أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2017
4212
التاريخ: 13-6-2016
4972
التاريخ: 25-6-2018
15277
التاريخ: 8-6-2016
2219
|
عيب الانحراف بالسلطة من العيوب الداخلية او المادية التي تشوب القرار الإداري في ركن الغاية او الهدف فتجعله جديرا بالالغاء، وهو يعد استعمال الإدارة لسلطتها من اجل تحقيق غاية غير مشروعة سواء باستهداف غية بعيدة عن المصلحة العامة، او انها مغايرة للغاية التي حددها القانون. ويعرف (لافرير) عيب الانحراف بالسلطة بانه، استعمال سلطة مشروعة لتحقيق اهداف غير الأهداف التي أنشئت من اجلها تلك السلطة(1). ويتضح مما تقدم ان عيب الانحراف بالسلطة يصيب القرار الإداري في ركن الغاية او الهدف الذي تسعى الإدارة الى تحقيقه بإصدار القرار، وذلك لان الإدارة ليست حرة في اختيار أهدافها، بل يفرض عليها القانون ان تكون المصلحة العامة هدفا لجميع اعمالها وانشطتها، او تحقيق الهدف الذي حدده المشرع بصدد عمل معين. ويتصل عيب الانحراف بالسلطة التقديرية اتصالا وثيقا، أي في الأحوال التي يترك فيها المشرع للادارة قدرا من الحرية في التدخل عن طريق عملها او عدمه او حتى في اختيار وقت التدخل، ورغم ذلك فان هذا العيب يمكن ان يظهر حتى في ميدان السلطة المقيدة للإدارة وان كان من النادر ان يحصل ذلك لانه في حالة الاختصاص المقيد تكون الإدارة ملزمة سلفا بالتصرف على نحو محدد، ومن ثم تفترض مشروعة العمل الصادرة عن الإدارة لان الأصل هو تأكيد سلامة وصحة القرار(2).
الفرع الأول
الثبات عيب الانحراف بالسلطة
يتصف عيب الانحراف بالسلطة بالدقة والحساسية ومن ثم بالصعوبة في الاثبات مقارنة باوجه الإلغاء الأخرى، نظرا لارتباطه بالجانب النفسي لرجل الإدارة، الامر الذي دفع بعض الفقه الى انكار هذا العيب بوصفه وجها من وجوه الغاء القرار الإداري، على أساس انه يرتبط بأخلاقيات الإدارة وليس بنطاق المشروعية(3). ونظرا لصعوبة مهمة القاضي في كشف الانحراف، فقد انتهى مجلس الدولة الفرنسي الى إضفاء الصفة الاحتياطية لعيب الانحراف، بمعنى ان القاضي الإداري اذا ما طعن امامه في قرار بالالغاء فانه لا ينظر في هذا العيب الا في حالة استنفاذ النظر في العيوب الأخرى، فاذا ظهر له صحة تلك العيوب انتقل لبحث عيب الانحراف بالسلطة، اما اذا تبين له ان القرار معيب في سببه او في محله حكم بإلغاء القرار بناء على ذلك دون التعرض لعيب الانحراف(4)، ويتطلب اثبات تحقق عيب الانحراف، وجود عنصر مادي يتمثل باستهداف غاية خلاف المصلحة العامة او لغاية مغيرة للغاية التي حددها المشرع في حالة تخصيص الأهداف. وعنصر معنوي يتمثل بتوافر نية الانحراف بالسلطة لدى مصدر القرار، ذلك ان عيب الانحراف بالسلطة من العيوب العمدية ومن ثم يجب لتحققه ان يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة او الانحراف بها. وفي هذا الصدد، يجب عدم الخلط بين اشتراط عنصر القصد او العمد لقيام عيب الانحراف بالسلطة بسوء النية، فيمكن تصور حالات تكون فيها الإدارة حسنة النية بالرغم من الانحراف كان تصدر الإدارة قرارا من اجل هدف يتعق بالمصلحة العامة ولكنه اجنبي عن الهدف الذي حدده لها المشرع طبقا لقاعدة تخصيص الأهداف. ويكون عبء اثبات نية الإساءة او الانحراف على المدعي، وهو عبء ثقيل او بالغ الصعوبة بالقياس الى أوجه الإلغاء الأخرى، وتزداد هذه الصعوبة خاصة عندما يكون القرار صادر عن مجلس او هيئة او لجنة. وتلجا المحكمة الى جميع القرائن لاثبات وجود التعسف او الإساءة او الانحراف، كالاعتراف، ونص القرار المطعون فيه، وملف الدعوى، والمراسلات، وظروف اصدار القرار وغير ذلك، وقد دعت هذه الصعوبة مجلس الدولة الفرنسي الى التخفيف عن المدعي وخصوصا في الحالات التي يلمس فيها المجلس وجود قرائن واضحة لصالح المدعي(5).
