أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-4-2017
4651
التاريخ: 7-6-2016
7330
التاريخ: 2024-11-12
135
التاريخ: 2024-01-08
1349
|
... أن الدساتير التي اعقبت الثورة الفرنسية قد طبقت مبدأ الفصل المطلق بين السلطات والذي بموجبه تلتزم كل سلطة بوظيفتها ولايجوز أن تشاركها سلطة أخرى في ذلك ، فكان من الطبيعي أن لايتم السماح للسلطة التشريعية تفويض بعض اختصاصاتها للسلطة التنفيذية ، كما أن التفويض يترتب عليه كما نعلم اصدار قرارات لها قوة القانون والتي تعد استثناء على مبدأ المشروعية العادية ، الامر الذي أدى إلى عدم تبني الدساتير الفرنسية التفويض التشريعي حتى بعد هجر مبدأ الفصل المطلق بين السلطات . إلا أن الاعتبارات العملية الناتجة من تشعب نشاط الدولة وزيادة نطاقه ، ونتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناجمة عن الحربين العالميتين حتمت ضرورة اللجوء إلى قوانين التفويض بغض النظر عن موقف الدستور منها. وإذا كانت الدساتير الفرنسية تغض النظر عن قوانين التفويض تارة وتعارضها صراحة تارة أخرى، فأن دستور سنة 1958 قد جاء بثورة قانونية استهدفت إقرار الواقع الذي تجاهلته الدساتير السابقة من ناحية ، والحيلولة دون انهيار القانون من ناحية أخرى (1). وسنسلط الضوء في هذا الموضوع على الاوضاع التي سبقت دستور 1958 التي مهدت للثورة القانونية التي جاء بها هذا الدستور وذلك في الفرع الأول ، بينما نتناول أثر التجديدات التي جاء بها دستور 1958 في القوة القانونية للقرارات الادارية في الفرع الثاني .
الفرع الأول : القرارات بقوانين ( Decrets-Lois ) قبل دستور 1958. على الرغم من عدم وجود نص دستوري إلا أن البرلمان قام باصدار قوانين التفويض بدءاً من السنة العاشرة للثورة(2)، وذلك في مجال التشريع الكمركي والمالي . ثم توسع مجال التفويض ليشمل مسائل النقد والتموين في بداية القرن العشرين (3). ومع بداية الحرب العالمية الأولى صدر قانون بتاريخ 5/4/1914 يفوض الحكومة اتخاذ الإجراءات الضرورية للاستيلاء على العقارات والمنقولات اللازمة لأغراض العسكرية ، وأبعاد الأجانب (4). وفي 16/12/1916 طلبت الحكومة من البرلمان تفويضاً لاصدار قرارات بقوانين تتضمن اجراءات يتطلبها الدفاع القومي ، إلا أن البرلمان رفض الطلب(5) مما أضطر الحكومة إلى اصدار قرارات بقوانين تحت ضغط ظروف الحرب ، الامر الذي حدا بالبرلمان إلى العدول عن موقفه واصدر في 10/2/1918 قانوناً فوض بموجبه الحكومة اتخاذ كل ما يلزم لضمان الدفاع الوطني وحماية التموين من التلاعب (6). ويعد هذا القانون الفاتحة لقوانين أخرى عرفت بأسم قوانين السلطات الكاملة (7). وبعد الحرب العالمية الأولى تفاقمت المشكلات الاقتصادية والاجتماعية فقامت الدولة بتوسيع نشاطها وتدخلت في الميادين الاقتصادية والاجتماعية وأخذ جانب من نشاطها يطغى عليه الطابع الفني. وإزاء كل ذلك عجز البرلمان عن مواكبة هذه التطورات فأخذ يكثر من اصدار قوانين التفويض التشريعي ، حتى أن معظم التشريعات المهمة التي سنت بعد الحرب العالمية