أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-04-2015
6496
التاريخ: 11-10-2014
2742
التاريخ: 10-06-2015
16681
التاريخ: 10-06-2015
1826
|
قال الله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].
دلت الآية القرآنية على ان القرآن العظيم يشتمل على نوعين من الآيات: الآيات المحكمة والآيات المتشابهة. وهناك اختلاف لدى أئمة علوم القرآن والمفسرين في مفهوم ذلك، وحاصل القول فيه: ان المحكم من الآيات هو الذي تكون دلالته واضحة ولا تلتبس بأمر آخر، كالأوامر الإلهية في القرآن. والمتشابه هو الذي لا يعلم تأويله الا الله عز وجل، والراسخون في العلم وهو النبي (صلى الله عليه واله)، والزهراء والائمة الاثنا عشر (عليه السلام)(1).
ولو تتبعنا معنى المحكم ودلالته اللغوية، لوجدنا ان المحكم لغة من: احكمت الشيء فاستحكم، أي صار محكما، وهو الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب(2)، وفي حديث ابن عباس (ت 69هـ): قرات المحكم على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)، يريد المفصل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء، وقيل: هو ما لم يكن متشابها لانه احكم بيانه بنفسه ولم يفتقر الى غيره، وقوله تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود : 1].
وفسرت بانه: احكمت آياته بالأمر والنهي والحلال والحرام ثم فصلت بالوعد والوعيد، والمعنى، وان آياته احكمت وفصلت بجميع ما يحتاج اليه من الدلالة على توحيد الله وتثبيت نبوة الأنبياء وشرائع الإسلام(3).
واما المتشابه لغة، فيقال: هذا شبهه، أي شبيهه، وبينهما شبه بالتحريك، والشبهة: الالتباس. والمشتبهات من الأمور: المشكلات. والمتشابهات: المتماثلات. وتشبه فلان بكذا. والتشبيه: التمثيل. وتشابها واشتبها: اشبه كل منهما الآخر حتى التبسا. وامور مشتبهة ومشبهة كمعظمة : مشكلة. والشبهة بالضم: الالتباس والمثل وشبه عليه الامر تشبيها: لبس عليه. وفي القرآن المحكم والمتشابه(4).
والمحكم اصطلاحا: هو (ما لا يحتمل الا الوجه الواحد الذي اريد به ووصفه محكما لانه قد احكم في باب الابانة عن المراد. واما المتشابه: فهو ما احتمل من وجهين فصاعدا)(5). وعلى هذا فالمحكم لا يحتمل الا وجها واحدا والمتشابه ما يحتمل وجهين او اكثر منهما، حيث ان الدلالة في المحكم واضحة وفي المتشابه غير واضحة، (وقيل: المحكم: الناسخ والتشابه المنسوخ)(6)، ولعل ذلك لدخول الناسخ في افراد المحكم ودخول المنسوخ تحت افراد الضد العام للمتشابه، والقدر المشترك بين النص والظاهر هو المحكم، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه(7).
ومن ذلك وقوع الحراك الفكري الشديد لدى المفسرين في فهم ما اشتبه عليهم من نفي السؤال واثباته يوم القيامة، فمما ورد في اثبات السؤال قوله تعالى:
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24].
ومما ورد في نفي السؤال في قوله تعالى:
{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39].
حيث أدى الى تنوع فهم المعنى، مع المحافظة على الضرورة العقائدية، وهي القول بإحاطة علمه تعالى بأفعال عباده، فترتب على هذا التنوع التغاير في التفسير، فقيل في ذلك:
1- ان السؤال المثبت هو سؤال توبيخ لا سؤال استخبار واستعلام الشخص ن ذنبه(8).
2- السؤال المنفي هو السؤال العام، أي سؤال مجمع الخلق (من المذنب منكم؟)(9).
3- السؤال المثبت سؤال تقريع لا سؤال شفقة ورحمة، والمنفي سؤال الاستفهام والاستخبار(10).
4- تغاير السؤال بين النفي والاثبات بتغاير مواقف القيامة لطولها(11).
