وما نظن شاعراً استطاع أن يصل الى ما وصل اليه شمس الدين الكوفي في بكاء الدولة العباسية، فقد اقتطع بكاءه عليهم من فؤاده، ونورد هنا قصيدة له، سلك فيها سلك المتيمين الذين أضناهم فراق الأعزاء، وقرح جفونهم كثرة البكاء، مطلعها (5):
عندي لأجل فراقكم آلام فإلام أعذل فيكم وألام
من كان مثلي للحبيب مفارقاً لا تعذلوه فالكلام كلام (6)
نعم المساعد دمعي الجاري على خدي إلا أنه نمام
قف في ديار الظاعنين ونادها (يا ديار ما فعلت بك الأيام) (7)
ويتساءل في قصيدته – على عادة من وقف على الأطلال – عن الراحلين الذين خلفوه يترجع لوعة الأسى، ومرارة الحرمان، وعذاب الوحدة، ويقسم بالبقاء على عهد الهوى والمحبة مهما كلفه ذلك:
وحياتكم إني على عهد الهوى باق، ولم يخفر لدي ذمام
فدمي حلال إن أردت سواكم والعيش بعدكم علي حرام
ويسترسل الشاعر على هذه الشاكلة الى نهاية القصيدة في البكاء والنحيب دوان أن يوضح لنا ما دهى المدينة المنكوبة من خراب ودمار، وقتل وتشريد وأسر واغتصاب، ونهب وحرق، واليك ما يقوله في خاتمة القصيدة:
يا ليت شعري كيف حال أحبتي وبأي أرض خيموا وأقاموا
ما لي أنيس غير بيت قاله صب رمته من الفراق سهام
(والله ما اخترت الفراق وإنما حكمت عليّ بذلك الأيام)
وكان شمس الدين يعتز بأرومته العربية، ويتمسك بها، ويخلص لها، وقد أشار الى ذلك في شعره، فقال (8):
عرب يعز المحتمي بجناحهم والعرب ما زالت تعز كذاكا
وحينما وجد هؤلاء العرب قد أصابهم الضيم والحيف بعد ذلك العز، احتمى برسول (الله صلى الله عليه [و آله]وسلم) ووجده خير غزاء لنفسه المكلومة وشفاء لها. قال في قصيدة طويلة (9):
جار الزمان على قلبي الحزين ولو لا مدحي المصطفى لم يبق لي رمق
المجتبى خير خلق الله كلهم ومن تكمل فيه الخلق والخلق
صلى الإله على المختار ما طلعت شمس وأشرق نجم أو دجا غسق
وغالب شعره الذي وصل إلينا – ما خلا القصائد التي نظمها في رثاء بغداد – في الغزل الصوفي وذكر الديار الحجازية والتغني بها، وقد حاكى في قسم غير قليل من هذا الشعر طريقة الشريف الرضي في حجازياته التي قالها في أماكن لا يحل فيها الرفث والفسوق نفس بها عن نفثات صدر اضطربت فيه العواطف، وجاش بها، وبفورانها فما استطاع لها كتماناً، فأرسلها ترانيم تحلت بصفاء الروح، وسمو العاطفة؛ فعز له معاصروه هتافه للجمال، وإشادته بصبوات نفسه، ولوعات هواه (10). ومن شعر شمس الدين في باب الغزل الأبيات الآتية من قصيدة أولها (11):
شهود غرامي في هواك عدول سهاد ودمع سائل ونحول
وشوقي الى لقياك شوق مبرح ولي شرح حال في الغرام يطول
ويقول في آخرها:
ترى هل لنا بعد الفرق تآلف؟ وهل لي الى طيب الوصال وصول؟
لأشكو إليه ما لقيت وما الذي جرى لي ودمعي شاهد ودليل
فوالله ما يشفي المشوق رسالة ولا يشتكي شكوى المحب رسول
إن المحب – كما لاحظنا – يذوب من تعب السهاد والبكاء، ويضني من تباريح الصبابة ولواعج الغرام، فلا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال ما دام بعيداً عن الحبيب، وهذا مبدأ الصوفية الذين يحاولون بمواجدهم الوصول الى الذات العلية.