الأولى وامتدت إلى دستور الجمهورية الرابعة كانت تصدرعن طريق قرارات بقوانين(Lois- ( Decrets(8) ، وقامت هذه القرارات بتعديل الانظمة القضائية ولاسيما القضاء الاداري وتعديل القانون التجاري والقوانين الخاصة بنزع الملكية (9). وقد بلغ عدد هذه القرارات الصادرة بموجب قانون واحد والذي سنه البرلمان في 31/10/1934 أكثر من مئة قرار (10). وإزاء هذا الإفراط في اللجوء إلى القرارات التفويضية أخذ الفقه الفرنسي يدق ناقوس الخطر محذراً من أنهيار القانون . ورداً على ذلك جاءت المادة (13) من دستور 1946 لتنص على أن (الجمعية الوطنية وحدها هي التي تضع القانون ، وأنها لا تملك أن تفوض هذا الحق) . ويتبين من هذا النص أنه قد حرم التفويض التشريعي بصورة صريحة لالبس فيها ، إلا أن الضرورات العملية كانت أقوى من هذا النص(11)الدستوري فصدر قانون 17/8/1948 الذي عدد في مادته السابعة قائمة مطولة من المسائل التي تعد ذات طبيعة ادارية ، وللحكومة تعديل أو إلغاء نصوص القوانين التي تتناولها بمراسيم تصدر عن مجلس الوزراء بعد اخذ رأي مجلس الدولة (12).إن هذا القانون له أهمية كبيرة فهو يعد تمهيداً للتجديدات التي جاء بها دستور 1958، إذ حدد لأول مرة مجالاً محجوزاً للقرارات الادارية لايجوز للنصوص التشريعية التعدي عليها وإلا تم تعديلها بقرارات لها قوة القانون (13). وبعد هذا القانون ظهرت فكرة جديدة للالتفاف على نص المادة (13)، وهي ما تعرف بقوانين البرامج أو القوانين الاطارية والتي بمقتضاها يصدر قانون يبين المبادئ العامة في مسائل معينة ثم يعهد إلى الحكومة تنفيذ القانون في ضوء المبادئ المبينة فيه وإن استلزم الأمر تعديلاً للقانون (14). واضافة لما تقدم وبناءاً على طلب من الحكومة اصدر مجلس الدولة فتوى بتاريخ 6/2/1953 تفسيراً للمادة (13) من دستور 1946 ذكر فيها أن هناك مسائل من اختصاص السلطة التشريعية بنص دستوري أو عُرْفٍ دستوري ، فهي موضوعات تشريعية بطبيعتها لايمكن للبرلمان التفويض فيها ، وهناك موضوعات لاتحمل هذه الصفة ولكن المشرع أصدر قوانين بشأنها فاصبحت من اختصاصه فله أن يفوض الحكومة بتنظيمها بوساطة قرارات بقوانين على شرط أن يكون التفويض في موضوعات محددة تحديداً دقيقاً ولمدة معلومة سلفاً حتى لايتنازل البرلمان عن وظيفته (15). نستنتج مما تقدم إن المادة (13) اصبحت حبراً على ورق ، ونتيجة لذلك فقد صدرت الكثير من قوانين التفويض في ظل الجمهورية الرابعة حتى بلغ عددها (32) قانوناً (16)، كان آخرها القانون الذي صدر في 3/6/1958 وفوض بموجبه البرلمان الجنرال ديكول أن يتخذ بوساطة مراسيم ما يستلزم من إجراءات لاصلاح الامة وذلك خلال ستة أشهر وأشترط أن تعرض هذه المراسيم على البرلمان (17). وبعد سقوط الجمهورية الرابعة نتيجة لأسباب ذكرت سابقاً تمت ولادة الجمهورية الخامسة بقيام دستور 4/10/1958 الذي أحدث ثورة قانونية من خلال التجديدات التي جاء بها ، وذلك لحماية النظام القانوني الفرنسي من الانهيار.
الفرع الثاني : أثر التجديدات التي جاء بها دستور 1958 في قوة القرارات الإدارية .
