أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
1971
التاريخ: 5-2-2017
10958
التاريخ: 10-2-2017
27759
التاريخ: 5-2-2017
13038
|
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء : 94] .
بين تعالى أحكام القتل وأنواعه ، عقب ذلك بالأمر بالتثبت والتأني ، حتى لا يفعل ما يعقب الندامة ، فقال : {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم} أي صرتم ، وسافرتم {في سبيل الله} للغزو والجهاد {فتبينوا} : أي ميزوا بين الكافر والمؤمن ، وبالثاء والتاء ، توقفوا وتأنوا ، حتى تعلموا من يستحق القتل . والمعنيان متقاربان ، والمراد بهما : لا تعجلوا في القتل لمن أظهر السلام ، ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم} : أي حياكم بتحية أهل الإسلام ، أو من استسلم لكم ، فلم يقاتلكم مظهرا أنه من أهل ملتكم : {لست مؤمنا} أي ليس لإيمانك حقيقة ، وإنما أسلمت خوفا من القتل ، أو لست بآمن {تبتغون} أي تطلبون {عرض الحياة الدنيا} يعني الغنيمة ، والمال ، ومتاع الحياة الدنيا ، الذي لا بقاء له {فعند الله مغانم كثيرة} : أي في مقدوره فواضل ، ونعم ، ورزق ، إن أطعتموه فيما أمركم به . وقيل : معناه ثواب كثير لمن ترك قتل المؤمن .
{كذلك كنتم من قبل} : اختلف في معناه فقيل كما كان هذا الذي قتلتموه مستخفيا في قومه بدينه ، خوفا على نفسه منهم ، كنتم أنتم مستخفين بأديانكم من قومكم حذرا على أنفسكم ، عن سعيد بن جبير . وقيل : كما كان هذا المقتول كافرا ، فهداه الله ، كذلك كنتم كفارا ، فهداكم الله ، عن ابن زيد ، والجبائي .
وقيل : كذلك كنتم أذلاء وآحادا ، إذا سار الرجل منكم وحده ، خاف أن يختطف عن المغربي .
{فمن الله عليكم} : فيه قولان أحدهما : فمن الله عليكم بإظهار دينه ، وإعزاز أهله ، حتى أظهرتم الإسلام بعد ما كنتم تكتمونه من أهل الشرك ، عن سعيد بن جبير . وقيل : معناه فتاب الله عليكم {فتبينوا} أعاد هذا اللفظ للتأكيد ، بعد ما طال الكلام . وقيل : الأول معناه تبينوا حاله ، والثاني : معناه تبينوا هذه الفوائد بضمائركم ، واعرفوها وابتغوها {إن الله كان} : أي لم يزل ، {بما تعملون} : أي بما تعملونه {خبيرا} عليما قبل أن تعملوه .
______________________
1. مجمع البيان ، ج3 ، ص 164 - 165 .
اتفق المفسرون والمحدثون على ان السبب الموجب لنزول هذه الآية ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل سرية من أصحابه ، فالتقت برجل معه مال ، كغنم وما إليه ، فحسبوه كافرا ، فتلفظ بما يدل على إسلامه من تحية الإسلام ، أو كلمة الشهادة ونحوها ، فاعتبرها بعضهم إنها كلمة يقولها لينجو بها من القتل ، فقتله .
ولما علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شق ذلك عليه ، وأنّب القاتل . فقال : إنما تعوذ بها من القتل . فقال له - كما في بعض الروايات - هلا شققت عن قلبه .
وألفاظ الآية لا تأبى هذا المعنى ، بل هي صريحة فيه ، فان قوله تعالى :
{إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} معناه إذا ذهبتم إلى الجهاد فتأنوا ، ولا تقدموا على قتل من تشتبهون في دينه وعداوته { ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً } لأن كل من أظهر الإسلام كان له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، بخاصة فيما يعود إلى حقن الدماء ، وحفظ الأموال ، أما باطنه فموكول إلى اللَّه وحده .
{تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ} . ويشعر هذا بأن الذي دفع بهم إلى قتل الرجل إنما هو الطمع بما لديه من أموال ، وهو الذي جعلهم يتخيلون ان إظهاره لكلمة الإسلام كان بقصد الخلاص والنجاة . . فكثيرا ما يتصور الإنسان نفسه على غير حقيقتها ، فيكون واقعها شيئا ، وانطباعه عنها شيئا آخر ، مع العلم بأنه هو هي ، وهي هو . . وهذا من خصائص الإنسان وعجائبه . . وعلى أية حال ، فان اللَّه قد نبّههم إلى خطئهم هذا ، وانهم قد استعجلوا الغنيمة ، مع ان مغانم اللَّه ونعمه لا تعد ولا تحصى ، فيعوضهم منها عن مال المقتول أضعافا مضاعفة .
{كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} . هذا رد عليهم ، ونقض لفعلهم بمنطق العقل والوجدان ، وتقريره إنكم كنتم مشركين من قبل ، ثم دخلتم في الإسلام بنفس الكلمة التي نطق بها القتيل ، وقبلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منكم ، وبها حقنت دماؤكم وأموالكم ، فكان عليكم ان تقبلوا من القتيل ما قبله النبي منكم . . وهكذا أكثر الناس ، يطلبون من غيرهم الرضا بالنصيب الأدنى ، ولا يرضون لأنفسهم إلا النصيب الأوفى .
{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بقبول الإسلام ، وجعلكم من الصحابة بمجرد كلمة الشهادة ، ولم يبحث النبي عما في قلوبكم ، فلما ذا لم تعاملوا غيركم بما عاملكم به رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) {فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهً كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . أي لا تفعلوا أي شيء بعد الآن ، حتى تكونوا على بينة مما تقدمون عليه ، ولا تأخذوا أحدا بالظن والتهمة ، فان اللَّه خبير بواقعكم ودوافعكم ، ويحاسبكم عليها بما تستحقون .
وعدّ الفقهاء هذه الآية مع آيات الأحكام (2) واستخرجوا منها حكمين شرعيين :
الأول : وجوب التثبت في كل شيء ، بخاصة في الأحكام الشرعية ، وبوجه أخص في الدماء والأموال ، حيث أوجب الفقهاء فيهما التحفظ والاحتياط ، وألحقوا بهما الفروج .
الثاني : ان كل من نطق بكلمة الإسلام ، وقال : أنا مسلم فحكمه حكم المسلمين من حيث الزواج والإرث ، وما إلى ذلك من الأحكام التي تترتب على مجرد إظهار الإسلام ، لا على نفس الإسلام حقيقة وواقعا .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 410-411 .
2. كل آية يستخرج منها حكم شرعي فهي من آيات الأحكام ، كآيات الحج والصيام ، والزواج والإرث والمأكولات المحرمة ، وقد بلغت هذه الآيات حوالي 500 آية ، وضع لها فقهاء الشيعة والسنة كتبا مستقلة ، فمن كتب السنة آيات الأحكام للجصاص ، ومن كتب الشيعة كنز العرفان في آيات الأحكام للمقداد .
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا } الضرب هو السير في الأرض والمسافرة ، وتقييده بسبيل الله يدل على أن المراد به هو الخروج للجهاد ، والتبين هو التمييز والمراد به التمييز بين المؤمن والكافر بقرينة قوله { وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً } والمراد بإلقاء السلام إلقاء التحية تحية أهل الإيمان ، وقرئ : « لمن ألقى إليكم السلم » بفتح اللام وهو الاستسلام.
والمراد بابتغاء عرض الحياة الدنيا طلب المال والغنيمة ، وقوله { فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ } جمع مغنم وهو الغنيمة أي ما عند الله من المغانم أفضل من مغنم الدنيا الذي يريدونه لكثرتها وبقائها فهي التي يجب عليكم أن تؤثروها .