5- تغاير السؤال بين النفي والاثبات بتغاير الموضوعات، فالسؤال المثبت يدور حول ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وقوعه(12)، بقرينة قوله تعالى:
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65].
6- اثبات سؤال المجرم من دون البرئ(13)، بدلالة قوله تعالى :
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24].
7- اثبات سؤال البرئ من دون المجرم(14)، بدلالة قوله تعالى:
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9].
8- السؤال المثبت هو سؤال تفخيم وتعظيم وتهويل الذنب، لزيادة شناعته وغاية قبحه(15)، كما يقال: (ما اعظم ما فعلت؟)(16).
9- السؤال المنفي هو سؤال الملائكة المكلفين بأخذ المجرمين، اذ انهم يعرفون المجرمين بسيماهم، والمثبت مسائلة المجرمين من قبل الله سبحانه وتعالى وهو سؤال حساب(17).
10- السؤال المثبت هو سؤال تقرير لا من جهة حاجته تعالى للعلم به،
والتقرير يغاير التقريع، بان الأول يحتاج الى جواب، والثاني لا يحتاج الى جواب(18).
11- السؤال المنفي هو سؤال الخلق بعضهم عن بعض، او سؤال بعضهم بعضا، لانشغالهم وذهولهم بهول ذلك الموقف(19).
12- الكل يحاسب في الجملة(20)، أي: الكل محاسب معذب ولو بطول الوقوف، والله تعالى يخاطب عباده من الاولين والآخرين بمجمل حساب عملهم مخاطبة واحدة، يسمع منها كل واحد قضيته من دون غيرها، ويظن انه المخاطب من دون غيره، ولا تشغله تعالى مخاطبة عن مخاطبة، ويفرغ من حساب الاولين والآخرين في مقدار ساعة من ساعات الدنيا(21)، فالسؤال لا لواحد بعينه. فيكون السؤال المنفي السؤال الافرادي، والكل منهم مسؤول في الجملة، ويكون السؤال المثبت هو المجموعي(22).
هذه جملة من تنوع الفهم في انموذج واحد، والتي انتظمتها بعض كتب التفسير(23)، اذ ترتبت على المتشابه من آيات اثبات السؤال وآيات نفيه، فاوهم التنافي بين المدلولين مما اثار لدى المفسرين الحراك الفكري للوقوف على تفسيرين منسجمين مع ما يليق بساحته تعالى، وبذل الجهد في الذب عن القرآن الكريم ورد شبهة وقوع التناقض، والحقيقة هو ليس بتناقض- لعدم توفر شروط التناقض- وانما هو من باب التباين الجزئي، فالعناوين والمفاهيم التي يكون بينها التباين جزئيا لا يعقل ان يتصادقا على متحد الجهة، فان جهة الصدق والانطباق في احد العنوانين لابد ان تغاير جهة الصدق والانطباق في الآخر، والمخالفة في موارد التباين الجزئي لا تضر ببعضها، اذ يكون هناك جامع بين العموم والخصوص من وجه، فلابد من معالجة موارد المتشابه بصرف كل واحد من السلب والايجاب الى مقام آخر دفعا للتناقض(24).
فكل مفسر يسعى جاهدا بما اوتي من فهم لبيان وجوه الجمع والافتراق في المتشابه من الآيات، كاختلافهم في دلالات الاحرف المقطعة في فواتح السور بانها من اللم المستور والسر المحجوب الذي استأثر به تعالى، فلا يعلم تأويله الا الله، او ان المراد منها معلوم ولكنهم اختلفوا فيه بعدة آراء تتفاوت قيمة ودلالة وموضوعية، وقد تداعت كلمات الاعلام في هذه الآراء، حتى نقل الخلف عن السلف، واستند اللاحق على السابق، بنسبة اليه ومن دون نسبة، وقد يخلص كل مفسر او باحث الى ما يانس به ويطمئن الى مؤداه، بوصفه جزئيا من كلي فرائدها، من دون القطع بانه مراد الله تعالى منها(25).