ما جاء به دستور 1958 من تجديدات فيما يخص مجال القانون والقرار الاداري التنظيمي ، وقد هاجم الفقه بشدة هذه التجديدات (18)، وله العذر في ذلك إذ أن التغيير الذي جاء به دستور 1958 لم يكن مألوفاً في النظام القانوني . وقد أخذ الفقه بعد ذلك البحث في إيجابيات التغيير الذي نص عليه الدستور (19). لقد رأينا ما وصل اليه النظام القانوني الفرنسي من ارباك في ظل الجمهوريتين، الثالثة والرابعة ، فنتيجة لأتباع الدولة المذهب التدخلي بعد الحرب العالمية الأولى ونظراً للازمات الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بعد الحرب العالمية وبسبب التطور التكنولوجي الهائل الذي حدث في كافة ميادين الحياة وما تبع ذلك من بروز مسائل ذات طبيعة فنية ، فإن البرلمان عجز عن مجارات كل ذلك نظراً لبطئ إجراءاته وما تتسم به من مناورات سياسية ، فقام بالاكثار من اصدار قوانين التفويض . كما أن مواجهة الازمات التي خلفتها الحرب كان يتطلب اتخاذ إجراءات لا تتسم بالشعبية مما حدا بالبرلمان إلى تفويض السلطة التنفيذية اتخاذ هذه الإجراءات (20). ولم يجدي النص الصريح في صلب الدستور نفعاً في منع التفويض التشريعي لأن الضرورات العملية أقوى من النصوص مهما كانت قوتها . وإزاء هذا الوضع كان لابد من اتخاذ خطوة جريئة وغير مسبوقة للحد من أنهيار النظام القانوني والاخذ بنظر الاعتبار الضرورات العملية في المجتمعات الحديثة ، فصدر دستور 1958 الذي قام بموجب المادتين 34 و 37 منه بتوزيع الوظيفة التشريعية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فنصت المادة (34) على المسائل التي تختص بها السلطة التشريعية حصراً وهي تمثل موضوعات مهمة،....، ولا يمكن للسلطة التنفيذية تنظيم المسائل الواردة في هذه المادة إلا بموجب ضوابط نص عليها الدستور (21). ولذلك تمت حماية مجال القانون من الانتقاص الذي لحقه قبل دستور 1958 بالشكل الذي هز مكانته . أما المادة (37) من الدستور فقد نصت على اختصاص القرارات الادارية تنظيم بقية المسائل التي تخرج عن نطاق القانون ، وسميت القرارات الصادرة بموجب هذه المادة بالقرارات المستقلة . وقد اثير التساؤل حول طبيعة وقوة هذه القرارات ؟ فقد تردد جانب من الفقه عن منح القرارات المستقلة لطبيعة وقوة القانون(22) ، وذهب الرأي الغالب فيه إلى أن لهذه القرارات طبيعة وقوة القرارات الادارية (23). إن لهذه القرارات الطبيعة الادارية على وفق المعيار الشكلي المعتمد في التشريع والفقه والقضاء . أما قوة القرارات المستقلة فليست محلاً للتساؤل عند عدم وجود القانون في نطاقها ، إذ أنه امر غير مجدٍ . وهذا يمثل الحالة الغالبة عند التطبيق العملي للمادة (37) . إلا أن السؤال عن قوة هذه القرارات يثار عند وجود مسائل تدخل في نطاق القرارات المستقلة كان قد تصدى لها القانون بالتنظيم في ظل العلاقة التقليدية بين القانون والقرار التنظيمي قبل صدور دستور 1958 . كما أن التساؤل يطرح عند تعدي القانون على مجال القرارات المستقلة في ظل الدستور النافذ. لقد جاء في الفقرة الثانية من المادة (37) أن للسلطة التنفيذية أن تعدل القوانين الصادرة قبل دستور 1958 والتي تنظم مسائل تدخل في نطاق القرارات المستقلة بوساطة مراسيم ordonnonces بعد أخذ رأي مجلس الدولة (24). وقد ذهب راي فقهي إلى أن النصوص التشريعية هنا تفقد قوتها القانونية وتنزل إلى قوة القرارات الادارية (25). وليس لاصحاب هذا الرأي سند يؤيد ما ذهبوا اليه ، إذ انه لايوجد اختلاف في المراسيم الصادرة بموجب الفقرة الثانية من المادة (37) عن القرارات التي لها قوة القانون التي تعدل القوانين عندما تتناول مسائل سبق تنظيمها بقانون . إننا نرى بأن القرارات المستقلة الصادرة بموجب الفقرة المذكورة تتمتع بقوة القانون ولا يوجد مايثبت العكس . وإذا كان للسلطة التنفيذية أن تعدل القوانين الصادرة قبل صدور دستور 1958 ، فإن لهذه السلطة أن تعدل القوانين الصادرة بعد نفاذ دستور 1958 والتي تتناول مسائل داخلة في نطاق المادة (37) وذلك بعد اقرار المجلس الدستوري بالصفة الادارية لهذه المسائل ، وذلك طبقاً للفقرة الاخيرة من المادة (37) والتي جاء فيها بأنه (لايجوز تعديل نصوص ذات الشكل التشريعي التي تصدر بعد تطبيق هذا الدستور بمرسوم إلا إذا قرر المجلس الدستوري أن لها الصفة الادارية)(26) . ويبدو من هذا النص أن المراسيم هنا تعدل نصوص تشريعية الامر الذي لاشك فيه أن لهذه