قوله تعالى : { كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا } (إلخ) أي على هذا الوصف. وهو ابتغاء عرض الحياة الدنيا ـ كنتم من قبل أن تؤمنوا فمن الله عليكم بالإيمان الصارف لكم عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا إلى ما عند الله من المغانم الكثيرة فإذا كان كذلك فيجب عليكم أن تبينوا ، وفي تكرار الأمر بالتبين تأكيد في الحكم.
والآية مع اشتمالها على العظة ونوع من التوبيخ لا تصرح بكون هذا القتل الذي ظاهرها وقوعه قتل مؤمن متعمدا ، فالظاهر أنه كان قتل خطأ من بعض المؤمنين لبعض من ألقى السلم من المشركين لعدم وثوق القاتل بكونه مؤمنا حقيقة بزعم أنه إنما يظهر الإيمان خوفا على نفسه ، والآية توبخه بأن الإسلام إنما يعتبر بالظاهر ، ويحل أمر القلوب إلى اللطيف الخبير.
وعلى هذا فقوله { تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا } موضوع في الكلام على اقتضاء الحال ، أي حالكم في قتل من يظهر لكم الإيمان من غير اعتناء بأمره وتبين في شأنه حال من يريد المال والغنيمة فيقتل المؤمن المتظاهر بالإيمان بأدنى ما يعتذر به من غير أن يكون من موجه العذر ، وهذا هو الحال الذي كان عليه المؤمنون قبل إيمانهم لا يبتغون إلا الدنيا فإذا أنعم الله عليهم بالإيمان ، ومن عليهم بالإسلام كان الواجب عليهم أن يتبينوا فيما يصنعون ولا ينقادوا لأخلاق الجاهلية وما بقي فيهم من إثارتها .
_________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 37-38 .
ورد في هذه الآية أمر احترازي يدعو إلى حماية أرواح الأبرياء الذين قد يعرضون إلى الاتهام من قبل الآخرين ، إذ تقول : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ...}.
تأمر هذه الآية المسلمين أن يستقبلوا ـ بكل رحابة صدر ـ أولئك الذين يظهرون الإسلام وأن يتجنبوا إساءة الظن بإيمان أو إسلام هؤلاء ، وتؤكد الآية بعد ذلك محذرة وناهية عن أن تكون نعم الدنيا الزائلة سببا في اتهام أفراد أظهروا الإسلام ، أو قتلهم على أنّهم من الأعداء والاستيلاء على أموالهم ، إذ تقول الآية : {... تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ...} (2) . وتؤكّد على أنّ النعم الخالدة القيمة هي عند الله بقوله : {... فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ}.
وتشير الآية أيضا إلى حروب الجاهلية التي كانت تنشب بدوافع مادية مثل السلب والنهب فتقول : {... كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ...} (3) وتضيف ـ مخاطبة المسلمين ـ أنّهم في ظل الإسلام ولطف الله وكرمه وفضله قد نجوا من ذلك الوضع السيء مؤكّدة أنّ شكر هذه النعمة الكبيرة يستلزم منهم التحقق والتثبيت من الأمور ، إذ تقول الآية : {... فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً} .
_____________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 260.
2. العرض كلمة على وزن (مرض) وتعني كل شيء زائل لا دوام له ، وعلى هذا الأساس فإن «عرض الحياة الدنيا» معناه رؤوس الأموال الدنيوية التي يكون مصير جميعها إلى الزوال والفناء لا محالة.
3. وقد ورد في تفسير هذه الآية احتمال آخر ، هو أنّها تخاطب المسلمين بأنهم كان لهم نفس الحالة عند إسلامهم ، أي أنّهم أقروا بالإسلام بألسنتهم وقبل منهم إسلامهم ، وفي حين لم يكن أحد غير الله يعلم بما يخفونه في سرائرهم .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|