يضاف الى ذلك ما اختلف في كونه محكما ان متشابها، اذ لم يتفق على كثير من تلك الموارد، فيتسع مجال الفهم او يضيق تبعا للاعتبار(26).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1) ينظر: محمد حسين علي الصغير: محاضرات علوم القرآن على طلبة الدراسات العليا.
2) ينظر: ابن منظور – لسان العرب: 12/ 141 – 143.
3) ينظر: الطوسي – التبيان: 5/ 446 والطبرسي – مجمع البيان: 2/ 242 وج5/ 240 – 241 والرازي – تفسير الرازي: 17/ 179 وأبو حيان الاندلسي – البحر المحيط: 5/ 201.
4) ينظر: الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/ 286.
5) الشيخ الطوسي: عدة الأصول (ط.ق) 2/ 159.
6) الجصاص: الفصول في الأصول: 1/ 373.
7) ينظر: المقداد السيوري: كنز العرفان: 1/ 47.
8) ينظر: ابن عطية الاندلسي – المحرر الوجيز: 4/ 300.
9) ينظر: الرازي – تفسير الرازي: 29/ 118.
10) ينظر: الطبرسي مجمع البيان: 5/ 182 و 9/ 343.
11) ينظر: الثعلبي – تفسير الثعلبي: 5/ 354.
12) ينظر: الزركشي – البرهان: 2/ 55.
13) ينظر: الطوسي – التبيان: 8/ 178 والرازي – تفسير الرازي: 26/ 131.
14) ينظر: الطبري – جامع البيان: 27/ 185.
15) ينظر: الآلوسي – تفسير الآلوسي: 20/ 28.
16) ينظر: الطبرسي – مجمع البيان: 5/ 451 والواحدي – تفسير الواحدي: 1/ 501.
17) الطبري – جامع البيان: 27/ 185 وابن جزي – التسهيل في علوم التنزيل: 3/ 111.
18) ينظر: الجصاص – احكام القرآن: 3/ 553.
19) ينظر: الطبري – جامع البيان: 27/ 185 والسيوطي – الدر المنثور: 6/ 145.
20) ينظر: الطبري – جامع البيان: 14/ 90.
21) ينظر: الفيض الكاشاني – تفسير الصافي: 2/ 127.
22) ينظر: الطبرسي – مجمع البيان: 1/ 366 – 367.
23) ينظر: مجاهد بن جبر – تفسير مجاهد: 2/ 642-643 والطبري- جامع البيان: 14/ 90 وج27/ 185 والجصاص- احكام القرآن: 3/ 553 – 554 والثعلبي- تفسير الثعلبي: 9/ 188 والطوسي- التبيان: 4/ 349 – 351 وج6/ 65-66 وج8/ 178 وج9/ 476- 477 والبغوي- تفسير البغوي: 3/ 58- 59 وج4/ 272 وابن عطية الاندلسي- المحرر الوجيز: 4/ 300 والطبرسي مجمع البيان: 4/ 219 – 220 وج5/ 332- 333 وج9/ 343- 344 وابن الجوزي- زاد المسير: 4/ 307 وج7/ 265 والرازي- تفسير الرازي: 14/ 23- 24 وج19/ 214 وج22/ 157 وج29/ 118- 119 وابن عربي – احكام القرآن: 2/ 288 والقرطبي- تفسير القرطبي: 13/ 316 والسيوطي- الاتقان: 1/ 548 وج2/ 77 والآلوسي- تفسير الآلوسي: 8/ 81 والشنقيطي- أضواء البيان: 2/ 7- 8 وج7/ 503- 504.
24) ينظر: الرازي – تفسير الرازي: 22 و157 والتفتازاني – شرح المقاصد: 2/ 186 ومحمد علي الكاظمي – فوائد الأصول: 1/ 402 ومحمد رضا المظفر – المنطق: 82.
25) ينظر: محمد حسين علي الصغير – الصوت اللغوي في القرآن: 94.
26) ينظر: الرازي – تفسير الرازي: 7/ 179.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|