المراسيم قوة القانون ، وأخذ رأي المجلس الدستوري لا يغير من القوة القانونية للنصوص التشريعية ، فليس في النص الوارد في اعلاه ما يشير إلى ذلك ،وكل ما في الامر أن المجلس الدستوري قد أوكل اليه دستور 1958 حماية نطاق القرارات الادارية من تعدي القوانين عليها ، فيجب الحصول على إقرار المجلس بأن النصوص التشريعية هي متعدية على مجال القرارات الادارية المستقلة ، وهذا من التجديدات التي جاء بها هذا الدستور . نستنتج مما تقدم أن القرارات المستقلة تكتسب قوة القانون بموجب الفقرتين الثانية والأخيرة من المادة (37) من الدستور الفرنسي. ولنا أن نذكر في معرض الحديث عن ذلك أن من الادلة على تمتع القرارات المستقلة بقوة القانون بموجب الفقرة الثانية من المادة (37) أن هذه الفقرة قد أوجبت أخذ رأي مجلس الدولة عند اصدار المراسيم التي تعدل النصوص التشريعية الصادرة قبل دستور 1958 ،وقد جاء في المادة (22) من قانون مجلس الدولة الفرنسي الصادر بأمر 31/8/1945 على أن استشارة المجلس حول (المراسيم التي لها قوة تشريعية) هي امر اجباري. لقد استدل الدكتور سامي جمال الدين بهذه المادة على تمتع المراسيم التفويضية الصادرة بموجب المادة (38) من الدستور الفرنسي لسنة 1958 بقوة القانون لأن هذه المادة أوجبت على مجلس الوزاراء استشارة مجلس الدولة عند اصدار هذه المراسيم (27). ويستطرد قائلاً (ومع ذلك فأن هذا النص له فائدة تفادي أي جدل قانوني بهذا الشأن وهو أمر قابل الوقوع دون شك إذا ما حاول أحد التشكيك فيما إذا كانت الاوامر التفويضية تعد بمثابة "مراسيم لها قوة القانون" أم لا ؟ ) (28). وعليه فأن نص المادة (22) من قانون مجلس الدولة الفرنسي تثبت أن المراسيم الصادرة بموجب الفقرة الثانية من المادة (37) من الدستور لها قوة القانون (29). في نهاية الكلام عن المادة (37) نقول أن المشرع الدستوري قد فوض السلطة التنفيذية بموجب هذه المادة اصدار قرارات ادارية لتنظيم المسائل التي تخرج عن النطاق المحجوز للقانون بموجب هذا الدستور ،وهذه القرارات تتمتع بقوة القانون عند وجود القانون في نطاقها (30). ومن التجديدات التي جاء بها دستور 1958 المادة (47) منه التي حاول فيها المشرع الدستوري حث البرلمان على عدم عرقلة مشروعات القوانين المالية ، إذ فوض السلطة التنفيذية اصدار أوامر لوضع هذه المشروعات موضع التنفيذ بموجب الفقرة الثالثة من المادة (47) التي جاء فيها بأن (يصوت البرلمان على مشروعات القوانين المالية طبقاً لاجراءات يحددها قانون أساسي …. وإذا لم يتخذ البرلمان قراراً في مدى سبعين يوماً فأن احكام المشروع يمكن أن توضع موضع التنفيذ عن طريق أمر …… وتوقف المدد المحددة في هذه المادة إذا لم يكن البرلمان منعقداً في دورته…) (31). يتضح هنا أن هذه الاوامر لها قوة القانون لأنها تنظم موضوعاً يدخل ضمن نطاق القانون حسب الدستور النافذ . ومن الجدير بالذكر أن هذه المادة لم تطبق حتى الان وذلك كما يتبين لحرص البرلمان على التصويت في الموعد المقرر (32). واضافة للمادتين (37-47) فقد نص الدستور على تفويض السلطة التنفيذية صلاحية اصدار أوامر لها قوة القانون بموجب المادة (92) منه ،وذلك خلال المدة الانتقالية التي سبقت عمل المنظمات الجمهورية التي نص عليها دستور 1958 . وقد جاء في هذه المادة على أن (تتخذ في مجلس الوزراء بأوامر لها قوة القانون الإجراءات التشريعية اللازمة لأنشاء المنظمات ولضمان سير السلطات العامة حتى يتم قيام هذه المنظمات ، ومن خلال المدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة "91" (33)، يؤذن للحكومة أن تحدد النظام الانتخابي للمجالس المنصوص عليها في الدستور بأوامر لها قوة القانون وتتخذ بنفس الشكل ، ويجوز للحكومة أيضاً في خلال نفس المدة وبنفس الشروط أن تتخذ في أي موضوع الاجراء الذي تقدر ضرورته لحماية الوطن وحماية المواطنين وللمحافظة على الحريات وعلى أن تصدر هذه الاوامر من مجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة ) (34). إن ما ذكر فيما يخص المواد (37 ، 47 ، 92) من الدستور الفرنسي هو تفويض مباشر من الدستور للسلطة التنفيذية في اصدار قرارات ادارية لها قوة القانون . وضمن نهج هذا الدستور في توسيع مجال القرارات الإدارية فأنه نص على التفويض غير المباشر للسلطة التنفيذية في اصدار قرارات ادارية لها قوة القانون وذلك عن طريق التفويض التشريعي الذي يتمثل في المواد (38 و11و36) .
