أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-1-2019
2693
التاريخ: 15-11-2016
734
التاريخ: 15-11-2016
970
التاريخ: 15-11-2016
812
|
[جواب الشبهة] :
قال الإِمام الأشعري : « إِنَّ لله سبحانه يدين بلا كيف ، كما قال ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) (1). و هو يريد حمل اليد على معناها الحرفي والظهور الإِفرادي ، ولكن فراراً عن التشبيه يردفه بقوله « بلا كيف ».
لا شك أَنَّ اليد أو اليدين إذا أطلقتا مفردتين ، يتبادر منهما العضو الخاص. ولكن هذا ظهوره الإِفرادي ، ولا يُتَّبع إلاّ إذا كان موافقاً لظهوره التصديقيّ. وأمَّا إذا كانا متخالفين فالمتبع هو الثاني ، فربما يكون ظاهراً في غير هذا ، و إليك البيان :
1 ـ ربما يكون ظاهراً في القوة : قال سبحانه : {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]. ولا شك أنَّه ليس المراد منه العضو الخاص ، بل المراد هو القوة ، كما يقال : « لفلان يَدٌ على كذا » ، أو يقال « مالي بكذا يد » قال الشاعر :
فَاعْمَد لِما تَعْلُو فَمَالَكَ بالذي ... لا تَسْتَطيعُ مِنَ الأُمورِ يَدانِ
وبهذا الإِعتبار شبه الدهر و الريح فجعل لهما اليد ، و يقال : « يَدُ الدَّهر »
وقال الشاعر « بيد الشمال زمامها » ، لما لهما من القوة.
2 ـ وربما يكون ظاهراً في النعمة : يقال « لفلان عندي أيادي كثيرة » أي فواضل و إِحسان ، « وله عندي يد بيضاء » أي نعمة. قال الشاعر : « فإِنَّ له عندي يَدَيّا و أنْعُماً ». فهل يصح أنْ نحمل اليد في هذين الموضعين على العضو الخاص ، و نتهم من فسّرها بالقوة في الموضع الأول ، و النعمة في الموضع الثاني ، بالتأويل و تحريف الآيات؟ كلا ، لا.
وبذلك يظهر صحة ما قلناه من أنَّ المتبع ليس هو الظهور الأفرادي بل الظهور التصديقي. ألا ترى أنَّه سبحانه ينسب الخدعة والمكر والنسيان إلى نفسه سبحانه في آيات كثيرة منها قوله : {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
والظهور الإِفرادي و المعنى الحرفي لهذه اللفظة ( المكر ) هو الخدعة ، و من المعلوم أنَّ الخدعة ، و سيلة العاجز ، تعالى عنه سبحانه. بينما الظهور التصديقي يمنع من حمله على المعنى الإِفرادي ، لأَنَّ الآية و ما يضاهيها وردت من باب المشاكلة، وهو متوفر في كلام العرب و غيرهم. فليس لنا الحمل على المعنى الحرفي بحجة أنَّه يجب حمل كلام الله على ظاهره ، وليس لنا تأُويله وتحريفه. ونحن نقول أَيضاً ، يجب علينا حَمْل كلام الله على ظاهره. لكن ما يدعونه من الظاهر ليس ظاهراً للآية وإنما هو ظاهر كلمة من الآية ، والمتبع هو ظهورها التصديقي والجمَلي ، و هو القوة في الموضع الأَول والنعمة في الموضع الثاني.
إذا وقفت على ما ذكرنا ، فيجب إِمعان النظر في قوله سبحانه : {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] فإِنَّ للمفسرين فيه آراء.
أ ـ اليد بمعنى القدرة.
ب ـ اليد بمعنى النعمة.
وأُورد عليهما أَنَّ قدرة الله واحدة فما وجه التثنية في قوله « بِيَدَيَّ »؟ كما أَنَّ نِعَمَهُ سبحانه لا تُحصى ، فلماذا ثنَّاها؟.
ج ـ اليدان بمعنى القدرة و النعمة ، و به يرتفع الإِشكال المتقدم.