الفرع الثاني
صور الانحراف بالسلطة
ا الراجح فقها وقضاء ان رقابة القاضي الإداري على ركن الغاية هي رقابة مشروعة تستهدف التحقق من التزام الإدارة في قراراتها بالمصلحة العامة او الأهداف التي حددها لها القانون(6)، والانحراف عن هذه المصلحة او تلك الأهداف يظهر في صورتين:
أولا: استعمال السلطة لتحقيق أغراض لا تتعلق بالمصلحة العامة: اذا لم يحدد المشرع هدفا محددا للإدارة، وهي بصدد القيام بأعمالها، فلا يعني ذلك ان الإدارة حرة في تحديد أهدافها، وانما يرد عليها قيد مهم يفرضه المشرع يتمثل في وجوب سعيها دائما لتحقيق المصلحة العامة، فالمتفق عليه ان السلطة العامة، ولذلك فان ابتعاد الإدارة في قراراتها عن تلك المصلحة – لتحقيق اهداف أخرى – يجعل قرارها مشوبا بعيب الانحراف في السلطة وجديرا بالالغاء، وتتسم هذه الحالة بالخطورة، لان رجل الإدارة فيها يستهدف – عدا – تحقيق أغراض لا تتعلق بالمصلحة العامة:
1- استعمال السلطة لتحقيق منفعة شخصية: قد يصدر القرار الإداري أحيانا بقصد تحقيق منفعة شخصية لرجل الإدارة الذي أصدره، ومن اشهر تطبيقات هذه الصورة، حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية (olle reuli) الصادر في 14 مارس ( اذار) سنة 1934، الذي الغى بموجبه قرار صادر عن عمدة مدينة بتحديد أوقات العمل في ملهى عام، بحجة ان ذلك الملهى قد صرف الشباب من الجنسين عن العمل، بعد ان كشف تقرير من المحافظ ان ذلك العمدة يملك مقهى أصيب الكساد لانصراف الشباب ع ارتياده، وبعد ان ثبت ان ذلك كان الدافع على اتخاذ القرار. كما قد يكون الغرض من القرار تحقيق منفعة للغير، كاستحداث وظيفة لغرض إيجاد عمل لاحد الأشخاص، او اقالة موظف لاحلال اخر مكانه.
2- استعمال السلطة لتحقيق غرض سياسي: وتتمثل هذه الصورة في استعمال رجل الإدارة صلاحياته لتحقيق أغراض ذات طبيعة سياسية – فئوية ا حزبية – لا تمت بصلة الى المصلحة العامة وبعد ان استبعد القضاء الإداري الباعث السياسي بوصفه سببا يمنع فحص مشروعية القرار منذ الحكم في قضية (نابليون) سنة 1875، اصبح مجلس الدولة الفرنسي يقضي بابطال القرار الإداري المعيب بانحراف السلطة في حالات كثيرة، كاصدار احد الوزراء قراره بفصل موظف لانه ينتمي الى حزب سياسي مناوئ، او امتناع الإدارة عن قبول تعيين مرشح لوظيفة عامة بسبب ميوله السياسية.
3- استعمال السلطة بقصد الانتقام: وتعد هذه الحالة من اشد حالات استعمال السلطة سوء، حيث يصدر القرار الإداري يها من اجل إيقاع الأذى بالغير ولاشباع شهوة الانتقام او التشفي او الأحقاد وضغائن شخصية، كاستعمال رجل امن سلطاته بقصد تصفية حساباته مع خصومه او قيام رجل الضبط الإداري باستغلال مظاهرة لضرب احد المتظاهرين لعداء شخصي بينهما، او فصل موظف بقصد الثار منه.