1- المادة (38) : وتنص على أنه (يجوز للحكومة لتنفيذ برنامجها أن تطلب الاذن من البرلمان باصدار أوامر باجراءات تدخل عاده في نطاق القانون، وذلك خلال مده محدده. وتصدر هذه الأوامر من مجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة ، وتكون سارية المفعول من تاريخ نشرها . على أنها تصبح لاغية إذا لم يعرض مشروع قانون التصديق عليها أمام البرلمان قبل نهاية المدة المحددة في قانون التفويض ، وبعد إنتهاء المدة المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة لايجوز تعديل الاوامر إلا بقانون وذلك في المسائل التي تدخل في النطاق التشريعي) (35). أن هذه المادة تعد الأولى من نوعها في الدساتير الفرنسية ، فقد كان البرلمان يفوض في اختصاصه من دون سند دستوري. ومن نص هذه المادة يتضح أنها تشترط للجوء اليها أن يكون لدى الحكومة برنامج تسعى إلى تنفيذه ، الامر الذي يتطلب تنظيم مسائل تدخل في نطاق القانون. ومن الواضح أن اللجوء إلى هذه المادة لايتطلب ظرفاً إستثنائياً كما يذهب جانب من الفقه إلى ذلك (36) ،بل أن الضرورات العملية هي التي تحتم على الحكومة اللجوء إلى هذه المادة سواء أكانت هذه الضرورة تتمثل في ظرف إستثنائي أم عادي ، وهذا ما اثبته التطبيق العملي لهذه المادة (37). لما كان اللجوء إلى هذه المادة يتطلب الاذن من الحكومة فأن الامر هنا يرجع إلى البرلمان إن شاء وافق على طلب الحكومة وإن شاء رفض ذلك حسب ما يراه من الضرورات عند نظره في طلب الحكومة. وعند إصدار قانون التفويض فبموجب هذه المادة يجب تحديد مدة التفويض وكذلك تحديد المدة التي يعرض خلالها مشروع قانون التصديق على الإجراءات التي تم اتخاذها بموجب التفويض أمام البرلمان . بعد اللجوء إلى هذه المادة فإن تطبيقها يكون باصدار مراسيم (أوامر) ordonnances من قبل مجلس الوزراء بعد اخذ رأي مجلس الدولة . لقد نضمت المادة (38) رقابة البرلمان على القرارات التفويضية التي تصدرها الحكومة استناداً لقانون التفويض بالصورة التي تزيد فعالية هذه الرقابة . فقد أوجبت هذه المادة على البرلمان تحديد مدة محددة عند اصدار قانون التفويض يجب على الحكومة خلالها تقديم مشروع قانون التصديق على المراسيم التفويضية للبرلمان. وقد رتبت هذه المادة جزاء الالغاء لهذه المراسيم عند مرور المدة المحددة دون تقديم مشروع القانون . وقد اختلف الفقه حول هذا الالغاء هل هو من تاريخ إنتهاء المدة المحددة أو هو بأثر رجعي من تاريخ صدور المرسوم ؟ (37). ونرى أن الرأي الأول هو الراجح وذلك حفاظاً على الحقوق المكتسبة التي يمكن أن تترتب على هذه المراسيم (38). وأخيراً فقد ورد في نهاية هذه المادة أنه بعد إنتهاء مدة التفويض لايجوز تعديل المراسيم (الاوامر) الصادرة بموجب قانون التفويض إلا بقانون . أي أن الموضوع الذي تم تنظيمه بمرسوم لايمكن تنظيمه مرة أخرى بمرسوم بعد إنتهاء مدة التفويض حتى وان حصل تفويض آخر . وهذه كما نرى محاولة من المشرع الدستوري للحد من الافراط في اللجوء إلى هذه المادة .