وشارك شمس الدين الكوفي في نظم الموشحات، وهو متأثر – كما يبدو – بالشاعر الصوفي الأندلسي محيي الدين بن عربي الذي ارتحل الى الشرق، وتنقل بين مصر والشام والحجاز وبغداد وتوفي بدمشق سنة 638هـ وقبره بالصالحية في مسجد يعرف باسمه في سفح جبل قاسيون.
قال شمس الدين في مطلع موشحه له (12).
قد صفا الوقت وقد رق النسيم قم بنا نربح
قد خلا السمت ومن نهوى نديم حقنا نفرح
في طوى قد شمت جنات النعيم أبداً نفتح
فاختلص من صرف دهر ورقيب ساعة الأمكان
فالتوالي بعد أن يدنو الحبيب غاية الخسران
وفي آخرها قال:
يا عذولي ليس ذا وقت العتاب فأنا مشغول
أنا أبغي الآن من كشف الحجاب أبلغ المأمول
إن تقل أنت قتيل فالجواب رضي المقتول
خلني يا عاذل الصب الكئيب كان ما قد كان
فحبيبي نصب عيني لا يغيب من ضميري دان
إن شعره – على سهولة ألفاظه وبساطة تراكيبه – لا يخلو من الصنعة والتكلف، واستخدام صور البيال وزخارف البديع، فمن الجناس قوله (13):
ليت العذول يرى من فيه يعذلنا لعله إذ يرى عيناً براعينا
الى متى نحمل البلوى وعاذلنا بغير ما هو يعنينا يعنينا
ومن الطباق في القصيدة نفسها:
فصار يرحمنا من كان يأملنا وعاد يبعدنا من كان يدنينا
وبات يخذلنا من كان ينصرنا وصار يرخصنا من كان يغلينا
ومن الكناية قوله (14):
أسكنته ربع الغرام فيا له من ساكن لا يستطيع حراكا
ومن الاستعارة في القصيدة نفسها:
ضرب الغرام على النفوس سرادفاً والحسن مد على العقول شباكا
كيف الخلاص من الحمى وبربعه الـ غزلان تنصب للأسود شراكا
توفي شمس الدين الكوفي سنة 675هـ بعد أن عاصر أحلك فترة مر بها العراق، وقد عبر عنها في شعره أصدق تعبير يمكن أن يعد وثيقة هامة الى جانب الوثائق التاريخية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر الحوادث الجامعة ص 334، فوات الوفيات 10244 وفيه تصحف اسمه الى محمود، عيون التواريخ 2: 137، ذيل مرآة الزمان 3: 15 ، تلخيص مجمع الآداب 4/1: 350 عقود الجمان للزركشي (مخطوطة الفاتح رقم 4434) ص 324.
(2)التتشية: من مدارس الحنفية ببغداد، بناها الأمير خمارتكين بن عبدالله التتشي في حدود سنة 500هـ وموقعها اليوم مطابق لموقع جامع الوزير المجاور لسوق السراي عند الجسر (مدارس بغداد في العصر العباسي ص 48).
(3)يقع هذا الجامع في أرض العلوازية عند المقبرة السهلية المعروفة حالياً بمقبرة الشهداء (مدارس بغداد ص 62).
(4)أحد أبواب دار الخلافة العباسية الأخيرة بالجانب الشرقي من بغداد وكان يسمى باب الخاصة ثم نسب الى الأمير بدر مولى المعتضد بالله، وكان عند أرض المدرسة المرجانية الحالية من الغرب لا الشرق.
(5) فوات الوفيات 2: 232.
(6) الكلم: الجرح، وجمعه كلوم وكلام.
(7) صدر بيت لأبي نواس، وعجزه: ضامتك والأيام ليس تضام (ديوان أبي نواس ص407).
(8) فوات الوفيات 4: 104.
(9) عيون التواريخ 20: 140.
(10)في موكب الخالدين ص66.
(11)فوات الوفيات 4: 105.
(12)فوات الوفيات 4: 106.
(13)فوات الوفيات 4: 103.
(14)فوات الوفيات 4: 103.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|