ثانيا: مخالفة تخصيص الأهداف: قد يحدد القانون هدفا معنا يتوجب على رجل الإدارة السعي لتحقيقه، وقد يقوم القاضي باستخلاص هذا الهدف في حالة عدم النص عليه ولا يجزئ الإدارة تحقيق هد غيره حتى وان كان متعلقا بالمصلحة
العامة، والا اصبح القرار باطلا لعيب انحراف السلطة، وامثلة الانحراف بالسلطة عن تحقيق الأهداف المحددة قانونا كثيرة سواء في ميدان الضبط الإداري ا في مجال الوظيفة العامة او ما يتعلق باساءة استعمال الإجراءات:
1- في ميدان الضبط الإداري: اذ حدد المشرع الهدف الذي يجب عل سلطة الضبط الإداري تحقيقه وهو المحافظة على النظام العام بعناصره الثالثة، الامن العام والصحة العامة والسكينة العامة، فاذا خالفت الإدارة هذا الهدف اصبح قرارها مشوبا بعيب انحراف السلطة لمخالفته الهدف المخصص له، حتى لو كان الهدف الذي تقصده الإدارة يتعلق بالمصلحة العامة.
ومن اشهر احكام مجلس الدولة في هذا المجال، حكمه في قضية (lau – monicr carriol) الصادر في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1875، الذي قضى بإلغاء قرار الإدارة الصادر بناء على سلطة الضبط الإداري المخولة لها، باغلاق مصانع الثقاب التي لم تحصل على ترخيص سلي، بعد ان اتضح ان قصد الإدارة هو احتكار هذه الصناعة(7).
2- في مجال الوظيفة العامة: تعد مجالات الوظيفة العامة عموما والجزاءات التاديبية خصوصا، ميدانا خصبا لمخالفة تخصيص الأهداف، فالاصل ان للإدارة سلطة تقديرية في توزيع موظفيها بين الوظائف والأماكن على النحو الذي يقتضيه حسن سير العمل وتحقيق اهداف الوظيفة العامة، فاذا عمدت الإدارة الى استعمال سلطتها في التوزيع بقصد اقصاء موظف عقابا له لخلاف مع رئيسه او نحو ذلك، فان قرارها يكون معيبا ويستحق الإلغاء، لانه يمثل جزاءا تاديبيا مقنع لم ينص عليه القانون بدون سبب يسوغه(8).
3- إساءة استعمال الإجراءات: ويقصد به استعمال الإدارة لإجراءات إدارية بقصد تحقيق هدف لم توضع تلك الإجراءات من اجل تحقيقه كان تعتمد الى استعمال اجراء اداري محل اجراء اداري اخر كان يجب عليها اتباعه من اجل الوصول الى هدفها فقد تلجا الإدارة الى استعمال اجراء معين تراه اكثر سهولة من الاجراء المحدد لها قانون لتحقيق هدفها، فيصبح قرارها في هذه الحالة مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة عن طريق إساءة استعمال الإجراءات، كلجوء الإدارة الى إجراءات الاستيلاء المؤقت، بدلا من استعمال إجراءات نزع الملكية – المعقدة – في سبيل الاستيلاء على ملكية عقار استيلاء نهائيا للمنفعة العامة، او ان تتفادى اتباع الإجراءات التاديبية بما في ها من ضمانات للموظف، باستعمال العقوبات المقنعة(9). وفي العراق لم تنج صياغة النصوص المتعلقة بعيب الغاية من الاضطراب والارتباك الذي اعترى تلك المتعلقة بعيب المحل او مخالفة القانون سواء في قانون التعديل الثاني او قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة. فالمادة (7/ثانيا/ه) من قانون التعديل الثاني، تنص على انه يعتبر من أسباب الطعن بوجه خاص ((ان يتضمن الامر او القرار خطا في تطبيق القوانين او الأنظمة او التعليمات او في تفسيرها او فيه إساءة او تعف في استعمال السلطة...))، فاضاف المشرع الى حالات إساءة استعمال السلطة حالة التعسف في استعمالها رغم ان مصطلح (الإساءة) يتسع ليستوعب حالة (التعسف) وكلاهما يراد به استعمال السلطة على نحو غير الذي قصده المشرع، او لهدف غير الذي توخاه. ولم يكتف مشرع قانون التعديل الخامس بترديد ما نص عليه سلفه، بل أضاف الى جانب مصطلحي (الإساءة) و(التعسف) في استعمال السلطة مصطلح (الانحراف عنها). وهو امر يدعو – حقا – للدهشة والتساؤل عن فهم مشرع هذا القانون لركن الغاية في القرار الإداري والعيب الذي يصيبه فيبرر الطعن فيه بالالغاء وفيما اذا كان هذا العيب هو (الانحراف عن السلطة)، كما ورد في النص فتكو السلطة هي غاية المشرع وهدفه وبها تقاس مشروعية الاعمال الإدارية وغرها من اعمال السلطات الأخرى، ام انه (الانحراف في استعمال السلطة) الذي يقود الى الابتعاد عن الأهداف التي حددها القانون فيوجب الغاء العمل الإداري لعدم مشروعيته؟ ان السلطة التي تتمتع بها الإدارة ليست غاية في ذاتها وانما وسيلة لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع المتمثلة في امنه وسلامته وصون سيادته والتي لاجلها منحت الإدارة السلطة، فالسلطة التي منحها القانون للإدارة لا تجد لها من أساس يبررها سوى تحقيق المصلحة العامة او احدى صورها التي بينها القانون على وجه التحديد. فاذا انحرفت الإدارة بهذه السلطة او في استعمالها – وليس عنها – فانها ستبتعد حتم عن الأهداف التي توخاها المشرع ومن ثم فان قرارها يكون مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة الذي يبرر الطعن بالالغاء.