2- المادة (11) : جاء فيها (لرئيس الجمهورية بناء على اقتراح الحكومة أثناء دورات أنعقاد البرلمان أو بناء على اقتراح مشترك من المجلسين ينشر في الجريدة الرسمية ، أن يطرح لاستفتاء عام كل مشروع قانون يتعلق بتنظيم السلطات العامة أو …… وعندما يسفر الاستفتاء عن الموافقة على المشروع يصدره رئيس الدولة في المدة المنصوص عليها في المادة السابقة "15 يوم" ) (39) .
بموجب هذه المادة يستطيع رئيس الجمهورية اصدار قانون بدون إقرار البرلمان له والذي يمكن أن يفوضه اصدار مراسيم تنظم مسائل داخلة ضمن نطاق القانون بدون تصديق البرلمان عليها (40). وقد تم في التطبيق العملي لهذه المادة اصدار قانونين ، وذلك في 8/1/1961 و 13/4/1963 . تضمن الأول تفويض الحكومة اصدار مراسيم تنظيم السلطات العامة في الجزائر ، أما الثاني فقد تضمن تفويض رئيس الجمهورية اصدار المراسيم اللازمة لتنفيذ اتفاقية (ايفيان) في حالة اختيار الشعب الجزائري الاستقلال (41).
3- المادة (36) : نصت هذه المادة على أن (تعلن الاحكام العرفية بمرسوم من مجلس الوزراء ، ولا يجوز أن تمتد لأكثر من اثني عشر يوماً إلا بأذن من البرلمان)(42). إن المراسيم الصادرة بموجب قانون الاحكام العرفية وحالة الطواريء هي نوع من أنواع التفويض التشريعي (43). لقد تم تنظيم الاحكام العرفية في فرنسا بوساطة قانون 9/8/1849 وتعديلاته الذي نص في المادة الأولى منه على أن (تعلن الاحكام العرفية في حالة الخطر الداهم الناشيء عن حرب خارجية أو اضطرابات مسلحة) (44). وعند تحقق الخطر المذكور تفوض السلطة التنفيذية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذا الخطر ، ومن هذه الإجراءات اصدار قرارات لها قوة القانون تتناول مسائل تدخل ضمن مجال القانون . وتسمى هذه القرارات بالاوامر العسكرية التنظيمية (45). وقد حددت المادة (36) مدة التفويض وذلك لخطورة السلطات الإستثنائية الممنوحة للحكومة والتي لايجوز أن تمتد لأكثر من أثني عشر يوماً ، وإذا استوجب الامر زيادة هذه المدة فأن ذلك يكون باذن من البرلمان . أن قانون الأحكام العرفية ينظم ظروفا إستثنائية أقل خطورة من الظروف التي تنظمها المادة (16) من الدستور الفرنسي ، ولذلك فالسلطات الممنوحة للحكومة أقل مما عليه الحال في المادة (16) . وإذا كانت المادة (36) تنص على منح السلطات الإستثنائية إلى مجلس الوزراء فان المادة (16) تمنح لرئيس الجمهورية السلطات وحده ، وهذا يعكس خطورة السلطات الممنوحة بموجب المادة الاخيرة . لقد طبق قانون الأحكام العرفية في فرنسا مرتين فقط ، الأولى أثناء الحرب العالمية الأولى والاخرى في أثناء الحرب العالمية الثانية (46). في نهاية هذا (الموضوع) نستنتج أن التفويض الصادر عن دستور سنة 1958 الفرنسي لاصدار قرارات ادارية سواء كانت مباشرة او غير مباشرة هو تفويض مؤقت ماعدا المادة (37) التي تتمثل في تفويض دائم للسلطة التنفيذية في اصدار القرارات المستقلة والتي لحظنا أنها تتمتع بقوة القانون عند وجود القانون في نطاقها. إن المادة (37) هي من التجديدات المهمة التي جاءت بها الثورة القانونية التي احدثها دستور 1958 . __________________
1-لقد اشار الفقه إلى أن ماجاء به الدستور الفرنسي لسنة 1958 فيما يخص العلاقة بين القانون والقرار التنظيمي هو (ثورة قانونية).