أقول : لو دلت القرائن على أنَّ الآية ظاهرة فيما ذكر لوجب الأخذ به ، لما عرفت من أنَّ المتبع هو الظهور التصديقي لا الإِفرادي ، ولكن لم تتحقق القرائن عندنا.
د ـ الحمل على المعنى اللُّغوي لكنه كناية عن كونه سبحانه متولياً لخلقه لا غيره ، فإِنَّ أكثر الأعمال التي يقوم بها ذو اليدين ، فإِنما يباشرها بيديه ، فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما. حتى قيل في عمل القلب « هو مما عملت يداك ». ولو سبَّ إِنسان إنساناً آخر و جُزي بعمله ، يقال له : « هذا ما قدَّمت يداك »... و لأَجل ذلك ليس فرق بين قولك : « هذا مما عَمِلْتَه » و « هذا ما عملته يداك ». و منه قوله سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71].
والكل ظاهر في كونه سبحانه هو المتولي للخلقة ، والمبدع لا غيره.
إذا عرفت ذلك ، يتبين مرمى الآية و هو أنَّه سبحانه بصدد التنديد بالشيطان قائلا : بأَنك لماذا تركت السجود لآدم مع انّي توليت خلقه و إِيجاده ، و أنا أعلم بحاله ، والمصالح التي دعت إلى أمرك و أمر الملائكة بالسجود له. فهل استكبرت علي ، أم كنت من العالين.
والدليل على أَنَّ الخلق باليدين كناية عن توليه سبحانه لخلقه بذاته و شخصه لا عن توليه و تصديه لخلقه بالعضوين ، هو أَنَّ ملاك التنديد إعراض إبليس عن السجود لمصنوعه سبحانه من غير مَدْخَلِيَّة لخلقه بالعضو الخاص (اليد) بحيث لو خلقه بغيرها ـ و مع ذلك أعرض ابليس عن سجوده لما توجه إليه لوم.
فالملاك هو الإِعراض عن السجود لما قام به سبحانه من الخلق من دون دخالة لأداة الخلقة.
فإنْ قيل : إذا كان هو المُبدع و المُتَولي لخلق سائر الأَناسي ، فلماذا خص خلقه آدم بنفسه؟
قلنا : إِنَّ الإِضافة و التخصيص لبيان كرامته و فضيلته و شنيع فعل إبليس. و مثله قوله سبحانه : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].
فتخصيص الإِضافة لبيان تشريفه سبحانه ، كما يقول : {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
ومثل ما تقدم ، الكلام في قوله سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 10] ، فهل عندما نزلت الآية فهم منها السلف الصالح ما ينسبه إليهم ابن تيمية من أنَّ المراد هو المعنى اللغوي لكن ليست يده كيد المخلوقات و هي فوق أيدي الصحابة ، أو أنهم فهموا أنَّ المراد سلطان الله و قدرته ، بدليل ما فيها من تهديد لمن ينكث ، بأنَّ مغبَّة النكث تعود عليه.
فلو تكاثفت الجهود على تشخيص الظواهر ، سواء أكانت معان حقيقية أم مجازية ، لارتفعت جميع التوالي فلا يلزم تمثيل و لا تشبيه ، و لا تعطيل و لا تجهيل ، و لا تأويل و خروج عن الظواهر ، بل كان أخذاً بالظواهر بالمعنى المتبادر عند أهل اللغة أَجمعين.
ونحو ذلك لو تدبروا في قوله سبحانه : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] ، لأذعنوا بأنَّ المراد من إثبات بسط اليد لله سبحانه ليس هو البسط الحسي ، بل المراد بيان سعة جوده و بذله. كما يذعنون به عند الوقوف على قوله سبحانه : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].
فعندئذ نتساءل : أي فرق بين الآيتين بحيث أن المثبتين للصفات يحملون الآية الأولى على المعنى المتبادر من اليد عند الإِفراد، ثم لأجل الفرار من التجسيم يعقبونه بقولهم « بلا كيف ». وفي الوقت نفسه لا يشك هؤلاء أنفسهم في أنَّ المراد من الآية الثانية هو البذل والجود أو التقتير والبخل؟
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|