____________________
1- laferriere, op. cit, 548.
2- د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1985، ص407، د. سليمان محمد الطماوي، نظرية التعسف في استعمال السلطة، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966، ص86 – 87 ومؤلفه (قضاء الإلغاء) ، ص842.
ومن امثلة الانحراف بالسلطة في ظل الاختصاص المقيد للإدارة، ان يؤخر رجل الإدارة اصدار القرار للاضرار بمصلحة صاحب الشأن، او ليفوت عليه ما يبتغيه.
3- علي شفيق، الرقابة القضائية على اعمال الإدارة، معهد الإدارة العامة بالرياض، 2002، ص149.
4- ويترتب على الصفة الاحتياطية لعيب الانحراف بالسلطة، ان العيب محل الاهتمام لا يتعلق بالنظام العام ومن ثم فليس للقاضي ان يثيره من تلقاء نفسه.
5- راجع حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية (barel) الصادر في 28 مايو (أيار) سنة 1954 في موضوع الرقابة على عيب السبب في هذا المؤلف، وكذلك حكمه في قضية (maison gevestal) الصادر في 26 يناير (كانون الثاني) سنة 1968، د. فهد الدغيثر، رقابة القضاء على قرارات الإدارة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، ص273.
6- يذهب الفقيه (هوريو) الى ان الرقابة على ركن الغية ليست رقابة مشروعية، واما هي رقابة أخلاقية تهدف أساسا الى ضمان سير العمل الاداري، والى ان مجلس الدولة يمثل – بممارسة هذه الرقابة – ضمير الإدارة، ولا شك ان هذا الراي ينطوي على خلط بين القاعدة الأخلاقية والقاعدة القانونية وهو ما يؤدي الى قصر حلالات الانحراف بالسلطة على الحالات التي تكون فيها الإدارة سيئة النية، ومن جهة أخرى يؤخذ على هذا الراي انه جعل من مجلس الدولة رئيسا إداريا. Delaubadere, op. cit, p. 431.
7- ومن اكثر تطبيقات الانحراف بالسلطة – في هذا المجال – شيوعا في فرنسا، استخدام العمد لسلطات الضبط الإداري لتحقيق منافع مالية لبلدياتهم.
مثال ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية (bellescize) الصادر في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1927، والقاضي بالغاء قرار صادر ع البلدية بمنع المرور شتاء على طريق بهدف تجنيب البلدية تكاليف إصلاحه وتجديده، لان القرار استخدم لتحقيق منفعة مالية وليس لتحقيق غرض يتعلق بأهداف الضبط المعروفة. د. فهد الدغيثر، المصدر السابق، ص302.
8- وفي هذا تقول المحكمة الإدارية العليا في مصر، ان ((الجهة الإدارية هذه انحرفت بسلطتها في نقل الموظفين من مكان الى اخر عن الغاية التي وضعت لها واتخذتها أداة للعقاب، وبذلك تكون قد ابتدعت نوعا من الجزاء التأديبي لم ينص عليه القانون واوقعته على المدعي عليه بغير بسبب يبرره...)). د. محمد علي جواد، القضاء الإداري، الجامعة المستنصرية ، ص118.
9- ويعد حكم (frampar) الصادر في 24 يوليو (تموز) سنة 1960، من الاحكام المشهورة في هذا المجال، وتتلخص وقائع قضيته بانه خلال الحرب الجزائرية اصدر (محافظ الجزائر) من اجل احفاظ على النظام، قرارات صودرت بموجبها اعداد من بعض الصحف استنادا الى المادة (10) من قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بالامن والسلامة الخارجية للدولة، بدلا من اللجوء الى وسائل الضبط الإداري.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|