Georges Vedel-Pierre Delvolve , OP.cit .P.294
2- من هذه القوانين المادة (29) من قانون Plerel الذي صدر في السنة العاشرة وأجاز للحكومة الحق في رفع الرسوم الكمركية أو خفضها وأباحة الاستيراد والتصدير أو منعه . وذلك بالمخالفة لقانون 6-22/8/1799 الذي جعل حق إنشاء الرسوم الكمركية أو تعديلها لممثلي الامة وحدهم . د. عمر حلمي فهمي ، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني (دراسة مقارنة) ، الطبعة الأولى ، ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي ، 1980 . ص241 .
3- د. محمود محمد حافظ ، القرار الإداري ( دراسة مقارنة ) ، الجزء الأول ، الناشر دار النهضة العربية ، القاهرة ، بلا سنة طبع. ص279 .
4- د. أحمد مدحت علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ( دراسة مقارنة في فرنسا ومصر ) ، الهيئة المصرية للكتاب ، 1978. ص83-84 .
5- المصدر السابق . ص84 .
6- د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الادارة العامة للقانون ، الطبعة الثالثة ، ملتزم الطبع والنشر دار النهضة العربية القاهرة ، 1976 . ص153 .
7- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمان الرقابة القضائية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1982. ص222 .
8- د. سامي جمال الدين ،اللوائح الادارية ، مصدر سابق . ص138.
9- د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الادارة العامة للقانون ، مصدر سابق . ص153.
10- Georges Burdoau : Manued de droid constitutionnel et institutions
Polityues 1984 .P.355
11- د. سامي جمال الدين ،اللوائح الادارية ، مصدر سابق . ص139. د. محمود محمد حافظ ، القرار الاداري ، مصدر سابق . ص279 .
12- د. سامي جمال الدين ،اللوائح الادارية ، مصدر سابق . ص139.
Georges Vedel-Pierre Delvolve , OP.cit .P.91
13- يُنظر في ذلك د. أدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1964 . ص487 .
14- د. ادمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1965. ص548-549 .
15- زهدي يكن ، التنظيم الإداري ( تنظيم الإدارة المركزية والمحلية ) ، نشر وتوزيع دار الثقافة ، بيروت ، لبنان ، بلا سنة طبع. ص272 الهامش . د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الادارة العامة للقانون ، مصدر سابق . ص154.
Georges Vedel-Pierre Delvolve , OP.cit .P.80
16- مروان محمد محروس المدرس ، تفويض الاختصاص التشريعي (دراسة مقارنة دستورية) ، رسالة دكتوراه ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 2000 . ص57 الهامش .
17- د. أحمد مدحت علي ، مصدر سابق . ص85 . زهدي يكن ، مصدر سابق . ص273 الهامش .
18- لقد أعلن جانب من الفقه أن الوضع الجديد يؤدي إلى أنهيار القانون ، كما ذهب رأي آخر أن المادتين 34 و 37 من الدستور تكشفان عن تنظيم يشوبه الفوضى دون قيد او شرط .
19- د. سامي جمال الدين ، اللوائح الإدارية وضمان الرقابة القضائية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1982. ص208 .
20- د. محمود محمد حافظ ، القرار الاداري ، مصدر سابق . ص280-282 .
21- يُنظر في التجديدات التي جاء بها دستور 1958 فيما يخص العلاقة بين القانون والقرار التنظيمي ص38-40 من هذه الرسالة .
22- يُنظر في ذلك د. سامي جمال الدين ، اللوائح الادارية ، مصدر سابق . ص189-190 .
23- يُنظر المصدر السابق . ص196 .
24- د. عبد المنعم محفوظ ، مبادئ النظم السياسية، بلا مطبعة، 1987 ص 653-654 .
25- المصدر السابق .ص 654 .
26- ذكره د. سامي جمال الدين ،اللوائح الادارية ، مصدر سابق . ص166.
27- جاء في هذه المادة بأنه (يجوز للحكومة …… أن تطلب الاذن من البرلمان باصدار أوامر باجراءات تدخل عادة في نطاق القانون ……. وتصدر هذه الاوامر من مجلس الوزراء بعد اخذ رأي مجلس
الدولة …… ).
28- يُنظر في ذلك د. سامي جمال الدين ،لوائح الضرورة ، مصدر سابق ، ص273.
29- إلا أننا نرى أن الدكتور سامي جمال الدين عندما يتناول الفقرة الثانية من المادة (37) فأنه خالف ماذكره في معرض حديثه عن القرارات التفويضية الصادرة بموجب المادة (38) ، اذ قال بشأن أخذ رأي مجلس الدولة عند اصدار المراسيم بأنه (وأن كان اجراءاً شكلياً إلا أنه يشير إلى اقتناع المشرع الدستوري بأن القانون مازال طبقاً للدستور الجديد أعلى مرتبة من اللائحة بحيث أنها تحتاج إلى سند دستوري يمكنها من مخالفة القانون ، ولأنه اذا كانت اللائحة تتمتع بقوة القانون في ظل التجديدات الدستورية لما كان هناك مبرر لوضع اية قيود ، ولو كانت شكلية على وضع اللائحة التي من شأنها المساس بالقوانين سواء الصادرة منها قبل دستور 1958 أو بعده ، ولنص عليها صراحة في الدستور) . يُنظر د. سامي جمال الدين ، اللوائح الادارية ، مصدر سابق ، ص160. ولا شك أن المؤلف كانت حجته في المرة الأولى أقوى وأوضح .
30- من الفقهاء الذين يقولون بتمتع هذه القرارات بقوة القانون هو (فيدل) ينظر Georges Vedel-Pierre Delvolve , OP.cit .P.86
31- ذكره مروان محمد محروس المدرس ، تفويض الاختصاص التشريعي ( دراسة مقارنة دستورية ) ، رسالة دكتوراه ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 2000. ص59 .
32- د. عبد المنعم محفوظ ، مصدر سابق .ص 660 .
33 نصت الفقرة الأولى من المادة (91) على أنه (يبدأ عمل المنظمات الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور في مدى اربعة اشهر من اصداره) . ذكره مروان محمد محروس ، مصدر سابق . ص59 الهامش .
34- يُنظر في نص هذه المادة د. أحمد مدحت علي ، مصدر سابق . ص94 الهامش .
مروان محمد محروس ، مصدر سابق . ص59 .
-m-Long – P. weil – G. Braibant : Les Grands Arrets de La
Jurisprudence administrativo – Sirey . 1969 – P.507
35- ذكره د. سامي جمال الدين ،لوائح الضرورة ، مصدر سابق ، ص224.
36- يُنظر في ذلك أحمد مدحت علي ، مصدر سابق ، ص90. د. سامي جمال الدين ،لوائح الضرورة ، مصدر سابق ، ص233.
37- صدرت الكثير من القوانين تطبيقاً للمادة (38) منها مايتعلق بظرف إستثنائي كالقانون الصادر في 4/2/1960 بخصوص حفظ النظام وأنقاذ الدولة والدستور وهو يتعلق بالجزائر ، ويعد القانون الأول تطبيقاً للمادة المذكورة . وأغلب القوانين الصادرة تتعلق بظرف عادي مثل ذلك القانون الصادر في 4/2/1982 الذي يفوض الحكومة تنظيم بعض المسائل الاجتماعية والمالية الخاصة ببعض البنوك والشركات . يُنظر د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمان الرقابة القضائية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1982. ص234. مروان محمد محروس ، مصدر سابق . ص136.
Georges Vedel-Pierre Delvolve , OP.cit .P.311
38- د. سامي جمال الدين ،لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص276.
39- يُنظر في هذا الرأي د. سامي جمال الدين ،لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص276.
40- ذكره د. عبد المنعم محفوظ ، مصدر سابق . ص661. مروان محمد محروس ، مصدر سابق .ص58
41- د. أحمد مدحت علي ، مصدر سابق . ص94. د. عبد المنعم محفوظ ، مصدر سابق . ص661 .
42- د. أحمد مدحت علي ، مصدر سابق . ص94.
43- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص328.
44- يُنظر في هذا الرأي د. سامي جمال الدين ، المصدر السابق . ص317. د. محمود محمد حافظ ، القرار الاداري ، مصدر سابق . ص295 . ونحن نؤيد هذا الرأي اذ أنه في مثل هذه القوانين تتوفر معظم صفات قوانين التفويض .
45- د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص323.
46- المصدر السابق . ص319.
47- يُنظر في ذلك د. سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة ، مصدر سابق . ص398 الهامش.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|